قوله: ﴿وإذ قال ربك للملائكة انى خالق بشرا من صلصال﴾

فقد كتبنا خبره.

28 - في كتاب علل الشرايع عن أبي جعفر عليه السلام عن علي أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل وفيه قال الله جل جلاله للملائكة: " انى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " وذلك من الله عز وجل تقدمة منه إلى الملائكة في آدم من قبل أن يخلقه احتجاجا منه عليهم، قال: فاغترف تبارك وتعالى غرفة من الماء العذب الفرات وصلصلها (1) فجمدت، ثم قال لها: منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمة المهتدين الدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة، ولا أبالي ولا اسئل عما أفعل وهم يسئلون، يعنى بذلك خلقه انه يسألهم، ثم اغترف من الماء المالح الأجاج فصلصلها فجمدت، ثم قال لها: منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة واخوان الشياطين، والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة و أتباعهم، ولا أبالي ولا اسئل عما أفعل وهم يسألون، قال: وشرط في ذلك البداء ولم يشرط في أصحاب اليمين البداء، ثم خلط المائين فصلصلهما ثم ألقاهما قدام عرشه، وهما ثلة من طين (2) ثم أمر الملائكة الأربعة الشمال والدبور والصبا والجنوب أن جولوا على هذه الثلة الطين وأبروها (3) وانسموها، ثم جزوها وفصلوها وأجروا الطبايع الأربعة الريح والمرة (4) والدم والبلغم، قال: فجاءت الملائكة عليها وهي الشمال والصبا والجنوب والدبور فأجروا فيها الطبايع الأربعة، قال: والريح في الطبايع الأربعة في البدن من ناحية الشمال، قال: والبلغم في الطبايع الأربعة في البدن من ناحية الصبا، قال: والمرة في الطبايع الأربعة في البدن من ناحية الدبور، قال: والدم في الطبايع الأربعة في البدن من ناحية الجنوب، قال: فاستقلت النسمة وكمل البدن، قال: فلزمه من ناحية الريح حب الحياة وطول الأمل والحرص، ولزمه من ناحية البلغم حب الطعام والشراب واللين والرفق، ولزمه من ناحية المرة الغضب والسفه والشيطنة والتجبر والتمرد والعجلة، ولزمه من ناحية الدم حب النساء واللذات وركوب المحارم والشهوات.

قال عمرو: أخبرني جابر ان أبا جعفر عليه السلام قال: وجدناه في كتاب من كتب علي عليه السلام.

29 - وباسناده إلى اسحق القمي (5) عن أبي جعفر الباقر عليه السلام حديث طويل يقول فيه عليه السلام: لما كان الله منفردا بالوحدانية ابتدأ الأشياء لا من شئ، فأجرى الماء العذب على أرض طيبة طاهرة سبعة أيام مع لياليها، ثم نضب (6) الماء عنها فقبض قبضة من صفاء ذلك الطين وهي طينتنا أهل البيت، ثم قبض قبضة من أسفل ذلك الطينة وهي طينة شيعتنا ثم اصطفانا لنفسه، فلو ان طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا لما زنى أحد منهم ولا سرق و لا لاط ولا شرب المسكر، ولا ارتكب شيئا مما ذكرت، ولكن الله عز وجل أجرى الماء المالح على أرض ملعونة سبعة أيام ولياليها، ثم نضب الماء عنها، ثم قبض قبضة وهي طينة ملعونة من حمأ مسنون وهي طينة خبال (7) وهي طينة أعدائنا، فلو ان الله عز وجل ترك طينتهم كما أخذناها لم تروهم في خلق الآدميين، ولم يقروا بالشهادتين ولم يصوموا ولم يصلوا ولم يزكوا ولم يحجوا البيت، ولم تروا أحدا منهم بحسن خلق، ولكن الله تبارك وتعالى جمع الطينتين طينتكم وطينتهم، فخلطهما وعركهما عرك الأديم (8) ومزجهما بالمائين، فما رأيت من أخيك المؤمن من شر: لواط (9) أو زنا أو شئ مما ذكرت من شرب مسكر أو غيره، فليس من جوهريته ولا من ايمانه، انما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت، وما رأيت من الناصب من حسن وجهه وحسن خلق أو صوم أو صلاة أو حج بيت الله أو صدقة أو معروف فليس من جوهريته، انما تلك الأفاعيل من مسحة الايمان اكتسبها، وهو اكتساب مسحة الايمان.

30 - في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الأحول قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الروح التي في آدم قوله فإذا سويته ونفخت فيه من روحي قال: هذه روح مخلوقة، والروح التي في عيسى مخلوقة.

31 - عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن بحر عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروون ان الله خلق آدم على صورته؟ فقال: هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على ساير الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه، والروح إلى نفسه فقال: " بيتي " " ونفخت فيه من روحي ".

32 - في كتاب التوحيد باسناده إلى محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: " ونفخت فيه من روحي " قال: روح اختاره الله واصطفاه و خلقه واضافه إلى نفسه، وفضله على جميع الأرواح فنفخ منه في آدم.

33 - وباسناده إلى أبى جعفر الأصم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الروح التي في آدم والتي في عيسى ما هما؟ قال: روحان مخلوقان اختارهما الله واصطفاهما: روح آدم وروح عيسى عليهما السلام.

34 - وباسناده إلى أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " ونفخت فيه من روحي " قال: من قدرتي.

35 - وباسناده إلى عبد الكريم بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي " قال: إن الله عز وجل خلق خلقا وخلق روحا، ثم أمر ملكا فنفخ فيه فليست بالتي نقصت من قدرة الله شيئا من قدرته.

36 - وباسناده إلى عبد الحميد الطائي عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: " ونفخت فيه من روحي " كيف هذا النفخ؟ فقال: ان الروح متحرك كالريح وانما سمى روحا لأنه اشتق اسمه من الريح، وانما أخرجت على لفظة الروح لان الروح مجانس للريح، وانما اضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على ساير الأرواح، كما اصطفى بيتا من البيوت فقال: " بيتي " وقال لرسول من الرسل: " خليلي " وأشباه ذلك، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر.

في الكافي مثل هذا الحديث الأخير سواء.

37 - في قرب الإسناد للحميري باسناده إلى مسعدة بن زياد قال: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه ان روح آدم عليه السلام لما أمرت أن تدخل فكرهته، فأمرها الله أن تدخل كرها وتخرج كرها.

38 - في تفسير العياشي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله " ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " قال: روح خلقها الله فنفخ في آدم منها.

39 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي " قال: خلق خلقا وخلق روحا، ثم أمر الملك فنفخ وليست بالتي نقصت من الله شيئا، هي من قدرته تبارك وتعالى عنه.

40 - وفى رواية سماعة عنه: خلق آدم فنفخ فيه، وسألته عن الروح؟ قال: هي من قدرته من الملكوت.

41 - في نهج البلاغة قال عليه السلام: ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها (10) تربة سنها بالماء حتى خلصت ولاطها بالبلة حتى لزبت (11) فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول (12) أجمدها حتى استمسكت وأصلدها حتى صلصلت (13) لوقت معدود وأجل معلوم، ثم نفخ فيها من روحه فمثلت انسانا ذا أذهان يجيلها وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الأذواق والمشام والألوان والأجناس، معجونا بطينة الألوان المختلفة والأشباه المؤتلفة، والأضداد المتعادية، والأخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة و الجمود، والمساءة والسرور، واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته إليهم في الاذعان بالسجود له، والخنوع لتكرمته، فقال تعالى: " اسجدوا لآدم " فسجدوا الا إبليس وقبيله اعترتهم الحمية، وغلبت عليهم الشقوة، وتعززوا بخلقة النار، واستوهنوا خلق الصلصال، فأعطاه النظرة استحقاقا للسخطة، واستتماما للبلية، وانجازا للعدة، فقال: انك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.

42 - في كتاب الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رن (14) إبليس أربع رنات: أولهن يوم لعن وحين اهبط إلى الأرض والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

43 - في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنى قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام يقوله: معنى الرجيم انه مرجوم باللعن، مطرود من الخير، لا يذكره مؤمن الا لعنه، وان في علم الله السابق إذا خرج القائم عليه السلام لا يبقى مؤمن في زمانه الا رجمه بالحجارة، كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن.

44 - في كتاب علل الشرايع بإسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وقد سأله عن الأيام: فالخميس؟ قال: هو يوم خامس من الدنيا، و هو يوم أنيس لعن فيه إبليس ورفع فيه إدريس، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

45 - وبإسناده إلى يحيى بن أبي العلا الرازي عن أبي عبد الله عليه السلام حديث طويل يقوله فيه عليه السلام وقد سئل عن قوله الله عز وجل لإبليس: " فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " قال عليه السلام: ويوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت إبليس ما بين النفخة الأولى والثانية.

46 - في تفسير العياشي عن وهب بن جميع مولى إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول إبليس: " فانظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " قال له وهب: جعلت فداك أي يوم هو؟ قال: يا وهب أتحسب أنه يوم يبعث الله فيه الناس، ان الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه (15) على ركبتيه فيقول: يا ويله من هذا اليوم، فيأخذ ناصيته فيضرب عنقه، فذلك اليوم الوقت المعلوم.

47 - عن الحسن بن عطية قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن إبليس عبد الله في السماء الرابعة في ركعتين ستة آلاف سنة، وكان انظار الله إياه إلى يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة.

48 - عن أبان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ان علي بن الحسين إذا أتى الملتزم (16) قال: اللهم ان عندي أفواجا من الذنوب وأفواجا من خطايا وعندك أفواج من رحمة وأفواج من مغفرة، يا من استجاب لأبغض خلقه إليه إذ قال: " انظرني إلى يوم يبعثون " استجب لي وافعل بي كذا.

49 - في نهج البلاغة قال عليه السلام: فلعمري لقد فوق لكم سهم الوعيد وأغرق لكم بالنزع الشديد (17) ورماكم عن مكان قريب فقال: رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين قذفا بغيب بعيد، ورجما بظن مصيب (18) صدقه به أبناء الحمية، واخوان العصبية، وفرسان الكبر والجاهلية.


1. قال في البحار في بيان الحديث: ان كسرى كان سكر بعض الدجلة وبنى عليها بناءا، فلعله لذلك وصفوا الدجلة بعد ذلك بالعوراء، لأنه عور وطم بعضها فانخرقت عليه، ورأيت في بعض المواضع بالغين المعجمة من إضافة الموصوف إلى الصفة أي العميقة. .

2. الحمأ: الطين الأسود. .

3. الصلصال: الطين اليابس الذي لم يطبخ إذا نقر به صوت كما يصوت الفخار. وصلصل الشئ: صوت. .

4. وفى تفسير القمي: " سلالة " بدل " ثلة ". وكذا فيما يأتي. .

5. قال المجلسي (ره) قوله: " فأبروها " يمكن أن يكون مهموزا من برأه الله أي خلقه وجاء غير المهموز أيضا بهذا المعنى، فيكون مجازا أي اجعلوها مستعدة للخلق، ويمكن أن يكون من البرى بمعنى النحت. كناية عن التفريق أو من التأبير من قولم أبر النخل أي أصلحه. .

6. قال زميلنا الفاضل دامت إفاضاته في ذيل الحديث في العلل: قوله الريح والمرة الظاهر أن المراد بالريح هنا السوداء وبالمرة: الصفراء. .

7. وقد مر نظير هذا الحديث في سورة يوسف تحت رقم 141 عن كتاب العلل عن أبي. اسحق الليثي عن أبي جعفر (ع) وفيه زيادات وإضافات يفهم منها معنى هذا الحديث فراجع. .

8. نضب الماء: غار في الأرض وسفل. .

9. الخبال: الفساد. .

10. عرك الأديم: دلكه والأديم: الجلد المدبوغ. .

11. وفى نسخة البحار " من شر لفظ ". .

12. الحزن من الأرض: ما غلظ منها واشتد كالجبل، والسهل: ما لان وفى نهج البلاغة هكذا " ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها... اه ". .

13. سنها بالماء أي خلطها، ولاطها بالبلة أي خلطها بالرطوبة والبلة: النداوة، ولزبت أي لصقت. واللازب: اللاصق. .

14. جبل بمعنى خلق. والاحناء جمع حنو، وهي الجوانب. والوصول جمع كثرة للوصل وهي المفاصل. .

15. أصلدها أي جعلها صلدا وهي الصلبة الملساء. وقد مر معنى الصلصل قريبا. .

16. رن الرجل: صاح ورفع صوته بالبكاء. .

17. جثا: جلس على ركبتيه. .

18. الملتزم - بفتح الزاء -: دبر الكعبة، سمى به لان الناس يعتنقونه أي يضمونه إلى صدورهم والالتزام: الاعتناق. .