الآيتان 126 - 127

﴿أَوَلاَ يِرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَام مَّرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ ثمّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ126وَ إِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض هَلْ يَرَاكُم مِّن أَحَد ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قُوْمٌ لاَّيَفْقَهُونَ127﴾

التّفسير

يستمر الكلام في هذه الآيات حول المنافقين، وهي توبّخهم وتذمهم فتقول: (أو لا يرون أنّهم يفتنون في كل عام مرّة أو مرّتين) والعجيب أنّهم رغم هذه الإِمتحانات المتلاحقة لايعتبرون (ثمّ لا يتوبون ولا هم يذكرون).

وهناك بحث بين المفسّرين في أنّه ما هو المراد من هذا الإختبار السنوي الذي يجري مرّة أو مرّتين؟

فالبعض يقول: إِنّه الأمراض، والبعض الآخر يقول: إِنّه الجوع والشدائد الأُخرى، وثالث يقول: إِنّه مشاهدة آثار عظمة الإِسلام وأحقية النّبي الأكرم (ص) في ساحات الجهاد التي كان يحضرها هؤلاء المنافقون بحكم الضغط الإِجتماعي وظروف البيئة التي يعيشونها، ورابع يعتقد أنّه رفع الستار عن أسرارهم، وفضيحتهم.

غير أنا إِذا قرأنا آخر الآية حيث تذكر أنّ هؤلاء لم يتذكروا رغم كل ذلك، سيتّضح أنّ هذا الإِختبار من الإِختبارات التي ينبغي أن تكون سبباً في توعية هذه المجموعة.

ويظهر أيضاً من تعبير الآية أنّ هذا الإختبار يختلف عن الإِختبار العام الذي يواجهه كل الناس في حياتهم.

وإِذا أخذنا هذا الموضوع بنظر الإِعتبار فسيظهر أن التّفسير الرّابع - أي إِزاحة الستار عن أعمال هؤلاء السيئة وظهور باطنهم وحقيقتهم - أقرب إِلى مفهوم الآية.

ويحتمل أيضاً أن يكون للإِمتحان والإِبتلاء في هذه الآية مفهوم جامع بحيث يشمل كل هذه المواضيع.

ثمّ تشير الآية إلى الموقف الإنكاري لهؤلاء في مقابل الآيات الإلهية، فتقول: (وإذا ما أُنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض).

إنّ خوف هؤلاء وقلقهم ناشي، من أنّ تلك السورة تتضمن فضيحة جديدة لهم، أو لأنّهم لا يفهمون منها شيئاً لعمى قلوبهم، والإِنسان عدو ما يجهل.

وعلى كل حال، فإِنّهم كانوا يخرجون من المسجد حتى لا يسمعوا هذه الأنغام الإِلهية، إلاّ أنّهم كانوا يخشون أن يراهم أحد حين خروجهم، ولذلك كان أحدهم يهمس في أذن صاحبه ويسأله: (هل يراكم من أحد) ؟

وإِذا ما أطمأنوا إِلى أن الناس منشغلون بسماع كلام النّبي (ص) وغير ملتفتين إِليهم خرجوا: (ثمّ انصرفوا).

إنّ جملة (هل يراكم من أحد) ، كانوا يقولونها إمّا بألسنتهم، أو بإشارة العيون، في حين أن الجملة الثّانية (نظر بعضهم إلى بعض) تبيّن أمراً واحداً هو نفس ما عينته الجملة الأُولى، وفي الحقيقة فإنّ (هل يراكم أحد) تفسير لنظر بعضهم إلى البعض الآخر.

وتطرقت الآية في الختام إِلى ذكر علة هذا الموضوع فقالت: إِنّ هؤلاء إِنّما لا يريدون سماع كلمات الله سبحانه ولايرتاحون لذلك لأنّ قلوبهم قد حاقت بها الظلمات لعنادهم ومعاصيهم فصرفها الله سبحانه عن الحق، وأصبحوا أعداءً للحق لأنّهم أناس جاهلون لافكر لهم: (صرف الله قلوبهم بأنّهم قوم لايفقهون).

وقد ذكر المفسّرون لقوله تعالى: (صرف الله قلوبهم) احتمالين:

الأوّل: إِنّها جملة خبرية.

كما فسرناها قبل قليل.

الثّاني: إِنّها جملة إِنشائية، ويكون معناها اللعنة، أي إِنّ الله سبحانه يصرف قلوب هؤلاء عن الحق.

إلاّ أن الإِحتمال الأوّل هو الأقرب كما يبدو.