سورة المؤمنين
مكيّة وعددُ آياتِها مائة وثماني عَشرة آية
فضيلة سورة المؤمنون
ذكرت أحاديث مروية عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) فضائل لهذه السورة.
فعن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) "من قرأ سورة المؤمنين، بشّرته الملائكة يوم القيامة بالروح والريحان وما تقرّ به عينه عند نزول ملك الموت"(1).
وروي عن الإمام الصادق (ع) "من قرأ سورة المؤمنين ختم الله له بالسعادة إذا كان يدمن قراءتها في كلّ جمعة، وكان منزله في الفردوس الأعلى مع النبيّين والمرسلين"(2).
ونؤكّد أنّ فضيلة السورة، ليست فقط في تلاوتها، وإنّما يجب أن يرافق ذلك التمعّن في معانيها والعمل بما أوجبته، لأنّ هذا الكتاب يبني الذات الإنسانية ويربّيها، فهو برنامج عملي لتكامل الإنسان.
ولو طابق المرء برنامجه العملي مع محتوى هذه السورة - حتّى إن طابق مع آياتها الأُولى التي تبيّن صفات المؤمنين - لنال النصيب الأوفر من لدن العلي القدير.
لهذا ذكر في رواية عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال حين نزلت الآيات الأُولى من هذه السورة: "لقد أنزل إليّ عشر آيات من أقامهنّ دخل الجنّة"(3).
عبارة "أقام" التي ذكرت مكان "قرء" تعبّر عن الحقيقة التي ذكرناها أعلاه، فالهدف تطبيق ما تضمنّته هذه الآيات وليس تلاوتها فقط.
مضمون سورة المؤمنين
القسم المهمّ من هذه السورة - كما يبدو من اسمها - تحدّث عن صفات المؤمنين البارزة، ثمّ تناولت السورة العقيدة والعمل بها، وهي تتمّة لتلك الصفات.
ويمكن إجمالا تقسيم مواضيع هذه السورة إلى الأقسام التالية:
القسم الأوّل: يبدأ بالآية (قد أفلح المؤمنون) وينتهي بعدد من الآيات التي تذكر صفات هي مدعاة لفلاح المؤمنين، وهذه الصفات دقيقة وشاملة تغطّي جوانب الحياة المختلفة للفرد والمجتمع.
وبما أنّ أساسها الإيمان والتوحيد، فقد أشار القسم الثّاني من هذه المواضيع إلى علائم أُخرى للمؤمنين، التوحيد وآيات عظمة الله وجلاله في عالم الوجود، فعدّدت نماذج لذلك العالم العجيب في خلق السّماء والأرض والإنسان والحيوان والنبات.
ولإتمام الجوانب العمليّة، شرح القسم الثّالث ما حدث لعدد من كبار الأنبياء، كنوح وهود وموسى وعيسى (عليهم السلام)، وبيّن شرائح من تأريخ حياتهم للعبرة والموعظة.
وفي القسم الرّابع وجّه الخطاب سبحانه وتعالى إلى المستكبرين يحذّرهم ببراهين منطقيّة تارةً، وأُخرى بتعابير دافعة عنيفة، ليعيد القلوب إلى طريق الصواب بالعودة إليه عزّوجلّ.
وبيّن القسم الخامس - في بحث مركّز - المعاد.
وتناول القسم السادس سيادة الله على عالم الوجود، وإطاعة العالم ولأوامره.
وأخيراً تناول القسم السابع حساب يوم القيامة، وجزاء الخير للمحسنين، وعقاب المذنبين.
وينهي السورة ببيان الغاية من خلق الإنسان.
فالسورة مجموعة من دروس العقيدة والعمل، وقضايا التوعية وشرح لنهج المؤمنين من البداية حتّى النهاية.
إنّ هذه السورة - كما سبق أن ذكرنا - نزلت في مكّة، إلاّ أنّ بعض المفسّرين ذكروا أنّ عدداً من آياتها نزل في المدينة، وكان الدافع لذلك وجود آية الزكاة فيها، لأنّ الزكاة شرّعت لأوّل مرّة في المدينة اثر نزول الآية (خذ من أموالهم صدقة) التوبة (103)، حيث أمر الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بجمع الزكاة من المسلمين.
إلاّ أنّه يجب الإنتباه إلى أنّ للزكاة مفهوماً واسعاً يشمل الواجب والمستحبّ، ولا يتحدّد معناه بالزكاة الواجبة فقط، لهذا نقرأ في الأحاديث أنّ الصلاة والزكاة مترادفتان(4).
وإضافة إلى ذلك فإنّ بعض المفسّرين يرون أنّ الزكاة كانت واجبة في مكّة أيضاً، غير أنّها كانت بصورة مجملة أوجبت على كلّ مسلم مساعدة المحتاجين بمقدار من ماله، ثمّ أصبحت وفق برنامج محدّد ودقيق بعد تشكيل الحكم الإسلامي في المدينة، حيث حدّد نصابها، وعيّن العاملين عليها، وبعثهم الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المناطق الإسلامية لجمع الزكاة(5).
1- شرحنا ذلك بإسهاب في آخر الآية (143) من سورة البقرة، وكذلك في تفسير الآية (41) من سورة النساء.
2- تفسير مجمع البيان، المجلّد السابع، صفحة 98.
3- روح المعاني، المجلّد الثامن عشر، صفحة 2.
4- روح المعاني، المجلّد الثامن عشر، صفحة 2.
5- جاء في حديث عن الإمام الباقر والإمام الصادق(عليهما السلام): "فرض الله الزكاة مع الصلاة".