سُورَة الإِسراء

مكيّة وعَدَدُ آيَاتِها مائة وَاحدى عشرة آية

قبل الدّخول في تفسير هَذِه السورة مِن المفيد الإِنتباه إلى النقاط الآتية:

أوّلاً: أسماء السّورة ومكان النّزول:

بالرّغم من أنَّ الإِسم المشهور لهَذه السورة هو "بني إِسرائيل" إِلاّ أنَّ لها أسماء أُخرى مثل "الإِسراء" و"سبحان"(1).

ومن الواضح أنَّ ثمّة علاقة تصل بين أي اسم مِن أسماء السورة وبين محتواها ومضمونها، فهي "بني إسرائيل" لأنّ هُناك قسماً مهمّاً في بداية السورة وَنهايتها يرتبط بالحديث عن بني إِسرائيل.

وإذا قلنا أنّها سورة "الإِسراء" فإنَّ ذلك يعود إلى الآية الأُولى فيها التي تتحدث عن إِسراء (ومعراج) النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم).

وأمّا تسميتها ب- "سبحان" فإِنَّ ذلك يعود إِلى الكلمة الأُولى في السورة المباركة.

ولكن الرّوايات التي تتحدّث عن فضيلة هَذِهِ السورة، تطلق عليها "بني إسرائيل" فقط.

ولهذا السبب فإِنَّ معظم المفسّرين يقتصرون على هَذِا الإِسم، وقد اختاروه دون غيره.

وبالنسبة لمكان نزول السورة، فمن المشهور أنّ جميع آياتها مكّية، وممّا يؤيد ذلك أنَّ مضمون السورة ومفاهيمها يناسب بشكل كامل مضمون ومحتوى وسياق السور المكّية; هذا بالرغم من أنَّ المفسّرين يعتقد بأنَّ هناك مقطعاً من السورة قد نزل في المدينة، ولكن المشهور ما شاعَ بين المفسّرين من مكية تمام السورة.

ثانياً: فضيلة سورة الإِسراء:

وَردت في فضيلة سورة الإِسراء وأجرها أحاديث كثيرة عن الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وَعن الإِمام الصادق(عليه السلام).

فعن الإِمام الصادق(عليه السلام) قوله: "من قرأ سورة بني إِسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم ويكون من أصحابه".

وبالنسبة لثواب قراءة سور القرآن الكريم والرّوايات التي تتحدث عن فضائلها، ينبغي أن يلاحظ أنّ ملاك الأمر لا يتعلق بمجرّد القراءة وحسب، وإِنّما - كما قلنا مراراً - أنَّ التلاوة ينبغي أن تقترن بالتفكر في معانيها والتأمُّل في مفاهيمها، وينبغي أن يعقب ذلك جميعاً العمل بها، وتحويلها إِلى قواعد يسترشدها الإِنسان المسلم في سلوكه.

خصوصاً وإِنّنا نقرأ في واحدة من الرّوايات التي تتحدث عن فضيلة هَذِهِ السورة ما نصه: "فرق قلبه عند ذكر الوالدين".

أي أنّ هناك أثر ترتَّب على القراءة، وقد تمثل هنا بموجة مِن الأحاسيس النّبيلة والحبّ والمودّة للوالدين.

إِذا، ألفاظ القرآن تملك ولا شك قيمة واحتراماً بحدّ ذاتها، إِلاّ أنَّ هذه الألفاظ هي مقدمة للوعي الفكري الصحيح، كما أنَّ الوعي الفكري الإِيماني الصحيح هو مقدمة للعمل الصالح.

ثالثاً: خطوط عامّة في محتوى السورة:

لقد أشرنا إِلى مكّية السورة وفق القول المشهور بين المفسّرين، لذا فإِنَّ محتوى السورة يُوافق خصوصيات السور المكّية، من قبيل تركيزها على قضية التوحيد والمعاد، ومواجهة إِشكاليات الشرك والظلم والإِنحراف.

وبالامكان فرز المحاور المهمّة الآتية التي يدور حولها مضمون السورة:

أوّلاً: الإِشارة إِلى أدلة النّبوة الخاتمة وبراهينها، وفي مقدمتها معجزة القرآن وقضية المعراج.

ثانياً: ثمّة بحوث في السورة ترتبط بقضية المعاد وما يرتبط به من حديث عن صحيفة الأعمال، وقضية الثواب والعقاب المترتب على نتيجة الجزاء.

ثالثاً: تتحدَّث السورة في بدايتها ونهايتها عن قسم من تاريخ بني إِسرائيل المليء بالأحداث.

رابعاً: تتعرض السورة إلى حرية الإِختيار لدى الإِنسان وأنَّ الإِنسان غير مجبر في أعماله، وبالتالي فإِنّ على الإِنسان أن يتحمل مسؤولية تلك الحرية من خلال تحمله لمسؤولية أعماله سواء كانت حسنة أو سيئة.

خامساً: تبحث السورة قضية الحساب والكتاب في هذه الدنيا، لكي يعي الإِنسان قضية الحساب والكتاب على أعماله وأقواله في اليوم الآخر.

سادساً: تشير إلى الحقوق في المستويات المختلفة، خصوصاً فيما يتعلق بحقوق الأقرباء، وبالأخص منهم الأم والأب!!

سابعاً: تتعرض السورة إِلى حرمة "الإِسراف"، و"التبذير"، و"البخل"، و"قتل الأبناء"، و"الزنا"، و"أكل مال اليتيم"، و"البخس في المكيال"، و"التكبُّر"، و"إِراقة الدماء".

ثامناً: في السورة بحوث حول التوحيد ومعرفة اللّه تعالى.

تاسعاً: تواجه السورة مواقف العناد المكابرة إزاء الحق، وأنّ الذنوب تتحوَّل إِلى حجب تمنع الإِنسان من رؤية الحق.

عاشراً: تركز السورة على أفضلية الإِنسان على سائر الموجودات.

أحد عشر: تؤكّد السورة على تأثير القرآن الكريم في معالجة الأشكال المختلفة من الأمراض الأخلاقية والإِجتماعية.

ثاني عشر: تبحث السّورة في المعجزة القرآنية وعدم تمكن الخصوم وعجزهم عن مواجهة هذه المعجزة.

ثالث عشر: تحذّر السورة المؤمنين مِن وساوس الشيطان وإِغواءاته، وتنبههم إِلى المسالك التي ينفذ من خلالها إلى شخصية المؤمن.

رابع عشر: تتعرض السورة إِلى مجموعة مختلفة من القضايا والمفاهيم والتعاليم الأخلاقية.

خامس عشر: أخيراً تتعرض السورة إِلى مقاطع من قصص الأنبياء(عليهم السلام)ليتسنى للإِنسان استكناه الدروس والعبر من هذه القصص.

في كل الأحوال تعكس سورة الإِسراء في مضمونها ومحتواها العقائدي والأخلاقى والإِجتماعي لوحة متكاملة ومتناسقة لسمو وتكامل البشر في المجالات المختلفة.

والجميل في السورة أنّها تبدأ ب- "تسبيح اللّه" - جلَّ جلاله - وتنتهي ب- "الحمد والتكبير".

والتسبيح هو تنزيه عن كل عيب ونقص، والحمد علامة على تحقق صفات الفضيلة وتمثُّلها في ذاته العُليا المقدَّسة، بينما التكبير هو رمز الشرف والعظمة.


1 ـ وهكذا أصل تركيب جملة (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب): اللام: ..لام التعليل، "ما" في "لما تصف".. مصدرية، و"الكذب" ..مفعول لـ "تصف" ..فتكون العبارة: (لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لتوصيف ألسنتكم الكذب).