لآية 120 - 127

﴿يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (120) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا (121) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سند خلهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا (122) ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا (123)﴾

يعدهم: ما لا ينجز.

ويمنيهم: ما لا ينالون.

وما يعدهم الشيطان إلا غرورا: وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر.

وهذا الوعد إما بالخواطر الفاسدة، أو بلسان أوليائه.

وفي تفسير العياشي: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديث طويل يذكر فيه ما أكرم الله به آدم (عليه السلام)، وفي آخره فقال إبليس: رب هذا الذي كرمت علي وفضلته، وإن لم تفضلني عليه لم أقو عليه، قال: لا يولد له ولد إلا ولد لك ولدان، قال: رب زدني؟قال: تجري منه مجرى الدم في العروق، وقال: رب زدني؟قال: تتخذ أنت وذريتك في صدورهم مساكن، قال: رب زدني؟قال: تعدهم وتمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (1).

أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا: معدلا ومهربا، من حاص يحيص إذا عدل، و " عنها " حال منه أي من المحيص، وليس صلة له لأنه اسم مكان، وإن جعل مصدرا فلا يعمل أيضا فيما قبله.

والذين آمنوا وعملوا الصالحات سند خلهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها أبدا وعد الله حقا: أي وعده وعدا، وحق ذلك حقا، فالأول مؤكد لنفسه، لأنه مضمون الجملة الاسمية التي قبلها، والثاني مؤكد لغيره.

ويجوز أن ينتصب الموصول بفعل يفسره ما بعده.

و (وعد الله) بقوله: " سندخلهم " لأنه بمعنى نعدهم ادخالهم، و " حقا " على أنه حال من المصدر.

ومن أصدق من الله قليلا: جملة مؤكدة بليغة.

والمقصود من الآية، معارضة المواعيد الشيطانية الكاذبة لقرنائه، وعد الله الصادق لأوليائه، أو المبالغة في توكيده ترغيبا للعبادة في تحصيله.

ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتب: في تفسير علي بن إبراهيم: ليس ما تمنون أنتم ولا أهل الكتاب، أي أن لا تعذبون بأفعالكم (2).

قيل: روي أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى منكم، نبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب المتقدمة، فنزلت (3).

وقل: الخطاب مع المشركين (4).

ويدل عليه تقدم ذكرهم، أي ليس الامر بأماني المشركين، وهو قولهم: لا جنة ولا نار، وقولهم: إن كان الامر كما يزعم هؤلاء، لنكونن خيرا منهم وأحسن حالا.

ولا أماني أهل الكتاب وهو قولهم: " لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " (5) وقولهم: " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " (6).

من يعمل سوءا يجز به: عاجلا أو آجلا.

وفي عيون الأخبار: في باب قول الرضا (عليه السلام) لأخيه زيد بن موسى (7) حين افتخر على من في مجلسه، بإسناده إلى أبي الصلت الهروي قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يحدث عن أبيه أن إسماعيل (8) قال للصادق (عليه السلام): يا أبتاه ما تقول في المذنب منا ومن غيرنا؟فقال (عليه السلام): " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به " (9).

وفي مجمع البيان: عن أبي هريرة (10) قال: لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا ﴿ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (124)﴾

وقلنا: يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شئ، فقال: أما والذي نفسي بيده، إنها لكما أنزلت، ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا، إنه لا يصيب أحد منكم مصيبة إلا كفر الله بها خطيئته، حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه (11).

وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام): لما نزلت هذه الآية: " من يعمل سوء يجز به " قال بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أشدها من آية ؟! فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما تبتلون في أنفسكم وأموالكم وذراريكم؟قالوا: بلى، قال: هذا مما يكتب الله لكم به الحسنات ويمحوا به السيئات (12).

وفي الكافي: عنه (عليه السلام): إن الله تعالى إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالسقم، فإن لم يفعل ذلك به ابتلاه بالحاجة، فإن لم يفعل ذلك به، شدد عليه الموت ليكافيه بذل الذنب، الحديث (13).

ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا: أي وليا يواليه ونصيرا ينصره في دفع العذاب عنه.

ومن يعمل من الصالحات: بعضها وشيئا منها، فإن كل أحد لا يتمكن من كلها.

من ذكر أو أنثى: في موضع الحال من المستكن في " من يعمل " و " من " للبيان، أو " من الصالحات " أي كائنة من ذكر وأنثى، و " من للابتداء.

﴿ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا (125)﴾

وهو مؤمن: حال شرط اقتران العمل بها، في استدعاء الثواب المذكور، تنبيها على أنه لا اعتداد به دونه.

فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا: بنقص شئ من الثواب.

وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر " يدخلون الجنة " هنا وفي مريم (وغافر) (14) بضم الياء وفتح الخاء، والباقون بفتح الياء وضم الخاء.

ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه الله: أخلص نفسه لله، لا يعرف لها ربا سواه.

وقيل: بذل وجهه له في السجود.

وفي الاستفهام تنبيه على أن ذلك ما يبلغه القوة البشرية.

وهو محسن: آت بالحسنات تارك للسيئات.

وفي مجمع البيان: وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل عن الاحسان؟فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك؟.

واتبع ملة إبراهيم: الموافقة لدين الاسلام، المتفق على صحتها، يعني اقتد بدينه وسيرته وطريقته.

حنيفا: مائلا عن سائر الأديان، وهو حال من المتبع، أو من الملة، أو إبراهيم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم، قال: هي العشرة التي جاء بها إبراهيم التي لم تنسخ إلى يوم القيامة (15).

واتخذ الله إبراهيم خليلا: اصطفاه وخصصه بكرامة الخلة.

وإنما ذكره ولم يضمر، تفخيما له، وتنصيصا على أنه الممدوح.

قيل: والخلة، إما من الخلال، فإنه ود يخلل النفس ويخالطها، أو من الخلل فإن كل واحد من الخليلين يسد خلل الآخر، أو من الخل وهو الطريق في الرمل، فإنهما يتوافقان الطريقة، أو من الخلة بمعنى الخصلة، فإنهما يتوافقان في الخصال.

والجملة استئناف جئ بها للترغيب في اتباع ملته، والايذان بأنه نهاية في الحسن وغاية في كمال البشر (16).

في روضة الكافي: أبان بن عثمان، عن محمد بن مروان، عمن رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما اتخذ الله (عز وجل) إبراهيم خليلا أتاه بشراه بالخلة، فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضا يقطر رأسه ماء ودهنا، فدخل إبراهيم (عليه السلام) الدار فاستقبله خارجا من الدار، وكان إبراهيم (عليه السلام) رجلا غيورا، وكان إذا خرج في حاجة أغلق بابه وأخذ مفتاحه معه، ثم رجع ففتح فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون من الرجال، فأخذ بيده وقال: يا عبد الله من أدخلك داري؟فقال: ربها أدخلنيها، فقال: ربها أحق بها مني؟فمن أنت؟قال: أنا ملك الموت، ففزع إبراهيم (عليه السلام) وقال.

جئتني لتسلبني روحي؟قال: لا، ولا كن اتخذ الله عبدا خليلا، فجئت لبشارته، قال: فمن هو لعلي أخدمه حتى أموت؟قال: أنت هو، فدخل على سارة، فقال لها: أن الله (تبارك وتعالى) اتخذني خليلا (17).

وفي كتاب الإحتجاج للطبرسي (رحمه الله): في حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يقول فيه (عليه السلام): قولنا: إن إبراهيم خليل الله، فإنما هو مشتق من الخلة أو الخلة (18)، والخلة إنما معناها الفقر والفاقة، فقد كان خليلا إلى ربه فقيرا، وإليه منقطعا، وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا، وذلك أنه لما أريد قذفه في النار، فرمي به في المنجنيق، فبعث الله إلى جبرئيل، فقال له: أدرك عبدي فجاءه فلقيه في الهواء، فقال: كلفني ما بدالك، فقد بعثني الله لنصرتك، فقال: بل حسبي الله ونعم الوكيل، إني لا أسأل غيره، ولا حاجة لي إلا إليه، فسماه خليله، أي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه، قال: فإذا جعل معنى ذلك من الخلة، وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره، كان معناه العالم به وبأموره، ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلفه، ألا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله، وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله (19).

وفي عيون الأخبار: في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من العلل إلى الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه (عليه السلام) أنه قال: إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه لم يرد أحدا ولم يسأل أحدا قط غير الله (20).

وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى ابن أبي عمير، عمن ذكره قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): اتخذ الله (عز وجل) خليلا قال: لكثرة سجوده على الأرض (21).

وبإسناده إلى سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: سمعت علي بن محمد العسكري (عليه السلام) يقول: إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا، لكثرة صلاته على محمد وأهل بيته (صلوات الله عليهم) (22).

وبإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما اتخذ الله إبراهيم خليلا إلا لاطعامه الطعام وصلاته بالليل والناس نيام (23).

وبإسناده إلى عبد الله بن الهلال إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما جاء المرسلون إلى إبراهيم (عليه السلام)، جاءهم بالعجل فقال: كلوا فقالوا: لا نأكل حتى تخبرنا ما ثمنه؟فقال: إذا أكلتم فقولوا: بسم الله، وإذا فرغتم فقولوا: الحمد لله، فقال: فالتفت جبرئيل إلى أصحابه وكانوا أربعة جبرئيل رئيسهم، فقال: حق لله أن يتخذ هذا خليلا (24).

وفي الكافي: علي بن محمد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابه، عن معاوية بن عمار، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن إبراهيم كان أبا أضياف، فكان إذا لم يكونوا عندهم خرج يطلبهم وأغلق بابه وأخذ المفاتيح ويطلب الأضياف، وإنه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدار فقال: يا عبد الله بإذن من دخلت هذه الدار؟قال: دخلتها بإذن ربها، يردد ذلك ثلاث مرات، فعرف إبراهيم أنه جبرئيل (عليه السلام)، فحمد الله ثم قال: أرسلني ربي إلى عبد من عبيده يتخذه خليلا، قال إبراهيم (عليه السلام) فعلمني من هو أخدمه حتى أموت؟قال: فأنت، قال: ومم ذلك؟قال: لأنك لم تسأل أحدا شيئا قط، ولم تسأل شيئا قط فقلت: لا (25).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد (عليه السلام): أن إبراهيم أول من حول له الرمل دقيقا، وذلك أنه قصد صديقا له بمصر في قرض طعام، فلم يجده في منزله، فكره أن يرجع بالحمار خاليا فملا جرابه رملا، فلما دخل بمنزله خلى بين الحمار وبين سارة استحياء منها ودخل البيت ونام، ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون فخبزت وقدمت إليه طعاما طيبا، فقال إبراهيم: من أين لك هذا؟فقالت: من الدقيق الذي حملته من عند خليلك المصري، فقال إبراهيم (عليه السلام): أما أنه خليلي وليس بمصري، فلذلك أعطي الخلة، فشكر الله وحمده فأكل (26).

وفي أصول الكافي: محمد بن الحسن، عمن ذكره، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله (تبارك وتعالى) اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا (27) وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، (28) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي كتاب الإحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل في مكالمة له بينه وبين اليهودي، وفيه قالوا: إبراهيم خير منك، قال: ولم ذلك؟قالوا: لان الله اتخذه خليلا، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن كان إبراهيم (عليه السلام) خليلا، فأنا حبيبه محمد (29).

وفي مجمع البيان: وقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: قد اتخذ الله صاحبكم خليلا، يعني نفسه (30).

وفي بعض الروايات: أن الملائكة قال بعضهم لبعض: اتخذ ربنا من نطفة خليلا، وقد أعطاه ملكا عظيما جزيلا، فأوحى الله إلى الملائكة: اعمدوا على أزهدكم ورئيسكم، فوقع الاتفاق على جبرئيل وميكائيل، فنزلا إلى إبراهيم في يوم جمع غنمه، وكان لإبراهيم أربعة آلاف راع وأربعة آلاف كلب في عنق كل كلب طوق وزن من من ذهب أحمر، وأربعون ألف غنمة حلابة، وما شاء الله من الخيل والجمال، فوقف الملكان في طرفي الجمع، فقال أحدهما بلذاذة صوت: سبوح ﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شئ محيطا (126) ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتب في يتامى النساء الآتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما (127)﴾

قدوس، فجاوبه الثاني: رب الملائكة والروح، فقال: أعيداهما ولكما نصف مالي، ثم قال: أعيداهما ولكما مالي وولدي وجسدي، فنادت ملائكة السماوات هذا هو الكرم، هذا هو المكرم، فسمعوا مناديا من العرش يقول: الخليل موافق لخليله (31).

ولله ما في السماوات وما في الأرض: خلقا وملكا يختار منها ما يشاء ومن يشاء.

وقيل: هو متصل بذكر الأعمال مقرر لوجوب طاعته على أهل السماوات والأرض وكمال قدرته على مجازاتهم على الأعمال (32).

وكان الله بكل شئ محيطا: علما وقدرة، فكان عالما بأعمالهم الخير والشر قادرا على جزائهم فيجازيهم عليهما ما وعد وأوعد.

ويستفتونك: ويسألونك الفتوى، أي تبيين الحكم.

في النساء: في ميراثهن.

قيل: إن سبب نزوله أن عيينة بن الحصين أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أخبرنا أنك تعطي الابنة النصف، والأخت النصف، إنما تورث من يشهد القتال ويجوز الغنيمة ؟! فقال (عليه السلام): كذلك أمرت (33).

في تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله " يستفتونك في النساء " فإن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن النساء وما لهن من الميراث، فأنزل الله الربع والثمن (34).

قل الله يفتيكم فيهن: يبين لكم حكمه فيهن، والافتاء تبيين المبهم.

وما يتلى عليكم في الكتب: عطف على اسم " الله " أو ضميره المستكن في " يفتيكم " وجاز للفصل، فيكون الافتاء مسندا إلى الله، وإلى ما في القرآن من نحو قوله: " يوصيكم الله " (35) والفعل الواحد ينسب إلى فاعلين باعتبارين مختلفين، ونظيره: أغناني زيد وعطاءه.

أو استئناف معرض لتعظيم المتلو عليهم، على أن " ما يتلى عليكم " مبتدأ، و " في الكتاب " خبره.

والمراد به اللوح المحفوظ.

ويجوز أن ينتصب على معنى، ويبين لكم ما يتلى عليكم في الكتاب.

أو يخفض على القسم، كأنه قيل: وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب.

ولا يجوز عطفه على المجرور في " فيهن " لاختلاله لفظا ومعنى.

في يتامى النساء: صلة " يتلى " إن عطف الموصول على ما قبله، أي يتلى عليكم في شأنهن، وإلا فبدل من " فيهن " أو صلة أخرى ب? " يفتيكم " على معنى الله يفتيكم فيهن بسبب يتامى النساء كما تقول: كلمتك اليوم في زيد.

وهذه الإضافة بمعنى (من) لأنها إضافة الشئ إلى جنسه.

وقرئ " ييامى " على أنه أيامى فقلبت همزته ياء.

التي لا تؤتونهن: لا تعطونهن.

ما كتب لهن: ما فرض لهن من الميراث.

في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): كان أهل الجاهلية لا يورثون الصغير ولا المرأة ويقولون: لا نورث إلا من قاتل ودفع عن الحريم، فأنزل الله تعالى آيات الفرائض التي في أول السورة، وهو معنى قوله: " لا تؤتونهن ما كتب لهن " (36) وفي تفسير علي بن إبراهيم زيادة، وهي قوله: وكانوا يرون ذلك حسنا في دينهم، فلما أنزل الله فرائض المواريث وجدوا من ذلك شديدا، فقالوا انطلقوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنذكر ذلك لعله يدعه أو يغيره، فأتوه فقالوا: يا رسول الله للجارية نصف ما ترك أبوها وأخوها، ويعطي الصبي الصغير الميراث، وليس واحد منهما يركب الفرس ولا يجوز الغنيمة ولا يقاتل العدو، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بذلك أمرت (37).

وترغبون أن تنكحوهن: قيل: في أن تنكحوهن، أو عن تنكحوهن، فإن أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهن إن كن جميلات ويأكلون ما لهن، وإلا كانوا يعضلوهن طمعا في ميراثهن (38).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: إن الرجل كان في حجره اليتيمة فتكون دميمة وساقطة، يعني حمقاء، فيرغب الرجل أن يتزوجها ولا يعطيها مالها، فينكحها غيره من أجل مالها، ويمنعها النكاح ويتربص بها الموت ليرثها، فنهى الله عن ذلك (39).

والواو يحتمل الحال على تقدير مبتدأ، والعطف.

والمستضعفين: عطف على يتامى النساء.

من الولدان: في موضع الحال من المستضعفين، أو ضميره، ويحتمل الصفة.

والعرب ما كانوا يورثونهم كما ذكر.

وأن تقوموا لليتامى بالقسط: عطف على يتامى النساء، أو المستضعفين، أي ويفتيكم، أو ما يتلى عليكم في أن تقوموا.


1- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 152 س 21 في تفسيره لآية 117 من سورة النساء.

2- مجمع البيان: ج 3 ص 113 في نقله المعنى لآية 117 من سورة النساء نقلا عن تفسير أبي حمزة الثمالي.

3- مجمع البيان: ج 3 ص 113 في نقله المعنى لآية 117 من سورة النساء نقلا عن تفسير أبي حمزة الثمالي.

4- نقله البيضاوي: ج 1 ص 244 في تفسيره لآية 117 من سورة النساء.

5- لم أظفر عليه في الأمالي ورواه في الصافي: ج 1 ص 464 نقلا عن الأمالي في تفسيره لآية 120 من سورة النساء.

6- مجمع البيان: ج 3 ص 113 في نقله المعنى لآية 119 من سورة النساء " فليبتكن اذان الانعام ".

7- مجمع البيان: ج 3 ص 113 في نقله المعنى لآية 119 من سورة النساء: " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ".

8- الروم: 30.

9- تفسير العياشي: ج 1 ص 276 قطعة من ح 277.

10- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 153 س 4.

11- نقله البيضاوي: ج 1 ص 245 في تفسيره لآية 123 من سورة النساء.

12- نقله البيضاوي: ج 1 ص 245 في تفسيره لآية 123 من سورة النساء.

13- البقرة: 111.

14- البقرة: 80.

15- زيد هذا المعروف ب? (زيد النار) خرج بالمدينة فأحرق وقتل ثم مضى إلى البصرة سنة ست وتسعين ومائة وقيل: إنه بعث إليه المأمون فاسر وحمل إليه فقال له: يا زيد خرجت بالبصرة وتركت أن تبدأ بدور أعدائنا من أمية وثقيف وغنى وباهلة وآل زياد وقصدت دور بني عمك؟فقال وكان مزاحا: أخطأت يا أمير المؤمنين من كل جهة، وإن عدت للخروج بدأت بأعدائنا فضحك المأمون وبعثه إلى أخيه الرضا، وقال: قد وهبت لك جرمه، فأحسن أدبه فلما جاؤوا به عنفه وخلى سبيله، وحلف أن لا يكلمه أبدا ما عاش (تلخيص من تنقيح المقال: ج 1 ص 471 تحت رقم 4455).

16- عن أعلام الورى: أن إسماعيل كان أكبر إخوته وكان أبوه الصادق (عليه السلام) شديد المحبة له والبر به، وقد كان يظن قوم من الشيعة في حياة الصادق (عليه السلام) أنه القائم بعده والخليفة له من بعده إذ كان أكبر إخوته ولميل أبيه إليه وإكرامه له، فمات في حياة أبيه الصادق (عليه السلام) بالعريض وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة حتى دفن بالبقيع، ولما مات إسماعيل انصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظن ذلك، وأقام على حياته طائفة لم تكن من خواص أبيه، بل كانت من الا باعد، فلما مات الصادق (عليه السلام) انتقل جماعة إلى القول بإمامة موسى بن جعفر، وافترق الباقون منهم فرقتين، فرقة منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل، لظنهم أن الإمامة كانت في أبيه، وأن الابن أحق بمقام الإمامة من الأخ، وفريق منه تثبتوا على حياة إسماعيل، وهم اليوم شذاذ، وهذان الفريقان يسميان الإسماعيلية، انتهى (تلخيص من تنقيح المقال: ج 1 ص 131 تحت رقم 794).

17- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 234 باب 58 قول الرضا (عليه السلام) لأخيه زيد بن موسى حين افتخر على من في مجلسه، ح 5.

18- لم يختلف الناس في اسم أحد في الجاهلية والاسلام، مثل ما اختلفوا في اسم (أبي هريرة). فلا يعرف على التحقيق اسمه الذي سماه به أهله ليدعي به بين الناس، لاحظ كتب الرجال: كا لإصابة والاستيعاب وكتاب شيخ المضيرة (أبو هريرة) تأليف محمود أبو رية.

19- مجمع البيان: ج 3 ص 115 في بيان المعنى لآية 123 من سورة النساء.

20- تفسير العياشي: ج 1 ص 277 ح 278.

21- الكافي: ج 2 ص 444 ح 1.

22- في النسخة - أ: (وابن عامر) والظاهر أنه تصحيف والصحيح ما أثبتناه.

23- مجمع البيان: ج 3 ص 116 في نقل المعنى لآية 125 من سورة النساء.

24- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 153 س 6 في تفسيره لآية 25 من سورة النساء.

25- الوجوه المحتملة من البيضاوي: ج 1 ص 246 لاحظ تفسيره لآية 125 من سورة النساء.

26- الكافي: ج 8 ص 392 ح 589.

27- قوله: (من الخلة أو الخلة) الأولى بالفتح وهي بمعنى الفقر والحاجة، والثانية بالضم وهي بمعنى غاية الصداقة والمحبة، اشتق من الخلال، لان المحبة تخللت قلبه، فصارت خلاله، أي في باطنه، وقد ذكر اللغويون أنه يحتمل كون الخليل مشتقا من الخلة بالفتح أو الضم (البحار ط بيروت: ج 9 ص 267).

28- الاحتجاج: ص 24 فصل في ذكر طرف مما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الجدال والمحاربة والمناظرة وما يجري مجرى ذلك مع من خالف الاسلام وغيرهم س 15 وصدره (فقال له: يا محمد أو لستم تقولون: إن إبراهيم خليل الله؟قال: قد قلنا ذلك، قال: فإذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول: إن عيسى ابن الله؟قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنهما لن يشتبها، لان قولنا أن إبراهيم خليل الله فإنما الخ). ورواه في البحار ط بيروت: ج 9 ص 260.

29- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 79 باب 32 في ذكر ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من العلل ح 4.

30- علل الشرائع: ج 1 ص 33 باب 32 العلة التي من أجلها اتخذ الله (عز وجل) إبراهيم خليلا ح 2.

31- علل الشرائع: ج 1 ص 33 باب 32 العلة التي من اجلها اتخذ الله (عز وجل) إبراهيم خليلا ح 3 و 4.

32- علل الشرائع: ج 1 ص 33 باب 32 العلة التي من اجلها اتخذ الله (عز وجل) إبراهيم خليلا ح 3 و 4.

33- علل الشرائع: ج 1 ص 34 باب 32 العلة التي من أجلها اتخذ الله (عز وجل) إبراهيم خليلا ح 6.

34- الكافي: ج 4 ص 40 كتاب الزكاة، باب معرفة الجود والسخاء ح 6.

35- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 153 س 7 في تفسيره لآية 125 من سورة النساء.

36- قوله: (إن الله اتخذ إبراهيم عبدا) إلخ قبلية العبودية على النبوة والنبوة على الرسالة ظاهرة، فإن الرسالة أرفع درجة من النبوة أرفع درجة من العبودية، فإن أكثر الناس لهم درجة العبودية، وليست لهم درجة النبوة. وأما قبلية الرسالة على الخلة والخلة على الإمامة فالوجه فيها أن الخلة هي فراغ القلب عن جميع ما سواه والخليل من لا يتسع القلب لغيره، وقد كان إبراهيم بهذه الصفة، كما يرشد إليه قوله: - حين قال له جبرئيل: ألك حاجة وقد رمي بالمنجنيق - أما إليك فلا، فنفى (عليه السلام) في تلك الحالة العظيمة أن يكون له حاجة إلى غير الله تعالى، ولا شبهة في أن هذه الدرجة فوق درجة الرسالة، إذ كل رسول لا يلزم أن تكون له هذه الدرجة. وأما الإمامة فهي أفضل من الخلة، لأنها فضيلة شريفة ودرجة رفيعة، وأجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها البشر بعقولهم، وقد شرف الله تعالى إبراهيم (عليه السلام) بها فقال: " أني جاعلك للناس إماما " بعد ما أعطاه الدرجات السابقة، فمن جهة عظم الإمامة في عينه (عليه السلام) قال سرورا بها " ومن ذريتي " فقال الله تعالى إيماء إلى إجابة دعائه، وتصريحا بأن الظالم في الجملة لا ينالها: " لا ينال عهدي الظالمين " فأبطلت هذه الآية إمامة كل سفيه وتقدم كل ظالم على البر التقي إلى يوم القيامة، وقررتها في الصفوة، ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذرية أهل الصفوة والطهارة فقال: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " فلم تزل الإمامة والخلافة في ذريته الطاهرة يرثها بعض عن بعض قرنا بعد قرن حتى ورثها الله تعالى نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " أن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " فكانت لهم خاصة فقلدها (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) بأمر الله تعالى فصارت في ذريته الأصفياء الأتقياء البررة الكرماء الذين هم أولوا الامر كما قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ثم طائفة من الصوص المتغلبة الذين نشأت عقولهم وعظامهم ولحومهم في عبادة الأوثان، وغصبوها من أهل الصفوة فضلوا وأضلوا كثيرا (شرح أصول الكافي للمولى المازندراني: ج 5 137).

37- الكافي: ج 175 كتاب الحجة، باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام)، ح 2

وتمام الحديث (فلما جمع له الأشياء قال (أني جاعلك للناس إماما) قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال: " ومن ذريتي، قال لا ينال عهدي الظالمين " قال: لا يكون السفيه إمام التقي).

38- الاحتجاج: ج 1 ص 49 احتجاجه (صلى الله عليه وآله وسلم) على اليهود في جواز نسخ الشرائع وفي غير ذلك س 6.

39- مجمع البيان: ج 3 ص 117 س 4 في تفسيره لآية 125 من سورة النساء.