الآيات 136 - 140

﴿قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الوَاعَظِينَ(136) إِنْ هَذَآ إِلاَّ خُلُقُ ا لاَْوَّلِينَ(137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَـهُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ(139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(140)﴾

التّفسير

لا تتعب نفسك في نصحنا:

رأينا في الآيات المتقدمة أحاديث النّبي هود المحترق القلب شفقةً لقومه المعاندين "عاد" وما حملته هذه الأحاديث من معان غريزة سامية... والآن ينبغي أن نعرف جواب قومه الجارح وغير المنطقي ولا المعقول، يقول القرآن في هذا الصدد (قالوا سواء علينا أوَعظت أمْ لم تكن من الواعظين) فلن يؤثر ذلك فينا، فلا تتعب نفسك.

أمّا اعتراضك علينا بهذه الاُمور فلا محل له من الاعراب (إن هذا إلاّ خُلق الأوّلين).

وليس الأمر كما تقول، فإنّه لا شيء بعد الموت (وما نحن بمعذّبين) لا في هذا العالم، ولا في العالم الآخر.

و "الخُلقُ" - بضم الخاء واللام - معناه العادة والسلوك والأخلاق لأن هذه الكلمة جاءت بصيغة الإفراد بمعنى الطبع والسجّية والعادة الأخلاقية... وهى هنا إشارة إلى الأعمال التي كانت تصدر منهم كعبادة الأصنام، وبناء القصور العالية الجميلة، وحب الذات، والتفاخر عن طريق تشييد الأبراج على النقاط المرتفعة، وكذلك البطش عند الإِنتقام أو الجزاء... أي إن ما نقوم به من أعمال هو ما كان يقوم به السلف فلا مجال للاعتراض والانتقاد!...

وفسّر "الخلقُ" بعضهم بالكذب، أي إنّ ما تقوله في شأن الله والقيامة كلام باطل قيل من قبل (إلاّ أن هذا التّفسير إنّما يُقبل إذا قرىء النص: إن هذا إلاّ خَلْقُ الأولين. فيكون الخلق فيه على وزن (الحلق) إلاّ أن القراءة المشهورة ليست كذلك!).

ويبيّن القرآن عاقبة قوم هود الوبيلة فيقول: (فكذبوه فأهلكناهم).

وفي ختام هذه الاحداث يذكر القرآن تلكما الجملتين المعبرّتين، اللتين تكررتا في نهاية قصص نوح وإبراهيم وموسى ع... فيقول: (إن في ذلك لآية) على قدرة الله، واستقامة الأنبياء وعاقبة المستكبرين السيئة، ولكن مع ذلك (وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربّك لهو العزيز الرحيم).

فيمهلُ إمهالا كافياً، ويمنح الفرصة، ويبيّن الدلائل الواضحة للمضلينَ ليهتدوا... إلاّ أنه عند المجازاة والعقاب، وبعد إتمام الحجة يأخذ أخذاً عسيراً لا مفرّ لأحد منه أبداً...