الآيتان 26 - 27

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَـالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلّ ِ شَىْء قَدِيرٌ *تُولِجُ الَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي الَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغْيْرِ حِسَاب﴾

سبب النّزول

يذكر المفسّر المعروف "الطبرسي" في "مجمع البيان" سببين لنزول هاتين الآيتين يتناولان حقيقة واحدة.

1- عندما فتحت مكّة، بشّر رسول الله (ص) المسلمين بأنّ دولة الفرس ودولة الروم سرعان ما ستنضويان تحت لواء الإسلام.

غير أنّ المنافقين الذين لم تكن قلوبهم قد استنارت بنور الإيمان ولم يدركوا روح الإسلام، اعتبروا ذلك مبالغة، وقالوا بدهشة: لم يقنع محمّد (ص) بالمدينة ومكّة، وهو يطمع الآن بفتح فارس والروم، فنزلت الآية المذكورة.

2- كان رسول الله (ص) والمسلمون مشغولون بحفر الخندق في أطراف المدينة،وانتظم المسلمون في جماعات يحفرون بسرعة وجدّ لكي ينجزوا هذا الحصن الدفاعي قبل وصول جيش الأعداء.

وفجأةً ظهرت صخرة كبيرة بيضاء صلدة وسط الخندق عجز المسلمون عن كسرها أو تحريكها.

فجاء "سلمان" إلى رسول الله (ص) يعرض عليه الأمر.

فنزل رسول الله (ص) إلى الخندق وتناول المعوَل من سلمان وأنزل ضربة شديدة بالصخرة، فانبعث منها الشرر، فصاح النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)مكبّراً تكبيرة الإنتصار، فردّد المسلمون التكبير وراح صوتهم يدوّي في كلّ مكان.

ومرّة أُخرى أنزل رسول الله (ص) مِعوَله على الصخرة، فانبعث الشرر وكسرت قطعة منها، وارتفع صوت تكبير الإنتصار من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)والمسلمين بعده.

وللمرّة الثالثة ارتفع مِعوَل النبيّ (ص) ونزل على الصخرة، وللمرّة الثالثة انبعث الشرر من الضربة وأضاء ما حولها، وتحطّمت الصخرة، وارتفع صوت التكبير بين جنبات الخندق.

فقال سلمان: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، لقد رأيت شيئاً ما رأيت منك قط.

فالتفت رسول الله (ص) إلى القوم وقال: رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول الله.

قال: ضربت ضربتي الأُولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنّها أنياب الكلاب، فأخبرني جبرئيل أنّ أُمّتي ظاهرة عليها، ثمّ ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم كأنّها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرئيل أنّ أُمّتي ظاهرة عليها، ثمّ ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي قصور صنعاء كأنّها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرئيل أن أُمّتي ظاهرة عليها.

فابشروا، فاستبشر المسلمون وحمدوا الله.

أمّا المنافقون فقد عبسوا وقالوا بلهجة المعترض: أمل باطل ووعد مستحيل! هؤلاء يحفرون الخنادق خوفاً على أرواحهم من جيش صغير يخشون مواجهته، ثمّ يحلمون فتح أعظم دول العالم.

وعندئذ نزلت الآيات المذكورة.

التّفسير

بيده كلّ شيء:

دار الكلام في الآيات السابقة حول المشركين وأهل الكتاب الذين كانوا يخصّون أنفسهم بالعزة وبالملك، وكيف أنّهم كانوا يرون أنفسهم في غنى عن الإسلام.

فنزلت هاتان الآيتان تفنّدان مزاعمهم الباطلة يقول تعالى: (قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء).

إنّ المالك الحقيقي للأشياء هو خالقها.

وهو الذي يعطي لمن يشاء الملك والسلطان، أو يسلبهما ممّن يشاء، فهو الذي يعز، وهو الذي يذل، وهو القادر علىكلّ هذه الأُمور، (وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كلّ شيءقدير).

ولا حاجة للقول بأنّ مشيئة الله في هذه الآيات لا تعني أنّه يعطي بدون حساب ولا موجب، أو يأخذ بدون حساب ولا موجب، بل أنّ مشيئته مبنيّة على الحكمة والنظام ومصلحة عالم الخلق وعالم الإنسانية عموماً.

وبناءاً على ذلك فإنّ أي عمل يقوم به إنّما هو خير عمل وأصحّه.

(بيدك الخير).

"خير" صيغة تفضيل يقصد بها تفضيل شيء على شيء، والكلمة تطلق أيضاً على كلّ شيء حسن.

بدون مفهوم التفضيل، والظاهر من الآية مورد البحث أنها جاءت بالمعنى الثاني هذا، أي إن مصدر كلّ خير بيده ومنه سبحانه.

وعبارة (بيدك الخير) تحصر كلّ الخير بيد الله من جهتين:

1- الألف واللام في "الخير" هما للإستغراق.

2- أنّ تقديم الخبر "بيدك" وتأخير المبتدأ "الخير" دليل على الحصر كما هو معلوم.

فيكون المعنى: "كلّ الخير بيدك وحدك لا بيد غيرك".

كذلك يستفاد من "بيدك الخير" أنّ الله هو منبع كلّ خير وسعادة فإذا أعزّ أحداً أو أذلّه، أو أعطى السلطنة والحكم لأحد الناس أو سلبها منه فذلك قائم على العدل، ولا شرّ فيه.

فالخير للاشرار أن يكونوا في السجن، والخير للأخيار أن يكونوا أحراراً.

وبعبارة اُخرى: أنه لا وجود للشر في العالم، ونحن الذين نقلب الخيرات إلى شرور، فعندما تحصر الآية الخير بيده تعالى ولا تتحدث عن الشر إنّما هو بسبب ان الشر لا يصدر من ذاته المقدسة إطلاقاً.

(إنّك على كلّ شيء قدير).

هذه الآية جاءت دليلاً على الآية السابقة.

أي ما دام الله ذا قدرة مطلقة، فليس ثمّة ما يمنع أن يكون كلّ خير خاضعاً لمشيئته.

الحكومات الصالحة وغير الصالحة:

يُطرح هنا سؤال هام يقول: قد يستنتج بعضهم من هذه الآية أنّ من يصل إلى مركز الحكم، أو يسقط منه، فذلك بمشيئة الله.

ومن هنا فلابدّ من قبول حكومات الجبّارين والظالمين في التاريخ مثل حكومات جنكيز خان وهتلر وغيرهما.

بل أنّنا نقرأ في التاريخ أنّ "يزيد بن معاوية"- تبريراً لحكمه الشائن الظالم- استشهد بهذه الآية(1).

لذلك نرى في كتب التفسير توضيحات مختلفة بشأن هذه الشبهة.

من ذلك أنّ الآية تختصّ بالحكومات الإلهيّة، أو أنّها تقتصر على حكومة رسول الله(ص) التي أنهت حكم جبّاري قريش.

ولكن الآية تطرح في الواقع مفهوماً عامّاً يقضي أنّ جميع الحكومات الصالحة وغير الصالحة مؤطّرة بقانون مشيئة الله، ولكن ينبغي أن نعلم أنّ الله قد أوجد مجموعة من الأسباب للتقدّم والنجاح في العالم، وأنّ الإستفادة من تلك الأسباب هي نفسها مشيئة الله.

وعليه فإنّ مشيئة الله هي الآثار المخلوقة في تلك الأسباب والعوامل.

فإذا قام ظَلَمة وطغاة- مثل جنكيز ويزيد وفرعون- باستغلال أسباب النجاح، وخضعت لهم شعوب ضعيفة وجبانة، وتحمّلت حكمهم الشائن، فذلك من نتائج أعمال تلك الشعوب وقد قيل: كيفما كنتم يولّى عليكم.

ولكن إذا كانت هذه الشعوب واعية، وانتزعت تلك الأسباب والعوامل من أيدي الجبابرة وأعطتها بيد الصلحاء، وأقامت حكومات عادلة، فإن ذلك أيضاً نتيجةً لأعمالها ولطريقة استفادتها من تلك العوامل والأسباب الإلهيّة.

في الواقع، أنّ الآية دعوة للأفراد والمجتمعات إلى اليقظة الدائمة والوعي واستفادة من عوامل النجاح والنصر، لكي يشغلوا المواقع الحسّاسة قبل أن يستولي عليها أُناس غير صالحين.

خلاصة القول: إنّ مشيئة الله هي نفسها عالم الأسباب، إنّما الإختلاف في كيفية استفادتنا من عالم الأسباب هذا.

في الآية التالية ولتأكيد حاكمية الله المطلقة على جميع الكائنات تضيف الآية:

1- (تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل...).

وبهذا تذكر الآية بعض المصاديق البارزة على قدرة الله تعالى، ومنها مسألة التغيير التدريجي للّيل والنهار، بمعنى أن الليل يقصر مدّته في نصف من السنة، وهو ما عُبّر عنه بدخوله في النهار، بينما يطول الليل ويقصر النهار في النصف الثاني من السنة، وهو دخول وولوج النهار في الليل.

وكذلك اخراج الموجودات الحية من الميّتة وبالعكس، وكذلك الرزق الكثير الذي يكون من نصيب بعض الأشخاص دون بعض، كلّها من علائم قدرته المطلقة.

بحوث

"الولوج" بمعنى الدخول.

والقصد من الآية هو هذا التغيير التدريجي الذي نراه بين الليل والنهار طوال السنة.

هذا التغيير ناشىء عن إنحراف محور الأرض عن مدارها بنحو 23 درجة واختلاف زاوية سقوط أشعّة الشمس عليها.

لذلك نرى الشتاء في النصف الشمالي من خطّ الإستواء تطول أيّامه تدريجياً، وتقصر لياليه تدريجياً، حتّى أوائل الصيف، حيث ينعكس التغيير فتقصر أيّامه وتطول لياليه حتّى أوائل الشتاء.

أمّا في جنوب خطّ الإستواء فالتناظر يكون معكوساً.

وبناءاً على ذلك فإنّ الله يدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل، دائماً، أي أنّه ينقص هذا ليزيد ذاك وبالعكس.

قد يقول قائل إنّ الليل والنهار في خطّ الإستواء الحقيقي وفي نقطتي القطبين في الشمال والجنوب متساويان وليس ثمّة أيّ تغيير فيهما، فالليل والنهار في خطّ الإستواء متساويان ويمتدّ كلّ منهما إثنتي عشرة ساعة على إمتداد السنة، وفي القطبين يمتدّ الليل ستة أشهر ومثله النهار، لذلك فإنّ الآية ليست عامّة.

في الجواب على هذا التساؤل نقول: إنّ خطّ الإستواء الحقيقي خطّ وهمي، والناس عادةً يعيشون على طرفي الخط.

كذلك الحال في القطبين فهما نقطتان وهميّتان، وسكّان القطبين- إن كان فيهما سكّان- يعيشون في مناطق أوسع طبعاً

من نقطة القطب الحقيقية، وعليه فالإختلاف موجود في كلّ الحالات.

وقد يكون للآية معنى آخر بالإضافة إلى ما ذكر، وهو أنّ الليل والنهار لا يحدثان فجأةً في الكرة الأرضية بسبب وجود طبقات "الجو" حولها.

فالنهار يبدأ بالتدريج من الفجر وينتشر، ويبدأ الليل من حمرة الأُفق الغربي والغسق، ثمّ ينتشر الظلام حتّى يعمّ جميع الأرجاء.

إنّ للتدرّج في تغيير الليل والنهار- بأيّ معنى كان- آثاراً مفيدة في حياة الإنسان والكائنات الأُخرى على الأرض.

لأنّ نموّ النباتات وكثير من الحيوانات يتمّ في إطار نور الشمس وحرارتها التدريجيّة.

فمن بداية الربيع حيث يزداد بالتدريج نور الشمس وحرارتها، تطوي النباتات وكثير من الحيوانات كلّ يوم مرحلة جديدة من تكاملها.

ولمّا كانت هذه الموجودات تحتاج بمرور الأيّام إلى مزيد من النور والحرارة، فإنّ حاجتها هذه تلّبى عن طريق التغييرات التدريجيّة للّيل والنهار، لتصل إلى نقطة تكاملها النهائيّة.

فلو كان الليل والنهار كما هو دائماً، لاختلّ نموّ كثير من النباتات والحيوانات، ولاختفت الفصول الأربعة التي تنشأ من اختلاف الليل والنهار ومن مقدار زاوية سقوط نور الشمس، ولخسر إلإنسان فوائد ذلك.

كذلك هي الحال إذا أخذنا بنظر الإعتبار المعنى الثاني في تفسير الآية أي أنّ حلول الليل والنهار تدريجي، لا فجائي، وأنّ هناك فترة بين الطلوعين تفصل بينهما، فمن ذلك يتّضح أنّ هذا التدرّج في حلول الليل والنهار نعمة كبرى لسكنة الأرض، لأنّهم يتعرّفون بالتدرج على الظلام أو الضياء، وبذلك تتطابق قِواهم الجسمية وحياتهم الإجتماعية مع هذا التغيير، وإلاَّ حدثت حتماً مشاكل لهم.

2- (وتُخرِجُ الحيَّ مِن الميِّت وتُخرِجُ الميِّتَ مِن الحيّ).

إنّ معنى خروج "الحيّ" من "الميّت" هو ظهور الحياة من كائنات عديمة الحياة.

فنحن نعلم أنّه في اليوم الذي استعدّت فيه الأرض لاستقبال الحياة، ظهرت كائنات حيّة من كائنات عديمة الحياة.

أضف إلى ذلك أنّ مواد لا حياة فيها تصبح باستمرار أجزاءً من خلايانا الحيّة وخلايا جميع الكائنات الحيّة في العالم، وتتبدّل إلى مواد حيّة.

أمّا خروج "الميّت" من "الحيّ" فهو دائم الحدوث أمام أنظارنا.

إنّ الآية- في الواقع- إشارة إلى قانون التبادل الدائم بين الحياة والموت، وهو أعمّ القوانين التي تحكمنا وأعقدها، كما أنّه أروعها في الوقت نفسه.

لهذه الآية تفسير آخر أيضاً- لا يتعارض مع التفسير السابق- وهو مسألة الحياة والموت المعنويّين.

فنحن كثيراً ما نرى أنّ بعض المؤمنين- وهم الاحياء الحقيقيّون- يخرجون من بعض الكافرين- وهم الأموات الحقيقيّون -.

وقد يحدث العكس، حين يخرج الكفار من المؤمن.

إنّ القرآن يعبّر عن الحياة والموت المعنويّين بالإيمان والكفر في كثير من آياته.

وبموجب هذا التفسير يكون القرآن قد ألغى قانون الوراثة الذي يعتبره بعض العلماء من قوانين الطبيعة الثابتة.

فالإنسان يتميّز بحرّية الارادة وليس مثل الكائنات غير الحيّة في الطبيعة التي تقع تحت تأثير مختلف العوامل وقوعاً إجبارياً.

وهذا بذاته مظهر من مظاهر قدرة الله التي تغسل آثار الكفر في نفوس أبناء الكافرين- أُولئك الذين يريدون حقّاً أن يكونوا مؤمنين- ويغسل آثار الإيمان من أبناء المؤمنين- الذين يريدون حقّاً أن يكونوا كافرين -.

وهذا الاستقلال في الإرادة، القادر على الإنتصار، حتّى في ظروف غير مؤاتية، من مظاهر قدرة الله أيضاً.

هذا المعنى يرد في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما جاء في تفسير "الدرّ المنثور" عن سلمان الفارسي أنّه قال: إنّ رسول الله (ص) فسّر الآية (يخرج الحي من الميّت...) فقال: أي أنّه يخرج المؤمن من صلب الكافر، والكافر من صلب المؤمن.

3- (وترزق من تشاء بغير حساب).

هذه الآية تعتبر من باب ذكر "العام" بعد "الخاص"، إذ الآيات السابقة قد ذكرت نماذج من الرزق الإلهي، أمّا هنا فالآية تشير إلى جميع النِعم على وجه العموم، أي أنّ العزّة والحكم والحياة والموت ليست هي وحدها بيد الله، بل بيده كلّ أنواع الرزق والنِعم أيضاً.

وتعبير (بغير حساب) يشير إلى أنّ بحر النِعم الإلهية من السعة والكبر بحيث إنّه مهما اعطى منه فلن ينقص منه شيء ولا حاجة به لضبط الحسابات.

فالتسجيل في دفاتر الحساب من عادة ذوي الثروات الصغيرة المحدودة التي يخشى عليها من النفاذ والنقصان.

فهؤلاء هم الذين يحسبون حسابهم قبل أن يهبوا لأحد شيئاً، لئلاّ تتبدّد ثرواتهم.

أمّا الله فلا يخشى النقص فيما عنده، ولا أحد يحاسبه، ولا حاجه له بالحساب.

يتّضح ممّا قلنا أنّ هذه الآية لا تتعارض مع الآيات التي تبيّن التقدير الإلهي وتطرح موضوع لياقة الأفراد وقابليّتهم ومسألة التدبير في الخلقة.

4- ليس في الأمر إجبار

وهنا يُطرح سؤال آخر وهو: إننا نعلم أنّ الإنسان حرّ في كسب رزقه بغير إجبار، وذلك بموجب قانون الخلق وحكم العقل ودعوة الأنبياء، فكيف تقول هذه الآية أنّ كلّ هذه الأُمور بيد الله؟

في الجواب نقول: إن المصدر الأوّل لعالم الخلق وجميع العطايا والإمكانات الموجودة عند الناس هو الله، فهو الذي وضع جميع الوسائل في متناول الناس لبلوغ العزّة والسعادة.

وهو الذي وضع في الكون تلك القوانين التي إذا لم يلتزمها الناس انحدروا إلى الذلّ والتعاسة.

وعلى هذا الأساس يمكن إرجاع كلّ تلك الأُمور إليه، وليس في ذلك أيّ تعارض مع حرّية إرادة البشر، لأنّ الإنسان هوالذي يتصرّف بهذه القوانين والمواهب والقوى والطاقات تصرّفاً صحيحاً أوخاطئاً.


1- إرشاد المفيد: نقلاً عن تفسير الميزان.