سُورَة الكَهف

مكّية وعَدَدُ آيَاتِها مائَة وعشرُ آيات

فضيلة سورة الكهف

1 - عن رسول الله(ص) قال: "ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك، حين نزلت ملأت عظمتها ما بين السماء والأرض؟ قالوا: بلى.

قال رسول الله(ص): سورة أصحاب الكهف مَن قرأها يوم الجمعة غفر الله لهُ إِلى الجمعة الأُخرى، وزيادة ثلاثة أيّام، وأعطي نوراً يبلغ السماء، ووُقِيَ فتنة الدجّال"(1).

2 - وعن رسول الله(ص) قال: "مَن حفظ عشر آيات مِن أوّل سورة الكهف، ثمّ أدرك الدجّال لم يضره.

ومَن حفظ خواتيم سورة الكهف كانت لهُ نوراً يوم القيامة"(2).

3 - وعن الإِمام أبي عبد الله الصادق(ع) قال في فضل سورة الكهف: "مَن قرأ سورة الكهف في كلِّ ليلة جمعة لم يمت إِلاَّ شهيداً، وبعثهُ الله مع الشهداء، ووقف يوم القيامة مَع الشهداء"(3).

لقد قُلنا مراراً: إِنَّ عظمة السور القرآنية وتأثيرها المعنوي، وبركاتها الأخلاقية، إِنّما يكون بسبب الإِيمان بها والعمل وفقاً لمضامينها.

وبما أنَّ قسماً مهمّاً من هذه السورة يتعرض إِلى قصّة تحرك مجموعة مِن الفتية ضدَّ طاغوت عصرهم، ودجّال زمانهم، هذا التحُّرك الذي عرَّض حياتهم ووجودهم للخطر وللموت لولا عناية الباري بهم ورعايتهُ لهم.

لذا فإِنَّ الإِلتفات إِلى هذه الحقيقة يُنير القلب بنور الإِيمان، ويحفظهُ مِن الذنوب وإِغواءات الدجالين، ويعصمه من الذوبان في المحيط الفاسد.

إِنَّ ممّا يُساعد على تكميل هذا الأثر النفوس والقلوب هو ما تُثيره السورة من أوصاف الآخرة ويوم الحساب، والمستقبل المشؤوم الذي ينتظر المستكبرين، وضرورة الإِلتفات إِلى علم الخالق المطلق وإِحاطته بكل شيء.

إِنَّ كل ذلك ممّا يحفظ الإِنسان مِن فتن الشيطان، ويجعل نور الإِيمان يشع فيه، ويغرس العصمة في قلبه، وتكون عاقبته مع الشهداء والصدقين.

محتوى سورة الكهف

تبدأ السورة بحمد الخالق جلّ وعلا، وتنتهي بالتوحيد والإِيمان والعمل الصالح.

يشير محتوى السورة - كما في أغلب السور المكّية - إِلى قضية المبدأ والمعاد والترغيب والإِنذار.

وتشير أيضاً إِلى قضية مهمّة كانَ المسلمون يحتاجونها في تلك الأيّام بشدّة، وهي عدم استسلام الأقلية - مهما كانت صغيرة - إِلى الأكثرية مهما كانت قوية في المقاييس الظاهرية، بل عليهم أن يفعلوا كما فعلت المجموعة الصغيرة القليلة مِن أصحاب الكهف، أن يبتعدوا عن المحيط الفاسد ويتحركوا ضدَّه.

فإِذا كانت لديهم القدرة على المواجهة، فعليهم خوض الجهاد والصراع، وإِن عجزوا عن المواجهة فعليهم بالهجرة.

مِن قصص هذه السورة أيضاً قصّة شخصين، أحدهما غنيٌّ مُرفه إِلاَّ أنَّهُ غير مؤمن، والآخر فقير مستضعف ولكنَّهُ مُؤمن.

وقد صَمد الفقير المستضعف المؤمن ولم يفقد شرفه عزته وإِيمانه أمام الغني، بل قامَ بنصيحته وإِرشاده، ولمّا لم ينفع معه تبرأ منه، وقد انتهت المواجهة إِلى انتصاره.

وهذه القصّة تذكرّ المسلمين وخاصّة في بداية عصر الإِسلام وتقول لهم: إِنَّ مِن سُنة الأغنياء أن يكون لهم فورة مِن حركة ونشاط مُؤقت سُرعان ما ينطفيء لتكون العاقبة للمؤمنين.

كما يُشير جانب آخر مِن هذه السورة إِلى قصة موسى والخضر(عليهما السلام) لم يستطع الصبر في مقابل أعمال كان ظاهرها يبدو مضراً، ولكنَّها في الواقع كانت مليئة بالأهداف والمصالح، إِذ تبيّنت لموسى(ع) وبعد توضيحات الخضر مصالح تلك الأعمال، فَنَدِمَ على تعجله.

وفي هذا دَرسٌ للجميع أن لا ينظروا إِلى ظاهر الحوادث والأُمور، ولِيتبصروا بما يكمن خلف هذه الظواهر مِن بواطن عميقة وذات معنى.

قسم آخر من السورة يشرح أحوال (ذي القرنين) وكيف استطاع أن يطوي العالم شرقه وغربه، ليواجه أقواماً مختلفة بآداب وسنن مُختلفة، وأخيراً استطاع بمساعدة بعض الناس أن يقف بوجه مُؤامرة (يأجوج) و(مأجوج) وأقام سداً حديدياً في طريقهم ليقطع دابرهم (تفصيل كل هذه الإِشارات المُختصرة سيأتي لاحقاً إِن شاء الله تعالى) حتى تكون دلالة هذه القصة بالنسبة للمسلمين، هو أن يهيئوا أنفسهم - بأفق أوسع - لنفوذ إِلى الشرق والغرب بعد أن يتحدوا ويتحصنوا ضدَّ أمثال يأجوج ومأجوج.

الظريف أنَّ السورة تشير إِلى ثلاث قصص (قصة أصحاب الكهف، قصة موسى والخضر، وقصة ذي القرنين) حيثُ أنَّ هذه القصص بخلاف أغلب القصص القرآنية لم تُكرَّر في مكان آخر مِن القرآن (أشارت الآية (96) مِن سورة الأنبياء إِلى يأجوج ومأجوج دون ذكر ذي القرنين).

وهذه الإِشارة تُعتبر واحدة مِن خصائص هذه السورة المباركة.

وخلاصة الكلام أن السورة تحتوي على مفاهيم تربوية مؤثرة في جميع الأحوال.


1 ـ الروم، 43.

2 ـ روح المعاني، المجلد 15، أثناء تفسير الآية.

3 ـ "قيم" مِن الناحية اللغوية "حال" وعامله "أنزل".