بدون حرف عطف

ثم أضاف هنا صفة أخرى لمن يكذب بالدين، وقد ذكرها بدون حرف عطف، ربما لكي يشير بذلك إلى أن عقوبة الويل نشأت عن أمرين كل منها صالح لأن يكون سبباً مستقلاً لاستحقاق هذه العقوبة. ولو أنه أتى بحرف العطف، لاحتمل التشريك بينهما في التأثير، بحيث يكونان معاً سبباً واحداً لذلك.

إذن، فكون المصلين يراؤون ويمنعون الماعون يجعلهم مستحقين للويل. وكون المصلين عن صلاتهم ساهون هو الآخر يجعلهم مستحقين للويل، وإن لم يكن ثمة رياء ومنع للماعون ثم إنه تعالى قد عبر هنا أيضاً بصيغة الفعل المضارع المفيد لتجدّد حدوث وصدور الفعل منهم مرّة بعد أخرى، عن إرادة وتصميم واختيار، مشيراً في نفس الوقت إلى أن هذا الفعل الذي يصدر منهم بصورة مستمرة ? كما يفيد الفعل المضارع ? وإن كان يبدو لأول وهلة أن المأتيَّ به هو فعل واحد يسمّى الصلاة، أو الصدقة، أو الصوم، أو قضاء حاجات المؤمنين، أو فعل الخيرات للناس والمجتمع، وغير ذلك.

ولكن الحقيقة هي أنه ليس كذلك، بل يصاحبه فعل آخر اسمه "الرياء"، قد أصبح هو الحقيقة الطاغية، حتى إن الفعل نفسه قد تلاشى، واضمحل، ولم يعد له ذكر أصلاً، ولذلك أهمل سبحانه الحديث عنه بالكليّة وصار الحديث عن الرياء، والرياء فقط. وذلك لأن الفعل نفسه قد فقد قيمته بسبب الرياء، وأصبح بحكم المعدوم.

وكذلك الحال بالنسبة إلى الذين يرائيهم بأفعاله، فإنه قد أهمل الإشارة إليهم أيضاً، وتمحّض الحديث عن خصوص حالة الرّياء، وصدورها منهم عن اختيار، بصورة تجدّدية ومستمرّة، مما يعني أن الرياء قد محق الفعل الذي تلبّس به، وأفقده قيمته. فما يبقى لهذا العامل هو رياؤه الذي هو دليل أنانيته، وحبّه للدنيا، وعدم انقياده لله في أوامره وزواجره، حتى لم يعد يهمه رضاه، بل يهمه رضا الناس. وبذلك يكون هذا الإنسان قد انقطع عن الآخرة هو وعمله، الذي فقد الامتداد وأصبح مقصوراً على حياته الحاضرة.