سُورَة هُود

سُورَة هُود

مَكيَّة وَعَدَدُ آياتِهَا مَائة وثلاث وعشرون آياتْ

محتوى هذه السّورة وفضيلتها!

المشهور بين المفسّرين أنّ هذه السورة بأكملها نزلت بمكّة.. وطبقاً لما ورد في "تاريخ القرآن" أنّها السورة التاسعة والأربعون في ترتيب السور النازلة على المرسل (ص).

وطبقاً لما صرّح به بعض المفسّرين - أيضاً - فإنّ هذه السورة نزلت في السنوات الأخيرة التي قضاها النّبي (ص) بمكّة، أي بعد وفاة عمّه "أبي طالب (ع) " وزوجته "خديجة (عليها السلام) "... وبطبيعة الحال فإِنّ هذه السورة جاءت في فترة من أشد الفترات صعوبة في حياة النّبي (ص) حيث كان يعاني فيها من ضغوط الأعداء وأراجيفهم الإِعلامية الحاقدة المسمومة أكثر ممّا عاناه في السنوات السابقة.

ولذلك يُلاحظ في بداية السورة تعابير فيها جانب من التسلية للنّبي (ص) وللمؤمنين.

ويُشكل القسم المهم والعمدة من آيات هذه السورة قصص الأنبياء الماضين وخاصّة قصّة نوح النّبي (ع) الذي انتصر بالفئة القليلة التي معه على الأعداء الكثيرين.

إِنّ سرد هذه القصص فيه تسلية لخاطر النّبي (ص) والمؤمنين معه وهم أمام الكم الهائل من الأعداء، كما أنّ فيه درساً لمخالفيهم من الاعداء.

وعلى كل حال.

فإنّ آيات هذه السورة - كسائر السور المكية - تتناول أصول "المعارف الإِسلامية" ولا سيّما المواجهة مع الشرك وعبادة الأصنام، ومسألة المعاد والعالم بعد الموت، وصدق دعوة النّبي (ص) ، كما يبدو فيها تهديداً ضمنياً للأعداء، وأمراً بالاستقامة للمؤمنين.

في هذه السورة - إِضافة إِلى قصّة نوح النّبي وجهاده العنيف التي ذكرت بتفصيل - إِشارة إِلى قصص الأنبياء هود وصالح وإِبراهيم ولوط وموسى ومواقفهم الشجاعة بوجه الشرك والكفر والإِنحراف والظلم.. شيبتني سُورة هود!

إِنّ آيات هذه السورة تقرر أن على المسلمين أن لا يتركوا السوح والميادين - في الحرب والسلم - لكثرة الأعداء ومواجهاتهم الحادة.. بل عليهم أن يواصلوا مسيرتهم ويستقيموا أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم.. وعلى هذا فإِنّنا نقراً في حديث معروف عن النّبي (ص) أنّه قال: "شيبتني سورة هود" (1)

وفي حديث آخر أنّه حين لاحظ أصحاب النّبي آثار الشيب قبل أوانه على محيّاه (ص) قالوا: يا رسول الله، تعجّل الشيب عليك.

فقال (ص) "شيبتني سورة هود والواقعة" (2).

وفي روايات أُخرى أضيف أيضاً سورة المرسلات وسورة النبأ (عم يتساءلون) وسورة التكوير وغيرها إِلى هاتين السورتين.

ونُقل عن ابن عباس في تفسير الحديث الشريف - آنف الذكر - أنّه مانزل على رسول الله (ص) آية كان أشدّ عليه ولا أشق من آية (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك).

كما نقل عن بعض المفسّرين أنّ أحد العلماء رأى رسول الله (ص) في المنام فسأله عن سبب مانُقل عنه من قوله: "شيبتني سورة هود" أهو ما سلف من الأُمم السابقة وهلاكها؟

فبيّن له (ص) أن سببه آية (فاستقم كما أُمرت) (3)وعلى كل حال فإِنّ هذه السورة - بالإِضافة إِلى هذه الآية - فيها آيات مؤثّرة أُخرى تتعلق بيوم القيامة والمحاسبة في محكمة العدل الإِلهي، وآيات تتعلق بما ناله الأقوام السابقون من جزاء، وما جاء مع بعضها من أوامر في الوقوف بوجه الفساد بحيث يحمل جميعها طابع المسؤولية... فلا عجب إِذاً أن يشيب الإِنسان عندما يفكر في مثل هذه المسؤوليات... مسألة دقيقة أُخرى ينبغي الإِلتفات إِليها في هذا المجال، وهي أنّ كثيراً من هذه الآيات توكّد ماورد في السورة السابقة - أي سورة يونس - وأوائلها بوجه خاص يشبه أوائل تلك السورة ومضامينها توكّد تلك المضامين.

التّأثير المعنوي لهذه السّورة:

أمّا بالنسبة لفضيلة هذه السورة، فقد ورد في حديث شريف عن النّبي (ص) أنّه قال: "من قرأ هذه السورة أعطي من الأجر والثواب بعدد من صدّق هوداً والأنبياء (ع) ومن كذب بهم وكان يوم القيامة في درجة الشهداء وحوسب حساباً يسيراً" (4).

ومن الوضوح بمكان أنّ مجرّد التلاوة لا يعطي هذا الأثر، وإِنّما يكون هذا الأثر إِذا كانت تلاوة هذه السورة مقرونة بالتفكر والعمل بعدها.

وهذا هو الذي يقرّب الإِنسان إِلى المؤمنين السالفين ويبعده عن الذين أنكروا على الأنبياء وجحدوا دعواتهم، وعلى هذا الأساس يُثاب بعددهم ويعطي أجر كل واحد منهم، ويكون هدفه كهدف شهداء تلك الأُمم السالفة.. فلا مجال للتعجب من أن ينالَ درجاتهم ويحاسب حساباً يسيراً... وينقل عن الإِمام الصادق (ع) أنّه قال: "من كتب هذه السورة على رق ظبي ويأخذها معه أعطاه الله قوّةً، ومن يحارب معه لنصر عليهم وغلبهم وكلّ من رآه يخاف منه" (5).

ولعل بعضاً ممن يطلب الراحة وينظر الى الأُمور بسطحيّة يتصوّر في قراءته لمثل هذه الأحاديث أنّ الإِنسان يمكن أن يصل إِلى مثل هذه الأهداف بمجرّد وجود الكتابة أو الرسم القرآني معه، ولكنّه جلي وواضح أنّ المقصود بذلك العمل على طبق ما في السورة، وأن يتخذها منهجاً لحياته وأن يقرأها دائماً ويمضي على العمل بها بحذافيرها.. ولا شك أنّ مثل هذا العمل تتحقق فيه مثل هذه الآثار أيضاً، لأنّ هذه السورة تأمر بالإِستقامة والوقوف بوجه الفساد والإِنسجام مع الأهداف، وتحتوي على التجارب السابقة من تأريخ الأمم السالفة التي يوجد في كلّ واحد منها درس من الإِنتصار على العدوّ.


1- نور الثقلين، ج2، ص 334.

2- مجمع البيان، ذيل الآية (118) من تفسير سورة هود.

3- روح المعاني، ج2، ص 206.

4- تفسير البرهان، ج 2، ص 206.

5- تفسير البرهان، ج 2، ص 206.