الآيات 95 - 97

﴿وَحَرَمٌ عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَـهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ95 حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَب يَنسِلُونَ96 وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَـخِصَةٌ أَبْصَـرُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَـوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَة مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَـلِمِينَ97﴾

التّفسير

الكافرون على أعتاب القيامة:

كان الكلام في آخر الآيات السابقة على المؤمنين العاملين للصالحات، وتشير الآية الأُولى من هذه الآيات إلى الأفراد في الطرف المقابل لاُولئك، وهم الذين استمرّوا في الضلال والفساد إلى آخر نفس، فتقول: (وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون)(1).

إنّ هؤلاء في الحقيقة اُناس ترفع الحجب عن أعينهم وأنظارهم بعد مشاهدة العذاب الإلهي، أو بعد فنائهم وإنتقالهم إلى عالم البرزخ، وعندها يأملون أن يرجعوا إلى الدنيا ليصلحوا أخطاءهم ويعملون الصالحات، إلاّ أنّ القرآن يقول بصراحة: إنّ رجوع هؤلاء حرام تماماً، ولم يبق طريق لجبران ما صدر منهم.

وهذا يشبه ما جاء في الآية (99) من سورة المؤمنون: (حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت كلاّ ..).

وقد ذكرت في تفسير هذه الآية توضيحات أُخرى نشير إلى بعضها في الهامش(2).

وعلى كلّ حال فإنّ هؤلاء المغفّلين في غرور وغفلة على الدوام، وتستمرّ هذه التعاسة حتّى نهاية العالم، كما يقول القرآن: (حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كلّ حدب ينسلون).

لقد بحثنا بصورة مفصّلة حول "يأجوج ومأجوج"، وإنّهما من أيّة طائفة كانا؟ وأين كانا يعيشان؟ وأخيراً ماذا يعملان، وماذا سيكونان؟ في ذيل الآية (94) وما بعدها من سورة الكهف، كما تكلّمنا على "السدّ" الذي بناه "ذو القرنين" في مضيق جبلي ليمنع نفوذهما أيضاً ..

هل المراد من فتح هاتين الطائفتين تحطيم السدّ، ونفوذهما عن هذا الطريق إلى مناطق العالم الاُخرى؟ أم المراد نفوذهما في الكرة الأرضية من كلّ حدب وصوب؟ لم تتحدّث الآية عن ذلك بصراحة، بل ذكرت إنتشارهم وتفرّقهم في الكرة الأرضية كعلامة لنهاية العالم ومقدّمة للبعث والقيامة، فتقول مباشرةً: (واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصةً أبصار الذين كفروا).

لأنّ الرعب يسيطر على وجودهم إلى حدّ أنّ عيونهم تتوقّف عن الحركة وتصبح جاحظة لدى نظرهم إلى تلك الحوادث.

في هذه الأثناء ترفع عن أبصارهم حجب الغفلة والغرور، فيرتفع صوتهم: (ياويلنا قد كنّا في غفلة من هذا).

ولمّا كانوا لا يقدرون على تغطية ذنبهم بهذا العذر ليبرّئوا أنفسهم، فإنّهم يقولون بصراحة: (بل كنّا ظالمين).

كيف يمكن عادةً مع وجود كلّ هؤلاء الأنبياء، والكتب السماوية، وكلّ هذه الحوادث المثيرة والعبر والدروس أن يكونوا في غفلة؟ إنّ ما صدر من هؤلاء تقصير وظلم لأنفسهم وللآخرين.

معنى بعض الكلمات:

"حدب" على زنة "أدب" معناه ما إرتفع من الأرض بين منخفضاتها، وقد يطلق على ما إرتفع وبرز من ظهر الإنسان أيضاً.

"ينسلون" من مادّة "نسول" (على وزن فضول)، أي الخروج بسرعة.

وما قيل في شأن يأجوج ومأجوج إنّهما يمرّان بسرعة على المرتفعات إشارة إلى نفوذهم الخارق في الكرة الأرضية.

"شاخصة" من الشخوص، وهو في الأصل الخروج من المنزل، أو الخروج من مدينة إلى أُخرى، ولمّا كانت العين عند التعجّب والدهشة كأنّها تريد الخروج من الحدقة، فقد قيل لذلك "شخوص" إنّ هذه هي حالة المذنبين العاصين في القيامة يصبحون حائرين كأنّ أعينهم تريد أن تخرج من أحداقهم.


1- آل عمران - 55، والأنعام - 164، والنحل - 92، والحجّ - 69، و...

2- بناءً على هذا التّفسير فإنّ (حرام) خبر لمبتدأ محذوف، وجملة (إنّهم لا يرجعون) دليل على ذلك، والتقدير: (حرام على أهل قرية أهلكناها أن يرجعوا إلى الدنيا أنّهم لا يرجعون).