الآيات 99 - 102
﴿وَتَرَكْنَا بَعضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ فِى بَعْض وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَجَمَعْنـهُمْ جَمْعاً99 وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذ لِّلْكَـفِرينَ عَرْضَاً100 الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَآء عَنْ ذِكْرِى وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً101 أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـفِرِينَ نَزُلا102﴾
التّفسير
عاقبة الكافرين:
لقد تناولت الآية السابقة سد يأجوج ومأجوج وانهدامه عند البعث، وهذه الآيات تستمر في قضايا القيامة، فتقول:
أوّلا: إِنّنا سنترك في ذلك اليوم - الذي ينتهي فيه العالم - بعضهم يموج ببعض: (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض).
إِنَّ استخدام كلمة "يموج" إِمّا بسبب الكثرة الكاثرة للناس في تلك الواقعة، وشبيه لهُ ما نقوله مِن أنَّ الناس في القضية الفلانية يموجون، كناية عن كثرتهم، أو بسبب الإِضطراب الخوف الذي يصيب الناس في ذلك اليوم، وكأنّما أجسادهم تهتز كأمواج الماء.
طبعاً لا يوجد تناقض بين المعنيين، ويمكن أن يشمل تعبير الآية كلا الحالتين.
بعد ذلك تضيف الآيات: (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعاً) وبلا شك فإِنَّ كافة الناس سيجمعون في تلك الساحة ولن يستثنى مِنهم أحد، وتعبير (فجمعناهم جمعاً) إِشارة إِلى هذه الحقيقة.
مِن مجموع الآيات نستفيد أنَّ ثمّة تحولان عظيمان سيحصلان عند نهاية هذا العالم وبداية العالم الجديد:
الأوّل: فناء الموجودات والناس بشكل آني.
والثّاني: إِحياء الموتى بشكل آني أيضاً.
ولا نعلم مقدار الفاصل بين الحدثين، ولكنَّ القرآن يُعبِّر عن هذين التحوّلين بعنوان (نفخ الصور)، وسنشرح ما يعينه ذلك في نهاية الآية (68) مِن سورة الزمر إِن شاء الله.
وهناك رواية ينقلها "أصبغ بن نباتة" عن الإِمام الصادق(ع)، يبيّن فيها(ع) أنَّ المقصود مِن قوله تعالى: (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) هو يوم القيامة(1).
وقد يتصّور البعض أنّ هناك تعارضاً بين الرّواية وبين ما ذكرناه أعلاه في تفسير الآية، حيث قلنا: إِنّها تعني مرحلة فناء الدنيا، كما يظهر مِن الآيات التي تسبقها والتي تليها.
لكن هذا التعارض سيزول إِذا التفتنا إِلى ملاحظة وهي أنَّهُ يتمّ استخدام يوم القيامة - في بعض الأحيان - بمعناه الواسع الذي يشتمل على المقدمات )أي مقدمات القيامة) ونحن نعرف: أنّ الفناء السريع للدنيا هو أحد المقدمات.
ثمّ تتناول الآيات تفصيل حال الكافرين، حيث توضح عاقبة أعمالهم، والصفات التي تقود إِلى هذه العاقبة، فتقول: (وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً).
إِنَّ جهنَّم ستظهر لهم، وتتضح لهم الأنواع المختلفة مِنَ عذابها، وهذا هو بحدّ ذاته عذاب أليم موجع، فكيف إِذا ولجوها!؟ مَن هُم الكافرون؟ ولماذا يُصابون بمثل هذه العاقبة؟
الآية تعرَّف هؤلاء بجملة قصيرة واحدة بقولها: (الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) وبالرغم من أنّهم يمتكون آذاناً، إلاّ أنّهم يفقدون القدرة على السماع: (وكانوا لا يستطيعون سمعاً).
فهؤلاء أسقطوا في الواقع أهم وسيلة لمعرفة الحق وإِداركه، وأهملوا والوسيلة الهامة في شقاء أو سعادة الإِنسان، يعني أنَّهم غطّوا أعينهم وأسماعهم بحجاب وستار بسبب أفكارهم الخاطئة وتعصبهم وحقدهم وصفاتهم القبيحة الأُخرى.
الطريف في الأمر أنَّ الآية تقول فيما يخص العين: إِنّها كانت مُغطاة وبعيدة عن ذكري، وهذه إِشارة إلى أنّهم لم يستطيعوا أن يشاهدوا آثار الخالق جلَّ وعلا، لأنّهم كانوا في ستار وحجاب مِن الغفلة، ولأنّهم لم يشاهدوا الحقائق فقد اختلفوا الأساطير ونسوا الله.
نعم، إِنَّ الحق الواضح، وكل شيء في هذا الوجود يتحدث مع الإِنسان، والمطلوب أن تكون للإِنسان عين تنظر وأذن تسمع!
بعبارة أُخرى: إِنَّ ذكر الله ليسَ شيئاً يُمكن رؤيته بالعين، فما يشاهد هو آثاره، إِلاَّ أنَّ آثاره هي التي تذكّر الإِنسان بخالقه.
الآية التي بعدها تشير إِلى نقطة انحراف فكرية لدى هؤلاء هي أصل انحرافاتهم الأُخرى، فتقول: (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي مِن دوني أولياء).
هل يملك هؤلاء المعبودون - كالمسيح والملائكة - شيئاً للدفاع عن الآخرين بالرغم مِن مكانتهم العالية، أو أنَّ الأمر بالعكس إِذ كل ما عندَ هؤلاء هو مِن الله، وأنّهم أنفسهم يحتاجون إِلى هدايته؟
إِنّ هذه حقيقة واضحة، ولكنَّ هؤلاء تناسوها وتورطوا في شراك الشرك.
في ختام الآية وللمزيد مِن التأكيد، تقول الآية: (إِنّا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا).
"نزل" على وزن "رُسل" بمعنى الإِقامة، وتعني أيضاً الشيء الذي يُهَيَّأ لتقديمه للضيوف، وذهب البعض إِلى أن هذه الكلمة تطلق على أوّل شيء يقدم للضيف عند وروده كالفواكه والشراب.
1 ـ يراجع نور الثقلين، ج 3، ص 311 ـ 312.