الآيات 137 - 139
﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّمْ ييَكُنِ اللهُ لَيَغْفِرَلَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِي * بَشِّرِ الْمُنَـفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَـفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنيِنَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعاً﴾
التّفسير
مصير المنافقين المعاندين:
تماشياً مع البحث الذي ورد في الآية السابقة والذي تناول وضع الكفار وضلالهم البعيد، تشير هذه الآيات الأخيرة إِلى وضع مجموعة من الكفار الذين يتلوّنون في كل يوم تلون الحرباء، فهم في يوم إِلى جانب المؤمنين، وفي يوم آخر إِلى جانب الكفار، ثمّ إِلى جانب المؤمنين، وفي النهاية إِلى جانب الكفار المعاندين، حتى يموتوا على هذه الحالة!
فالآية الأُولى من الآيات الثلاثة الأخيرة تتحدث عن مصير أفراد كهؤلاء، فتؤكد بأنّ الله لن يغفر لهم أبداً، ولن يرشدهم إِلى طريق الصواب: (إنّ الذين آمنوا ثمّ كفروا ثمّ آمنوا ثمّ كفروا ثمّ ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا يليهديهم سبي).
إِنّ هذا السلوك الحربائي في التلون المتوالي، إمّا أن يكون نابعاً من الجهل وعدم إِدراك الأّسس الإِسلامية، وإمّا أن يكون خطّة نفّذها المنافقون والكفار المتطرفون من أهل الكتاب لزعزعة إِيمان المسلمين الحقيقيين، وقد سبق شرح هذا الموضوع في الآية (72) من سورة آل عمران.
ولا تدل الآية - موضوع البحث - على عدم قبول توبة أمثال هؤلاء، ولكنها تتناول أفراداً يموتون وهم في كفر شديد، فإِنّ هؤلاء - نتيجة لأعمالهم - لا يستحقون العفو والهداية إِلاّ إِذا غيروا اسلوبهم ذلك.
ثمّ تؤكّد الآية التالية نوع العذاب الذي يستحقه هؤلاء فتقول: (بشر المنافقين بأنّ لهم عذاباً أليماً).
واستخدام عبارة (بشر) في الآية إِنّما جاء من باب التهكم والإِستهزاء بالأفكار الخاوية الواهية التي يحملها هؤلاء المنافقون، أو أنّ العبارة مشتقة من المصدر "بشر" بمعنى الوجه، وفي هذه الحالة تحتمل معاني واسعة فتشمل كل خبر يؤثر في سحنة الإِنسان، سواء كان الخبر مفرحاً أو محزناً.
وقد أشارت الآية الأخيرة إِلى المنافقين بأنّهم يتخذون الكفار اصدقاءاً يوأحباءاً لهم بد من المؤمنين، بقولها: (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين).
ثمّ يأتي التساؤل في الآية عن هدف هؤلاء المنافقين من صحبة الكافرين، وهل أنّهم يريدون حقّاً أن يكتسبوا الشرف والفخر عبر هذه الصحبة؟ تقول الآية: (أيبتغون عندهم العزة) بينما العزة والشرف كلها لله (فإِنّ العزّة لله جميعاً) لأنّها تنبع من العلم والقدرة، وأن الكفار لا يمتلكون من القوّة والعلم شيئاً، ولذلك فإِنّ علمهم لا شيء أيضاً، ولا يستطيعون إِنجاز شيء لكي يصبحوا مصدراً للعزّة والشرف.
إِنّ هذه الآية - في الحقيقة - تحذير للمسلمين بأن لا يلتمسوا الفخر والعزّة في شؤونهم الإِقتصادية والسياسية والإِجتماعية والثقافية عن طريق إِنشاء علاقات الود والصداقة مع أعداء الإِسلام، بل إنّ عليهم أن يعتمدوا في ذلك على الذات الإِلهية الطاهرة التي هي مصدر للعزة والشرف كله، وأعداء الإِسلام لا عزّة لديهم لكي يهبوها لأحد، وحتى لو امتلكوها لما أمكن الركون إِليهم والإِعتماد عليهم، لأنّهم متى ما اقتضت مصالحهم الشخصية تخلوا عن أقرب حلفائهم وركضوا وراء مصالحهم، وكأنّهم لم يكونوا ليعرفوا هؤلاء الحلفاء مسبقاً، والتاريخ المعاصر خير دليل على هذا السلوك النفعي الإِنتهازي.