إضطراب القوم في ما رووه عن ابن مسعود في زيد

فهذا الحديث يكشف عن مدى تألّم ابن مسعود وتضجره وشدّة اعتراضه وانتقاده لتقديم زيد بن ثابت عليه... ومثله أحاديث وآثار اخرى.

وهذا الموضع أيضاً من المواضع المشكلة... ولذا اضطرب القوم فيه إضطراباً شديداً، أمّا البخاري فقد أخرج الحديث محرّفاً وتصّرف فيه تستّراً على عثمان وزيد، فرواه عمن الأعمش، عن شقيق، قال: " خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من فيّ رسول الله - (صلّى الله عليه وآله وسلم) - بضعاً وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي - (صلّى الله عليه وآله وسلم) - أنّي من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادّاً يقول غير ذلك "(1).

وأمّا إبن أبي داود فقد ترجم باب رضى ابن مسعود بعد ذلك بما صنع عثمان، لكن لم يورد ما يصّرح بمطابقة ما ترجم به(2).

وقال بعضهم: ما رووا عن ابن مسعود من الطعن في زيد بن ثابت كلّه موضوع(3).

وأمّا ما كان من عثمان بالنسبة إلى ابن مسعود فمشهور في التاريخ، فقد ضربه حتى كسر بعض أضلاعه، ومنعه عطاءه، ووقعت بينهما منافرة شديدة حتى عهد ابن مسعود إلى عمّار أن لا يصلّي عثمان عليه. وعاده عثمان في مرض الموت فقال له: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي. فقال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي. قال: أدعو لك طبيباً؟ قال: الطيب أمرضني. قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه وتعطينية وأنا مستغن عنه؟ قال: يكون لولدك. قال: رزقهم على الله تعالى. قال: إستغفر لي يا أبا عبد الرحمن. قال: أسأل الله أن يأخذ لي عنك حقّي "(4).


1- صحيح البخاري بشرح ابن حجر 9: 39.

2- فتح الباري 9: 40.

3- مباحث في علوم القرآن، لصبحي الصالح: 82.

4- اُسد الغابة 3: 259، تاريخ ابن كثير 7: 163، الخميس 2: 268، السيرة الحلبيّة 2: 78، شرح النهج 1: 236. نقلاً عن هامش نهج الحق: 295.