الآية 160 - 164

﴿فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (160) وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما (161)﴾

الدنيا حتى يقر للامام وبإمامته، كما أقر ولد يعقوب ليوسف حين قالوا: " تالله لقد آثرك الله علينا " (1) (2).

وفي تفسير فرات بن إبراهيم: الكوفي: قال: حدثني عبيد بن كثير معنعنا، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم قال الله تعالى: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا " يا علي إنه لا يموت رجل يفتري على عيسى بن مريم (عليه السلام) حتى يؤمن به قبل موته ويقول فيه الحق حيث لا ينفعه ذلك شيئا وإنك يا علي مثله لا يموت عدوك حتى يراك عند الموت فتكون عليه غيظا وحزنا حتى يقر بالحق من أمرك ويقول فيه الحق ويقر بولايتك حتى لا ينفعه ذلك شيئا وأما وليك فإنه يراك عند الموت فتكون له شفيعا ومبشرا وقرة عين (3).

ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا: على اليهود بالتكذيب، وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله ويكون الرسول والامام شهيدا على أعمال كل واعتقاداتهم.

فبظلم من الذين هادوا: أي فيظلم عظيم منهم.

حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم: في الآية التي ذكرت في الانعام " وعلى ﴿لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما (126)﴾

الذين هادوا " الآية (4).

في تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من زرع حنطة في أرض ولم يزك زرعه فخرج زرعه كثير الشعير، فبظلم علمه في ملك رقبة الأرض، أو بظلم لمزارعيه واكرته، لان الله (عز وجل) يقول: " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم " يعني لحوم الإبل والبقر والغنم (5).

وفي الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) مثله (6) (7).

وبصدهم عن سبيل الله كثيرا: أناسا كثيرا، أو صدا كثيرا.

وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه: كان الربا محرما عليهم كما هو محرم علينا.

وفيه دلالية على دلالة النهي على التحريم.

وأكلهم أمول الناس بالبطل: بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة.

وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما: دون من تاب.

لكن الراسخون في العلم منهم: كعلمائهم المؤمنين.

﴿* إنا أو حينا إليك كما أو حينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا (163) ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما (164)﴾

والمؤمنون: أي منهم، وهو من آمن به غير العلماء، أو من المهاجرين والأنصار.

يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك: خبر المبتدأ.

والمقيمين الصلاة: نصب على المدح إن جعل " يؤمنون " الخبر، ل? " أولئك " والواو اعتراض، أو عطف على " ما انزل ".

والمراد بهم الأنبياء، وإن جعل الخبر " أولئك " فيكون " يؤمنون " حالا، ويحتمل العطف عليه بإرادة التنكير.

وقرئ بالرفع عطفا على " الراسخون " أو الضمير في " يؤمنون "، أو على أنه مبتدأ والخبر " أولئك ".

والمؤتون الزكاة: رفعه لاحد الوجوه المذكورة.

والمؤمنون بالله واليوم الآخر: قدم عليه الايمان بالأنبياء والكتب وما يصدقه من اتباع الشرائع، لأنه المقصود بالآية.

أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما: على جمعهم بين الايمان والعمل الصالح.

وقرأ حمزة " سيؤتيهم " بالياء.

إنا أو حينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده: قيل: جواب لأهل الكتاب عن اقتراحهم، أن ينزل عليهم كتابا من السماء، واحتجاج عليهم بأن أمره في الوحي كسائر الأنبياء (8).

في تفسير العياشي: عن زرارة وحمران، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قال: إني أو حيت إليك كما أو حيت إلى نوح والنبيين من بعده، فجمع له كل وحي (9).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا وعنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل نظرة قبل السماء، إلى أن قال: قال جبرئيل: إن هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء فإذا تكلم الرب (تبارك وتعالى) بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ثم ألقاه إلينا نسعى به في السماوات والأرض (10).

وفي أصول الكافي: عن أبي جعفر (عليه السلام)، حديثا طويل، يقول فيه (عليه السلام): فلما استجاب الله لكل نبي من استجاب له في قومه من المؤمنين يجعل لكل منهم شرعة ومنهاجا والشرعة والمنهاج سبيل وسنة وقال لمحمد (صلى الله عليه وآله): أنا أوحيت إليك كما أو حينا إلى نوح والنبيين من بعده وأمر كل نبي بالأخذ بالسبيل والسنة وكل من السبيل والسنة التي أمر الله (عز وجل) بها موسى (عليه السلام) أن جعل عليهم السبت (11).

وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان: قيل: خصصهم بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم، تعظيما لهم، فإن إبراهيم أول اولي العزم منهم، وعيسى آخرهم، والباقين أشرف الأنبياء ومشاهيرهم (12).

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وكان ما بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ومستعلنين، ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما سمي من استعلن من الأنبياء، وهو قول الله (عز وجل): " ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك " (13) يعني لم نسم المستخفين كما نسمي المستعلنين من الأنبياء (14).

وفي روضة الكافي: عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله (15).

وآتينا داود ربورا: وقرأ حمزة بضم الزاي، وهو جمع زبر بمعنى مزبور.

وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن سعد الإسكاف، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أعطيت السور الطوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل ثمان وستون سورة (16) (17).

وفيه: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): وأنزل الزبور لثمان عشر خلون من شهر رمضان (18).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

ورسلا: نصب بمضمر دل عليه " أوحينا " إليه كأرسلنا أو فسره.

قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما: قيل: وهو منتهى مراتب الوحي خص به موسى من بينهم، وقد فضل الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن أعطاه ما أعطى كل واحد منهم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن النبي (صلى الله عليه وآله) حديث في قصة الاسراء، وفيه يقول (صلى الله عليه وآله): ثم ركبت فمضينا ما شاء الله، ثم قال لي: انزل فصل، فنزلت وصليت، فقال لي: أتدري أين صليت؟فقلت: لا، فقال: صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما (19).

وفي كتاب الإحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حديث طويل في مكالمة بينه وبين اليهود، وفيه، قالت اليهود، موسى خير منك، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ولم؟قالوا: لان الله (عز وجل) كلمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشئ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك، قالوا: وما ذاك؟قال: قوله (عز وجل): " سبحان الذي أسرى " الحديث (20) (21).

وروى عن صفوان بن يحيى، قال: سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة أن أدخله إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فاستأذنت فأذن لي، فدخل، فقال له: أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى (عليه السلام)؟فقال: الله أعلم ورسوله بأي لسان كلمه بالسريانية أم بالعبرانية؟فأخذ أبو قرة بلسانه، فقال: إنما أسألك عن هذا اللسان، فقال أبو الحسن (عليه السلام): سبحان الله مما تقول! ومعاذ الله أن يشبه خلقه، أو يتكلم بمثل ما هم يتكلمون، ولكنه (تبارك وتعالى) ليس كمثله شئ، ولا كمثله قائل فاعل، قال: كيف ذلك؟قال: كلام الخالق للمخلوق، ليس ككلام المخلوق للمخلوق، ولا يلفظ بشق فم ولسان، ولكن يقول له: " كن فيكون "، فكان بمشيئته ما خاطب به موسى من الأمر والنهي عن غير تردد في نفس (22).

وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن صفوان ابن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: لم يزل الله متكلما؟قال: فقال: إن الكلام صفة محدثة، ليس بأزلية، كان الله (عز وجل) ولا متكلم (23).

وفي كتاب الخصال: بإسناده إلى الضحاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله ناجى موسى بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام ولياليهن ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها، فلما انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلامهم، مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله (عز وجل) (24).

وفي كتاب التوحيد: بإسناده إلى محمد بن الجهم، عن أبي الحسن (عليه السلام)، حديث طويل، وفيه يقول (عليه السلام): حاكيا عن موسى (عليه السلام) في قومه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسى

1- الكافي: ج 1 ص 457 كتاب الحجة، باب مولد أمير المؤمنين (عليه السلام)، قطعة من ح 8.

2- تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 270 س 21 في تفسيره لآية 7 من سورة الشورى.

3- نقله البيضاوي: ج 1 ص 255 في تفسيره لآية 159 من سورة النساء، ثم قال: (وروي أنه (عليه الصلاة والسلام) ينزل من السماء حين يخرج الدجال فيهلكه ولا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن به حتى يكون الملة واحدة، وهي ملة الاسلام، وتقع الامنة حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم وتلعب الصبيان بالحيات، ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون ويدفنونه).

4- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 158 في تفسيره لآية 159 من سورة النساء.

5- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 158 في تفسيره لآية 159 من سورة النساء.

6- تفسير العياشي: ج 1 ص 284 ح 303.

7- مجمع البيان: ج 3 ص 138 س 1 - 1 في تفسيره لآية 159 من سورة النساء، وفي البحار: ج 82 ص 174 كتاب الطهارة، باب النوادر ح 8 وفي: ج 81 باب آداب الاحتضار واحكامه فلا حظ، وفي أمالي المفيد: ص 6 و 7 المجلس الأول.

8- تقدم آنفا تحت رقم 4.

9- تقدم آنفا تحت رقم 4.

10- جوامع الجامع: ص 101، سورة النساء س 27.

11- يوسف: 91.

12- تفسير العياشي: ج 1 ص 283 ح 300.

13- تفسير فرات بن إبراهيم: ص 34 س 3.

14- الانعام: 146.

15- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 158 س 11 في تفسيره لآية 160 من سورة النساء.

16- الكافي: ج 5 ص 306 كتاب المعيشة، باب النوادر قطعة من ح 9.

17- تفسير العياشي: ج 1 ص 284 ح 304.

18- قاله البيضاوي: ج 1 ص 256 في تفسيره لآية 163 من سورة النساء.

19- تفسير العياشي: ج 1 ص 285 ح 305.

20- تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 28 في تفسيره آية 95 من سورة الإسراء.

21- الكافي: ج 2 ص 29 باب كتاب الكفر والايمان قطعة من ح 1.

22- قاله البيضاوي: ج 1 ص 256 في تفسيره لآية 163 من سورة النساء.

23- سيأتي عن قريب.

24- كمال الدين: ص 215 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام) وأن الأرض لا تخلو من حجة لله (عز وجل) على خلقه إلى يوم القيامة قطعة من ح 2 ص 12.