سُورَة النِّساء
مَدنيّة وعَدَدُ آياتِهَا مَائَة وَسِتٌّ وَسَبْعُونَ آية
قبل الخوض في تفسير آيات هذه السورة يلزم أن نذكر للقارىء الكريم بعدّة نقاط هي:
1 - موضع نزول هذه السورة
كل آيات هذه السورة (باستثناء الآية 58 حسب نقل بعض المفسرين) نزلت في المدينة المنورة، وتقع من حيث ترتيب النّزول بعد سورة الممتحنة، لأنّ التّرتيب الفعلي للسّور القرآنية - كما نعلم - لا يطابق ترتيبها في النزول، بمعنى أن كثيراً من السّور التي نزلت في مكّة تقع في الترتيب الحاضر في آخر القرآن الكريم، وكثيراً من السّور التي نزلت في المدينة تقع في أوائل القرآن.
على أنّنا قد نوهنا في بداية المجلد الأوّل من هذه المجموعة التّفسيرية، بأنّ ثمّة دلائل تؤكد أن جمع السّور القرآنية على الشكل الفعلي قد تمّ في زمن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، وعلى هذا الأساس يكون النّبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر بأن ترتب السّور على النحو الموجود الآن (بأن يكون أوّلها الحمد وآخرها النّاس) لأسباب مختلفة منها أهمية المواضيع التي تضمنتها السور، والترتيب الطبيعي لهذه السور بدون أن يكون قد تغيّر من هذا الترتيب أو زيد أو نقص في الحروف والآيات والسور.
إنّ هذه السّورة تعتبر من حيث عدد الكلمات والأحرف - أطول السور بعد سورة البقرة، وتحتوي على (176) آية، وتسمّى بسورة النساء نظراً لتضمنها يأبحاثاً كثيرة وحديثاً مفص حول أحكام "المرأة" وحقوقها.
2 - محتويات هذه السورة
هذه السّورة - كما قلنا - نزلت في المدينة، بمعنى أنّ النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما يكان مقب على تأسيس حكومة إسلامية وتكوين مجتمع إِنساني قويم، نزلت هذه السورة وهي تحمل جملة من القوانين التي لها أثر كبير في إصلاح المجتمع، وإِيجاد البيئة الإِجتماعية الصالحة النقية.
ومن ناحية أذخرى فإنّ أكثر أفراد هذا المجتمع الجديد كانوا قبل ذلك من الوثنيين بما فيهم من لوثات الجاهلية وانحرافاتها ورواسبها، لذلك يتعين قبل أي شيء تطهير عقولهم، وتزكية أرواحهم ونفوسهم من تلك الرّواسب، وإِحلال القوانين والبرامج اللازمة لإِعادة بناء المجتمع محل تلك العادات والتقاليد الجاهلية الفاسدة.
وعلى العموم فإِن المواضيع المختلفة التي تحدثت عنها هذه السّورة هي عبارة عن:
1 - الدّعوة إِلى الإِيمان والعدالة، وقطع العلاقات الودّية بالأعداء الألداء، والخصوم المعاندين.
2 - ذكر بعض قصص الأمم الماضية لأجل التعرف على عواقب المجتمعات غير الصالحة.
3 - العناية بالمحتاجين إِلى الحماية مثل الأيتام، وبيان التعاليم اللازمة لصيانة حقوقهم.
4 - قانون الإِرث والتوارث بنحو طبيعي وعادل في قبال الكيفية القبيحة التي كان عليها وضع التوريث في ذلك الزمان، حيث كان يحرم الضعفاء بحجج واهية، وأعذار غير وجيهة.
5 - القوانين المتعلقة بالزّواج والبرامج التي تصون العفاف العام.
6 - القوانين العامّة لحفظ الأموال العامّة.
7 - حفظ وتحسين حالة الوحدة الأساسية للمجتمع، أي العائلة.
8 - الحقوق والواجبات الفردية المتقابلة في المجتمع.
9 - التعريف بأعداء المجتمع الإِسلامي وتحذير المسلمين منهم.
10 - الحكومة الإِسلامية ووجوب طاعة قائد هذه الحكومة.
11 - حثّ المسلمين على مجابهة الأعداء وجهادهم.
12 - الكشف عن الأعداء والخصوم الذين قد يتوسلون بالعمل السري.
13 - أهمية الهجرة ووجوبها عند مواجهة مجتمع فاسد غير قابل للتأثير فيه وتغييره.
14 - البحث مجدداً عن الإِرث ونظام التوريث، وضرورة تقسيم الثروات المكدسة بين الوارثين.
3 - فضل تلاوة هذه السّورة
عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في رواية أنّه قال: "من قرأها (أي سورة النساء) فكأنّما تصدق على كلّ مؤمن ورث ميراثاً، وأُعطي من الأجر كمن اشترى محرّراً"(1).
ومن البيّن أنّ المقصود في هذه الرواية وأمثالها ليس هو القراءة المجردة، بل تلك القراءة التي تكون مقدمة للفهم والإِدراك الذي هو بدوره مقدمة لتطبيق تعاليم هذه السّورة في الحياة الفردية والإِجتماعية.
ومن المسلم أن المسلمين لو استلهموا من مفاهيم هذه السورة في حياتهم لنالوا كل هذا الأجر مضافاً إِلى النتائج الدنيوية.
1- الأعراف، 204.