الآية 173 - 176

﴿فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم - من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا (173) يا أيها الناس قد جاءكم برهن من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا (174) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيد خلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما (175)﴾

فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا: تفصيل للمجازاة المدلول عليها من فحوى الكلام، وكأنه قال: فسيحشرهم إليه جميعا يوم يحشر العباد للمجازاة، أو لمجازاة المستنكف والمستكبر، فإن إثابة مقابليهم، والاحسان إليهم تعذيب لهم بالغم والحسرة.

يا أيها الناس قد جاءكم برهن من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا: قيل: المراد بالبرهان المعجزات، وبالنور القرآن، أي جاء كم دلائل العقل، وشواهد النقل، ولم يبق لكم عذر ولا علة (1).

وقيل: البرهان رسول الله، والنور القرآن (2).

وفي مجمع البيان: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، النور ولاية علي (عليه السلام) (3).

﴿يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم (176)﴾

فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيد خلهم في رحمة منه: ثواب مستحق.

وفضل: وإحسان زائد عليه.

ويهديهم إليه: إلى الله، أو الموعود من الرحمة والفضل.

صراطا مستقيما: قد مر تحقيق معنى الصراط في سورة الفاتحة.

وفي تفسير العياشي: عن عبد الله بن سليمان قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قوله: " فد جاء كم برهان " الآية قال: البرهان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والنور علي (عليه السلام) قال: قلت له " صراطا مستقيما " قال: الصراط المستقيم علي (عليه السلام) (4).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: النور إمامة أمير المؤمنين، والاعتصام التمسك بولايته، وولاية الأئمة بعده (5).

يستفتونك: اي في الكلالة حذف لدلالة الجواب عليه.

نقل أن جابر بن عبد الله كان مريضا، فعاوده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله إن لي كلالة، فكيف أصنع في مالي؟، فنزلت (6).

وروي في مجمع البيان ما يقرب من ذلك (7).

قل الله يفتيكم في الكلالة: معنى تفسيرها في أوائل السورة.

في الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن جميل بن دراج، عن زرارة قال: إذا ترك الرجل أمه أو أباه أو ابنه أو ابنته فإذا ترك واحدا من الأربعة فليس بالذي عنى الله في كتابه: " قل الله يفتيكم في الكلالة " (8).

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعلي ابن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب وعبد الله بن بكير، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا ترك الرجل أباه أو أمه أو ابنه أو ابنته، إذا ترك واحدا من هؤلاء الا ربعة فليس هم الذين عنى الله " قل الله يفتيكم في الكلالة " (9).

(وفي الكافي علي بن إبراهيم.

) (10).

إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك: ارتفع " امرؤ " بفعل يفسره الظاهر، و " ليس له ولد " صفة له، أو حال من المستكن في " هلك " والواو في " وله " يحتمل الحال والعطف.

أي أخت لأب وأم، أو أخت لأب، كذا عن الصادق (عليه السلام) (11).

فللأخت نصف ما ترك الميت بالفرض، والباقي يرد عليها أيضا.

وهو يرثها: أي المرء يرث أخته جميع مالها، إن كانت الأخت هي الميتة.

إن لم يكن لها ولد: ولا والد، لان الكلام في ميراث الكلالة، ولان السنة دلت على أن الاخوة لا يرثون مع الأب كما تواتر عن أهل البيت (عليهم السلام) (12).

فإن كانتا اثنتين: الضمير لمن يرث بالاخوة، وتثنيته محمولة على المعنى، وفائدة الاخبار باثنتين، والتنبيه على أن الحكم باعتبار العدد، دون الصغر والكبر وغير هما.

فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين: فيه تغليب، واصله: إن كانوا إخوة وأخوات، فغلب الذكر.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بكير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا مات الرجل وله أخت، تأخذ نصف الميراث بالآية كما تأخذ البنت لو كانت، والنصف الآخر يرد عليها بالرحم، إذا لم يكن للميت وارث أقرب منها، فإن كان موضع الأخت أخ، أخذ الميراث كله بالآية، لقول الله " وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " فإن كانتا أختين أخذتا الثلثين بالآية، والثلث الباقي بالرحم " وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين " وذلك كله إذا لم يكن للميت ولد، أو أبوان أو زوجة (13).

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمد بن عيسى، عن يونس، عن عمر بن أذينة، عن بكير قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) فسأله عن امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمها وأختها لأبيها؟فقال: للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللاخوة من الام الثلث سهمان، وللأخت من الأب السدس سهم، فقال له الرجل: فإن فرائض زيد وفرائض العامة والقضاء على غير ذلك يا أبا جعفر يقولون: للأخت من الأب ثلاثة أسهم تصير من ستة، وتعول إلى ثمانية، فقال أبو جعفر (عليه السلام): فلم قالوا ذلك؟قال: لان الله (عز وجل) يقول: " وله أخت فلها نصف ما ترك " فقال أبو جعفر: فإن كانت الأخت أخا؟قال: فليس له إلا السدس، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): فما لكم نقصتم الأخ إن كنتم تحتجون للأخت النصف بأن الله سمى لها النصف، فإن الله قد سم للأخ الكل، والكل أكثر من النصف، لأنه قال (عز وجل): " فلها النصف " وقال للأخ " وهو يرثها " يعني جميع مالها " إن لم يكن لها ولد ".

فلا تعطون الذي جعل الذي الله له الجميع في بعض فرائضكم شيئا، وتعطون الذي جعل الله له النصف تاما؟فقال له الرجل: أصلحك الله فكيف تعطى الأخت النصف ولا يعطى الذكر لو كانت هي ذكرا شيئا؟فقال: تقولون في أم وزوج وإخوة لأم وأخت لأب، يعطون الزوج النصف، والام السدس، والاخوة من الأخت من الأب النصف ثلاثة، فيجعلونها من تسعة، وهي من ستة فترتفع إلى تسعة قال: وكذلك تقولون: قال: فإن كانت الأخت ذكرا أخا لأب، قال: ليس له شئ، فقال الرجل لأبي جعفر (عليه السلام) فما تقول أنت جعلت فداك؟فقال: ليس للاخوة من الأب والام، ولا الاخوة من الام، ولا الاخوة من الأب مع (الام) (14) شئ.

قال عمر بن أذينة: وسمعته من محمد بن مسلم يرويه مثل ما ذكر من بكير، المعنى سواء لست أحفظه بحروفه وتفصيله إلا معناه، قال: فذكرت ذلك لزرارة، فقال صدقا هو والله الحق (15).

محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن بكير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سأله رجل عن أختين وزوج؟فقال: النصف والنصف فقال الرجل: النصف والنصف، أليس الله قد سمى المال فقال: " وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " (16).

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن (عبد الله) (17) بن المغيرة، عن موسى بن بكر قال: قلت لزرارة: إن بكيرا حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام): إن الإخوة للأب والأخوات للأب والام يزادون وينقصون، لأنهن لا يكن أكثر نصيبا من الاخوة والأخوات للأب والام لو كانوا مكانهن، لان الله (عز وجل) يقول: " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد " يقول: يرثه جميع ما لها إن لم يكن لها ولد، فأعطوا من سمى الله له النصف كملا، وعمدوا فأعطوا الذي سمى الله له المال كله أقل من النصف، والمرأة لا تكون أبدا أكثر نصيبا من الرجل لو كان مكانها، قال: فقال زرارة: وهذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه (18).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن عمر بن أذينة، عن بكير بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وذكر حديثا طويلا يقول (عليه السلام) في آخرة: وفي آخر سورة النساء " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت " يعني أختا لأم وأب أو أختا لأب " فلها نصف ما ترك.

وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، وإن كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين " فهم الذين يزادون (وينقصون) (19) (20).

يبين الله لكم أن تضلوا: أي يبين لكم ضلالكم الذي من شأنكم إذا خليتم وطبائعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه، أو يبين لكم الحق والصواب كراهة أن تضلوا.

وقال الكوفيون: لئلا تضلوا، فحذف " لا " (21).

والله بكل شئ عليم: فهو عالم بمصالح العباد في المحيى والممات.

قيل: هي آخر آية نزلت في الاحكام (22). (23) (24) (25) (26) (27) (28) (29) (30) (31) (32)


1- مجمع البيان: ج 3 ص 146 في شأن نزول آية 172 من سورة النساء.

2- علل الشرائع: ج 1 ص 152 باب 127 علة تختم أمير المؤمنين (عليه السلام) في يمينه، ح 3 وتمام الحديث (قال: بما أتختم يا رسول الله؟قال: بالعقيق الأحمر، فإنه أقر لله (عز وجل) بالوحدانية ولي بالنبوة ولك يا علي بالوصية ولولدك بالإمامة ولمحبيك بالجنة ولشيعة ولدك بالفردوس).

3- تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 10 س 2 في تفسيره لآية 1 من سورة بني إسرائيل.

4- قوله: (باعتبار التكثير دون التكبير) الأول بالثاء المثلثة، والثاني بالباء الموحدة، يعني أن المبالغة تحصل في المعطوف باعتبار الكثرة دون الكبر والعظمة، يعني: لن يستنكف المسيح وهو شخص واحد ولا الاشخاص الكثيرة التي هم الملائكة المقربون (من حاشية الكازروني على تفسير البيضاوي).

5- الاحتجاج والجواب من البيضاوي: ج 1 ص 258 في تفسيره لآية 172 من سورة النساء.

6- علل الشرائع: ج 1 ص 6، باب 7 العلة التي من أجلها صارت الأنبياء والرسل والحجج (صلوات الله عليهم) أفضل من الملائكة س 8 والحديث منقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولفظه: (وأنه لما عرج لي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى ثم قال إلخ).

7- في النسخة أ: النشر والذعل والفعل ونجاسته الدنيوية.

8- الاحتجاج: ج 1 ص 62 ذكر ما جرى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الاحتجاج على المنافقين في طريق تبوك وغير ذلك من كيدهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على العقبة بالليل س 2.

9- كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 252، باب 23 نص الله (تبارك وتعالى) على القائم (عليه السلام) وانه الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) قطعة من ح 2.

10- أمالي الصدوق (رحمه الله): ص 394، المجلس الثالث والسبعون قطعة من ح 18.

11- قاله البيضاوي: ج 1 ص 259 في تفسيره لآية 174 من سورة النساء.

12- الدر المنثور: ج 2 ص 249 في تفسيره لآية 174 من سورة النساء نقلا عن سفيان الثوري.

13- مجمع البيان: ج 3 ص 147 في تفسيره لآية 174.

14- تفسير العياشي: ج 1 ص 285 ح 308.

15- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 159 س 12 في تفسيره لآية 175 من سورة النساء.

16- نقله البيضاوي: ج 1 ص 259 في تفسيره لآية 176 من سورة النساء.

17- مجمع البيان: ج 3 ص 149 في سبب نزول آية 176 من سورة النساء.

18- الكافي ج 67 ص 83 كتاب المواريث ذيل ح 1.

19- الكافي: ج 7 ص 99 كتاب المواريث ح 1.

20- كذا في النسخة - أ، والظاهر - والله أعلم - إما ان هذا الكلام زائد من سهو الناسخ، أو أن هناك حديث أورد بعض سنده وسهى عن إكماله.

21- الكافي: ج 7 ص 101 كتاب المواريث باب ميراث الإخوة والأخوات مع الولد ضمن ح 3.

22- وسائل الشيعة: ج 17 ص 434 كتاب الفرائض والمواريث، الباب 1 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، فلا حظ.

23- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 159 س 18 في تفسيره لآية 176 من سورة النساء.

24- في النسخة - أ -: الأب.

25- الكافي: ج 7 ص 102 كتاب المواريث باب ميراث الإخوة والأخوات مع الولد ح 4.

26- الكافي: ج 7 ص 103 كتاب المواريث، باب ميراث الإخوة والأخوات مع الولد ص 103 ح 6.

27- في النسخة - أ -: (عبيد الله).

28- الكافي: ج 7 ص 104 كتاب المواريث، باب ميراث الإخوة والأخوات مع الولد ح 7.

29- في النسخة أ: وينفقون.

30- الكافي: ج 7 ص 101 كتاب المواريث، باب ميراث الإخوة والأخوات مع الولد قطعة من ح 3.

31- تقديره، كراهة أن تضلوا، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وهو مفعول له، وقيل: تقديره، لئلا تضلوا فحذف (اللام ولا) من الكلام، لان فيما أبقى دليلا على ما ألقى والوجه الأول أوجه الوجهين (البيان لابن الأنباري: ص 281).

32- قال البيضاوي: ج 1 ص 259 في تفسيره لآية 176 من سورة النساء.