الآيات 49 - 51

﴿قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ49 فَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـلِحَـتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ50 وَالَّذِينَ سَعَوا فِى ءَايَـتِنَا مُعَـجِزِينَ أُوْلَـئِكَ أَصْحَـبُ الْجَحِيمِ51﴾

التّفسير

الرزق الكريم:

تحدّثت الآيات السابقة عن تعجيل الكفر والعذاب الإلهي، وإنّ ذلك ليس من شأن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّما يرتبط بمشيئة الله تعالى، فأوّل آية من الآيات أعلاه تقول: (قل ياأيّها الناس إنّما أنا لكم نذير مبين).

يخاطب سبحانه وتعالى الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيأمره أن ينذر الناس بعذاب الله إن تخلّفوا عن طاعته.

وممّا لا شكّ فيه أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نذير بشير، وتأكيد الآية هنا لصفة النذير جاء لملاءمة ذلك مع المخاطبين الكفّار المعاندين الذين يستهزئون بعقاب الله.

وترسم الآيتان التاليتان صورةً للبشرى وأُخرى للإنذار، لأنّ رحمة الله واسعة، فتقدّم على عقاب الله.

تتحدّث أوّلا عن البشرى (فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم) يتطهّرون بماء المغفرة الإلهيّة أوّلا، فتطمئن ضمائرهم، ثمّ تشملهم نعم الله ورحمته.

عبارة "رزق كريم" (مع ملاحظة أنّ كلمة "كريم" تطلق على أي موجود شريف وثمين) ذات مفهوم واسع يضمّ جميع الأنعم المادية والمعنوية.

أجل، إنّ الله الكريم يمنّ على عباده المؤمنين الصالحين بأنواع من الرزق الكريم في تلك المنازل الكريمة، يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته: لا يقال الكرم إلاّ في المحاسن، كمن ينفق مالا في تجهيز جيش في سبيل الله، أو تحمّل حمالة ترقىء دماء قوم.

فعلى هذا لا يطلق الكرم على الإحسان الجزئي.

وفسّر البعض الرزق الكريم بالرزق الدائم الذي لا عيب ولا نقص فيه.

وقال آخرون: إنّه الرزق الذي يليق بالمؤمنين الصالحين، ولا يخفى أنّ المراد من ذلك شامل ويضمّ جميع هذه المعاني.

وأضافت الآية السابقة (والذين سعوا في آياتنا معاجزين اُولئك أصحاب الجحيم) أي إنّ الذين حاولوا تخريب الآيات الإلهيّة ومحوها، وكانوا يعتقدون بأنّ لهم القدرة على مغالبة إرادة الله المطلقة، فهم أصحاب الجحيم(1).

"جحيم" من مادّة "جحم" بمعنى شدّة توقّد النّار، وتقال كذلك لشدّة الغضب، فعلى هذا تطلق كلمة (الجحيم) على المكان المشتعل بالنيران، وهي هنا تشير إلى نار الآخرة.


1- مجمع البيان، في تفسير هذه الآية.