الآيات 38 - 42
﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَـتِ يَوْم مَّعْلُوم(38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هُلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ(39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ الغـلِبِينَ (40) فَلَمَّا جآءَ السَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لاََجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الغَـلِبِينَ(41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ المُقَرَّبِينَ(42)﴾
التّفسير
اجتماع السحرة من كلّ مكان:
في هذه الآيات يُعرض مشهداً آخر من هذه القصّة المثيرة، إذ تحرك المأمورون بحسب اقتراح أصحاب فرعون إلى مدن مصر لجمع السحرة والبحث عنهم، وكان الوعد المحدد (فجمع السحرة لميقات يوم معلوم).
وبتعبير آخر: إنّهم هيأوهم من قبل لمثل هذا اليوم، كي تجتمعوا في الوعد المقرر في "ميدان العرض"...
والمراد من "اليوم المعلوم" كما يستفاد من بعض الآيات في سورة الأعراف، أنّه بعض أعياد أهل مصر، وقد اختاره موسى(ع) للمواجهة ومنازلة السحرة... وكان هدفه أن يجد الناس فرصة أوسع للإجتماع، لأنّه كان مطمئناً بأنّه سينتصر، وكان يريد أن يظهر آيات الله وضعف فرعون والملأ من حوله للجميع، وليشرق نور الإيمان في قلوب جماعة كثيرين!...
وطُلب من الناس الحضور في هذا المشهد: (وقيل للناس هل أنتم مجتمعون) وهذا التعبير يدلّ على أنّ المأمورين من قِبَلِ فرعون بذلوا قصارى جهودهم في هذا الصدد... وكانوا يعلمون أنّهم لو أجبروا الناس على الحضور لكان ردّ الفعل سلبيّاً، لأنّ الإنسان يكره الإجبار ويعرض عنه بالفطرة! لذلك قالوا: هل ترغبون في الحضور؟ وهل أنتم مجتمعون؟ ومن البديهي أن هذا الأسلوب جرّ الكثير إلى حضور ذلك المشهد.
وقيل للناس: إنّ الهدف من هذا الحضور والإجتماع هو أنّ السحرة اذا انتصروا فمعنى ذلك انتصار الالهة وينبغي علينا اتباعهم: (لعلنا نتّبع السحرة إن كانوا هم الغالبين) فلابدّ من تهييج الساحة للمساعدة في هزيمة عدو الالهة إلى الأبد.
وواضح أنّ وجود المتفرجين كلّما كان أكثر شدّ من أزر الطرف المبارز، وكان مدعاةً لأن يبذل أقصى جهده، كما أنه يزيد من معنوياته وعندما ينتصر الطرف المبارز يستطيع أن يثير الصخب والضجيج إلى درجةً يتوارى بها خصمه، كما أن وجود المتفرجين الموالين بإمكانه أن يضعف من روحيّة الطرف المواجه "الخصم" فلا يدعه ينتصر!
أجل إن اتباع فرعون بهذه الآمال كانوا يرغبون أن يحضر الناس، كما أنّ موسى(ع) كان يطلب - من الله - أن يحضر مثل هذا الجمع الحاشد الهائل! ليبيّن هدفه بأحسنِ وجه.
كل هذا من جهة، ومن جهة أُخرى كان السحرة يحلمون بالجائزة من قبل فرعون (فلما جاء السحرة قالوا لفرعون ءَإنّ لنا لأجراً إن كنّا نحن الغالبين)...
وكان فرعون قلقاً مضطرب البال، لأنّه في طريق مسدود، وكان مستعدّاً لأن يمنح السحرة أقصى الإمتيازات، لذلك فقد أجابهم بالرضا و (قال نعم وإنّكم إذاً لمن المقرّبين). اي إن فرعون قال لهم: ما الذي تريدون وتبتغون؟! المال أم الجاه، فكلاهما تحت يديّ!...
وهذا التعبير يدلُّ على أن التقرب من فرعون في ذلك المحيط كان مهمّاً إلى درجة قصوى! بحيث يذكره فرعون للسحرة ويعدّه أجراً عظيماً، وفي الحقيقة لا أجر أعظم من أن يصل الإنسان إلى مقربة من القدرة المطلوبة!...
فإذا كان الضالّون يعدّون التقرب من فرعون أعظم أجر، فإنّ عباد الله لا يرون أجراً أعظيم من التقرب الى الله تعالى حتى الجنّة بما فيها من النعيم المقيم لا تقاس بنظرة من وجهه الكريم لهم!...
ولذلك فإنّ الشهداء في سبيل الله الذين ينبغي أن ينالوا أعظم الأجر لإيثارهم الكبير، ينالون التقرب من الله بشهادة القرآن! والتعبير القرآني (عند ربّهم) شاهد بليغ على هذه الحقيقة!...
وكذلك فإنّ المؤمن السليم القلب حين يؤدي العبادة الله، يؤديها بهدف "قربة الى الله"...