الآيات 61 - 77

﴿فَلَمَّا جَآءَ ءَالَ لُوط الْمُرْسَلُونَ61 قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنْكَرُونَ62 قَالوا بَلْ جِئْنْكَ بِما كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ63وَأَتَيْنكَ بِالْحَقِّ وَإِنّا لَصدِقُونَ64 فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْع مِّنَ الَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبرَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُم أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ65وَقَضَيْنآ إِلَيْهِ ذلِكَ الأَْمْرَ أَنّ دَابِرَ هؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ66وَجآءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ67قالَ إِنَّ هَؤُلآَءَ ضَيْفِى فَلا تَفْضَحُونِ68 وَاتَّقَوُا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ69قَالوُا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعلَمِينَ70 قالَ هَؤُلآَءِ بَناتِى إِن كُنْتُمْ فعِلِينَ71لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِم يَعْمَهُونَ72فَأَخَذَتْهُمُ الْصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ73فَجَعَلْنا علِيَهَا سَافِلَها وَأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيل74إِنَّ فِى ذلِكَ لأََيت لِّلْمُتَوَسِّمِينَ75وَإِنَّهَا لَبِسَبِيل مُّقِيم76 إِنَّ فِى ذلِكَ لأََيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ77﴾

التّفسير

عاقبة مذنبي قوم لوط:

طالعتنا الآيات السابقة بقصة اللقاء بين ملائكة العذاب هؤلاء وبين إِبراهيم(عليه السلام)، وهذه الآيات تكمل لنا سير أحدث القصّة فتبتدأ من خروجهم من عند إِبراهيم حتى لقائهم بلوط(عليه السلام).

فنقرأ أوّلاً (فلما جاء آل لوط المرسلون).

فالتفت إِليهم لوط (قال إِنّكم قوم منكرون).

يقول المفسّرون: قال لهم ذلك لما كانوا عليه من جمال الصورة ريعان الشباب، وهو يعلم ما كان متفشياً بين قومه من الإِنحراف الجنسي... فمن جهة، هم ضيوفه ومقدمهم مبارك ولابد من إِكرامهم واحترامهم، ولكنّ المحيط الذي يعيشه لوط (عليه السلام) مريض وملوث.

ولهذا ورد تعبير "سيء بهم" في الآيات المتعرضة لقصة قوم لوط في سورة هود، أيْ إِنّ هذا الموضوع كان صعباً على نبيّ اللّه وقد اغتم لقدومهم لتوقعه يوماً عصيباً!!

ولكنّ الملائكة لم يتركوه وهذه الهواجس طويلا حتى سارعوا الى القول: (قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون)، أيْ إِنّنا جئنا بالعذاب الذي واعدتهم به كثيراً، وذلك لأنّهم لم يعتنوا ولم يصدقوا بما ذكرته لهم.

ثمّ أكّدوا له قائلين: (وأتيناك بالحق)، أي العذاب الحتمي الجزاء الحاسم لقومك الضالين.

ثمّ أضافوا لزيادة التأكيد: (وإِنّا لصادقون).

فهؤلاء القوم قد قطعوا كل جسور العودة ولم يبق في شأنهم محلا للشفاعة والمناقشة، كي لا يفكر لوط في التشفع لهم وليعلم أنّهم لا يستحقونها أبداً.

ثمّ قال الملائكة للوط: أخرج وأهلك من المدينة ليلا حين ينام القوم أو ينشغلوا بشرابهم وشهواتهم، لأجل نجاة الثلة المؤمنة من قومه (وهم أهله ما عدا زوجته).

(فأسر بأهلك بقطع من الليل) وكن خلفهم كي لا يتخلف أحد منهم ولتكون محافظاً ورقيباً لهم (واتّبع أدبارهم) وعلى أن يكون نظركم إِلى الأمام (ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون)، أي إِلى أرض الشام، أو أيِّ مكان آخر يكون فيه الناس مطهرين من هذه الآثام.

ثمّ ينتقل مجرى الحديث حين يقول تعالى: (وقضينا إِليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين)، أي سوف لا يبقى منهم أحد عند الصباح.

ومن الملفت للنظر، أن القرآن قد ترك القصّة عند هذا الحد وعاد إِلى بدايتها ليعرض ما ترك القول فيه - لسبب سنشير إِليه فيما بعد - فيقول: (وجاء أهل المدينة يستبشرون) أي إنّهم قد ظنوا بحصول لقمة جديدة سائغة عن طريق ضيوف لوط!!

إِنّ تعبير (أهل المدينة) ليوحي إِلى أن الذين تحركوا صوب منزل لوط(عليه السلام)كانوا جمعاً كبيراً، وهو ما يوضح بجلاء تلك الوقاحة والقبح والجسارة التي كانوا عليها، وخصوصاً قوله (يستبشرون) التي تحكي عمق تلوثهم بذلك الدرك السافل، مع أنّ مثل هذا الفعل القبيح ربّما لا يشاهد حتى بين الحيوانات، وإِذا ما ابتلي به إِنسان (والعياذ باللّه) فإِنّه سوف يحاول كتمه وإِخفاءه، حيث أن الإِتيان به مدعاة للتحقير والإِزدراء من قبل الآخرين... أمّا قوم لوط، فكانوا مستبشرين بذلك الصيد الجديد وكل يهنيء الآخر على ما سيصيبه من نصيب!!!!

وحينما سمع لوط أصواتهم وضجيجهم أغتم غمّاً شديداً لأجل ضيوفه، لأنّه ما كان يدري أنّهم ملائكة العذاب الى ذلك الوقت ولهذا (قال إِنّ هؤلاء ضيفي فلا تفضحون).

أي... إِن كنتم لا تؤمنون باللّه ولا تصدقون بالنّبي ولا تعتقدون بثواب وعقاب، فراعوا حق الضيافة التي هي من السنن المتعارف عليها عند كل المجتمعات سواء كانت مؤمنة أم كافرة، أيِّ بشر أنتم؟ لا تفهمون أبسط المسائل الإِنسانية، فإِنْ لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم!!

ثمّ أضاف قائلا: (واتقوا اللّه ولا تخزون)(1) أمام ضيفي.

ولكنّهم من الوقاحة والإِصرار على الإِنحراف بحيث صاروا لا يشعرون بالخجل من أنفسهم، بل راحوا يحاججون لوطاً ويحاسبونه، وكأنّه ارتكب جرماً في استضافته لهؤلاء القوم (قالوا أوَ لم ننهك عن العالمين)، باستضافتهم!! فلماذا خالفت أمرنا؟!!

وكان قوم لوط من البخل بحيث أنّهم لا يحبون الضيافة، وكانت مدينتهم على طريق القوافل، ويبررون فعلهم القبيح ببعض الواردين لأجل أن لاينزل عندهم أحد من القوافل المارة، وتعارفوا على ذلك حتى أصبح عندهم عادة.

وكما يبدو أنّ لوطاً كان حينما يسمع بأحد الغرباء يدخل المدينة يسرع لاستضافته خوفاً عليه من عمل قومه الخبيث، ولما علم أهل المدينة بذلك جاؤوا إِليه غاضبين ونهوه عن أن يستضيف أحداً مستقبلا.

عليه، فكلمة "العالمين" في الآية أعلاه - ما يبدو - إِشارة إِلى عابري السبيل، ومن هم ليسوا من أهل تلك المدينة.

وعندما رآهم لوط على تلك الحال من الوقاحة والجسارة، أتاهم من طريق آخر لعلهم يستفيقون من غفلتهم وسكر انحرافهم، فقال لهم: إِن كنتم تريدون إِشباع غرائزكم فلماذا تسلكون سبيل الإِنحراف ولا تسلكون الطريق الصحيح (الزواج) (قال هؤلاء بناتي إِن كنتم فاعلين).

ممّا لا شك فيه أنّ بنات لوط لا يكفين لذلك العدد الهائل من المتحجرين حول داره، ولكن لوطاً الذي كان يهدف إِلى إِلقاء الحجّة عليهم أراد أن يقول لهم: انني مستعد الى هذه الدرجة للتضحية من أجل الضيف، وكذلك لأجل إِنقاذكم من الفساد ونجاتهم من الإِنحراف.

وذهب البعض إِلى أنّ المقصود من (هؤلاء بناتي) كل بنات المدينة، باعتباره أباً روحياً للجميع.

(إِلاّ أنّ التّفسير الأوّل أقرب إلى معنى الآية).

وليس نجافِ أنّ لوطاً ما كان ليزوج بناته من أُولئك المشركين الضالين، ولكنّه أراد أن يقول لهم: تعالوا آمنوا لأزوجكم بناتي.

لكنّ الويل، كل الويل من سكرات الشهوة، الإِنحراف الغرور والعناد... التي مسحت عنهم كل قيم الأخلاق الإِنسانية وأفرغتهم من العواطف البشرية، والتي بها يحسون بالخجل والحياء أمام منطق لوط (عليه السلام)، أو أن يتركوا بيت لوط وينسحبوا عن موقفهم، ولكنّ أنّى لهم ذلك، والأكثرية بسبب عدم تأثرهم بحديث لوط استمروا في غيهم وأرادوا أن يمدوا أيديهم إِلى الضيوف.

وهنا يخاطب اللّه تعالى نبيّه قائلا: (لعمرك إنّهم في سكرتهم يعمهون).

وقرأنا في سورة هود - فيما يتعلق بهذه القصّة - أنّ ملائكة العذاب قد كشفوا عن أمرهم وقالوا للوط: لا تخف إنّهم لن يصلوا إِليك.

وفي الآية السابعة والثلاثين من سورة القمر نقرأ (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم).

وفي بعض الرّوايات: إِنّ أحد هؤلاء الضيوف أخذ قبضة من تراب فرماها في وجوه القوم فأصبحوا لا يبصرون جميعاً.

وبعد ذلك يبلغ كلام اللّه تعالى عن هؤلاء القوم الذروة حينما يبيّن عاقبتهم السيئة في آيتين قصيرتين وبشكل حدّي مليء بالدروس والعبر بقوله: (فأخذتهم الصيحة مشرقين) أىْ صوت شديد عند شروق الشمس.

ويمكن حمل "الصيحة" على أنّها صاعقة عظيمة أو صوت زلزلة رهيب، والمهم أنّه كان صوتاً مرعباً أسقط الجميع مغمياً عليهم أو ميتين.

والمعلوم أنّ الأمواج الصوتية إِذا ما تعدت حدّاً معيناً فستكون مرعبة مخيفة تهز فرائض الإِنسان، وإِذا ما ازدادت شدتها فستبهت الإِنسان وتشلّه عن الحركة وربّما تودي بحياته، بل ومن الممكن لها أن تهدم الأبنية، وهذا ما تفعله المتفجرات.

ولم يكتف بذلك بل شمل العذاب المدينة أيضاً (فجعلنا عاليها سافلها).

وزيد في التنكيل بهم (وأمطرنا عليهم حجازة من سجيل).

إِنّ سقوط الحجارة على رؤوسهم ربّما كان يستهدف مَنْ لم يمت من الصيحة المرعبة ولم يصبح تحت الأنقاض، وربّما لأجل محو أجسادهم وجثثهم من على الأرض كي لا يبقى أثر لهؤلاء القوم المجرمين، حتى أنّ المار على تلك الديار بعد نزول الأحجار لا يصدق بسهولة أنّها كانت مدينة معمورة!!

ثمّ إِنّ نزول هذا العذاب ذو المراحل الثلاث (الصيحة الرهيبه، قلب المدينة، المطر الحجري) - رغم أن كل واحدة منهن كانت تكفي لقطع دابر القوم - كان لمضاعفة عذابهم لشدّة فسادهم وجسارتهم وإِصرارهم على إِدامة التلوّث بتلك القبائح الشنيعة، وكي يكون عبرة لمن يعتبر.

وهنا يخلص القرآن الكريم إِلى النتائج الأخلاقية والتربية فيقول: (إِنّ في ذلك لآيات للمتوسمين)(2) العقلاء الذين يفهمون الأحداث بفراستهم وذكائهم ونظرهم الثاقب ويحملون من كل إِشارة حقيقة ومن كل تنبيه درساً.

ولا تتصوروا أن آثارهم ذهبت تماماً، بل هي باقية على طريق القوافل والمارة (وأنّها لبسبيل مقيم).

وإِن لم تصدقوا فاذهبوا لرؤية آثار المدن المعذبة الواقعة على طريق المسافرين إِلى الشام (من المدينة) فانظروا وفكروا واعتبروا، وعودوا إِلى اللّه، واسلكوا طريق التوبة، وطهّروا نفوسكم من الآثام والذنوب.

ثمّ تدعو الآية المؤمنين إِلى التفكر ملياً في هذه القصة واستخلاص العبر منها: (إِنّ في ذلك لآية للمؤمنين).

فكيف يمكن للمؤمن أن لا يعتبر ولا يهتز عندما يطالع خبر هذه الواقعة؟!!

بحثنا بشيء من التفصيل في الآيات المتعلقة بقوم لوط في سورة هود من هذا التفسير، فبحثنا في معنى "سجيل"، ولماذا أُمطر على هؤلاء القوم المنحرفين بالحجارة، ولماذا قلبت مدينتهم، ولماذا كان العذاب صباحاً، ولماذا أُمر لوط وأهله أنْ لا يلتفتوا إِلى الوراء، وكذلك بحثنا مسألة تحريم الشذوذ الجنسي في الأديان السماوية وفلسفة التحريم، بالإِضافة إِلى بحث في أخلاق قوم لوط... وسنبحث هنا بعض ما تبقى من الإِشارات المتعلقة بهذه القصّة.

بحوث

1 - ما المقصود بـ (قطع من الليل)؟

"القطع" بمعنى سواد الليل.

يقول المرحوم الطبرسي في (مجمع البيان): القطع كأنّه جمع قطعة، ومعناه: سر بأهلك بعدما يمضي أكثر الليل وتبقى قطعة منه.

ولكنّ الراغب الأصفهاني في مفرداته يعتبر كلمة "قطع" بمعنى قطعة على صيغة المفرد، مع أن كثيراً من المفسّرين فسّروها بأواخر الليل وعند السحر، ولعل تفسيرهم يعود إِلى الآيات الأُخرى التي تحدد هذا الوقت في قصّة آل لوط(نجيناهم بسحر)(3).

أيْ إنّهم خرجوا عندما كان عبّاد الشهوة غارقين في نوم غفلتهم وقد أفسد وجودهم سكر الشراب والغرور والشهوات، فكانت المدينة مهيئة لآل لوط في الخروج بسلام.

ثمّ إِنّ نزول العقاب كان في الصباح عند شروق الشمس، ولعل انتخاب هذا الوقت كان لإِعطاء المهلة لقوم لوط بعد أن فقدوا أبصارهم، عسى أن يتفكروا في أمرهم فيعيدوا النظر في شركهم وعصيانهم، فكانت تلك الليلة آخر فرصة لهم.

ويستفاد من بعض الرّوايات... أنّ بعضاً منهم عندما كانوا في طريق عودتهم إِلى دورهم أقسموا أن لا يدعوا أحداً من آل لوط حياً عند الصباح، ولهذا نزل عليهم العذاب الإِلهية في ذلك الوقت(4).

2 - تفسير قوله تعالى: (وامضوا حيث تؤمرون).

ذكرنا أنّ الملائكة أوصت آل لوط بالخروج آخر الليل إِلى المكان الذي عين لهم، إِلاّ أن الآيات القرآنية لم تدخل في تفاصيل ذلك السفر ولم تعين المنطقة التي سيذهبون إِليها، لذلك عرض المفسّرون جملة آراء بهذا الخصوص.

فمنهم مَنْ قال: أُمروا بالسير نحو الشام لأنّ محيطها أكثر طهارة.

وقال بعض آخر: إِنّ الملائكة عينت لهم قرية وطلبت منهم الذهاب إِليها.

واكتفى تفسير الميزان بعبارة: كان لديهم نوع من الهدية الإِلهية والدلالة العلمية في سلوك طريقهم.

3 - علاقة الرّبط بين "المتوسم" و"المؤمن".

لاحظنا تعبير (إِنّ في ذلك لآيات للمتوسمين) و(إِنّ في ذلك لآية للمؤمنين)في الآيات الحاكية عن قصّة قوم لوط، والجمع بين التعبيرين يعطينا: أنّ المؤمن الحقيقي هو المتوسم الذكي ذو الفراسة والنباهة.

وفي رواية عن الإُمام الباقر(عليه السلام) عندما سئل عن تفسير قوله تعالى: (إِنّ في ذلك لآيات للمتوسمين) قال: هم الأُمّة، ثمّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: "اتقوا فراسة المؤمن، فإنّه ينظر بنور اللّه عزَّ وجلّ"(5).

وفي رواية أُخرى عن الإِمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "هم الأئمّة"(6).

وروي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال: "كان رسول اللّه المتوسم، وأنا من بعده، والأئمّة من ذريتي المتوسمون"(7).

4 - سكر الشّهوة والغرور!!

إِن سكر الخمر معروف، وثمة سكر أشد منه آثاراً كسكر المنصب وسكر الشهوة، وقرأنا في الآيات السابقة كيف أن اللّه يقسم بروح نبيّه (لعمرك إنّه لفي سكرتهم يعمهون)، ولهذا فإنّهم لا يبصرون أوضح طرق النجاة، وبلغ بهم الحال أنْ يردوا ما عرض عليهم نبيّهم(عليهم السلام) أن يشبعوا شهواتهم بالطريق الصحيح المشروع ليتخلصوا من الذنوب والتلوثات وقبائح الأفعال!!

والذي نستفيده من موقف لوط (عليه السلام) هو أنّ مكافحة الفساد لا يتم بالنهي عنه فقط، بل لابدّ من تهيئة وتعبيد الطريق المعبدة البديلة، لينتقل الضال أو المضلل به من جادة الفساد إِلى جادة الصلاح، فلابد من تهيئة الأوضاع والأجواء السليمة للناس مع وجود البرامج المؤثرة الهادفة.

ومن غريب ما نطالعه في بعض الرّوايات... أنّ لوطاً (هذا النّبي الجليل) قد قضى بين قومه ثلاثين عاماً وهو يدعوهم إِلى الهدى ويحذرهم من مغبة الإِنغماس في متاهات الضلال، ومع ذلك لم يؤمن به إِلاّ أهل بيته (ما عدا زوجته)(8).

ما أعظم ثباته(عليه السلام)!! مع منحرفين لدرجة لا يطيق أيُّ إِنسان العيش معهم حتى ولو لساعة واحدة!! بل وما أصعب العيش مع تلك الزوجة!!

ونقرأ في الآيتين الخامسة والثلاثين والسادسة والثلاثين من سورة الذاريات: (فأخرجنا مَنْ كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين)؟

فيتّضح لنا... أنّ العقاب الإِلهي لا يكون عشوائياً، بل لا يشمل إِلاّ المستحقين له ولو كان هناك مؤمن واحد عامل بواجباته لا نقذه اللّه تعالى من بينهم.


1 ـ الداروينية، تأليف محمود بهزاد، الصفحة 75 و 76.

2 ـ وهناك احتمال آخر وهو: أن اصطفاء آدم من بين أولاده بعد أن مرّت عليهم مدّة ليست بالطويلة فتشكل من بينهم مجتمع صغير.

3 ـ سورة الحج، 5.

4 ـ الغل: في الأصل بمعنى النفوذ الخفي للشيء، ولهذا يطلق على الحسد والحقد والعداوة التي تنفذ بخفاء في نفس الإِنسان، فالغل مفهوم واسع يشمل الكثير من الصفات الأخلاقية القبيحة.

5 ـ السّرر: جمع سرير، وهي المقاعد التي يجلسون عليها في جلسات سمرهم. (علماً بأن كلا من سرر وسرير من مادة واحدة).

6 ـ التّفسير الكبير للفخر الرازي، ج19، ص193.

7 ـ إِنّ الآيات مورد البحث لم تذكر هذا التفصيل في تهيئة الطعام وعدم مد أيديهم إِليه، إِلاّ أنَّ ذلك ورد في الآية (69) و(70) من سورة هود فليراجع.

8 ـ يذكر بعض المفسّرين أن عمر إِبراهيم عليه السلام عند ولادة ابنه إِسماعيل كان (99) عاماً، وعند ولادة إِسحاق كان عمره (112) عاماً.