إعراض القوم عن علي في جمع القرآن

لابدّ قبل الورود في البحث من أن نقول: لقد كان أمير المؤمنين علي - (عليه السلام) - أعلم الناس بكتاب الله - عزّ وجلّ - عند المخالف والمؤالف، وهو القائل: " والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت "(1)

والقائل: " سلوني عن كتاب الله، فإنّه ليس آية إلاّ وقد عرفت أبليل نزلت أن بنهار، في سهل أو جبل "(2).

وهو الذي قال رسول الله - (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - في حقّه: " علي مع القرآن والقرآن مع علي "(3).

وناهيك بحديث: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها "(4).

وعلي (عليه السلام) استاذ ابن عبّاس في التفسير، وقد ذكر القوم أنّ " أعلم الناس بالتفسير أهل مكّة لأنّهم أصحاب ابن عبّاس "(5).

فلماذا لم يعدّه أنس بن مالك - ولا غيره - من حفّاظ القرآن، ومن الّذين أم الرسول - (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - بتعلّمه منهم والرجوع إليهم فيه، فيما رواه البخاري في صحيحه؟!

ثمّ إنّه - (عليه السلام) - رتّب القرآن الكريم ودوّنه بعيد وفاة النبي - (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - من القراطيس التي كان مكتوباً عليها، فكان له مصحف تامّ مرتّب يختصّ به كما لعدّة من الصحابة في الأيام اللاحقة، وهذا من الامور المسلّمة تاريخياً عند جميع المسلمين(6) ومن جلائل فضائل سيّدنا أمير المؤمنين... فلما ذا لم يستفيدوا منه؟!

ولعلّ إعراض القوم عن مصحف علي هو السبب في قدح ابن حجر العسقلاني(7) ومن تبعه كالآلوسي(8) في الخبر الحاكي له.. مع أنّ هذا الأمر من الامور الثابتة الضرورية المستغنية عن أيّ خبر مسند.. لكنّ هؤلاء يحاولون توجيه ما فعله القوم أو تركوه كلّما وجدوا إلى ذلك سبيلاً..!!

ثمّ إنّه لماذا لم يدعوا الإمام - (عليه السلام) - ولم يشركوه في جمع القرآن؟! فإنّا لا نجد ذكراً له فيمن عهد إليهم أمر جمع القرآن في شيء من أخبار القضية، لا في عهد أبي بكر ولا في عهد عثمان.. فلماذا؟! ألا، إنّ هذه امور توجب الحيرة وتستوقف الفكر!!


1- حلية الأولياء 1: 67، أنساب الأشراف 1: 99.

2- أنساب الأشراف 1: 99، الاستيعاب 3: 1107.

3- المستدرك 3: 124، الصواعق: 76 و 77، كفاية الطاب: 254.

4- من الأحاديث المتواترة بين المسلمين. بحثنا عنه سنداً ودلالةً في الجزء العاشر وتالييه من أجزاء كتابنا ( نفحات الازهار في خلاصة عبقات الأنوار ).

5- الإتقان 2: 385.

6- انظر: فتح الباري 9: 9، الاستيعاب - ترجمة أبي بكر -، الصواعق: 78، الإتقان 1: 99، حلية الأولياء 1: 67، التسهيل لعلوم التنزيل 1: 4 المصنّف لابن أبي شيب 1: 545، طبقات ابن سعد 2: 338.

7- فتح الباري 9: 9.

8- روح المعاني 1: 21.