الآيتان 50 - 51
﴿وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَة مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُونِ *إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَطٌ مُّستَقِيمٌ﴾
التّفسير
هذه الآية جاءت على لسان المسيح (عليه السلام) ولبيان بعض اهداف النبوّة حيث يقول: جئت أُؤكّد لكم التوراة وأُثبت أُصولها ومبادئها (ومصدقاً لما بين يدي من التوراة) كما جئت لأرفع الحظر الذي فرض عليكم، بالنسبة لبعض الأشياء، في دين موسى بسبب عصيانكم- مثل منع لحم الأباعر، وبعض شحوم الحيوانات، وبعض الطيور، والأسماك- (ولاُحلّ لكم بعض الذي حرّم عليكم).
وسوف نجد في تفسير الآية 160 من سورة النساء أنّه بسبب عناد بعض جماعات اليهود وطغيانهم حرّم الله عليهم بعض الطيّبات من النِعم: (فَبِظُلم من الَّذينَ هَادوا حرّمنا عليهم طيّبات أُحِلَّت لهم).
إلاَّ أنّ هذه المحظورات أُحلّت لهم مرّة أُخرى ببركة ظهور المسيح (عليه السلام) هذا النبيّ العظيم.
ثمّ مرّة أُخرى تتكرّر الجملة التي قرأنا على لسان المسيح في الآية السابقة: (وجئتكم بآية من ربّكم فاتّقوا الله وأطيعون).
وفي الآية الثانية تؤكد على لسان السيد المسيح (عليه السلام) عبودية المسيح لرفع كلّ إبهام وريب قد ينشأ من كيفية ولادته التي قد يتشبث بها البعض لإثبات الوهيته وتقول: (ان الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) يتّضح من هذه الآية ومن آيات أُخرى أنّ السيّد المسيح، لكي يزيل كلّ إبهام وخطأ فيما يتعلّق بولادته الخارقة للعادة، ولكي لا يتّخذونها ذريعة لتأليهه، كثيراً ما يكرّر القول (إنّ الله ربّي وربّكم) و (إنّي عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً)(1)، بخلاف ما نراه في الأناجيل المحرّفة الموجودة التي تنقل عن المسيح أنّه كان يستعمل "الأب" في كلامه عن الله.
إنّ القرآن يذكر "الرب" بدلاً من ذلك: (إنّ الله ربّي وربّكم).
وهذا أكثر ما يمكن أن يقوم به المسيح في محاربة من يدّعي بالوهيّته.
بل لكي يكون التوكيد على ذلك أقوى يقول للناس (فاعبُدوه) أي اعبدوا الله ولا تعبُدوني.
ولذلك نجد أنه لم يكن أحد من الناس يتجرأ في حياة السيّد المسيح (عليه السلام)أنيدعي الوهيته أو أنه أحد الإلهة، وحتّى بعد عروجه بقرنين من الزمان لم تخالطتعليماته في التوحيد شوائب الشرك، إلاَّ أن التثليث باعتراف أربابالكنيسة ظهر في القرن الثالث للميلاد (وسيأتي تفصيل ذلك في ذيل الآية171 من سورة النساء).
1- مريم: 30.