لآية 165 - 170

﴿رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (165)﴾

(عليه السلام) إلى الطور، وسأل (تبارك وتعالى) أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله (تعالى ذكره) وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لان الله تعالى أحدثه في الشجرة، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه (1).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): كلم الله موسى تكليما بلا جوارح وأدوات وشفة، ولا لهوات (2) سبحانه وتعالى عن الصفات (3).

وعنه (عليه السلام) في حديث وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: وكلام الله تعالى ليس بنحو واحد، منه ما كلم الله به الرسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤيا يريها الرسل، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله، فإن كلام الله ليس بنحو واحد، فإن منه ما تبلغ رسل السماء رسل الأرض (4).

رسلا مبشرين ومنذرين: نصب على المدح، أو بإضمار " أرسلنا " أو على الحال ويكون " رسلا " موطئا لما بعده، كقولك: مررت بزيد رجلا صالحا.

لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل: فيقولوا: لولا أرسلت إلينا رسولا فينبهنا ويعلمنا ما لم نعلم، واللام متعلقة ب? " أرسلنا " وبقوله: " مبشرين ومنذرين ".

و " حجة " اسم كان وخبره " للناس "، أو " على الله " والآخر حال (5)، ولا يجوز تعلقه ب? " حجة " لأنه مصدر و " بعد " ظرف لها، أو صفة (6).

وفي نهج البلاغة قال (عليه السلام): فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه (7) ليستأدوهم ميثاق فطرته (8) ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول (9) ويروهم آيات المقدرة، من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصاب تهرمهم (10) وأحداث تتابع عليهم، ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل، أو كتاب منزل، أو حجة لازمة، أو محجة قائمة (11) رسل لا تقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكرمين من سابق سمي له من بعده، أو غابر عرفه من قبله (12) على ذلك نسلت ﴿لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا (166) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضللا بعيدا (167) إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا (168)﴾

القرون (13) ومضت الدهور، ونسلت الاباء، وخلفت الأبناء، إلى أن بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) (14).

وكان الله عزيزا: لا يغلب فيما يريده.

حكيما: فيما دبر من أمر النبوة، وخص كل نبي بنوع من الوحي والاعجاز.

لكن الله يشهد بما أنزل إليك: استدراك عن مفهوم ما قبله، فكأنه لما تعنتوا عليه بسؤال كتاب ينزل عليهم من السماء، واحتج عليهم " إنا أو حينا إليك " قال: إنهم لا يشهدون ولكن الله يشهد، أو إنهم أنكروه ولكن الله يبينه ويقرره بما أنزل إليك من القرآن المعجز الدال على نبوتك.

نقل: أنه لما نزل " إنا أو حينا إليك " قالوا: ما نشهد لك، فنزلت.

أنزله بعلمه: متلبسا بعلمه الخاص به، وهو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كل يبلغ بحال، أو من استعد للنبوة واستأهل نزول الكتاب عليه، أو بعلمه الذي يحتاج إليه الناس في معاشهم ومعادهم.

والجار والمجرور على الأولين حال عن الفاعل، وعلى الثالث حال عن الفعول، ﴿إلا طريق جهنم خلدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا (169) يا أيها الناس قد جائكم الرسول بالحق من ربكم فامنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن الله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما (170)﴾

والجملة كالتفسير لما قبلها.

والملائكة يشهدون: أيضا بنبوتك.

وكفى بالله شهيدا: وإن لم يشهد غيره، أو كفى بما أقام من الحجج على صحة نبوتك عن إشهاد بغيره.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنما أنزلت " لكن الله يشهد بما أنزل إليك (في علي) أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " (15).

إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضللا بعيدا: لأنهم جمعوا بين الضلال والاضلال، ولان المضل يكون أعرق في الظلال وأبعد من الانقلاع عنه.

إن الذين كفروا وظلموا: جمعوا بينهما، والظلم أعم من الظلم عليه وعلى غيره إذا اجتمع مع الكفر.

لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خلدين فيها أبدا: حال مقدرة.

وكان ذلك على الله يسيرا: لا يصعب عليه.

في تفسير علي بن إبراهيم: وقرأ أبو عبد الله (عليه السلام) " إن الذين كفروا وظلموا " (آل محمد حقهم) الآية (16).

وفي أصول الكافي: أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآية هكذا " إن الذين كفروا - وظلموا آل محمد حقهم - لم يكن الله " الآية (17).

وفي تفسير العياشي مثله (18).

يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم: قيل: لما قرر أمر النبوة وبين الطريق الموصل إلى العلم بها، وأوعد من أنكرها، خاطب الناس عامة بالدعوة وإلزام الحجة والوعد بالإجابة، والوعيد على الرد (19).

فامنوا خيرا لكم: أي إيمانا خيرا لكم، أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم عليه.

وقيل: تقديره يكن الايمان خيرا لكم، ومنعه البصريون، لان (كان) لا يحذف مع اسمه إلا فيما لابد منه، ولأنه يؤدي إلى حذف الشرط وجوابه (20).

وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض: فهو غني عنكم لا يتضرر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم، ونبه على غناه بقوله " ولله ما في السماوات والأرض " وهو ما اشتملتا عليه وما تركبتا منه.

وكان الله عليما: بأحوالهم.

حكيما: فيما دبر لهم.

وفي أصول الكافي في تتمة الخبر الأول (21).

وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام) " قد جاء كم الرسول بالحق - في ولاية علي - فآمنوا خيرا لكم وأن تكفروا " - بولاية علي - الآية (22).


1- الكافي: ج 8 ص 115 (حديث آدم مع الشجرة) ح 92 س 8.

2- السبع الطوال، البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والانعام، والأعراف، والأنفال مع التوبة، لأنها تدعى القرينتين، ولذلك لم يفصل بينهما بسم الله الرحمن الرحيم، وإنما سميت هذه السور الطوال، لأنها أطول سور القرآن. وأما المثاني فهي السورة التالية للسبع الطوال، فأولها سورة يونس، وآخرها سورة النحل، وإنما سميت مثاني، لأنها ثنيت الطوال أي تلتها، فكان الطوال المبادئ والمثاني لها ثواني وأما الماؤون فهي كل سورة تكون نحوا من مائة آية، أو فويق ذلك أو دوينه، وهي سبع أولها سورة بني إسرائيل وآخرها المؤمنون، وقيل: أن المائين ما ولى السبع الطوال ثم المثاني بعدها، وهي التي يقصر عن المائين ويزيد على المفصل، وسميت مثاني، لان المائين مبادئها، أما المفصل فما بعد الحواميم إلى آخر القرآن، طوالها من سورة محمد إلى النبأ، ومتوسطاته منه إلى الضحى، وقصاره منه إلى آخر القرآن، وسميت مفصلا لكثرة الفصول بين سروها ب? " بسم الله الرحمن الرحيم ". انتهى (مرآة العقول: ج 12 ص 481 نقلا عن مجمع البيان).

3- الكافي: ج 2 ص 601 كتاب فضل القرآن، ح 10 وليس في الحديث جملة (عن أبي عبد الله (عليه السلام) وتمام الحديث: (وهو مهيمن على سائر الكتب والتوراة لموسى والإنجيل لعيسى والزبور لداود).

4- الكافي: ج 2 ص 629 كتاب فضل القرآن، باب النوادر، قطعة من ح 6.

5- تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 1 سورة بني إسرائيل س 16.

6- الاسراء: 1.

7- الاحتجاج: ج 1 ص 48 احتجاجه (صلى الله عليه وآله) على اليهود في جواز نسخ الشرائع وفي غير ذلك س 19.

8- الاحتجاج: ج 2 ص 405 (احتجاج الإمام الرضا (عليه السلام) على أبي قرة المحدث) س 1.

9- الكافي: ج 1 ص 107 كتاب التوحيد، باب صفات الذات، قطعة من ح 1.

10- الخصال: ص 641 (ما بعد الألف) ناجى الله تعالى موسى بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين الف كلمة، ح 20.

11- التوحيد: ص 121 باب ما جاء في الرؤية، ح 24 س 13 والحديث عن علي بن محمد بن الجهم.

12- في الحديث: يحرك الرجل لسانه في لهواته، هي بالتحريك جمع لهاة كحصاة، وهي سقف الفم، وقيل: هي اللحمة الحمراء المتعلقة في أصل الحنك (مجمع البحرين: ج 1 ص 385 لغة لها).

13- التوحيد: ص 79 باب التوحيد ونفي التشبيه قطعة من ح 34.

14- التوحيد ص 264 باب الرد على الثنوية والزنادقة س 15.

.

15- أي ما لا يكون خبرا من قوله: (على الله، أو للناس) يكون حالا، فإن كان الخبر هو (على الله) يكون (للناس) حالا وإن كان الخبر للناس يكون على الله حالا، ولا يجوز أن يتعلق (على الله) ب? (حجة) وإن كان المعنى عليه، لان معمول المصدر لا يتقدم عليه (حاشية محي الدين شيخ زاده على تفسير البيضاوي) في تفسيره لآية 165 من سورة النساء.

16- أي إن لم يكن (بعد) ظرفا لها، أو صفة حائل تعلقه بها - منه (كذا في هامش النسخة).

17- أرسلهم، وبين كل نبي ومن بعده فترة، لا بمعنى أرسلهم تباعا بعضهم يعقب بعضا.

18- كان الله تعالى بما أودع في الانسان من الغرائز والقوى، وبما أقام له من الشواهد وأدلة الهدى، وقد أخذ عليهم ميثاقا بأن يصرف ما أوتي من ذلك فيما خلق له، وقد كان يعمل على ذلك الميثاق ولا ينقضه، لولا ما اعترضه من وساوس الشهوات، فبعث إليه النبيين ليطلبوا من الناس أداء ذلك الميثاق، اي ليطالبوهم بما تقتضيه فطرتهم، وما ينبغي أن تسوقهم إليه غرائزهم.

19- دفائن العقول: أنوار العرفان التي تكشف للانسان اسرار الكائنات، وترتفع به إلى الايقان بصانع الموجودات، وقد تحجب هذه الأنوار غيوم من الأوهام وحجب من الخيال، فيأتي النبيون لإثارة تلك المعارف الكامنة، وابراز تلك الاسرار الباطنة.

20- السقف المرفوع: السماء، والمهاد الموضوع، الأرض والأوصاب: المتاعب.

21- المحجة: الطريق القويمة الواضحة.

22- من سابق: بيان للرسل، وكثير من الأنبياء السابقين، سميت لهم الأنبياء السابقين، سميت لهم الأنبياء الذين بعدهم، فبشروا بهم كما ترى ذلك في التوراة وفي القرآن الكريم أن عيسى (عليه السلام) بشر بخاتم الرسل (صلى الله عليه وآله وسلم)، والغابر: الذي يأتي بعد أن يبشر به السابق جاء معروفا بتعريف من قبله.