الآيتان 72 - 73

﴿وَإِنَّ مِنكُمْ لَـمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَـبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً * وَلِئِنْ أَصَـبَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَـلَيْتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً﴾

التّفسير

بعد صدور الأمر العام إِلى المسلمين بالجهاد والإِستعداد لمقابلة العدوّ في الآية السابقة تبيّن هاتان الآيتان موقف المنافقين من الجهاد، وتفضح تذبذبهم، فهم يصرّون على الإِمتناع عن المشاركة في صفوف المجاهدين في سبيل الله... (وإِن منكم لمن ليبطّئن(1)...).وحين يعود المجاهدون من ميدان القتال أو حين تصل أنباء معاركهم، فإِن كان قد أصابهم مكروه في قتالهم يتحدث المنافقون بابتهاج بأنّ الله قد أنعم عليهم نعمة كبيرة إِذ لم يشاركوا المجاهدين في ذلك القتال، ويفرحون لعدم حضورهم في مشاهد الحرب الرهيبة (فإِن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليّ إِذ لم أكن معهم شهيداً...).

وحين تصل الأخبار بانتصار المسلمين المجاهدين ونيلهم المغانم، يتبدل موقف هؤلاء المنافقين فتبدو الحسرة عليهم ويظهر الندم على وجوههم، ويشرعون - وكأنّهم غرباء لا تربطهم بالمسلمين أية رابطة - بترديد عبارات التأسف: (ولئن أصابكم فضل من الله ليقولنّ كأن لم تكن بينكم وبينه مودّة ياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً).

في الآية إِشارة إِلى المفهوم المادي للنصر في نظر المنافقين، فالذي يرى الشهادة والقتل في سبيل الله مصيبةً وبلاءً، ويخال النجاة من القتل أو الشهادة في هذه السبيل نعمة إِلهية، لا ينظر إِلى النصر والفوز إِلاّ من خلال منظار كسب الغنائم والمتاع المادي لا غير.

هؤلاء المتلونون الموجودون - مع الأسف - في كل المجتمعات، سرعان ما يغيرون أقنعتهم تجاه ما يواجهه المؤمنون من نصر أو هزيمة، هؤلاء لا يشاركون المؤمنين في معاناتهم ولا يساعدونهم في الملمات، لكنّهم يتوقعون أن يكون لهم في الإِنتصارات السّهم الأوفى، وأن يحصلوا على ما يحصل عليه المجاهدون المؤمنون من إمتيازات.


1- تفسير في ظلال القرآن، ج 2، ص 428.