الآيات 109 - 112

﴿قَالَ الْمَلاَُ مِن قَومِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَـحِرٌ عَلِيمٌ 109 يُرِيُد أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ 110 قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِى الْمَدَآئِنِ حَـشِرِينَ 111 يَأْتُوكَ بِكُلِّ سـحِر عَلِيم112﴾

التّفسير

بدء المواجهة:

في هذه الآيات جاء الحديث عن أوّل ردّ فعل لفرعون وجهازه في مقابل دعوة موسى (عليه السلام) ومعجزاته.

الآية الأُولى تَذكر عن ملأ فرعون أنّهم بمجرّد مشاهدتهم لأعمال موسى الخارقة للعادة اتهموه بالسحر، وقالوا: هذا ساحر عليم ماهر في سحره: (قال الملأ من قوم فرعون إنّ هذا لساحر عليم).

ولكن يستفاد من آيات سورة الشعراء الآية (34) أن هذا الكلام قاله فرعون حول موسى: (قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم).

ولكن لا منافاة بين هاتين الآيتين، لأنّه لا يبعد أن يكون فرعون قال هذا الكلام في البداية، وحيث أن عيون الملأ كانت متوجهة إليه، ولم يكن لهذا الملأ المتملق المتزلف هدف إلاّ رضى رئيسه وسيده، وما ينعكس على محياه، وما توحي به إشارته، كرّر هو أيضاً ما قاله الرّئيس، فقالوا: أجل، إن هذا لساحر عليم.

وهذا السلوك لا يختص بفرعون وحواشيه، بل هو دأب جميع الجبارين في العالم وحواشيهم.

ثمّ أضافوا: إنّ هدف هذا الرجل أن يخرجكم من وطنكم (يريد أن يخرجكم من أرضكم).

يعني أنّه لا يهدف إلاّ إستعماركم واستثماركم، وإنّ الحكومة على الناس، وغصب أراضي الآخرين، وهذه الأعمال الخارقة للعادة وادعاء النّبوة كلّها لأجل الوصول إلى هذا الهدف.

ثمّ قالوا بعد ذلك: مع ملاحظة هذه الأوضاع فما هو رأيكم: (فماذا تأمرون) ؟

يعني أنّهم جلسوا يتشاورون في أمر موسى، ويتبادلون الرأي فيما يجب عليهم اتّخاذه تجاهه، لأنّ مادة "أمر" لا تعني دائماً الإِيجاب والفرض، بل تأتي - أيضاً - بمعنى التشاور.

وهنا لابدّ من الإِلتفات إلى أنّ هذه الجملة وردت في سورة الشعراء الآية (35) أيضاً، وذلك عن لسان فرعون، حيث قال لملائه: فماذا تأمرون.

وقد قلنا: إنّه لا منافاة بين هذين.

وقد احتمل بعض المفسّرين - أيضاً - أن تكون جملة "فماذا تأمرون" في الآية الحاضرة خطاباً وجهه ملأ فرعون وحاشيته إلى فرعون، وصيغة الجمع إنما هي لرعاية التعظيم، ولكن الإحتمال الأوّل - وهو كون هذا الخطاب موجهاً من ملأ فرعون إلى الناس - أقرب إلى النظر.

وعلى كل حال فقد قال الجميع لفرعون: لا تعجل في أمر موسى وهارون، وأجلّ قرارك بشأنهما إلى ما بعد، ولكن ابعث من يجمع لك السحرة من جميع أنحاء البلاد (قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين).

نعم ابعث من يجمع لك كل ساحر ماهر في حرفته عليم في سحره (يأتوك بكل ساحر عليم).

فهل هذا الإقتراح من جانب حاشية فرعون كان لأجل أنّهم كانوا يحتملون صدق ادعاء موسى للنّبوة، وكانوا يريدون اختباره؟

أو أنّهم على العكس كانوا يعتبرونه كاذباً في دعواه، ويريدون افتعال ذريعة سياسية لأي موقف سيتخذونه ضد موسى كما كانوا يفعلون ذلك في بقية مواقفهم ونشاطاتهم الشخصية؟

ولهذا اقترحوا ارجاء أمر قتل موسى وأخيه نظراً لمعجزتيه اللتين أورثتا رغبة في مجموعة كبيرة من الناس في دعوته وانحيازهم إليه، ومزجت صورة "نبوته" بصورة "المظلومية والشهادة" وأضفت بضم الثّانية إلى الأُولى - مسحة من القداسة والجاذبية عليه وعلى دعوته.

ولهذا فكروا في بداية الأمر في إجهاض عمله بأعمال خارقة للعادة مماثلة، ويسقطوا اعتباره بهذه الطريقة، ثمّ يأمرون بقتله لتنسى قصة موسى وهارون وتمحى عن الأذهان إلى الأبد.

يبدو أن الإحتمال الثّاني بالنظر إلى القرائن الموجودة في الآيات - أقرب إلى النظر.