الآيات 65 - 67

﴿قُل لاَّ يَعْلَمُ مَنِ فِى السَّمَـوَتِ وَالاْرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِى الاَْخِرَةِ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مِّنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَءِذا كُنَّا تُرَباً وَءَابَآؤُنَآ أَئِنَّا لَـمُخْرَجُونَ (1) لَقَدْ وُعِدْنَا هَـذا نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَـذا إلاَّ أَسَـطِيرُ الاوَّلِينَ (67) ﴾

التفسير

لمّا كان البحث في آخر الآيات السابقة عن القيامة والبعث، فإن الآيات - محل البحث - تعالج هذه المسألة من جوانب شتى، فتجيب أولا على السؤال الذي يثيره المشركون دائماً، وهو قولهم: متى تقوم القيامة؟ و"متى هذا الوعد"؟! فتقول: (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلاّ الله وما يشعرون أيّان يبعثون)!

لا شك أن علم الغيب - ومنه تاريخ وقوع القيامة - خاص بالله، إلاّ أنّه لا منافاة في أن يجعل الله بعض ذلك العلم عند من يشاء من عباده، كما نقرأ فيالآيتين (26) و(27) من سورة الجن (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول).

وبتعبير آخر فإنّ علم الغيب بالذات، وبصورته المستقلة والمطلقة غير المحدودة، خاصّ بالله سبحانه، وكل علوم الاخرين مُسترفدة من علمه تعالى.

ولكن مسألة تاريخ وقوع القيامة مستثناة من هذا الأمر أيضاً، ولا يعلم بها أحد "إلاّ الله"(1).

ثمّ يتكلم القرآن عن عدم علم المشركين بيوم القيامة وشكهم وجهلهم، فيقول: (بل ادّارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون).

"ادّارك" في الأصل "تدارك" ومعناه التتابع أو لحوق الآخر بالأوّل، فمفهوم جملة: (بل ادّارك علمهم في الآخرة) أنّهم لم يصلوا إلى شيء بالرغم ممّا بذلوه من تفكير، وجمعوا المعلومات في هذا الشأن، لذلك فإنّ القرآن يضيف مباشرة بعد هذه الجملة (بل هم في شك منها بل هم منها عمون).

لأنّ دلائل الآخرة ظاهرة في هذه الدنيا، فعودة الأرض الميتة إلى الحياة في فصل الربيع، وإزهار الأشجار وإثمارها مع أنّها كانت في فصل الشتاء جرداء!... ومشاهدة عظمة قدرة الخالق في مجموعة الخلق والوجود، كلها دلائل على إمكان الحياة بعد الموت، إلاّ أنّهم كالعُمي الذين لا يبصرون كل شيء!

وبالطبع فإنّ هناك تفاسير أخر للجملة أعلاه، منها أنّ المراد من (ادّارك علمهم في الآخرة) أن أسباب التوصل للعلم في شأن الآخرة متوافرة ومتتابعة، إلاّ أنّهم عمي عنها.

وقال بعضهم: إنّ المراد منها أنّهم عندما تُكشف الحجب في يوم الآخرة، فإنّهم سيعرفون حقائق الآخرة بشكل كاف.

إلاّ أنّ الأنسب من بين هذه التفاسير الثلاثة هو التّفسير الأوّل حيث يناسب بقية الجمل في الآية، والبحوث الواردة في الآيات الأخر!.

وهكذا فقد ذكرت ثلاث مراحل لجهل المنكرين (للآخرة).

الأولى: أنّ إنكارهم وإشكالهم هو لأنّهم يجهلون خصوصيّات الآخرة "وحيث أنّهم لم يروها فهم يظنون الحقيقة خيالا".

الثّانية: أنّهم في شك من الآخرة أساساً، وسؤالهم عن زمان تحققها ناشيء من أنّهم في شك منها!.

الثّالثة: أن جهلهم وشكهم ليس منشؤهما أنّهم لا يملكون دليلا أو دلائل كافية على الآخرة، بل الأدلة متوفرة إلاّ أن أعينهم عميٌ عنها!.

والآية التالية: توجز منطق منكري القيامة والبعث في جملة واحدة، فتقول: (وقال الذين كفروا ءإذا كنا تراباً وآباؤنا أئنا لمخرجون)؟!

فهم مقتنعون بهذا المقدار، أنّ هذه المسألة بعيدة (أن يتحول الإنسان إلى تراب ثمّ يعود إلى الحياة)! مع أنّهم كانوا أوّل الأمر تراباً وخلقوا من التراب، فما يمنع أن يعودوا إلى التراب، ثمّ يرجعون أحياءً بعد أن كانوا تراباً!

الطريف أنّنا نواجه مثل هذا الإستبعاد في ثمانية مواضع من القرآن، فهم يشكون في مسألة القيامة في المواضع آنفة الذكر بمجرّد استبعاد عودتهم إلى الحياة من "التراب" ثانية!.

ثمّ يحكي القرآن عمّا يضيفه المشركون من قول: (لقد وعدنا هذا وآباؤنا من قبل) ولكن لم نجد أثراً لهذا الوعد ولن يوجد (إن هذا إلاّ اساطير الأولين).

فما هي سوى خرافات وخزعبلات القدماء.

فبناءً على هذا فإنّهم يبدأون من الإستبعاد ثمّ يجعلونه أساساً للإنكار المطلق... فكأنّهم كانوا ينتظرون أن تتحقق القيامة عاجلا، وحيث أنّهم لم يشهدواذلك في حياتهم فهم ينكرونه.

وعلى كل حال، فهذه التعبيرات جميعها تدل على غفلتهم وغرورهم!.

ويستفاد - ضمناً من هذا التعبير - أنّهم أرادوا أن يسخروا من كلام النّبي في شأن يوم القيامة، ويطعنوا عليه، فيقولوا: إن هذه الوعود الباطلة سبقت لأسلافنا، فلا جديد فيها يستحق بذل التفكير والمراجعة!.


1- فبناءً على هذا المعنى يكون (خلفاء الأرض) بمعنى: خلفاء في الأرض.