قال عز من قائل: ﴿فتمنوا الموت ان كنتم صادقين﴾
287 - في كتاب الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه عليه السلام ان رجلا قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين بما عرفت ربك؟قال: بفسخ العزائم (إلى أن قال) فبماذا أحببت لقاءه؟قال: لما رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه علمت بان الذي أكرمني بهذا ليس ينساني فأحببت لقاءه،
288 - عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: أتى النبي صلى الله عليه وآله رجل فقال له مالي لا أحب الموت؟فقال له: ألك مال؟قال نعم، قال فقدمته، قال: لا قال فمن ثم لا تحب الموت.
289 - في مجمع البيان قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو يطوف بين الصفين بصفين في غلالة (1) لما قال له الحسن ابنه عليه السلام: ما هذا زي الحرب، فقال: يا بنى ان أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه، واما ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، ولكن ليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، فإنما نهى تمنى الموت لأنه يدل على الجزع، والمأمور به الصبر وتفويض الأمور إليه، ولا نالا نأمن وقوع التقصير فيما أمرنا به، ونرجو في البقاء التلافي.
290 - في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) وقال أبو محمد عليه السلام: قال جابر بن عبد الله سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله بن صوريا غلام أعور يهودي تزعم اليهود انه اعلم بكتاب الله وعلوم أنبيائه عن مسائل كثيرة تعنته فيها (2) فأجابه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله بما لم يجد إلى انكار شئ منه سبيلا فقال له: يا محمد من يأتيك بهذه الاخبار عن الله تعالى؟قال: جبرئيل، فقال: لو كان غيره يأتيك بها لامنت بك، ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة، فلو كان ميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك بها لامنت بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ولم اتخذتم جبرئيل عدوا؟قال: لأنه ينزل بالبلاء أو لشدة على بني إسرائيل، ودفع دانيال عن قتل بخت نصر حتى قوى امره وأهلك بني إسرائيل وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها الا جبرئيل، وميكائيل يأتينا بالرحمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ويحك أجهلت أمر الله وما ذنب جبرئيل ان أطاع الله فيما يريده بكم، أرأيتم ملك الموت أهو عدوكم وقدو كله الله تعالى بقبض أرواح الخلق أرأيتم الآباء والأمهات إذا وجروا (3) الأولاد الدواء الكريه لمصالحتهم يجب ان يتخذهم أولادهم أعداءا من أجل ذلك؟لا ولكنكم بالله جاهلون، وعن حكمته غافلون، اشهد ان جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملان، وله مطيعان وانه لا يعادي أحدهما الامن عادى الاخر، وانه من زعم أنه يحب أحدهما و يبغض الاخر فقد كذب، وكذلك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى اخوان كما أن جبرئيل و ميكائيل اخوان، فمن أحبهما فهو من أولياء الله ومن أبغضهما فهو من أعداء الله، ومن أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الاخر فقد كذب وهما منه بريئان، والله تعالى وملئكته وخيار خلقه منه برآء.
291 - وقال أبو محمد عليه السلام كان سبب نزول قوله تعالى قل من كان عدوا لجبريل الآيتين ما كان من اليهود أعداء الله من قول سئ في جبرئيل وميكائيل، ومن كان من أعداء الله النصاب من قول أسوء منه في الله وفى جبرئيل وميكائيل وساير ملائكة الله إماما كان من النصاب فهو ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما كان لا يزال يقول في علي عليه السلام الفضائل التي خصه الله عز وجل بها، والشرف الذي أهله الله تعالى له، وكان في كل ذلك يقول: اخبرني به جبرئيل عن الله، ويقول في بعض ذلك جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، يفتخر جبرئيل على ميكائيل، في أنه عن يمين علي عليه السلام الذي هو أفضل من اليسار، كما يفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الاخر الذي يجلسه عن يساره، و يفتخران على إسرافيل الذي خلقه بالخدمة، وملك الموت الذي امامه بالخدمة.
و ان اليمين والشمال أشرف من ذلك كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلهم من ملكهم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في بعض أحاديثه: ان الملائكة أشرفها عند الله أشدها لعلي بن أبي طالب عليه السلام حبا وانه قسم الملائكة فيما بينها والذي شرف عليا عليه السلام على جميع الورى بعد محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ويقول مرة: ان ملائكة السماوات والحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالب عليه السلام كما تشتاق الوالدة الشفيقة إلى ولدها البار الشفيق، آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنهم، فكان هؤلاء النصاب يقولون: إلى متى يقول محمد جبرئيل وميكائيل والملائكة كل ذلك تفخيم لعلي بن أبي طالب وشأنه ويقول الله تعالى لعلى خاص من ساير الخلق برئنا من رب ومن ملائكة ومن جبرئيل وميكائيل هم لعلى بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم مفضلون، وبريئا من رسل الله الذين هم لعلى بعد محمد مفضلون واما ما قاله اليهود فهو أن اليهود أعداء الله لما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة أتوه بعبد الله ابن صوريا فسأله عن أشياء فأجابه إلى أن قال: بقيت خصلة ان قلتها آمنت بك واتبعتك، أي ملك يأتيك بما تقوله عن الله؟قال: جبرئيل، قال ابن صوريا: ذلك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء، فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لان ميكائيل كان يشيد ملكنا، وجبرئيل كان يهلك ملكنا، فهو عدونا لذلك فقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: فما بدو عداوته لكم؟قال: نعم يا سلمان عادانا مرارا كثيرة، وكان من أشد ذلك علينا ان الله انزل على أنبيائه ان بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له بخت نصر وفى زمانه، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، والله يحدث الامر بعد الامر فيمحو ما يشاء ويثبت فلما بلغنا ذلك الحين الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم، نبيا كان يعد من أنبيائهم يقال له دانيال في طلب بخت نصر ليقتله، فحمل معه وقر مال لينفقه في ذلك، فلما انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة فأخذه صاحبنا ليقتله فدفع عنه جبرئيل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم فإنه لا يسلطك عليه.
وان لم يكن هذا فعلى أي شئ تقتله فصدقه صاحبنا وتركه ورجع إلينا، فأخبرنا بذلك وقوى بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدوا وميكائيل عدو لجبرئيل، فقال سلمان يا بن صوريا فبهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم أرأيتم أوايلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر، وقد أخبر الله تعالى في كتبه على السنة رسله انه يملك ويخرب بيت المقدس أرادوا بذلك تكذيب أنبياء الله في اخبارهم أو اتهموهم في اخبارهم أو صدوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا مغالبة لله هل كان هؤلاء ومن وجهوه الا كفارا بالله، وأي عداوة تجوزان تعتقد لجبرئيل وهو يصد به عن مغالبة الله عز وجل، وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى فقال ابن صوريا: قد كان الله أخبر بذلك على السن أنبيائه، ولكنه يمحو ما يشاء ويثبت قال سلمان: فإذا لا تتيقنوا بشئ مما في التوراة من الاخبار عما مضى وعما يستأنف، فان الله يمحو ما يشاء ويثبت، وإذا لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعويهما، لان الله يمحو ما يشاء ويثبت، ولعل كل ما أخبراكم أنه يكون لا يكون وما أخبراكم انه لا يكون يكون، وكذلك ما أخبراكم عما كان لعله لم يكن وما أخبراكم انه لم يكن لعله كان ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه فإنه يمحو ما يشاء ويثبت انكم جهلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت فلذلك أنتم بالله كافرون ولاخباره عن الغيوب مكذبون، وعن دين الله منسلخون ثم قال سلمان: فانى اشهد ان من كان عدو الجبرئيل فإنه عدو لميكائيل وانهما جميعا عدوان لمن عاداهما، سلمان لمن سالمهما، فأنزل لله تعالى يعند ذلك موافقا لقول سلمان (ره) قل من كان عدوا لجبرئيل) في مظاهرته لأولياء الله على أعداء الله ونزوله بفضائل على ولى الله من عند الله (فإنه نزله) فان جبرئيل نزل هذا القرآن (على قلبك بإذن الله) بأمره مصدقا لما بين يديه من ساير كتب الله وهدى من الضلالة وبشرى للمؤمنين بنبوة محمد وولاية على ومن بعدهما من الأئمة بأنهم أولياء الله حقا إذا ماتوا على موالاتهم لمحمد وعلى آلهما الطيبين.
والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
292 - في كتاب علل الشرايع باسناده إلى انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث طويل قال فيه صلى الله عليه وآله لعبد الله بن سلام وقد سأله عن مسائل؟اخبرني بهن جبرئيل عليه السلام آنفا قال: هل أخبرك جبرئيل قال نعم، قال: ذلك عدو اليهود من الملائكة، قال: ثم قرأ هذه الآية (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله).
293 - في روضة الكافي في رسالة أبى جعفر عليه السلام إلى سعد الخير وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه وكان من نبذهم الكتاب ان أقاموا حروفه وحرفوا حدوده.
فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية وكان من نبذهم الكتاب ان ولوه الذين لا يعلمون فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين (إلى أن قال عليه السلام: ) ثم اعرف أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده، فهم مع السادة والكبرة فإذا تفرقت قادة الأهواء كانوا مع أكثرهم دينا وذلك مبلغهم عن العلم لا يزالون كذلك في طبع وطمع ولا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير.
والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
294 - في عيون الأخبار حدثنا محمد بن القاسم المفسر المعروف بابى الحسن الجرجاني رضي الله عنه قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما عن الحسن ابن علي عن أبيه علي بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه الصادق جعفر بن محمد عليهم السلام في قول الله تعالى واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان قال اتبعوا ما تتلو كفرة الشياطين من السحر والنير نجات على ملك سليمان الذين يزعمون أن سليمان به ملك ونحن أيضا به نظهر العجايب حتى ينقاد لنا الناس وقالوا: كان سليمان كافرا ساحرا ماهرا بسحره ملك ما ملك، وقدر على ما قدر، فرد الله عز وجل عليهم، فقال: (وما كفر سليمان) ولا استعمل السحر كما قال هؤلاء الكافرون ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر الذي نسبوه إلى سليمان والى ما انزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وكان بعد نوح عليه السلام قد كثر السحرة والمموهون - فبعث الله تعالى ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة، وذكر ما يبطل به سحرهم، ويرد به كيدهم، فتلقاه النبي عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله عز وجل وأمرهم ان يقفوا به على السحرة، وأن يبطلوه، ونهاهم ان يسحروا به الناس، وهذا كما يدل على السم ما هو وعلى ما يدفع به غايلة السم، ثم قال عز وجل: وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر يعنى ان ذلك النبي عليه السلام أمر الملكين ان يظهر الناس بصورة بشرين ويعلماهم ما علمهم الله من ذلك، فقال الله عز وجل: (وما يعلمان من أحد) ذلك السحر وابطاله (حتى يقولا) للمتعلم (انما نحن فتنة) وامتحان للبلاء ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا ويبطلوا به كيد السحرة، ولا يسحروهم (فلا تكفر) باستعمال هذا السحر وطلب الاضرار به، ودعا الناس إلى أن يعتقدوا انك به تحيى وتميت وتفعل مالا يقدر عليه الا الله عز وجل، فان ذلك كفر قال الله تعالى فيتعلمون يعنى طالبي السحر منهما يعنى مما كتبت الشياطين على ملك سليمان من النير نجات وما أنزل إلى الملكين ببابل هاروت وماروت، يتعلمون من هذين الصنفين ما يفرقون به بين المرء وزوجه هذا من يتعلم للاضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل والتمائم والايهام وانه قد دفن في موضع كذا وكذا وعمل كذا لتحبب المرأة إلى الرجل و الرجل إلى المرأة أو يؤدى إلى الفراق بينهما ثم قال عز وجل وما هم بضارين به من أحد الا بإذن الله أي ما المتعلمون لذلك بضارين به من أحد الا بإذن الله، يعنى بتخلية الله وعلمه وانه لو شاء لمنعهم بالجبر والقهر ثم قال: ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم ولا ينفعهم فيه بل ينسلخون عن دين الله بذلك ولقد علم هؤلاء المتعلمون لمن اشتراه بدينه الذي ينسلخ عنه بتعلمه ماله في الآخرة من خلاق أي من نصيب في ثواب الجنة ثم قال تعالى: ولبئس ما شروا به أنفسهم ورهنوها بالعذاب لو كانوا يعلمون انهم قد باعوا الآخرة وتركوا نصيبهم من الجنة لان المتعلمين لهذا السحر الذين يعتقدون ان لا رسول ولا اله ولا بعث ولا نشور، فقال: (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق لأنهم يعتقدون انها إذا لم يكن آخرة فلا خلاق لهم في دار بعد الدنيا وإن كانت بعد الدنيا آخرة فهم مع كفرهم بها لأخلاق لهم فيها، ثم قال: (ولبئس ما شروا به أنفسهم) إذ باعوا الآخرة بالدنيا، ورهنوا بالعذاب الدائم أنفسهم لو كانوا يعلمون انهم قد باعوا أنفسهم بالعذاب، ولكن لا يعلمون ذلك لكفرهم به، فلما تركوا النظر في حجج الله حتى تعلموا عذبهم على اعتقادهم الباطل، وجحدهم الحق.
قال يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما انهما قالا.
فقلنا للحسن أبى القاسم عليه السلام فان قوما عندنا يزعمون أن هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم، وانزلهما مع ثالث لهما إلى الدنيا، وانهما افتتنا بالزهرة وأراد الزنا بها وشربا الخمر وقتلا النفس المحرمة، وان الله عز وجل يعذبهما ببابل وان السحرة منهما يتعلمون السحر وان الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة، فقال الإمام عليه السلام: معاذ الله من ذلك ان الملائكة معصومون محفوظون من الكفر والقبايح بألطاف الله تعالى، قال الله تعالى فيهم: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون) وقال عز وجل، (وله من في السماوات والأرض ومن عنده) يعنى من الملائكة (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون) وقال الله تعالى في الملائكة أيضا.
(بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) ثم قال عليه السلام، لو كان كما يقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاؤه على الأرض، وكانوا كالأنبياء في الدنيا وكالأئمة أفيكون من الأنبياء والأئمة عليهم السلام قتل النفس والزنا؟ثم قال عليه السلام: أولست تعلم أن الله تعالى لم تخل الدنيا قط من نبي أو امام من البشر، أوليس الله يقول: (وما أرسلنا من قبلك) يعنى إلى الخلق الا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى، فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة وحكاما، وانما أرسلوا إلى أنبياء الله، قالا، فقلنا له، فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا؟فقال لا: بل كان من الجن أما تسمعان الله عز وجل يقول: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا إبليس كان من الجن) فأخبر الله عز وجل انه كان من الجن، وهو الذي قال الله تبارك وتعالى، (والجان خلقناه من قبل من نار السموم).
295 - قال الإمام الحسن بن علي عليه السلام حدثني أبي عن جدي عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان الله عز وجل اختارنا معاشر آل محمد واختار النبيين واختار الملائكة المقربين وما اختارهم الاعلى علم منه بهم انهم لا يوافقون ما يخرجون به عن ولايته.
ومنقطعون به عن عصمته، وينتهون به إلى المستحقين لعذابه ونقمته، قالا.
فقلنا له: فقد روى لنا ان عليا عليه السلام لما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله بالإمامة عرض الله تعالى ولايته في السماوات على فيام وفيام (4) من الملائكة فأبوها، فمسخهم الله ضفادع فقال عليه السلام: معاذ الله هؤلاء المكذبون لنا المغترون (ظ المفترون) علينا الملائكة هم رسل الله فهم كسائر أنبيائه ورسله إلى الخلق أفيكون منهم الكفر بالله، قلت: لا، قال: فكذلك الملائكة ان شان الملائكة لعظيم، وان خطبهم لجليل.
296 - حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال: حدثني أبي عن أحمد بن علي الأنصاري عن علي بن محمد بن الدهم قال: سمعت المأمون يسأل الرضا عليه السلام عما يرويه الناس من أمر الزهرة وانها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت، وما يروونه من أمر سهيل.
وانه كان عشارا باليمن، فقال الرضا عليه السلام كذبوا في قولهم إنهما كوكبان، وانما كانتا دابتين من دواب البحر فغلط الناس وظنوا انهما كوكبان، وما كان الله تعالى ليمسخ أعدائه أنوارا مضيئة، ثم يبقيهما ما بقيت السماوات والأرض، وان المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام حتى ماتت، وما يتناسل منها شئ، وما على وجه الأرض اليوم مسخ وان التي وقع عليها المسوخية مثل القرد والخنازير والدب وأشباهها انما هي مثل ما مسخ الله تعالى على صورها قوما غضب الله عليهم ولعنهم بانكارهم توحيد الله وتكذيبهم رسل الله وأما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس ليتحرزوا به من سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم وما علما أحدا من ذلك شيئا الا قالا له: (انما نحن فتنة فلا يكفر) فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه، وجعلوا يفرقون بما يعلمون بين المرء وزوجه قال الله تعالى: وما هم بضارين به من أحد الا بإذن الله) يعنى بعلمه.
297 - عن الرضا عليه السلام حديث طويل في تعداد الكبائر وبيانها من كتاب الله وفيه يقول الصادق عليه السلام: والسحر لأنه تعالى يقول: (ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق).
298 - في كتاب الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن جده عليهم السلام قال إن المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر إلى أن قال: واما الزهرة فكانت امرأة فتنت هاروت وماروت فمسخها الله كوكبا.
299 - عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن المسوخ؟فقال: هي ثلاثة عشر إلى أن قال: واما الزهرة فكانت امرأة نصرانية وكانت لبعض ملوك بني إسرائيل وهي التي فتن بها هاروت وماروت، وكان اسمها ناهيد.
300 - في كتاب علل الشرايع باسناده إلى محمد بن الحسن بن علان عن أبي الحسن عليه السلام حديث طويل يقول فيه عليه السلام: ومسخت الزهرة لأنها كانت امرأة فتن بها هاروت وماروت.
301 - وباسناده إلى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد عليهم السلام حديث طويل يقول فيه عليه السلام: واما الزهرة فإنها كانت امرأة تسمى ناهيد وهي التي تقول الناس انه افتتن بها هاروت وماروت.
302 - وباسناده إلى علي بن جعفر عن مغيرة عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عليهم السلام حديث طول يقول فيه عليه السلام، واما الزهرة فكانت امرأة فتنت هاروت وماروت، فمسخها الله عز وجل زهرة.
303 - في تفسير علي بن إبراهيم حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن سليمان بن داود عليه السلام أمر الجن فبنوا له بيتا من قوارير قال: فبينما هو متك على عصاه ينظر إلى الشياطين كيف يعملون وينظرون إليه إذ حانت (5) منه التفاته فإذا هو برجل معه في القبة ففزع منه، وقال من أنت؟فقال: انا، الذي لا أقبل الرشاء، ولا اهاب الملوك، انا ملك الموت فقبضه وهو متك على عصاه، فمكثوا سنة يبنون وينظرون إليه، ويدأبون له (6) ويعملون حتى بعث الله الأرضة، فأكلت منسأته وهي العصا، فلما خر تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا سنة في العذاب المهين، فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان.
فلا تكاد تراها في مكان الا وجد عندها ماء وطين، فلما هلك سليمان وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على ظهره: هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان ابن داود من زخاير كنوز العلم، من أراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا، ثم دفنه تحت سريره ثم استشاره (7) لهم فقرأه فقال الكافرون ما كان سليمان يغلبنا الا بهذا.
وقال المؤمنون: بل هو عبد الله ونبيه فقال الله جل ذكره واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت الآية
304 - حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: سأله عطا ونحن بمكة عن هاروت وماروت؟فقال أبو جعفر ان الملائكة كانوا ينزلون من السماء إلى الأرض في كل يوم وليلة يحفظون اعمال أوساط أهل الأرض من ولد آدم والجن، فيكتبون أعمالهم ويعرجون بها إلى السماء قال: فضج أهل السماء، معاصي أهل أوساط الأرض فتآمروا فيما بينهم مما يسمعون ويرون من افترائهم الكذب على الله تبارك وتعالى، وجرأتهم عليه، ونزهوا الله مما يقول فيه خلقه ويصفون، فقال طائفة من الملائكة: يا ربنا اما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك، ومما يصفون فيك الكذب ويقولون الزور ويرتكبون المعاصي وقد نهيتهم عنها؟ثم أنت تحلم عنهم وهم في قبضتك وقدرتك وخلال عافيتك؟قال أبو جعفر عليه السلام: فأحب الله ان يرى الملائكة القدرة ونفاذ امره في جميع خلقه، ويعرف الملائكة مامن به عليهم مما عدله عنهم من صنع خلقه، وما طبعهم عليه من الطاعة، وعصمهم من الذنوب.
قال: فأوحى الله إلى الملائكة ان انتدبوا (8) منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض، ثم اجعل فيهما من طبايع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلته في ولد آدم، ثم اختبرهما في الطاعة لي، قال: فندبوا لذلك هاروت وماروت وكانا من أشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم واستيثار غضب الله عليهم، قال: فأوحى الله إليهما ان أهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما من طبايع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلت في ولد آدم قال: ثم أوحى الله إليهما انظرا أن لا تشركا بي شيئا، ولا تقتلا النفس التي حرم الله، ولا تزنيا ولا تشربا الخمر، قال: ثم كشط (9) عن السماوات السبع ليريهما قدرته، ثم أهبطهما.
إلى الأرض في صورة البشر ولباسهم: فهبطا ناحية بابل، فرفع لهما بناء مشرف فاقبلا نحوه فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء متزينة عطرة مقبلة نحوهما، قال: فلما نظرا إليها وناطقاها وتأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا موضع الشهوة التي جعلت فيهما، فرجعا إليها رجوع فتنة وخذلان وراوداها عن نفسها، فقالت لهما: ان لي دينا أدين به وليس أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريد ان الا أن تدخلا في ديني الذي أدين به، فقالا لها: وما دينك؟قالت: لي اله من عبده وسجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى كل ما سألني، فقالا لها: وما الهك؟قالت: الهى هذا الصنم قال: فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال: هاتان خصلتان مما نهينا عنها الشرك والزنا لأنا ان سجدنا لهذا الصنم عبدناه أشركنا بالله وانما نشرك بالله لنصل إلى الزنا وهو ذا نحن نطلب الزنا فليس نحظا (10) الا بالشرك.
قال فاتمرا (11) بينهما فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما فقالا لها فانا نجيبك إلى ما سألت فقالت: فدونكما فاشربا هذا الخمر فإنه قربان لكما عنده وبه تصلان إلى ما تريد ان فأتمرا بينهما فقالا هذه ثلث خصال مما نهانا عنها ربنا، الشرك، والزنا، وشرب الخمر، وانما ندخل في شرب الخمر والشرك حتى نصل إلى الزنا فأتمرا بينهما فقالا، ما أعظم بليتنا بك وقد أجبناك إلى ما سألت، قالت: فدونكما فاشربا من هذا الخمر واعبدا هذا الصنم واسجدا له، فشربا الخمر وعبدا الصنم، ثم راوداها عن نفسها فلما تهيأت لهما وتهيئا لها دخل عليهما سائل يسأل، فلما ان رآهما ورأياه ذعرا منه (12) فقال لهما: إنكما لمريبان ذعران قد خلوتما بهذه المرأة العطرة الحسناء؟أنكما لرجلا سوء وخرج عنهما فقالت لهما الا وإلهي لا تصلان الان إلي وقد اطلع هذا الرجل على حالكما وعرف مكانكما، فيخرج الان ويخبر بخبركما ولكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل أن يفضحكما ويفضحني، ثم دونكما فاقضيا حاجتكما وأنتما مطمئنان آمنان، قال: فقاما إلى الرجل فادركاه فقتلاه، ثم رجعا إليها، فلم يرياها وبدت لهما سوآتهما، ونزع عنها رياشهما، وأسقط في أيديهما، فأوحى الله إليهما انما أهبطتكما إلى الأرض مع خلقي ساعة من النهار فعصيتماني بأربع من معاصي، كلها قد نهيتكما عنها.
وتقدمت اليكما فيها فلم تراقباني ولم تستحيا مني، وقد كنتما أشد من نقم على أهل الأرض بالمعاصي واستجراء أسفى وغضبي عليهم، ولما جعلت فيكما من طبع خلقي وعصمتي إياكما من المعاصي فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما.
اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، فقال أحدهما لصاحبه نتمتع من شهواتنا في الدنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب الآخرة، فقال الآخر: ان عذاب الدنيا له مدة وانقطاع وعذاب الآخرة قائم لا انقضاء له، فلسنا نختار عذاب الآخرة الدائم الشديد على عذاب الدنيا المنقطع الفاني، قال: فاختارا عذاب الدنيا وكانا يعلمان الناس السحر في أرض بابل، ثم لما علما الناس السحر رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة.
305 - في روضة الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (واتبعوا ما تتلوا الشياطين) بولاية الشياطين على ملك سليمان.
306 - في كتاب الاحتجاج للطبرسي (ره) عن أبي عبد الله عليه السلام حديث طويل وفيه قال السائل له: فمن أين علم الشياطين السحر؟قال من حيث عرف الأطباء الطب بعضه تجربة وبعضه علاج: قال: فما تقول في الملكين هاروت وماروت؟وما يقول الناس بأنهما يعلمان السحر؟قال: انهما موضع ابتلاء وموقف فتنة بتشييحهما (13) اليوم لو كان فعل الانسان كذا وكذا لكان كذا وكذا ولو يعالج بكذا وكذا لصار كذا أصناف السحر (14) فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم: انما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم قال: أفيقدر الساحر أن يجعل الانسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك؟قال، هو أعجز من ذلك واضعف من أن يغير خلق الله ان من أبطل ما ركبه الله وصوره وغيره فهو شريك الله في خلقه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
307 - في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل قال.
كان الطيار يقول لي؟إبليس ليس من الملائكة وانما أمرت الملائكة بالسجود لآدم، فقال إبليس.
لا أسجد فما لإبليس يعصى حين لم يسجد وليس هو من الملائكة؟قال: فدخلت انا وهو على أبى عبد الله عليه السلام قال فأحسن والله في المسألة فقال: جعلت فداك أرأيت ما ندب الله (15) عز وجل إليه المؤمنين من قوله: (يا أيها الذين آمنوا) أدخل في ذلك المنافقون معهم؟قال: نعم والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة معهم.
308 - في روضة الكافي أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن علي بن حديد عن جميل بن دراج قال: سأل الطيار أبا عبد الله عليه السلام وانا عنده فقال له: جعلت فداك أرأيت قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا) في غير مكان من مخاطبة المؤمنين أيدخل في هذا المنافقون؟قال، نعم يدخل في هذا المنافقون والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة وقد تقدم هذان الحديثان.
1- تعنته: طلب زلته ومشقته.
2- وجره وجرا: جعل الوجور في فيه) الوجور: الدواء يوجر أي يصيب في الغم.
3- الفيام: الجماعة من الناس.
4- حافت أي قربت.
5- دأب في العمل: جد وتعب واستمر عليه.
6- كذا في النسخ والصحيح كما في تفسير البرهان: (ثم استثاره لهم) بالثاء - أي أظهره لهم:
7- انتدبه لأمر: دعاء له.
8- كشط الغطاء عن الشئ: نزعه وكشف عنه.
9- كذا في النسخ وفى المصدر (تحظينا) وفى نسخة البحار (فليس نعطى) وهو الظاهر وفى رواية العياشي في تفسيره (فليس نعطاه).
10- ائتمره في الامر: شاوره
11- ذعر ذعرا: خاف
12- شيحه: حذره وفى المصدر ونسخة البحار (بتسبيحهما) والظاهر هو المختار في المتن
13- أي ان السحر على أصناف وقد ذكرها أبو عبد الله (ع) في صدر الحديث حيث قال (ع) ان السحر على وجوه شتى وجه منها بمنزلة الطب.. ونوع آخر خطفة وسرعة. ونوع آخر ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم. اه
14- ندبه إلى الامر: دعاه به
15- أضرم النار: أوقدها وأشعلها.