الآيات 167 - 169

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَـ بَعِيداً * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَـلِدِينَ فِيَهآ أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً﴾

التّفسير

جرى البحث في الآيات السابقة حول المؤمنين وغير المؤمنين، أمّا الآيات الثلاثة الأخيرة فهي تشير إِلى مجموعة اختارت أقبح أنواع الكفر،فهؤلاءـبالإِضافة - إِلى انحرافهم وضلالهم سعوا إِلى تحريف وإِضلال الأخرين، وقد ظلموا أنفسهم بفعلهم هذا وظلموا الآخرين معهم لأنهم لم يسيروا في طريق الحق ولم يسمحوا للآخرين - أيضاً - باتّباع هذا السبيل، والآية الكريمة تصف هؤلاء بأنّهم في ضلال بعيد وذلك بقولها: (إِنّ الذين كفروا يوصدوا عن سبيل الله قد ضلّوا ضلا بعيداً).

فلماذا - يا ترى - استحق هؤلاء الإِبعاد عن طريق الحق؟ إِنّهم استحقوا ذلك لدعوتهم الآخرين إِلى طريق الضلال، حيث من المستبعد جدّاً أن يتخلوا عن طريق هم يدعون الآخرين لإِتّباعه - فقط خلط هؤلاء كفرهم بالعناد، ووضعوا أقدامهم في طريق الضلال والإِنحراف، وابتعدوا بذلك كثيراً عن طريق الحق والصواب.

يأمّا الآية الأُخرى فتشير إِلى الذين كفروا وظلموا، إِذ ظلموا الحق أوّ لعدم التزامهم بالصواب، كما ظلموا أنفسهم بذلك - أيضاً - إِذ حرموها من السعادة وسقطوا في هوة الضلالة، وظلموا الآخرين حين منعوهم من التوجه إِلى طريق الحق والصواب، فهؤلاء لن يشملهم أبداً عفو الله، وإِن الله لا يهديهم أبداً إِلاّ إِلى طريق جهنم، تقول الآية: (إِنّ الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إِلاّ طريق جنهم...).

فهؤلاء باقون وخالدون في جهنم دائماً وأبداً، كما تقول الآية: (خالدين فيها أبداً...).

وعلى هؤلاء أن يعلموا أنّ وعد الله حق، وأن تهديده يتحقق لا محالة، فليس ذلك على الله بالأمر الصعب تقول الآية: (وكان ذلك على الله يسيراً).

ونشاهد في الآيتين المذكورتين تأكيداً من طراز خاص حول هذا النوع من الكفار والعقوبات التي ينالونها - فمن جهة يوصف انحرافهم بالضلال البعيد، ومن جهة ثانية تؤكد الآية باستخدام عبارة (لم يكن الله...) أنّ العفو عن هؤلاء الكفار لا يليق بمنزلة الله سبحانه وتعالى، ومن جانب آخر فقد جاء التأكيد على خلود هؤلاء في النار والتشديد على أنّه خلود أبدي، لأنّ هؤلاء وأمثالهم بالإِضافة إِلى خروجهم عن جادة الحق وانحرافهم، سعوا إِلى إبعاد وحرف الآخرين عن هذا السبيل، وبذلك تحملوا مسؤولية وإِثماً عظيماً.