الآيات 41 - 44
﴿ولَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَـذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً41 قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذَاً لاَّبْتَغَوْا إِلَىْ ذِى الْعَرْشِ سَبِيلا42 سُبْحَـنَهُ وَتَعَـلَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوَّاً كَبِيراً43 تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوتُ السَّبْعُ وَالاَْرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَىْء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً44﴾
التّفسير
كيف يفرّون من الحق؟
كان الحديث في الآيات السابقة يتعلّق بقضيتي التوحيد والشرك، لذا فإنَّ هَذهِ الآيات تتابع هذا الموضوع بوضوح وَقاطعية أكبر.
ففي البداية تتحدث عن لجاجة بعض المشركين وعنادهم في قبال أدلة التوحيد فتقول: (وَلَقد صرَّفنا في هَذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إِلاَّ نفوراً).
"صرَّف" مُشتقّة مِن "تصريف" وَهي تعني التغيير والتحويل، وَكونها على وزن "تفعيل" يؤكّد معنى الكثرة.
وَلأنَّ القرآن يستخدم تعابير متنوعة وَفنوناً كلامية مُختلفة مِن أجل تنبيه المشركين، إذ يستخدم الإِستدلال العقلي المنطقي والفطري أو التهديد والترغيب، لذا فإنَّ كلمة "صرَّفنا" تناسب هذا التنوّع في هَذا المقام.
القرآن الكريم يريد أن يقول: إنّنا سلكنا مُختلف الطرق، وَفتحنا مُختلف الأبواب مِن أجل أن ننير قلوب هؤلاء العميان بضياء التوحيد، ولكن مجموعة مِن هَؤلاء وصل بهم التعصب والعناد واللجاجة إلى درجة أنَّ كل هَذِهِ الوسائل لم تؤثر في جذبهم إلى الحقيقة، بل إنّها زادت في ابتعادهم ونفورهم.
وَهُنا قد يطرح هَذا السؤال: إِذاً ما الفائدة مِن ذكر كلّ ذلك، إذا كانت النتائج معكوسة؟
إِنَّ جواب هَذا السؤال واضح، إِذ أنَّ القرآن لم ينزل لفرد أو لمجموعة خاصّة، وَلكنَّه للمجتمع كافّة، وَطبيعي أن جميع الناس ليسوا على منوال المعاندين، إذ هُناك الكثير ممن يتبع طريق الحق إذا استبانت له أدلته مِن هَذا النوع مِن الأدلّة القرآنية، بالرغم من أنّها تؤدي بمجموعة أُخرى مِن فاقدي بصيرة القلب إِلى المزيد مِن العناد.
إضافة إِلى أنَّ وجود هؤلاء المعاندين مفيد للمجموعة الأُخرى التي تقبل الحق وتَنصاع إليه، إذ يستبيّن من ينصاع للحق طريقة مِن خلال النظر إِلى سلوك المعاندين إذ أنّ تقابل الظّلمة والنّور يوضح قيمة النور أكثر (الأشياء تعرفُ بأضدادها) كما أن تعلم الأخلاق والآداب يمكن أن يتمّ - أحياناً - بتوسط عديمي الأدب والخلق.
وهَذا في الواقع درسٌ مفيد في القضايا التربوية والتبليغية، إذ يُمكن أن نستفيد مِن هَذِهِ الآية ضرورة سلوك طرق مُختلفة وَوسائل مُتعدَّدة لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة، حيث أنَّ الإِقتصار على طريق واحد يُخالف التنوع الكبير في أذواق الناس وَمؤهلاتهم، وَبالتالي يُجافي الطريق الصحيح الذي ينبغي أن يُتَّبع.
دَليل التمانع:
الآية التي بعدها تشير إِلى واحد من أدلة التوحيد والذي يعرف بين العلماء والفلاسفة بعنوان "دليل التمانع" إذ الآية تقول للنّبي(ص): قل لهم: (قل لو كانَ مَعهُ آلهة كما يقولون إِذاً لا بتغوا إِلى ذي العرش سبيلا).
وَبالرغم مِن أنَّ جملة (إِذاً لابتغوا إِلى ذي العرش سبيلا) تفيد أنّهم لابدّ أن يجدوا طريقاً يؤدي بهم إِلى صاحب العرش، وَلكن طبيعة الكلام توضح بأنَّ الهدف هو العثور على سبيل للإنتصار عليه (على ذي العرش) خاصّة وأنَّ كلمة (ذي العرش) التي استخدمت بدلا مِن "الله" تُشير إِلى هَذا الموضوع وَتؤكّده.
إذ تعني أنّهم أرادوا أن يكونوا مالكي العرش وحكومة عالم الوجود، لذلك فإنّهم سيحاولون منازلة ذي العرش.
وَمِن الطبيعي هُنا أنَّ كل صاحب قدرة يسعى لمدّ قدرته وتكميلها، لذا فإنَّ وجود عدّة آلهة يؤدي إِلى التنازع والتمانع فيما بينهم حول الحكم والسلطة في عالم الوجود. (1)
هُنا قد يقال: إن مِن الممكن تصوّر وجود عِدَّة آلهة يحكمون العالم من خلال التعاون والتنسيق فيما بينهم، لذلك فليس ثمّة مِن سبب للتنازع بينهم؟!
في الإجابة على هذا السؤال نقول: بصرف النظر عن أنَّ كل موجود يسعى نحو توسيع قدرته بشكل طبيعي، وَبصرف النظر أيضاً عن الآلهة التي يعتقد بها المشركون تحمل العديد من الصفات البشرية، والتي تعتبر أوضحها جميعاً هي الرغبة في السيطرة والحكم وتوسيع نطاق القدرة...بغض النظر عن كلِّ ذلك نقول: إِنَّ اللازمة الضرورية لِتعدُّد الوجود هي الإختلاف، وَحيثُ لا يوجد اختلاف بين وجودين اطلاقاً، فلا معنى لوجود التعدُّد!! (دَقق جيداً).
وَنظير هَذا البحث وَرد في الآية (22) من سورة الأنبياء حيث قوله تعالى (لو كاَنَ فيهما آلهة إِلاّ الله لفسدتا).
وَمَنعاً للإِلتباس ينبغي أن نقول: هناك اختلاف بين الدليلين بالرغم مِن التشابه بينهما:
الأوّل يدلّ على فساد العالم ونَظام الوجود بسبب تعدُّد الآلهة.
أمّا الثّاني فيتحدّث - بغض النظر عن النظم في عالم الوجود - عن حالة التنازع والتمانع التي سوف تقوم بين الآلهة المتعدّدة.
(سوف نبحث هَذِهِ الأُمور مُفصلا أثناء تفسير الآية (22) مِن سورة الأنبياء).
وَبما أنَّ كلام المشركين وعباراتهم توحي بأنّهم نزلوا في أدراكهم لله عزَّوجل إِلى مستوى أن يكون طرفاً للنزاع، لذا فإِنَّ الآية تقول بعد ذلك مُباشرة: (سبحانهُ وتَعالى عمّا يقولون عُلواً كبيراً).
في الواقع إِنَّ هَذا التعبير القرآني القصير، يوضح - مِن خلال أربعة تعابير - علو الكبرياء الإِلهية ونزاهتها عن مِثل هَذِهِ التخيلات، إذ تقول:
1 - استخدام كلمة (سبحانه) بمعنى التنزيه للذات الإِلهية.
2 - ثمّ تعبير (وَتعالى عمّا يقولون).
3 - ثمّ استخدام (علواً) وَهي مفعول مطلق يفيد التأكيد.
4 - أخيراً، جاءت كلمة (كبيراً) للتأكيد مجدداً على معاني التنزيه والعلو.
وَبعد ذلك فإنَّ جملة (عمّا يقولون) لها معنى واسع حيثُ أنّها تنفي كل أشكال التهم الباطلة ولوازمها.
ثمّ لأجل إثبات عظمة الخالق وَأنَّه مُنزَّه عن خيالات واعتقادات وأوهام المشركين، تتحدث الآية التالية عن تسبيح كائنات الوجود لذاته المقدسة إذ تقول: (تسبح لهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فيهُنَّ).
ثمّ تتطرق الآية إِلى أنَّ التسبيح لا يقتصر على ما هو موجود في السماوات والأرض، وإنّما ليسَ هُناك موجود إِلاّ ويسبِّح وَيحمد الله، وَلكن لا تدركون تسبيحهم: (وإن مِن شيء إِلاّ يُسَبِّح بحمده وَلكن لا تفقهون تسبيحهم).
وَمَعَ ذلك: (إنّهُ كانَ حليماً غفوراً).
أي لا يُؤاخذكم وَلا يعاقبكم بسبب كفركم وَشرككم مُباشرة، وَلكن يمهلكم بالقدر الكافي، وَيفتح لكم أبواب التوبة ويَتركها مفتوحة لإتمام الحجة.
بتعبير آخر: إنّكم تملكون القدرة على إدراك تسبيح ذرات الوجود والكائنات جميعاً لله القادر المتعال، وتَدركون وجوده عزَّوجلّ، وَلكنّكم مَع ذلك تقصّرون، والله سبحانُه وَتعالى لا يُؤاخذكم مُباشرة على هذا التقصير، وَلا يجازيكم به فوراً وَلكن يعطيكم الفرصة الكافية لمعرفة التوحيد وَترك الشرك.
تسبيح الكائنات:
تذكر الآيات القرآنية المُختلفة تسبيح وَحمد جميع موجودات عالم الوجود لله تعالى، وإِنَّ أكثر الآيات صراحة بهذا الخصوص هي الآية التي نبحثها والتي تذكر لنا - بدون استثناء - أنَّ جميع الموجودات في العالم، الأرض والسماء، النجوم والفضاء، الأناس والحيوانات وأوراق الشجر، وَحتى الذرات الصغيرة، تشترك جميعاً في هَذا التسبيح والحمد العام.
يبيّن القرآن الكريم أنَّ عالم الوجود قطعة واحدة مِن التسبيح والحمد، وأنَّ كل موجود يؤدي هَذا التسبيح وَيقوم به بشكل معين وَيثني على الباري عزَّوجلّ، وأنَّ أزير هَذا التسبيح والحمد يملأ عالم الوجود المترامي الأطراف، ولكن الجهلاء لا يستطيعون سماع هَذا الأزيز، بعكس المستبصرين المتأملين والعلماء الذين أضاءَ الله قلوبهم وأرواحهم بنور الإِيمان، فإنَّ هَؤلاء يسمعون هَذا الصوت من جميع الجهات بشكل جيِّد.
هُناك كلام كثير بين العلماء والمفسّرين والفلاسفة حول تفسير حقيقة هَذا الحمد والتسبيح، فبعضهم اعتبر الحمد والتسبيح (حالا) والبعض الآخر (قولا)، أمّا خلاصة أقوالهم فهي:
1 - البعض يعتقد أنَّ جميع ذرات الوجود في هَذا العالم لها نوع مِن الإدراك والشعور، سواء كانت هَذِهِ الموجودات عاقلة أو غير عاقلة.
وَهِي تقوم بالتسبيح والحمد في نطاق عالمها الخاص، بالرغم مِن أنّنا لا نستطيع إِدراك ذلك أو الإِحساس بهَذا الحمد والتسبيح وَسماعه.
آيات كثيرة تؤكّد هَذا المعنى مِنها الآية رَقم (74) مِن سورة البقرة واصفة الحجارة أو نوع مِنها: (وانَّ مِنها لما يهبط مِن خشية الله).
ثمّ قوله تعالى في الآية (11) مِن سورة فصِّلت: (فقالَ لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين).
2 - الكثير يعتقد أنَّ هَذا التسبيح والحمد هو على شاكلة ما نسميه بـ "لسان الحال" وَهو حقيقي غيرمجازي إِلاَّ أنّهُ بلسان الحال وَليس بالقول.
(تأمّل ذلك).
ولتوضيح ذلك تقول: قد يحدث أن نشاهد آثار عدم الإرتياح والألم، وَعدم النوم في وَجه أو عيني شخص ما وَنقول له: بالرغم مِن أنّك لم تتحدث عن شيء مِن هَذا القبيل، إِلاّ أن عينيك تقولان بأنّك لم تنم الليلة الماضية، وَوجهك يؤكّد بأنّك غير مرتاح ومتألم! وَقد يكون لسان الحال مِن الوضوح بدرجة بحيث أنَّهُ يُغطي على لسان القول لو حاول التستر عليها قولا.
وَهَذا هو المعنى الذي صرّح به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) بقوله: "ما أضمر أحد شيئاً إِلاَّ ظهر في فلتات لسانُه وصفحات وَجهه"(2).
مِن جانب آخر هل يمكن التصديق بأنَّ لوحة فنية جميلة للغاية تدل على ذوق وَمهارة رسامها، لا تمدحُه أو تثني عليه؟ وهل يمكن انكار ثناء دواوين أشعار أساطين الشعر والادب وتمجيدها لقرائحهم واذواقهم الرفيعة؟..
أو يمكن انكار أن بناءً عظيماً أو مصنعاً كبيراً أو عقولا الكترونية معقدة أو أمثالها، أنّها تمدح صانعها وَمُبتكرها بلسان حالها غير الناطق؟
لذا يجب التصديق والتسليم بأنَّ عالم الوجود العجيب ذا الأسرار المتعدِّدة والعظمة الكبيرة، والجزئيات العديدة المُحيِّرة، يقوم بتسبيح وَحمد الخالق عزَّوجلّ، وإِلاَّ فهل "التسبيح" سوى التنزيه عن جميع العيوب؟ فنظام عالم الوجود ناطق بأنَّ خالقهُ ليسَ فيه أي نقص أو عيب:
ثمّ هل "الحمد" سوى بيان الصفات الكمالية؟ فنظام الخلق والوجود كلّه يتحدث عن الصفات الكمالية للخالق وعلمه وَقدرته اللامتناهية وَحكمته الوسيعة.
خاصّة وأنَّ تقدم العلوم البشرية وكشف بعض أسرار وَخفايا هَذا العالم الواسع، توضح هَذا الحمد والتسبيح العام بصورة أجلى.
فاليوم مثلا ألّف علماء النبات المؤلفات العديدة عن أوراق الأشجار، وَخلايا هَذِهِ الأوراق، وَالطبقات السبع الداخلة في تكوينها، والجهاز التنفسي لها، وَطريقة التغذية وَسائر الأُمور الأُخرى التي تتصل بَهذا العالم.
لذلك، فإنَّ كل ورقة توحد الله ليلا وَنهاراً، وَينتشر صوت تسبيحها في البساتين والغابات، وَفوق الجبال وَفي الوديان، إِلاَّ أنَّ الجهلاء لا يفقهون ذلك، وَيعتبرونها جامدة لا تنطق.
إِنَّ هَذا المعنى للتسبيح والحمد الساري في جميع الكائنات يمكن دركه تماماً، وَليست هُناك حاجة لأن نعتقد بوجود إِدراك وَشعور لكل ذرات الوجود، لأَنَّه لا يوجد دليل قاطع على ذلك، والآيات السابقة يحتمل أن يكون مقصودها التسبيح والحمد بلسان الحال.
الجواب على سؤال:
يبقى سؤال واحد، وَهو إِذا كان الغرض مِن الحمد والتسبيح هو تعبير نظام الكون عن نزاهة وَعظمة وَقدرة الخالق عزَّوجلّ، وتبيان الصفات السلبية والثبوتية، فلماذا يقول القرآن: (لا تفقهون تسبيحهم) لأنّه إِذا كانَ البعض لا يفقه، فإنَّ العلماء يفقهون ويعلمون؟.
هُناك جوابان على هَذا السؤال هما:
الأوّل: إِنَّ الآية توجَّه خطابها إِلى الأكثرية الجاهلة مِن عموم الناس، خصوصاً إِلى المشركين، حيثُ أنَّ العلماء المؤمنين قِلَّة وَهم مستثنون مِن هَذا التعميم، وُفقاً لقاعدة ما مِن عام إِلاَّ وَفيه استثناء.
الثّاني: هو أنَّ ما نعلمهُ مِن أسرار وَخفايا العالم في مقابل ما لا نعلمُه كالقطرة في قبال البحر، وَكالذرة في قبال الجبل العظيم.
وإِذا فكرنا بشكل صحيح فلا نستطيع أن نسمّي الذي نعرفه بأنَّه (علم).
إِنّنا في الواقع لا نستطيع أن نسمع تسبيح وَحمد هَذِهِ الموجودات الكونية مهما أوتينا مِن العلم، لأنَّ ما نسمعهُ هو كلمة واحدة فقط مِن هَذا الكتاب العظيم!!
وَعَلى هذا الأساس تستطيع الآية أن تخاطب العالم بأجمعه وَتقول لهم: إنّكم لا تفقهون تسبيح وَحَمد الموجودات بلسان حالها، أمّا الشيء الذي تفقهوه فهو لا يساوي شيئاً بالنسبة إِلى ما تجهلون.
3 - بعض المفسّرين يحتمل أنَّ الحمد والتسبيح هو تركيب من لسان: "الحال" و"القول".
وبعبارة أُخرى: يعتقدون بأنَّهُ تسبيح تكويني وَتشريعي، لأنَّ أكثر البشر وَكل الملائكة يحمدون الله عَن إدراك وشعور; وكل ذرات الوجود تتحدَّث عن عظمة الخالق بلسان حالها.
وَبالرغم مِن أنّ هَذين النوعين مِن الحمد والتسبيح مُختلفين، إِلاَّ أنّهما يشتركان في المفهوم الواسع لكلمتي الحمد والتسبيح.
وَلكن التّفسير الثّاني - حسب الظاهر - أكثر قبولا للنفس مِن التّفسيرين الآخرين.
جانب من روايات العترة الطاهرة:
هناك تعابير لطيفة في هَذا المجال وَردت في أحاديث الرّسول(ص) أهل البيت(عليهم السلام)، منها:
* أحد أصحاب الإِمام الصادق(ع) يقول: سألت الإِمام عن تفسير قوله تعالى: (وإن مِن شىء إِلاَّ يسبِّح بحمده) فقال(ع): "كل شىء يسبّح بحمده وإنَّا لنرى أن ينقض الجدار وَهو تسبيحها"(3).
* وَعن الإِمام محمّد الباقر(ع) قال: "نهى رسول الله أن توسم البهائم في وجوهها، وأن تضرب وجوهها لأنّها تسبِّح بحمد ربِّها"(4).
* وَعن الإمام الصادق(ع) قوله: "ما مِن طير يُصاد في بر وَلا بحر، وَلا شيء يُصاد مِن الوحش إِلاَّ بتضييعه التسبيح"(5).
* أمّا الإمام الباقر(ع)، فعندما سمع يوماً صوت عصفور، فقال لأبي حمزة الثمالي - وَكانَ مِن خاصّة أصحابه - : "يسبحن ربّهنّ عزَّوجلّ ويسألن قوت يومهن"(6).
* وفي حديث آخر نقرأ أنّ رسول الله(ص) أتى إِلى عائشة، وقال لها: "اغسلي هَذين الثوبين" فقالت: يا رسول الله، لقد غسلتهما أمس، فقالَ(ص): "أمّا علمت أنَّ الثوب يسبّح فإذا اتسخ انقطع عن تسبيحه"(7).
* في حديث آخر عن الإمام الصادق نقرأ قوله(ع): "للدابة على صاحبها ستة حقوق: لا يحملها فوق طاقتها، وَلا يتخذ ظهرها مجلساً يتحدث عليها، وَيبدأ بعلفها إِذا نزل، وَلا يسمها في وجهها، وَلا يضربها فإنّها تسبح، ويعرض عليها الماء إِذا مرَّ بها"(8).
إِنَّ هَذِهِ المجموعة مِن الأحاديث والرّوايات والتي لبعضها معاني دَقيقة، تظهر أنَّ التسبيح العام للموجودات يشمل كل شيء بدون استثناء، وَكل هَذا يتطابق مَع ما ذكرناه في التّفسير الثّاني (أي إِن التسبيح هو تسبيح تكويني أو تسبيح بلسان الحال).
أمّا ما قرأناه في هَذهِ الأحاديث مِن أنَّ اللباس إِذا توسخَ ينقطع تسبيحهُ، فهو كناية عن أنَّ المخلوقات إِذا كانت محافظة على نظافتها الطبيعية فسوف تذكِّر الإنسان بخالقه، أمّا إِذا فقدت نظافتها الطبيعية فسوف لا تقوم بالتذكير.
1 ـ راجع المجلد الثّاني من التّفسير الأمثل ذيل الآية (248) من سورة البقرة.
2 ـ نور الثقلين، ج 3، ص 378.
3 ـ نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 26.
4 ـ نور الثقلين، المجلد الثّالث، صفحة (168).
5 ـ نور الثقلين، المجلد الثّالث، صفحة (168).
6 ـ المصدر السابق.
7 عن أبو نعيم الإصفهاني في حلية الأولياء (نقلا عن تفسير الميزان).
8 ـ المصدر السابق.