الآيات 144 - 146

﴿يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْكَـفِرِينَ أَوْلِيآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَـناً مُّبِيناً * إِنَّ الْمُنَـفِقِينَ فِى الدَّرْكِ الاَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَلَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِاللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾

التّفسير

لقد أشارت الآيات السابقة إِلى قسم من صفات المنافقين، والآيات التالية - هذه - تحذر المؤمنين وتأمرهم أن لا يعتمدوا على المنافقين والكفار بدل الإِعتماد على المؤمنين، وأن لا يطلبوا النصرة منهم (يا أيّها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين).

وتبيّن أنّ الإِعتماد على الكفار يعتبر جريمة وخرقاً صارخاً للقانون الإِلهي وشركاً بالله، ونظراً لقانون العدل الإِلهي فإِن هذه الجريمة تستحق عقاباً شديداً، حيث تؤكد الآية: (أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً)(1).

وفي الآية الثانية من الآيات الأخيرة بيان لأحوال المنافقين، الذين اتخذهم بعض الغافلين من المؤمنين اصدقاء لأنفسهم، حيث توضح الآية أنّ المنافقين يستقرون في القيامة في أحط وأسفل دركة من دركات جهنم، ولن يستطيع أحد أن ينصرهم أو ينقذهم من هذا المصير أبداً، تقول الآية: (إِنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيراً).(2)

ويتبيّن من هذه الآية أن النفاق في نظر الإِسلام أشد أنواع الكفر، وإِن المنافقين أبعد الخلق من الله، ولهذا السبب فإِن مستقرهم ومكانهم النهائي في أحط نقطة من نقاط جهنم، وهم يستحقون هذا العقاب، لأنّ ما يلحق البشرية من ويلات من جانب هؤلاء هو أشد خطراً من كل الأخطار، فإِنّ هؤلاء بسبب احتمائهم بظاهر الإِيمان يحملون بصورة غادرة وبمطلق الحرية على المؤمنين العزل ويطعنونهم من الخلف بخناجرهم المسمومة، وبديهي أن يكون حال اعداء - كهؤلاء - يظهرون بلباس الأصدقاء، أشدّ خطراً من الأعداء المعروفين الذين يعلنون عداوتهم صراحة، وفي الواقع فإِنّ النّفاق هو اُسلوب وسلوك كل فرد ابتر ومنحط ومشبوه وجبان وملوث بكل الخبائث ومن لا شخصية له.

وقد أوضحت الآية الثّالثة من الآيات الأخيرة، أنّ المجال مفتوح حتى لأكثر الناس تلوثاً للتوبة من أعمالهم وإِصلاح شأنهم، والسعي للتعويض بالخير عن ماضيهم المشين، والعودة إِلى رحمة الله والتمسك بحبله والإِخلاص لله بالإِيمان به تقول الآية: (إِلاّ الذين تابوا واصلحوا واعتصموا بالله واخلصوا دينهم لله).

يفالتائبون هؤلاء سيكونون أه للنجاة في النهاية ويستحقون صحبة المؤمنين، تقول الآية: (فاُولئك مع المؤمنين...).

وإِنّ الله سيهب ثواباً وأجراً عظيماً لكل المؤمنين (وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً).

وممّا يلفت النظر أنّ الآية تبيّن أن هؤلاء التائبين مع المؤمنين، وذلك للتدليل على أن منزلة المؤمنين الثابتين أكبر وأعظم من منزلة هؤلاء، فالمؤمنون الراسخون في إِيمانهم هم الأصل، وهؤلاء هم الفروع، وما يظهر عليهم من نور وصفاء إِنّما هو بسبب وجودهم في ظل المؤمنين الراسخين.

وهناك أمر ثان يجب الإِنتباه إِليه في هذه الآية، وهو أنّها بيّنت مسير المنافقين بصورة واضحة وصريحة، إِذ عينت لهم أحط نقطة من الجحيم مكاناً ومستقراً، بينما شخصت للمؤمنين الأجر والثواب العظيم الذي لا حدّ له ولا حصر، بل هو منوط بعظمة الله ولطفه جلت عظمته.


1- يمكن أن تكون عبارة "تعدلوا" اشتقاقاً إمّا من مادة "العدالة" أو من مادة "العدول" فإن كانت من مادة "العدالة" يكون معنى الجملة القرآنية هكذا: فلا تتبعوا الهوى لأن تعدلوا أي لكي تستطيعوا تحقيق العدل، وأما إذا كانت من مادة "العدول" يكون المعنى هكذا: فلا تتبعوا الهوى في أن تعدلوا أي لا تتبعوا الهوى في سبيل الإِنحراف عن الحق.

2- إن عبارة "تلووا" مشتقة من المصدر "لي" على وزن "طي" وتعني المنع والإِعاقة وقد وردت في الأصل بمعنى اللي والبرم.