الآيات 33 - 37
﴿هَلْ يَنظُرونَ إِلآَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَـئِكَةُ أَو يَأْتِىَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ولـكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ33 فَأَصَابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهزِءُونَ34 وقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْء نَّحْنُ وَلآَ ءَابَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْء كَذْلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلَـغُ الْمُبِينُ35 وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّة رَّسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّـغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَـلَةُ فَسِيرُوا فِى الأَْرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عـقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ36 إِن تَحْرِصْ عَلَى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَيَهْدِى مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّـصِرِينَ37﴾
التّفسير
البلاغ المبين... وظيفة الأنبياء:
يعود القرآن الكريم مرّة أُخرى ليعرض لنا واقع وأفكار المشركين والمستكبرين ويقول بلهجة وعيد وتهديد: ماذا ينتظرون؟ (هل ينظرون إِلاّ أن تأتيهم الملائكة) أي ملائكة الموت فتغلق أبواب التوبة أمامهم حيث لا سبيل للرجوع بعد إِغلاق صحائف الأعمال!!
أو هل ينتظرون أن يأتي أمر اللّه بعذابهم: (أو يأتي أمر ربّك) حيث تغلق أبواب التوبة أيضاً ولا سبيل عندها للإِصلاح.
فأي فكر يسيرهم، وأي عناد ولجاجة تحكمهم؟!!
كلمة "الملائكة" وإِن كانت ترمز إِلى عنوان عام، إِلاّ أنّها في هذا الموقع يقصد منها ملائكة قبض الأرواح انسجاماً مع الآيات السابقة التي كانت تتحدث عنهم.
أمّا عبارة (يأتي أمر ربّك) فمع قبولها لاحتمالات كثيرة في تفسيرها، إِلاّ أنّ المعنى الراجح هو نزول العذاب، لورود هذا المعنى بالخصوص في آيات مختلفة من القرآن.
ومجموع الجملتين يعني تقريع المستكبرين بأنّ المواعظ الإِلهية وتذكير الأنبياء إِنْ كانت لا توقظكم من غفلتكم فإِنّ الموت والعذاب الإِلهي سيوقظكم، ولكنْ حينئذ لا ينفعكم ذلك الإِيقاظ.
ثمّ يضيف: إِنّ هؤلاء ليس أوّل مَنْ كانوا على هذه الحال والصفة وإِنّما (كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم اللّه ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
وسوف يلاقون نتيجة ما كسبت أيديهم من أعمال.
والآية تؤكد مرّة أُخرى على حقيقة عود الظلم والإِستبداد والشر على الظالم المستبد الشرير في آخر المطاف، لأنّ الفعل القبيح يترك آثاره السيئة على روح ونفسية فاعله، فيسوِّد قبله ويلوِّث روحه فيفقده الأمان والإِطمئنان.
ثمّ يذكر عاقبة أمرهم بقوله: (فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن).
"حاق بهم": بمعنى أصابهم، إِلاّ أنّ بعض المفسّرين كالقرطبي وفريد وجدي في تفسير لهذه الآية اعتبر معناها (أحاط بهم).
ويمكن الجمع بين المعنيين، فيكون المعنى: نزول العذاب عليهم، وكذلك محيطاً بهم.
وعلى أية حال، فتعبير الآية ب- (فأصابهم سيئات ما عملوا) يؤكد مرّة أُخرى على عودة الأعمال على فاعلها سواء في الدنيا أو في الآخرة، وتتجسم له بصور شتى، وتعذبه وتؤلمه وليس غير ذلك(1).
وتشير الآية التالية إِلى أحد أقوال المشركين الخاوية، فتقول: (وقال الذين أشركوا لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من دونه من شيء).
إِنّ قولهم (ولا حرّمنا) إِشارة إِلى بعض أنواع الحيوانات التي حرّم لحومها المشركون في عصر الجاهلية، والتي أنكرها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بشدة.
والخلاصة: أنّهم أرادوا الادعاء بأنّ كلَّ ما عملوه من عبادة للأصنام إِلى تحليل وتحريم الأشياء، إِنما كان وفقاً لرضا اللّه تعالى وبإِذنه!!
ولعل قولهم يكشف عن وجود عقيدة (الجبر) ضمن ما كانوا به يعتقدون، معتبرين كل ما يصدر منهم إِنْ هو إِلاّ من القضاء المحتوم عليهم (كما فهم ذلك جمع كثير من المفسّرين).
وثمّة احتمال آخر: إِنّهم لم يقولوا ذلك اعتقاداً منهم بالجبر، وإِنّما أرادوا الإِحتجاج على اللّه سبحانه، وكأنّهم يقولون: إِنْ كانت أعمالنا لا ترضي اللّه تعالى فلماذا لم يرسل إِلينا الأنبياء لينهونا عمّا نقوم به، فسكوته وعدم منعه ما كنّا نعمل دليل على رضاه.
وهذا الإِحتمال ينسجم مع ذيل الآية والآيات التالية.
ولهذا يقول تعالى مباشرة: (كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إِلاّ البلاغ المبين)... يعني.
أوّلاً: أنْ تقولوا أنَّ اللّه سكت عن أعمالنا!! فإِنّ اللّه قد بعث إِليكم الأنبياء، ودعوكم إِلى التوحيد ونفي الشرك.
ثانياً: إنّ وظيفة اللّه تعالى والنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ليسَ هي هدايتكم بالجبر، بل بإِراءتكم السبيل الحق والطريق المستقيم، وهذا ما حصل فعلا.
أمّا عبارة (كذلك فعل الذين من قبلهم) فمواساة لقلب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، بأن لا يحزن ويثبت في قبال ما يواجه من قبل المشركين، وأنّ اللّه معه وناصره.
وبعد ذكر وظيفة الأنبياء (البلاغ المبين)، تشير الآية التالية باختصار جامع إِلى دعوة الأنبياء السابقين، بقولها: (ولقد بعثنا في كل أُمّة رسولا).
"الأُمّة": من الأم بمعنى الوالدة، أو بمعنى: كل ما يتضمّن شيئاً آخر في دخله، (ومن هنا يطلق على جماعة تربطها وحدة معينة من حيث الزمان أو المكان أو الفكر أو الهدف "أُمّة".
ويتأكد هذا المعنى من خلال دراسة جميع موارد استعمال هذه الكلمة في القرآن والبالغة (64) مورداً.
ويبيّن القرآن محتوى دعوة الأنبياء(عليهم السلام)، بالقول: (أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطاغوت)(2).
فأساس دعوة جميع الأنبياء واللبنة الأُولى لتحركهم هي الدعوة إِلى التوحيد ومحاربة الطاغوت، وذلك لأنّ أُسس التوحيد إِذا لم تحكم ولم يطرد الطواغيت من بين المجتمعات البشرية فلا يمكن إجراء أيُّ برنامج إصلاحي.
"الطاغوت": (كما قلنا سابقاً) صيغة مبالغة للطغيان... أيْ التجاوز والتعدي وعبور الحد، فتطلق على كل ما يكون سبباً لتجاوز الحد المعقول، ولهذا يطلق اسم الطاغوت على الشيطان، الصنم، الحاكم المستبد، المستكبر وعلى كل مسير يؤدي إِلى غير طريق الحق.
وتستعمل الكلمة للمفرد والجمع أيضاً وإِنْ جُمعت أحياناً ب- (الطواغيت).
ونعود لنرى ما وصلت إِليه دعوة الأنبياء(عليهم السلام) إِلى التوحيد من نتائج، فالقرآن الكريم يقول: (فمنهم مَنْ هدى اللّه ومنهم مَنْ حقت عليه الضلالة).
وهنا علت أصوات من يعتقد بالجبر استناداً إِلى هذه الآية باعتبارها المؤيدة لعقيدتهم!!
ولكن قلنا مراراً إِنّ آيات الهداية والضلال إِذا جمعت وربط فيما بينها فلن يبقى هناك أيُّ إِبهام فيها، ويرتفع الإِلتباس من أنّها تشير إِلى الجبر ويتّضح تماماً أن الإِنسان مختار في تحكيم إِرادته وحريته في سلوكه أيّ طريق شاء.
فالهداية والإِضلال الالهيين إِنّما يكونا بعد توفر مقدمات الأهلية للهداية أو عدمها في أفكار وممارست الإِنسان نفسه، وهو ما تؤكّده الكثير من آيات القرآن الكريم.
فاللّه عزَّوجلّ (وفق صريح آيات القرآن) لا يهدي الظالمين والمسرفين والكاذبين ومَنْ شابههم، أما الذين يجاهدون في سبيل اللّه ويستجيبون للأنبياء(عليهم السلام) فمشمولون بألطافه عزَّ وجلّ ويهديهم إِلى صراطه المستقيم ويوفقهم إِلى السير في طريق التكامل، بينما يوكل القسم الأوّل إِلى أنفسهم حتى تصيبهم نتائج أعمالهم بضلالهم عن السبيل.
وحيث أنّ خواص الأفعال وآثارها - الحسنة منها أو القبيحة - من اللّه عزَّوجلّ، فيمكن نسبة نتائجها إِليه سبحانه، فتكون الهدايه والإِضلال الهيين.
فالسنّة الإِلهية اقتضت في البداية جعل الهداية التشريعية ببعث الأنبياء ليدعوا الناس إِلى التوحيد ورفض الطاغوت تماشياً مع الفطرة الإِنسانية، ومن ثمّ فمن يبدي اللياقة والتجاوب مع الدعوة فرداً كان أم جماعة يكون جديراً باللطف الإِلهي وتدركه الهداية التكوينية.
نعم، فها هي السنّة الإِلهية، لا كما ذهب إِليه الفخر الرازي وأمثاله من أنصار مذهب الجبر من أنّ اللّه يدعوا الناس بواسطة الأنبياء، ومن ثمّ يخلق الإِيمان والكفر جبراً في قلوب الأفراد (من دون أيّ سبب) والعجيب أنّه لإجمال للتساؤل ولا يسمح في الإستفهام عن سبب ذلك من اللّه عزَّوجلّ.
فما أوحش ما نسبوا اليه سبحانه... إنّما صورة لا تتفق مع العقل والعاطفة والمنطق؟!!
والتعبير الوارد في الآية مورد البحث يختلف في مورد الهداية والضلال، ففي مسألة الهداية، يقول: (فمنهم من هدى اللّه)، أمّا بالنسبة للقسم الثّاني، فلا يقول: إنّ اللّه أضلهم، بل إنّ الضلالة ثبتت عليهم والتصقت بهم: (ومنهم من حقّت عليه الضلالة).
وهذا الإِختلاف في التعبير يمكن أن يكون إِشارة لما في بعض الآيات الأخرى، والمنسجم مع ما ورد من روايات... وخلاصته:
إنّ القسم الأعظم من هداية الإِنسان يتعلق بالمقدمات التي خلقها اللّه تعالى لذلك، فقد أعطى تعالى: العقل، وفطرة التوحيد، وبعث الأنبياء، وإِظهار الآيات التشريعية والتكوينية، ويكفي الإِنسان أن يتخذ قراره بحرية وصولا للهدف المنشود.
أمّا في حال الضلال فالأمر كلّه يرجع إِلى الضالين أنفسهم، لأنّهم اختاروا السير خلاف الوضعين التشريعي والتكويني الذي جعلهم اللّه عليه، وجعلوا حول الفطرة حجاباً داكناً وأغفلوا قوانينها، وجعلوا الآيات التشريعية والتكوينية وراء ظهورهم، وأغلقوا أعينهم وصموا أذانهم أمام دعوة الأنبياء(عليهم السلام)، فكان أنْ آل المآل بهم إِلى وادي التيه والضلال... أوَليس كل ذلك منهم؟
والآية (79) من سورة النساء تشير إِلى المعنى المذكور بقولها: (ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيئة فمن نفسك).
وروي في أصول الكافي عن الأمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)، في إِجابته على سؤال لأحد أصحابه حول مسألة الجبر والإِختيار، أنّه قال: "أكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم قال علي بن الحسين، قال اللّه عزَّ وجلّ: يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء، وبقوتي أديت فرائضي، وبنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعاً بصيراً، ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيئة فمن نفسك، وذلك أنّي أولى بحسناتك منك، وأنت أولى بسيئاتك منّي"(3).
وفي نهاية الآية يصدر الأمر العام لأجل إِيقاظ الضالين وتقوية روحية المهتدين، بالقول: (فسيروا في الأرض فانظرواكيف كان عاقبة المكذبين).
فالآية دليل ناطق على حرية إِرادة الإِنسان، فإِنْ كانت الهداية والضلال أمرين إِجباريين، لم يكن هناك معنىً للسير في الأرض والنظر إِلى عاقبة المكذبين، فالأمر بالسير بحد ذاته تأكيد على اختيار الإِنسان في تعيين مصيره بنفسه وليس هو مجبر على ذلك.
وثمّة بحوث كثيرة وشيقة في القرآن الكريم بخصوص مسألة السير في الأرض مع التأمل في عاقبة الأُمور، وقد شرح ذلك مفصلا في تفسيرنا للآية (137) من سورة آل عمران.
الآية الأخير من الآيات مورد البحث تؤكّد التسلية لقلب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بتبيان ما وصلت إِليه حال الضّالين: (إِنّ تحرص على هداهم فإِنّ اللّه لا يهدي مَنْ يضل وما لهم من ناصرين).
"تحرص" من مادة (حرص)، وهو طلب الشيء بجديّة وسعي شديد.
بديهي، أنّ الآية لا تشمل كل المنحرفين، لأنّ الشمول يتعارض مع وظيفة النّبي (هداية وتبليغ)، وللتاريخ شواهد كثيرة على ما لهداية الناس وإِرشادهم من أثر بالغ، وكم أولئك الذين انتشلوا من وحل الضلال ليصبحوا من خلص أنصار الحق، بل ودعاته.
فعليه... تكون الجملة المتقدمة خاصة بمجموعة معينة من الضالين الذين وصل بهم العناد واللجاجة في الباطل لأقصى درجات الضلال، وأصبحوا غرقى في بحر الإِستكبار والغرور والغفلة والمعصية فأُغلقت أمامهم أبواب الهداية، فهؤلاء لا ينفع معهم محاولات النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لهديهم حتى وإِن طالت المدّة لأنّهم قد انحرفوا عن الحق بسبب أعمالهم الى درجة أنّهم باتوا غير قابلين للهداية.
ومن الطبيعي أن لا يكون لهكذا أُناس من ناصرين وأعوان، لأنّ الناصر لا يتمكن من تقديم نصرته وعونه إِلاّ في أرضية مناسبة ومساعدة.
وهذا التعبير أيضاً دليل على نفي الجبر، لأنّ الناصر إِنّما ينفع سعيه فيما لو كان هناك تحرك من داخل الإِنسان نحو الصلاح والهداية فيعينه ويأخذ بيده - فتأمل.
ولعل استعمال "ناصرين" بصيغة الجمع للإِشارة إِلى أنّ المؤمنين على العكس من الضالين، لهم أكثر من ناصر، فاللّه تعالى ناصرهم و... الأنبياء، وعباد اللّه الصالحين، وملائكة الرحمة كذلك.
ويشير القرآن الكريم إِلى هذه النصرة في الآية (51) من سورة المؤمن: (إِنّا لننصررسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).
وكذلك في الآية (30) من سورة فصلت: (إِنّ الذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون).
بحثان
1 - ما هو البلاغ المبين؟
رأينا في الآيات مورد البحث أنّ الوظيفة الرئيسية للأنبياء هي البلاغ المبين (فهل على الرسل إِلاّ البلاغ المبين).
أيْ لابدّ من الدعوة علناً، وإِذا كانت ثمّة ظروف موضوعية تستدعي من الأنبياء أن تكون دعوتهم سرية، فهذا لا يكون إِلاّ لمدّة محدودة، لإنّ الأسلوب السري في عصر دعوة الأنبياء(عليهم السلام) غير مستساغ من قبل المجتمع، فلا يكون له الأثر المطلوب والحال هذه.
فلابدّ للدعوة إِذَنْ من الإِعلان السليم القاطع المصحوب بالتخطيط والتدبير كشرط أساسي في إِنجاح الدعوة بين المجتمع.
وبمطالعة تأريخ جميع الأنبياء(عليهم السلام) نرى أنّهم كانوا يعلنون دعوتهم ببيان صريح معلن، بالرغم من قلة الناصر من قومهم بالذات.
وهذا هو خط جميع دعاة الحق (من الأنبياء وغيرهم)... فهم: لا يداهنون في دعوتهم أبداً ولا يجاملون الباطل وأهله، متحملين كل عواقب هذه الصراحة والقاطعية.
2 - لكل أُمّة رسول
عند قوله عزَّ وجلّ: (ولقد بعثنا في كل أُمة رسول) يواجهنا السؤال التالي: لو كان لكل أُمّة رسول لظهر الأنبياء في جميع مناطق العالم، ولكنّ التأريخ لا يحكي لنا ذلك، فيكف التوجيه؟!!
وتتضح الإِجابة من خلال الإِلتفات إِلى أن الهدف من بعث الأنبياء لإِيصال الدعوة الإِلهية إِلى أسماع كل الأُمم، فعلى سبيل المثال... عندما بعث النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في مكّة أو المدينة لم يكن في بقية مدن الحجاز الأُخرى نبي، ولكنّ رسل النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
كانوا يصلون إِليها وبوصولهم يصل صوت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) إِليها أسماع الجميع، بالإِضافة إِلى كتبه ورسائله العديدة التي أرسلها إِلى الدول المختلفة (إِيران، الروم، الحبشة) ليبلغهم الرسالة الإِلهية).
وها نحن اليوم كأُمّة قد سمعنا دعوة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالرغم من بعد الشقّة التاريخية بيننا وبينه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك بواسطة العلماء الرساليين الذين حملوا رسالته إِلينا عبر القرون... ولا يقصد من بعثة رسول لكل أُمّة إِلاّ هذا المعنى.
1 ـ تشاقون: من مادة الشقاق، بمعنى المخالفة والعداء، وأصلها من (شقَّ، أي قَطَّعَهُ نصفين).
2 ـ راجع تفسير نور الثقلين، ج3، ص50.
3 ـ وسائل الشيعة، ج11، ص436.