الآيتان 10 - 11
﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مِّنَ اللهِ شَيْئاً وَأُوْلَئكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ * كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعُوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَـاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
التّفسير
بعد بيان مواقف الكفّار والمنافقين والمؤمنين من الآيات "المحكمات" و"المتشابهات" في الآيات السابقة، تقول هذه الآية: إذا كان الكفّار المعاندون يحسبون أنّهم بثرواتهم وأبنائهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم في الآخرة فهم على خطأ كبير، فهذه الوسائل قد يكون لها تأثيرها المؤقت في هذه الدنيا، ولكنّها عند الله لن يكون لها أيّ تأثير، لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة.
لذلك ينبغي ألاّ يغترّ الإنسان بهذه الأُمور فتحمله على إرتكاب الإثم، وإلاَّ فإنّه يصلى ناراً سيكون هو حطبها.
(وأُولئك هم وقود النار)(1) يفيد هذا التعبير أنّ نار الجحيم مستعرة بوجود المذنبين، وهؤلاء المذنبون هم الذين يديمون أوارها ولهيبها.
نعم ثمّة آيات تقول إنّ الحجارة أيضاً تكون وقود نار جهنم بالإضافة إلى المذنبين.
ولكن- كما قلنا في تفسير الآية 24 من سورة البقرة في الجزء الأول- يمكن أن تكون هذه الحجارة هي الأصنام التي كانوا ينحتونها من الحجر.
وعليه فإنّ نار جهنّم تستعر بأعمال المذنبين وبمعبوداتهم الباطلة.
ثمّ تشير الآية إلى نموذج من الاُمم السالفة التي كانت قد اُوتيت الثروة الإنسانية والمادية الكثيرة، ولم تستطيع هذه الثروة أن تكون مانع من هلاكهم.
(كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب).
"الدأب" إدامة السير، والعادة المستمرّة دائماً على حالة واحدة.
فهذه الآية تشبّه حال الكفّار المعاصرين لرسول الله (ص) بما كان آل فرعون قد اعتادوا عليه- وكذلك الأقوام السابقة- من تكذيب آيات الله، فأخذهم الله بذنبهم وأنزل بهم عقابه الصارم في هذه الدنيا.
هذا في الواقع إنذار للكافرين المعاندين على عهد رسول الله (ص) لكي يعتبروا بمصير الفراعنة والأقوام السالفة، ويصحّحوا أعمالهم.
صحيح أنّ الله "أرحم الراحمين" ولكنه في المواضع ومن أجل تربية عبيده "شديد العقاب" أيضاً، ولا ينبغي أن يغترّ العبيد برحمة مولاهم الواسعة أبداً.
يستفاد أيضاً من "الدأب" أنّ هذه الإتّجاه الخطأ- أي العناد إزاء الحقيقة وتكذيب آيات الله- أصبح عادة ثابتة فيهم، ولهذا يهدّدهم بعذاب شديد، وذلك لأنّه ما دام الإثم لم يصبح عادةً ونهجاً في الحياة فإنّ الرجوع عنه ميسور وعقابه خفيف، ولكنّه إذا نفذ إلى داخل أعماق الإنسان فالرجوع عنه متعذّر، والعقاب عليه شديد.
فخير للكافرين أن ينتهزوا الفرصة قبل فوات الأوان ويرجعوا عن طريق الضلال.
1- سبق أن قلنا إنّ "الوقود" هو ما تشتعل به النار كالحطب، لا ما تشتعل به النار كالكبريت.