الآيات 77 - 82

﴿أَفَرَءَيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِئَايَـتِنَا وَقَالَ لأَُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً77 أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمنِ عَهْداً78 كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً79وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً80 وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً81 كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً82﴾

التّفسير

تفكير خرافي ومنحرف:

يعتقد بعض الناس أنّ الإِيمان والطهارة والتقوى لا تناسبهم، وأنّها السبب في أن تدبر الدنيا عنهم، أمّا إِذا خرجوا من دائرة الإِيمان والتقوى فإنّ الدنيا ستقبل عليهم، وتزيد ثروتهم وأموالهم!

إِنّ هذا النوع من التفكير، سواء كان نابعاً من البساطة واتباع الخرافات، أو أنّه غطاء وتَسَتُّر للفرار من تحمل المسؤوليات والتعهدات الإِلهية، فهو تفكير خاطىء وخطير.

لقد رأينا عبدة الأوهام هؤلاء يجعلون أحياناً من كثرة أموال وثروات الأفراد غير المؤمنين، وفقر وحرمان جماعة من المؤمنين، دليلا لإِثبات هذه الخرفة، في حين أنّه لا الأموال التي تصل إِلى الإِنسان عن طريق الظلم والكفر وترك أسس التقوى تبعث على الفخر، ولا الإِيمان والتقوى يكونان سداً ومانعاً في طريق النشاطات المشروعة والمباحة مطلقاً.

على كل حال، فقد كان في عصر النّبي - وكذلك في عصرنا - أفراد جاهلون يظنون هذه الظنون والأوهام، أو كانوا يتظاهرون بها على الأقل، فيتحدث القرآن - كمواصلة للبحث الذي بيّنه سابقاً حول مصير الكفار والظالمين - في الآيات مورد البحث عن طريقة التفكير هذه وعاقبتها، فيقول في أوّل آية من هذه الآيات: (أفرأيت الذي كذب بآياتنا وقال لأُوتين مالا وولداً)(1).

ثمّ يجيبهم القرآن الكريم: (أطلع الغيب أم اتّخذ عند الرحمن عهداً) فإنّ الذي يستطيع أن يتكهن بمثل هذا التكهن، ويقول بوجود علاقة بين الكفر والغنى وامتلاك الأموال والأولاد، مطلّع على الغيب، لأنا لا نرى أيّ علاقة بين هاتين المسألتين، أو يكون قد أخذ عهداً من الله سبحانه، وهذا الكلام أيضاً لا معنى له.

ثمّ يضيف بلهجة حادة: إِنّ الأمر ليس كذلك، ولا يمكن أن يكون الكفر أساساً لزيادة مال وولد أحد مطلقاً: (كلا سنكتب ما يقول).

أجل، فإنّ هذا الكلام الذي لا أساس له قد يكون سبباً في انحراف بعض البسطاء، وسيثبت كل ذلك في صحيفة أعمال هؤلاء (ونمد له من العذاب مداً).

هذه الجملة قد تكون إِشارة إِلى العذاب المستمر الخالد، كما يحتمل أيضاً أن تكون إِشارة إِلى العقوبات التي تحيط بهم في هذه الدنيا نتيجة للكفر وعدم الإِيمان.

ويحتمل أيضاً أنّ هذه الأموال والأولاد التي هي أساس الغرور والضلال هي بنفسها عذاب مستمر لهؤلاء!

(ونرثه ما يقول) من الأموال والاولاد (ويأتينا فرداً).

نعم، إِنّه سيترك في النهاية كل هذه الإِمكانيات والأملاك المادية ويرحل، ويحضر في محكمة العدل الإِلهية بأيد خالية، وفي الوقت الذي اسودت فيه صحيفة أعمالة من الذنوب والمعاصي، وخلت من الحسنات .. هناك، حيث يرى نتيجة أقواله الجوفاء في دار الدنيا.

وتشير الآية التالية إِلى علّة أُخرى في عبادة هؤلاء الأفراد للأصنام، فتقول: (واتّخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً) وليشفعوا لهم عند الله، ويعينوهم في حل مشاكلهم، لكن، أي ظن خاطىء وخيال ساذج هذا؟!

ليسَ الأمر كما يظن هؤلاء أبداً، فليست الأصنام سوف لا تكون لهم عزّاً وحسب، بل ستكون منبعاً لذلتهم وعذابهم، ولهذا فإنّهم سوف ينكرون عبادتهم لها في يوم القيامة: (كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً).

إِن هذه الجملة إِشارة إِلى نفس ذلك المطلب الذي نقرؤه في الآية (14) من سورة فاطر: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ... ويوم القيامة يكفرون بشرككم).

وكذلك ما نلاحظة في الآية (رقم 6) من سورة الأحقاف: (وإِذا حشر الناس كانوا لهم أعداء).

وقد احتمل بعض كبار المفسّرين أن المراد من الآية: إِنّ عبدة الأصنام عندما ترفع الحجب في القيامة، وتتضح كل الحقائق، ويرون أنفسهم قد فضحوا وخزوا، فإِنّهم ينكرون عبادة الأصنام، وسيقفون ضدها، كما نقرأ ذلك في الآية (23) من سورة الأنعام: (والله ربّنا ما كنّا مشركين).

إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب مع ظاهر الآية، لأن عبّاد الأصنام كانوا يريدون أن تكون آلهتهم ومعبوداتهم عزّاً لهم، إِلاّ أنّهم يصبحون ضدها في النهاية.

ومن الطبيعي أن تكلم المعبودات التي لها عقل وإِدراك كالملائكة والشياطين والجن واضح ومعلوم، إِلاّ أنّ الآلهة الميتة التي لا روح لها، من الممكن أن تتكلم بإذن الله وتعلن تنفرها واشمئزازها من عبدتها ومن الممكن أن يستفاد هذا التّفسير من حديث مروي عن الإِمام الصادق(ع) حيث قال في تفسير هذه الآية: "يكون هؤلاء الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ضداً يوم القيامة ويتبرؤون منهم ومن عبادتهم إِلى يوم القيامة".

والجميل في الأمر أننا نقرأ في ذيل الحديث جملة قصيرة عميقة المحتوى حول العبادة: ليس العبادة هي السجود ولا الركوع، وإِنّما هي طاعة الرجال، من أطاع مخلوقاً في معصية الخالق فقد عبده"(2).


1 ـ نقل بعض المفسّرين سبباً لنزول الآية وهو: إنّ أحد المؤمنين ـ واسمه خباب ـ كان يطلب أحد المشركين ـ واسمه العاص بن وائل، فقال المدين مستهزئاً: إِذا وجدت مالا وولداً في عالم الآخرة فسأؤدي دينك.

إِلاّ أنّ سبب النّزول هذا لا يناسب الآية التي نبحثها ظاهراً، خاصّة وأنّ الكلام عن الولد هنا، ونحن نعلم أنّ الولد في عالم الآخرة غير مطروح للبحث. إِضافة إِلى أن الآيات التالية تقول بصراحة: (سنرثه ما يقول) ويتّضح من هذا التعبير أنّ المقصود أموال الدنيا لا الأموال في الآخرة.

وعلى كل حال، فإنّ جماعة من المفسّرين اعتبروا هذه الآية ـ بناء على سبب النّزول هذا ـ إِشارة إِلى الآخرة، إلاّ أنّ الحق ما قيل.

2 ـ نور الثقلين، ج 3، ص 357.