الآيتان 85 - 86
﴿وَإِسْمَـعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّـبِرِينَ 85 وَأَدْخَلْنَـهُمْ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّـلِحِينَ86﴾
التّفسير
إسماعيل وإدريس وذو الكفل(ع):
تعقيباً على قصّة أيّوب(ع) التربوية، وصبره وثباته بوجه سيل الحوادث، تشير الآيتان - محلّ البحث - إلى صبر ثلاثة من أنبياء الله الآخرين فتقول الأُولى: (وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلّ من الصابرين) فكلّ واحد من هؤلاء صبر طوال عمره أمام الأعداء، أو أمام مشاكل الحياة المجهدة المضنية، ولم يركع أبداً في مقابل هذه الحوادث، وكان كلّ منهم مثلا أعلى في الصبر والإستقامة.
ثمّ تبيّن الآية الاُخرى موهبة إلهيّة لهؤلاء مقابل الصبر والثبات، فتقول: (وأدخلناهم في رحمتنا إنّهم من الصالحين).
ممّا يلفت النظر هنا أنّه لم يقل: وهبناهم رحمتنا، بل قال: وأدخلناهم في رحمتنا، فكأنّ كلّ أجسامهم وأرواحهم أصبحت غارقة في الرحمة الإلهيّة، بعد أن كانت غارقة في بحر المشاكل.
إدريس وذو الكفل(عليهما السلام):
"إدريس" - نبي الله العظيم - وكما تقدّم - هو جدّ والد نوح(ع) وفقاً لما رواه أغلب المفسّرين، وإسمه في التوّراة (أخنوخ) وفي العربية (إدريس) ويرى بعضهم أنّ إدريس مشتق من مادّة الدرس، لأنّه كان أوّل من كتب بالقلم، وكان ذا إحاطة بعلم الفلك والنجوم والحساب والهيأة بالإضافة إلى كونه نبيّاً .. ويقال أنّه أوّل من علّم الناس خياطة الثياب.
وأمّا "ذو الكفل"، فالمشهور أنّه كان من الأنبياء(1)، وإن كان بعضهم يعتقد أنّه كان من الصالحين.
وظاهر آيات القرآن التي ذكرته في عداد الأنبياء يؤيّد أنّه من الأنبياء، وأغلب الظنّ أنّه كان من أنبياء بني إسرائيل(2).
وهناك إحتمالات عديدة في سبب تسميته بهذا الإسم، مع ملاحظة أنّ كلمة "كفل" جاءت بمعنى النصيب، وكذلك بمعنى الكفالة والضمان والتعهّد.
فقال بعضهم: إنّ الله سبحانه لمّا غمره بنصيب وافر من ثوابه ورحمته في مقابل الأعمال والعبادات الكثيرة التي كان يؤدّيها سمّي ذا الكفل، أي صاحب الحظّ الأوفى.
وقال آخرون: إنّه لمّا تعهّد بأن يحيي الليل في العبادة ويصوم النهار، وأن لا يغضب عند الحكم، وأن يفي بوعده أبداً، لذلك سمّي بذي الكفل.
ويعتقد بعضهم - أيضاً - أنّ "ذا الكفل" لقب "إلياس"، كما أنّ إسرائيل لقب يعقوب، والمسيح لقب عيسى، وذا النون لقب يونس(3).
على نبيّنا وآله وعليهم الصلاة والسلام ..
1- نور الثقلين، ج3، ص448.
2- التّفسير الكبير للفخر الرازي، ذيل الآية مورد البحث.
3- تفسير في ظلال القرآن، الجلد5، ص556.