الآيتان 117- 118
﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَـهاً ءَاخَرَ لاَ بُرْهَـنَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَـفِرُونَ117 وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّحِمِينَ118﴾
التّفسير
المفلحون والخائبون:
بما أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن قضيّة المعاد، وإستعرضت الصفات الإلهيّة، فانّ الآية الأُولى أعلاه تناولت التوحيد نافيةً الشرك مؤكّدة للمبدأ والمعاد.
في قوله تعالى: (ومن يدّع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنّما حسابه عند ربّه)(1).
أجل، إنّ المشركين يستندون إلى الأوهام، فلا دليل على ما يدّعون سوى أنّهم كالببغاء يقلّدون آباءهم في التمسّك بالخرافات والأساطير - التي لا أساس لها من الصحّة - ومن هنا ينكرون المعاد على الرغم من وضوح أدلّته وإشراق حقيقته، ويقبلون الشرك من غير دليل صحيح عليه.
ومن الطبيعي أن يعاقب مثل هؤلاء الذين داسوا حكم العقل بأقدامهم، واتّجهوا في دروب الكفر والشرك المظلمة بوعي منهم.
وفي النهاية تقول الآية: (إنّه لا يفلح الكافرون) ما أجمل بداية هذه السورة (قد أفلح المؤمنون)! وما أجمل نهايتها المؤكّدة لبدايتها (لا يفلح الكافرون)! هذه هي صورة جامعة لحياة المؤمنين والكافرين من البداية إلى النهاية.(2)
وختمت السورة بهذه الآية الشريفة كإستنتاج عام بأن وجّهت الكلام إلى الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (وقل ربّ اغفر وارحم وأنت خير الراحمين). (3)
والآن وقد إختارت فئة الشرك سبيلا، وجارت فئة أُخرى وظلمت، فأنت - أيّها الرّسول ومن معك تدعون الله ربّكم أن يغفر لكم ويرحمكم بلطفه الواسع الكريم.
ولا شكّ في أنّ هذا الأمر بالدعاء شامل لجميع المؤمنين، رغم كون المخاطب به هو النّبي بذاته.
وروي "إنّ أوّل سورة (قد أفلح المؤمنون) وآخرها من كنوز العرش، ومن عمل بثلاث آيات من أوّلها، واتّعظ بأربع من آخرها فقد نجا وأفلح(-)".
ويحتمل أنّه يقصد الآيات الثلاث التي تلت عبارة (قد أفلح المؤمنون) والتي تدعو إحداها إلى الخشوع في الصلاة، وتدعو الاُخرى إلى إجتناب اللغو وتدعو الثّالثة إلى الزكاة.
فإحداها تنظّم علاقة الإنسان بربّه، والاُخرى تنظّم هذه العلاقة مع الناس، والثّالثة مع النفس.
والقصد من الآيات الأربع الأخيرة، هي الآية 115 وما يليها التي تحدّثت عن غائيّة الخلق، والمعاد، والتوحيد، وأخيراً الإنقطاع إلى الله والتوجّه إليه.
ربّاه! ندعوك بحقّ المؤمنين الذين وعدتهم في هذه السورة بالفلاح.
وفي طليعتهم الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) أن تحشرنا مع هذه الفئة الصالحة وأن تكتبنا مع المفلحين.
ربّاه! مُنَّ علينا برحمتك وغفرانك إنّك أرحم الراحمين.
إلهي! اجعل خاتمة أعمالنا خيراً.
واحفظنا من كلّ خطأ وإنحراف، إنّك على كلّ شيء قدير.
نهاية سورة المؤمنون
1- إن "لو" في الآية السابقة شرطية كما قلنا سابقاً. وهناك جملة تقديريّة محذوفة فتكون "لو أنّكم كنتم تعلمون" لعلمتم أنّكم ما لبثتم إلاّ قليلا، وقال بعض المفسّرين أن "لو" تعني هنا "ليت" وبهذا تكون الجملة بهذا الشكل "ليتكم علمتم بهذا الموضوع في دنياكم".
2- لقد بحثنا في معنى (لعلّ) وبأي معنى وردت في القرآن بصورة مفصّلة في ذيل الآية (84) من سورة النساء.
3- نهج البلاغة، الكلمات القصار رقم 130.