الآيتان 56 - 57

﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ56 لَوْ يَجِدُونَ مَلْجأً أَوْ مَغَـرت أَوْ مُدَّخَلا لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ57﴾

التّفسير

علامة أُخرى للمنافقين:

ترسم الآيتان أعلاه حالة أُخرى من أعمال المنافقين بجلاء، إذ تقول الآية الأُولى: (ويحلفون بالله إنّهم لمنكم وما هم منكم ولكنّهم قوم يفرقون) ومن شدّة خوفهم وَفَرقِهم يخفون كفرهم ويظهرون الإِيمان.

و"يفرقون" من مادة "الفرق" على زنة "الشفق" ومعناه شدّة الخوف.

يقول "الراغب" في "المفردات" إِن الفرق في الأصل معناه التفرّق والتشتت، فكأنّهم لشدّة خوفهم تكاد قلوبهم أن تتفرق وتتلاشى.

وفي الواقع أنّ مثل هؤلاء لما فقدوا ما يركنون إِليه في أعماقهم، فهم في هلع واضطراب عظيم دائم، ولا يمكنهم أن يكشفوا عمّا في باطنهم لما هم عليه من الهلع والفزع، وحيث أنّهم لا يخافون الله "لعدم إيمانهم به"، فهم يخافون من كل شيء غيره، ويعيشون في استيحاش دائم، غير أنّ المؤمنين الصادقين ينعمون في ظل الإِيمان بالهدوء والإِطمئنان.

والآية التالية تصوّر شدّة عداوة المنافقين للمؤمنين ونفورهم منهم، في عبارة موجزة إلاّ أنّها في غاية المتانة والبلاغة، إذ تقول: (لو يجدون ملجأً أو مغارات أو مدّخلا لولّوا إِليه وهم يجمحون).

"الملجأ" معناه معروف، وهو ما يأوي إِليه الخائف عادة، كالقلاع والكهوف وأضرابهما.

و"المغارات" جمع مغارة.

و"المدّخل" هو الطريق الخفي تحت الأرض، كالنقب مثلا.

و"يجمحون" مأخوذ من الجماح، ومعناه الحركة السريعة والشديدة التي لا يتأتى لأيّ شيء أن يصدها، كحركة الخيول المسرعة الجامحة التي لا تطاوع أصحابها، ولذلك سُمّي الجواد الذي لا يطاوع صاحبه جموحاً أو جامحاً.

وعلى كل حال، فهذه الآية واحدة من أبلغ الآيات والتعابير التي يسوقها القرآن في وصف المنافقين، وبيان هلعهم وخوفهم وبغضهم إِخوانهم المؤمنين، بحيث لو كان لهم سبيل للفرار من المؤمنين، ولو على قمم الجبال أو تحت الأرض، لَولّوا إِليه وهم يجمحون، ولكن ما عسى أن يفعلوا مع الروابط التي تربطهم معكم من القبيلة والأموال والثروة، كل ذلك يضطرهم إِلى البقاء على رغم أنوفهم.