سُورَة النَّحلْ

مكيّة وعَدَدُ آيَاتِها مَائة وَثمان وَعشرون آية

محتويات السّورة

يذهب أكثر المفسّرين إِلى أنّ قسماً من آيات هذه السورة مكيّة، وقسمها الآخر آيات مدنيّة، في حين يعتبر بعضهم أنّ آياتها مكيةً على الإِطلاق.

وعند ملاحظة طبيعة السورة المكية والمدنية يتبيّن لنا أنّ الرأي الأوّل أكثر صواباً، ويعزز ذلك ما تبحثه الآية (41) (والذين هاجروا في اللّه...)، والآية (101) (ثمّ إنّ ربّك للذين هاجروا من بعدما فتنوا ثمّ جاهدوا فصبروا...) حيث أنّها تناولت بوضوح موضوع الهجرة والجهاد معاً... وكما هو بيّن فإِنّ الموضوعين يتناسبان مع الحوادث التي جرت بعد هجرة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من مكّة إلى المدينة.

وإِذا اعتبرنا الهجرة المشار إِليها في الآية (41) هي هجرة المسلمين الأُولى حين هاجر جمع منهم من مكّة إِلى الحبشة برئاسة جعفر بن أبي طالب(رضي الله عنه)، فيستبعد أن تكون الهجرة والجهاد المشار إِليهما في الآية (101) الهجرة الأُولى، ولا تنطبق الآية المباركة إِلاّ على هجرة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إِلى المدينة.

بالأِضافة إِلى أنّ الآية (126) (وإِن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به...) قد نزلت في غزوة أُحد التي وقعت بعد الهجرة الثّانية، وهذا معروف عند المفسّرين.

وقال بعض المفسّرين: إِنّ الآيات الأربعين الأوّل من السوره نزلت في مكّة وبقية الآيات نزلت في المدينة، في حين يعتبر البعض الآخر منهم جميع آياتها مكّية سوى الآيات المتعلقة بغزوة أُحد (الآيات الثلاثة الأخيرة).

فالمتيقن بخصوص السورة أنّ آياتها مكّية ومدينة، إِلاّ أنّه لا يمكن تشخيص ما هو مكي أو مدني بالدقة الكافية سوى الموارد المذكورة.

وعلى أية حال، فمن خلال ملاحظة السورة يبدو لنا أنّ بحوثها تتناول ما تتناوله الآيات المكّية تارة مثل: التوحيد، المعاد، محاربة الشرك وعبادة الأصنام، وتارةً أُخرى ما تتناوله الآيات المدينة مثل: الأحكام الإِجتماعية ومسائل الجهاد والهجرة.

ويمكننا إِجمال محتويات السورة المسبوكة بعناية وإِحكام بما يلي:

1 - ذكر النعم الإِلهية، وتفصيلها بما يثير دافع الشكر عند كل ذي حس حي، ليقترب الإِنسان من خالق هذه النعم وواهبها.

ومن النعم المذكورة في السورة: نعمة المطر، نور الشمس، أنواع النباتات والثمار، المواد الغذائية الأُخرى، الحيوانات الداجنة بما تقدمه من خدمات ومنافع للإِنسان، مستلزمات وسائل الحياة وحتى نعمة الولد والزوجة، وبعبارة شاملة (أنواع الطيبات).

ولهذا أطلق البعض عليها (سورة النعم).

وعرفت بسورة النحل لورود تلك الإِشارة القصيرة ذات المعاني الجليلة والعجيبة للنحل، ضمن ما ذكر من النعم الإِلهية الواسعة، وبخصوص اعتبار النحل مصدراً لغذاء مهم من أغذية الإِنسان، وباعتبار حياة هذه الحشرة تعبير ناطق لتوحيد اللّه.

2 - الحديث عن أدلة التوحيد، عظمة ما خلق الخالق، المعاد، إِنذار المشركين والمجرمين.

3 - تناول الأحكام الإِسلامية المختلفة، من قبيل: الأمر بالعدل والإِحسان، الهجرة والجهاد، النهي عن الفحشاء والمنكر والظلم والإِستبداد وخلف العهد،

بالإِضافة إِلى الدعوة لشكر اللّه تعالى على نعمة الجزيلة، وتأتي الإِشارة في آيات عديدة إِلى أنّ إِبراهيم(عليه السلام) رجل التوحيد لأنه كان من الشاكرين.

4 - الحديث عن بدع المشركين مع ذكر أمثلة جميلة حية.

5 - وأخيراً تحذير الإِنسانية من وساوس الشيطان.

فضيلة السّورة

روي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، في فضل سورة النحل، أنّه قال: "مَنْ قرأها لم يحاسبه اللّه تعالى بالنعم التي أنعمها عليه من دار الدنيا"(1).

فقراءة الآيات - التي تتناول جانباً كبيراً من النعم الإِلهية - بتدبر وتفكر مع وجود العزم على العمل والسير وفق الشكر للمنعم، تكون سبيلا لأنْ يستعمل الإِنسان كل نعمة بما ينبغي عليه أن يستعمل، فلا يحبس ولا يهمل، ويكون من الشاكرين... فإِنْ أصبح كذلك فهل سيتعرض لمحاسبة بعد؟


1 ـ وفي حديث عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : "إِن اللّه عزَّ وجلّ قال: قسّمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي ونصفها لعبدي" مجمع البيان، ج1، ص17، وراجع كذلك تفسير نور الثقلين، ج3، ص28 و 29.