الآيات 1-10

مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي تسع عشرة آية في الكوفي والبصري وعشرون في المدنيين

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى، إِنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعَى، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾

روي عن عائشة ومجاهد وعطاء وابن سيار: ان أول آية نزلت قوله (إقرأ باسم ربك الذي خلق) وهو قول أكثر المفسرين. وقال قوم: أول ما نزل قوله (يا أيها المدثر) وقد ذكرناه فيما مضى. هذا أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ان يقرأ باسم ربه الذي خلق الخلق، وأن يدعوه بأسمائه الحسنى. وفى تعظيم الاسم تعظيم المسمى، لان الاسم وصف ليذكر به المسمى بما لا سبيل إلى تعظيمه إلا بمعناه، فلهذا لا يعظم اسم الله حق تعظيمه إلا من هو عارف به ومعتقد العبادة ربه فهو معتقد بتعظيم المسمى لا وجه له يعتد به إلا تعظيم المسمى، ولهذا قال الله تعالى (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى) (1) وقال (فسبح باسم ربك) (2) وقال الله تعالى (تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام) (3) والباء زائدة، وتقديره اقرأ اسم ربك. وقوله (الذي خلق) في موضع جر، نعت ل? (ربك) الذي خلق الخلائق وأخرجهم من العدم إلى الوجود. وقوله (خلق الانسان من علق) تخصيص لبعض ما ذكره بقوله (الذي خلق) لأنه يشتمل على الانسان وغيره، وإنما أفرد الانسان بالذكر تشريفا له وتنبيها على ما خصه الله به من سائر الحيوان، وبين أنه مع ذلك خلقه الله من علق، وهو القطعة الجامدة من الدم، وإنما قال (علق) وهو جمع علقة لان المراد بالانسان الجمع، لأنه اسم جنس، وسمي به قطع العدم التي تعلق لرطوبتها بما تمر به، فإذا جفت لا تسمى علقا، وواحدها (علقة) مثل شجرة وشجر. وعلق في معنى الجمع، لان الانسان جمع على طريق الجنس، والنطقة تستحيل في الرحم علقة ثم مضغة ويسمى ضرب من الدود الأسود العلق، لأنه يعلق على الشفتين لداء يصيبها فيمتص الدم. وفي خلق الانسان من علق دليل على ما يصح أن ينقلب إليه الجوهر. وقوله (اقرأ وربك الأكرم) معناه اقرأ القرآن وربك الأكرم ومعنى الأكرم: الأعظم كرما وفي صفة الله تعالى معناه الأعظم كرما بما لا يبلغه كرم، الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه، لأنه يعطي من النعم ما لا يقدر على مثله غيره، فكل نعمة من جهته تعالى، إما بأن اخترعها أو سيبها وسهل الطريق إليها. وقوله (الذي علم بالقلم) (الذي) في موضع رفع، لأنه نعت لقوله (وربك) والمعنى إنه تعالى امتن على خلقه بما علمهم من كيفية الكتابة بالقلم، لما في ذلك من كثرة الانتفاع لخلقه، فقد نوه الله بذكر القلم إذ ذكره في كتابه، وقد وصف بعض الشعراء القلم فقال:

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه * وأري الجنا اشتارته أيد عواسل

وقوله (علم الانسان ما لم يعلم) امتنان من الله تعالى على خلقه بأن علمهم ما لم يكونوا عالمين به إما بخلق العلوم في قلوبهم من الضروريات أو بنصب الأدلة لهم على الوصول إليها فيما لم يعلموه ضرورة، وذلك من أعظم نعم الله تعالى على خلقه، وفي ذلك دلالة على أنه تعالى عالم لان العلم لا يقع إلا من عالم. وقوله (كلا) ردع وزجر وتقديره ارتدعوا وانزجروا معاشر المكلفين، ثم اخبر (إن الانسان ليطغي) ويحتمل أن يكون بمعنى حقا على وجه القسم بأن الانسان ليطغى أي ليجاوزا الحد في العصيان والخروج عن الطاعة (أن رآه استغنى) أي إذا كثر ماله واستغنى بطر وطغى، وخرج عن الحد الحدود له، ويجوز أن يقال: زيد رآه استغنى من الرؤية بمعنى العلم، ولا يجوز من رؤية العين، زيد (رآه) حتى تقول رأى نفسه، لان الذي يحتاج إلى خبر جاز فيه الضمير المتصل لطول الكلام بلزوم المفعول الثاني. وقرأ أبو عمرو (رآه) بفتح الراء وكسر الهمزة. وقرأ نافع وحفص عن عاصم بالفتح فيهما. الباقون بفتح الراء وبعد الهمزة الف على وزن (وعاه) على إمالة الفتحة، وأبو عمرو يميل الألف. ثم قال على وجه التهديد لهم (ان إلى ربك الرجعى) فالرجعى والمرجع والرجوع واحد أي مصيرهم ومرجعهم إلى الله فيجازيهم الله على أفعالهم على الطاعات بالثواب، وعلى المعاصي بالعقاب. وقوله (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) تقرير للنبي صلى الله عليه وآله وإعلام له ما يفعله بمن ينهاه عن الصلاة. وقيل: إن الآيات نزلت في أبي جهل بن هشام، والمراد بالعبد في الآية النبي صلى الله عليه وآله فان أبا جهل كان ينهى النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة وكان النبي صلى الله عليه وآله لما قال أبو جهل: ألم أنهك عن الصلاة انتهره واغلظ له، فقال أبو جهل، أنا أكثر أهل هذا الوادي ناديا - ذكره ابن عباس وقتادة - والمعنى أرأيت يا محمد صلى الله عليه وآله من فعل ما ذكرناه من منع الصلاة، وينهى المصلين عنها؟ماذا يكون جزاؤه؟وما يكون حاله عند الله؟وما الذي يستحقه من العقاب؟


1- سورة 17 الاسرى آية 110.

2- سورة 69 الحاقة آية 52.

3- سورة 55 الرحمن آية 78.