الآية 35 - 43

﴿وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا (35)﴾

والاتي تخافون نشوزهن: أي عصيانهن، وترفعن عن مطاوعتكم، من النشز، وهو الارتفاع في مكان.

فعظوهن: بالقول.

واهجروهن في المضاجع: أي لم ينجع القول.

قيل: فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن، فيكون كناية عن الجماع (1).

وقيل: المضاجع المبايت، أي لا تبايتوهن (2).

وفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام)، يحول ظهره إليها (3).

واضربوهن: إن لم تنفع الهجرة، ضربا غير شديد، لا يقطع لحما ولا يكسر عظما.

وفي المجمع: عن الباقر (عليه السلام) إنه الضرب بالسواك (4).

فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا: بالتوبيخ والايذاء.

إن الله كان عليا كبيرا: فاحذروه، فإنه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم.

أو إنه على علو شأنه يتجاوز عن سيئاتكم ويتوب عليكم، فأنتم أحق بالعفو عن أزواجكم، أو إنه يتعالى ويكبر أن يظلم أحدا، أو ينقص حقه.

وإن خفتم شقاق بينهما: خلافا ونزاعا بين المرء وزوجه لا يرجى معه الاجتماع على رأي، كان كل واحد في شق، أي جانب.

وأضمرهما وإن لم يسبق ذكرهما، لسبق ما يدل عليهما.

وأضاف الشقاق إلى الظرف، إما لاجرائه مجرى المفعول به، كقوله: يا سارق الليلة (5).

أو الفاعل.

كقولهم: نهارك صائم، مجازا عقليا في الإضافة.

فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها: قيل: الخطاب للحكام، وقيل: للأزواج والزوجات.

وفي مجمع البيان: واختلف في المخاطب بإنفاذ الحكمين من هو؟فقيل: هو السلطان الذي يترافع الزوجان إليه، وهو الظاهر في الاخبار عن الصادق (عليه السلام) (6).

والبعث، قيل: لتبيين الامر، والأظهر أنه لا صلاح ذات لبين.

وكونه من أهلهما على سبيل الوجوب، فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال.

إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما: أما الضمير الأول للحكمين، والثاني للزوجين، أي إن قصدا الاصلاح أوقع الله بحسن سعيهما الموافقة بين الزوجين، أو كلاهما للحكمين، أي إن قصدا الاصلاح يوفق الله بينهما، ليتفق كلمتها ويحصل مقصود هما.

أو للزوجين، أي إن أراد الاصلاح وزوال الشقاق أوقع الله بينهما الألفة والوفاق.

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن هذه الآية: قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا الرجل والمرأة ويشترطا عليهما، إن شئنا جمعنا وإن شئنا فرقنا، فإن جمعا فجائز، وإن فرقا فجائز (7).

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية؟أرأيت إن استأذن الحكمان، فقالا للرجل والمرأة، أليس قد جعلتما أمر كما إلينا في الاصلاح والتفريق، فقال الرجل والمرأة نعم، فأشهدا بذلك شهودا عليهما، أيجوز تفريقهما عليهما؟قال: نعم، ولكن لا يكون إلا على طهر من المرأة من غير جماع من الرجل، قيل له: أرأيت إن قال أحد الحكمين: قد فرقت بينهما، وقال الآخر: لم أفرق بينهما؟فقال: لا يكون تفريق حتى يجتمعا جميعا على التفريق، فإذا اجتمعا على التفريق جاز تفريقهما (8).

وفيه: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة قال: سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن قول الله (تبارك وتعالى): " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " فقال: يشترط الحكمان إن شاء أفرقا، وإن شاءا جمعا ففرقا أو جمعا جاز (9).

حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن عبد الله بن جبلة، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " قال الحكمان يشترطان إن شاءا فرقا وإن شاءا جمعا فإن جمعا فجائز وإن فرقا فجائز (10).

وعن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جبلة وغيره، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل): " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا (11).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: وأتى علي بن أبي طالب (عليه السلام) رجل وامرأة على هذه الحال فبعث حكما من أهله وحكما من أهلها وقال للحكمين هل تدريان ما الحكمان احكما إن شئتما فرقتما وإن شئتما جمعتما، فقال الزوج: لا أرضى بحكم فرقة ولا أطلقها فأوجب عليه نفقتها ومنعه أن يدخل عليها (12).

إن الله كان عليما خبيرا: بالظواهر والبواطن، فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق.

وفي كتاب الاحتجاج: وروي أن نافع بن الأزرق جاء إلى محمد بن علي بن الحسين (عليهم صلوات الله) فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال والحرام، فقال له أبو جعفر (عليه السلام) في عرض كلامه: قل لهذه المارقة: بما استحللتم فراق أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته والقربة إلى الله بنصرته؟فيقولون لك: إنه حكم في دين الله، فقل لهم: قد حكم الله في شريعة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بين رجلين من خلقه فقال جل اسمه: " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " (13) (14).

والحديث ﴿* واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسنا وبذي القربى واليتامى والمسكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختا لا فخورا (36)﴾

طويل أخذت منه موضع الحاجة.

واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا: صمنا وغيره، أو شيئا من الاشراك جليا أو خفيا.

وبالوالدين إحسنا: وأحسنوا بهما إحسانا.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحد الأبوين وعلي الآخر، فقلت: أين موضع ذلك من كتاب الله؟قال: اقرأ " اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا " (15).

عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: " وبالوالدين إحسانا " قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد الأبوين وعلي الآخر.

وذكر أنها الآية التي في سورة النساء (16).

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني سعيد بن الحسن بن مالك، معنعنا عن أبي مريم الأنصاري قال: كنا عند جعفر بن محمد (عليهما السلام)، فسأله أبان بن تغلب عن قول الله تعالى: " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا " قال: هذه الآية التي في النساء من الوالدين؟قال جعفر: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهما الوالدان (17).

وبذي القربى: وبصاحب القرابة.

واليتامى والمسكين والجار ذي القربى: الذي قرب جواره.

وقيل: الذي له مع الجوار قرب واتصال بنسب أو دين (18).

وقرئ بالنصب على الاختصاص.

والجار الجنب: أي البعيد، أو الذي لا قرابة له.

في أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن عمرو بن مكرمة، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل أربعين دارا جيران، من يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله (19).

وفيه: عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله (20) (21).

وفي معاني الأخبار: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك ما حد الجار؟قال: أربعون ذراعا من كل جانب (22).

والتوفيق بين هذا الخبر والخبرين الأولين: إن المراد بالجار في هذا الخبر، الجار ذي القربى، وفي الأولين الجار الجنب.

وفي من لا يحضره الفقيه: في الحقوق المروية عن علي بن الحسين (عليهما السلام): وأما حق جارك فحفظه غائبا وإكرامه شاهدا، ونصرته إذا كان مظلوما، ولا تتبع له عورة، وإن علمت عليه سوء سترته عليه، وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تلمه عند شديدة، وتقبل عثرته، وتغفر ذنوبه، وتعاشره معاشرة كريمة ولا قوة إلا بالله (23).

وعن الصادق (عليه السلام): حسن الجوار يزيد في الرزق (24).

وقال: حسن الجوار يعمر الديار ويزيد في الاعمار (25).

وعن الكاظم (عليه السلام): ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار صبرك على الأذى (26).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): الجيران ثلاثة، فجار له ثلاثة حقوق، حق الجوار وحق القرابة وحق الاسلام.

وجار له حقان، وحق الجوار وحق الاسلام.

وجار له حق واحد، حق الجوار، وهو المشرك من أهل الكتاب.

ذكر هذا الخبر البيضاوي والفاضل الكاشي في تفسيره (27).

والصاحب بالجنب: الرفيق في أمر حسن، كتعلم وتصرف وصناعة وسفر وتزوج، فإنه صحبك وحصل بجنبك.

وقيل: المرأة (28).

وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صاحب رجلا ذميا، فقال له الذمي: أين تريد يا عبد الله؟قال: أريد الكوفة، فلما عدل الطريق بالذمي، عدل معه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له الذمي: ألست زعمت أنك تريد الكوفة؟قال: له: بلى، فقال له الذمي فقد تركت الطريق، فقال له: قد علمت، قال: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمر نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له الذمي: هكذا؟قال: نعم، قال الذمي: لا جرم إنما تبعه من تبعه لا فعاله الكريمة، فأنا أشهد أني على دينك ورجع الذمي مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما عرفه أسلم (29).

وفي من لا يحضره الفقيه: وأما حق الصاحب فأن تصحبه بالمودة والانصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبقك إلى معونة فإن سبق كافيته وتوده كما يودك وتزجره عما يهم به من معصية وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ولا قوة إلا بالله (30).

وابن السبيل: المسافر، أو الضيف.

وما ملكت أيمانكم: العبيد والإماء.

﴿الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (37)﴾

إن الله لا يحب من كان مختالا: متكبرا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه، ولا يلتفت إليهم.

فخورا: يتفاخر عليهم.

الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل: بدل من قوله: " من كان " أو نصب على الذم، أو رفع عليه، أي هم الذين، أو مبتدأ خبره محذوف، أي الذين يبخلون بما منحوا به ويأمرون الناس بالبخل به، أحقاء بكل ملامة.

في كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال ما كان في شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء.

لا يكون فيهم من يسأل بكفه، ولا يكون فيهم بخيل، الحديث (31).

عن عبد الله بن غالب، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خصلتان لا يجتمعان في مسلم، البخل وسوء الخلق (32).

عن أحمد بن سليمان قال: سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام)، وهو في الطواف، فقال له: أخبرني عن الجواد؟فقال: إن لكلامك وجهين، فإن كنت تسأل عن المخلوقين، فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله تعالى عليه، والبخيل من يبخل بما افترض الله عليه.

وإن كنت تعني الخالق، فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع، لأنه إن أعطى عبدا أعطى ما ليس له، وإن منع، منع ما ليس له (33).

وفي من لا يحضره، الفقيه: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليس البخيل من أدى الزكاة المفروضة من ماله وأعطى البائنة في قومه (34)، إنما البخيل حق البخيل من لم يؤد المفروضة من ماله ولم يعط في قومه، وهو يبذر فيما سوى ذلك (35).

وروي عن المفضل بن أبي قرة السمندي أنه قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أتدري من الشحيح؟فقلت: هو البخيل، فقال: الشح أشد من البخل، إن البخيل يبخل بما في يده، والشحيح يشح بما في أيدي ﴿الناس وعلى ما في يديه حتى لا يرى في أيدي﴾

(36) الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام ولا يقنع بما رزقه الله (عز وجل) (37).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا لم يكن لله (عز وجل) في العبد حاجة ابتلاه بالبخل (38).

وقرأ حمزة والكسائي ههنا وفي الحديد بالبخل بفتح الحرفين، وهي لغة.

ويكتمون ما آتهم الله من فضله: من الغنى والعلم حيث ينبغي الاظهار.

وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا: وضع الظاهر فيه موضع المضمر، إشعارا بأن من هذا شأنه، فهو كافر لنعمة الله، ومن كافرا فله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل والاخفاء.

﴿والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر و من يكن الشيطان له قرينا فسآء قرينا (38) وما ذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما (39) إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما (40)﴾

قيل: الآية نزلت في طائفة من اليهود، يقولون للأنصار تنصيحا، لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر.

وقيل: في الذين كتموا صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (39).

والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس: عطف على " الذين يبخلون " أو الكافرين، شاركهم مع البخلاء في الذم والوعيد، لان البخل والسرف الذي هو الانفاق لا على ما ينبغي، من حيث أنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذم.

أو مبتدأ خبره محذوف يدل عليه ما بعده، أي قرينهم الشيطان.

ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر: لتحروا بالانفاق مراضيه وثوابه.

قيل: هم مشركوا مكة.

وقيل: المنافقون.

ومن يكن الشيطان له قرينا فسآء قرينا: تنبيه على أن الشيطان قرينهم، فحملهم على ذلك وزينه لهم، كقوله: " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " (40) والمراد إبليس وأعوانه.

ويجوز أن يكون وعيدا لهم بأن يقرن بهم الشيطان في النار.

وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله: أي أي تبعة تحيق بهم بالايمان والانفاق في سبيل الله، وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة، ولاعتقاد في الشئ على خلاف ما هو عليه، وتحريض على الفكر لطلب الجواب، لعله يؤدي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والعوائد الجميلة، وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا، فكيف إذا تضمن المنافع.

وإنما قدم الايمان ههنا وأخره في الآية السابقة، لان القصد بذكره إلى التخصيص هنا والتعليل ثمة (41).

أو لان المقصود في السابق ذمهم وفي تأخير عدم الايمان سلوك مسلك الترقي، والمقصود ههنا إزالة الأوصاف الذميمة، وإزالة الكفر يستحق التقديم لان إزالة الانفاق رياء موقوفة على إزالته، ولان إزالة الأقبح أهم.

وكان الله بهم عليما: وعيد لهم.

إن الله لا يظلم مثقال ذرة: لا ينقص من الاجر ولا يزيد في العقاب أصغر شئ كالذرة، وهي النملة الصغيرة.

ويقال لكل جزء من أجزاء الهباء (42).

والمثقال: مفعال من الثقل.

وفي ذكره إيماء إلى أنه وإن صغر قدره، عظم جزاؤه، حيث أثبت للذرة ثقلا، وإيماء إلى أن وضع الشئ في غير محله وإن كان حقيرا، فهو عظيم ثقيل في القبح.

وإن تك حسنة: وإن تك مثقال الذرة حسنة.

وأنث الضمير، لتأنيث الخبر، أو لإضافة المثقال إلى المؤنث، وحذف النون من غير قياس، تشبيها بحروف العلة.

وقرأ ابن كثير ونافع " حسنة " بالرفع على كان التامة.

يضعفها: أي ثوابها، أو الحسنة نفسها، بناء على تجسم الأعمال.

﴿فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41)﴾

وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب " يضعفها " وكلاهما بمعنى.

يؤت من لدنه: ويؤت صاحبها من عنده على سبيل التفضل على ما وعد في مقابلة العمل.

أجرا عظيما: عطاء جزيلا، وإنما سماه أجرا، لأنه تابع للاجر مزيد عليه.

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد: فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد، يعنى نبيهم يشهد على فساد عقائد هم وقبح أعمالهم.

والفاء في " فكيف " للفضيحة، أي إذا عرفت حال هؤلاء.

والظرف، أعني " إذا " متعلق ب? " كيف " أي كيف حال هؤلاء في هذا الوقت (43).

وجئنا بك: يا محمد.

على هؤلاء شهيدا: تشهد على صدق هؤلاء الشهداء، لعلمك بعقائدهم، واستجماع شرعك مجامع قواعدهم.

وقيل: " هؤلاء " إشارة إلى الكفرة المستفهم عن حالهم، وقيل: إلى المؤمنين، لقوله تعالى: " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " (44).

في كتاب التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، حديث طويل وفيه يقول (عليه السلام) وقد ذكر أهل المحشر: ثم يجتمعون في مواطن اخر، فيستنطقون، فيفر بعضهم من بعض، فذلك قوله (عز وجل): " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه " (45) فيستنطقون، فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقوم الرسل (عليهم السلام) فيشهدون في هذه المواطن، فذلك قوله: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " (46).

وفي كتاب الإحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث يذكر فيه أحوال أهل الموقف وفيه: فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها إلى أممهم، فيخبروا أنهم قد أدوا ذلك إلى أممهم، تسأل الأمم فيجحدونه، كما قال الله: " فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين " (47) فيقولون " ما جاءنا من بشير ولا نذير " (48) فيستشهد الرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشهد بصدق الرسل ويكذب من جحدها من الأمم، فيقول لكل أمة منهم بلى " قد جاء كم بشير ونذير والله على كل شئ قدير " (49) أي يتقدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم، ولذلك قال الله تعالى لنبيه: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " فلا يستطيعون رد شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم وأن يشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون، ويشهد على منافقي قومه وأمته وكفارهم بإلحادهم وعنادهم ونقضهم عهوده وتغييرهم سنة واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم وارتدادهم على أدبارهم، واحتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها، فيقولون بأجمعهم " ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ظالمين " (50) (51).

وفي أصول الكافي: علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي، عن سماعة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): في هذه الآية، قال: نزلت في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة في كل قرن (52) منهم إمام منا شاهد عليهم ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهد علينا (53).

وفي شرح الآيات الباهرة مثله سواء (54).

أقول: نزول الآية في هذه الأمة، لا ينافي عموم حكمها، فلا تنافي بين الاخبار.

وفي مجمع البيان: وروي أن عبد الله بن مسعود قرأ هذه الآية ففاضت عيناه (55).

﴿يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42)﴾

يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض: بيان لحالهم حينئذ، أي يود الذين كفروا بمعصية الرسول في ذلك الوقت أن تسوى بهم الأرض كالموتى، أو لم يبعثوا، أو لم يخلقوا، وكانوا هم والأرض سواء.

ولا يكتمون الله حديثا: عطف على " يود " أي يومئذ لا يقدرون على كتمان حديث من الله، لان جوارحهم تشهد عليهم.

وقيل: الواو للحال، أي يودون أن تسوى بهم الأرض وحالهم أنهم لا يكتمون من الله حديثا ولا يكذبونه بقولهم: " والله ربنا ما كنا مشركين " يشتد عليهم الامر من شهادة جوارحهم فيتمنون أن تسوى بهم الأرض.

وفي تفسير العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، عن جده، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) في خطبة يصف فيها هول يوم القيامة ختم على الأفواه فلا تكلم، وتكلمت الأيدي وشهدت الأرجل ونطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثا (56).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: يتمنى الذين غصبوا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن تكون الأرض ابتلعتهم في اليوم الذي اجتمعوا فيه على غصبه، وأن لا يكتموا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه (57).

وقرأ نافع وابن عامر " تسوى " على أن أصله تستوي فأدغمت التاء في السين.

وحمزة والكسائي تسوى على حذف التاء الثانية، يقال: سويته فتسوى (58).

﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكرى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا (43)﴾

يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكرى حتى تعملوا ما تقولون: أي لا تقوموا إليها وأنتم سكارى من نحو نوم وكسل وغير ذلك، حتى تعلموا وتفهموا ما تقولون في صلاتكم.

قال البيضاوي: روي أن عبد الرحمن بن عوف صنع مأدبة ودعى نفرا من الصحابة حين كانت الخمر مباحة فأكلوا وشربوا حتى ثملوا (59)، وجاء وقت صلاة المغرب، فتقدم أحدهم ليصلي بهم فقرأ " أعبد ما تعبدون " فنزلت.

قال: وقيل: أراد بالصلاة مواضعها، وهي المساجد.

وليس المراد منه نهي السكران عن قربان الصلاة، وإنما المراد منه النهي عن الافراط بالشرب.

والسكر من السكر، وهو السد (60).

وما قاله: مبني على أن الخمر كان حلالا في أول الاسلام، وقد قدمنا ما يدل على خلافه، بل المراد منه النهي عن قربان الصلاة في حالة سكر النوم والكسل وغيره.

وفي تفسير العياشي: عن الحلبي قال: سألته عن هذه الآية قال: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " يعني سكر النوم، يقول: بكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم، وليس كما يصف كثير من الناس يزعمون أن المؤمنين يسكرون من الشراب، والمؤمن لا يشرب مسكرا ولا يسكر (61).

وفي كتاب علل الشرائع: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه: قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) وذكر حديثا طويلا، وفيه يقول (عليه السلام): لا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا، فإنها من خلال النفاق، وقد نهى الله (عز وجل) المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى، يعني من النوم (62).

وفي الكافي مثله (63).

وفيه: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي أسامة زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الله (عز وجل): " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " قال: سكر النوم (64).

وفي من لا يحضره الفقيه: وروى زكريا النقاض، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " قال: منه سكر النوم (65).

وفي كتاب الخصال: فيما علم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه: السكر أربع سكرات: سكر الشراب، وسكر المال، وسكر النوم، وسكر الملك (66).

وأما ما رواه في مجمع البيان عن موسى بن جعفر (عليه السلام): أن المراد به سكر الشراب (67).

فمحمول على التقية، لأنه موافق لمذهب العامة كما نقلنا عنهم.

وقد روى فيه عن أبي جعفر (عليه السلام): أن المراد به سكر النوم خاصة (68).

وقرئ " سكارى " بالفتح، وسكرى على أنه جمع كهلكى، أو مفرد بمعنى وأنتم قوم سكرى، وسكرى كحبلى على أنها صفة الجماعة.

ولا جنبا: قيل: عطف على قوله: " وأنتم سكارى " إذ الجملة في موضع النصب على الحال.

والجنب: الذي أصابته الجناية، يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع، لأنه يجري مجرى المصدر.

إلا عابري سبيل: قيل: متعلق بقوله: " ولا جنبا " استثناء من أعم الأحوال، أي لا تقربوا الصلاة جنبا في حال من الأحوال إلا في حال السفر، وذلك إذا لم يجد الماء وتيمم.

ويدل عليه تعقيبه بذكر التيمم، أو صفة لقوله: " جنبا " أي جنبا غير عابري سبيل.

وفيه دلالة على أن التيمم لا يرفع الحدث (69).

وقيل: المراد بالصلاة، مواضع الصلاة، وبعابري سبيل، المجتازون فيها.

وقيل: في الآية الكريمة قد استخدم سبحانه بلفظ الصلاة لمعنيين.

أحدهما: إقامة الصلاة، بقرينة قوله: " حتى تعلموا ما تقولون ".

والآخر: موضع الصلاة بقرينة قوله (جل شأنه): " ولا جنبا إلا عابري سبيل " (70).

وفيه: أن الاستخدام، إما بذكر لفظ وإرادة معنى، وبضميره معنى آخر.

أو بإرجاع ضميرين إلى شئ، والإرادة من كل من ضميريه غير ما أريد بالآخر، لا ثالث له، وفي الآية ليس كذلك.

والأوجه أن يقال: بحذف " تقربوها " بعد كلمة " لا " معطوفا على الجملة السابقة، والحمل على الاستخدام حتى لا تلزم مخالفة قاعدة الاستخدام، ويطابق الاخبار الأولة الدالة على أن المراد بالصلاة معناها والأخبار الدالة على أن المراد هنا، المساجد.

ففي كتاب علل الشرائع: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟قال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين، إن الله تعالى يقول: " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ".

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (71).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: سئل الصادق (عليه السلام) عن الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟فقال: الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين فإن الله تعالى يقول: " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " ويضعان فيه الشئ ولا يأخذان منه، فقلت: فما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه؟فقال: فأنهما يقدران على وضع الشئ من غير دخول، ولا يقدران على أخذ ما فيه حتى يدخلا (72).

وقد روي في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟فقال: لان الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره، ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلا منه (73).

ويمكن دفع المنافاة بين الخبرين بأن المراد أن الوضع والاخذ إذا كان كل منهما مستلزما للدخول واللبث ودعت الضرورة إلى أخذ ما وضعته سابقا جاز الاخذ دون الوضع، وإذا لم يكن الوضع مستلزما للدخول واللبث وكان الاخذ غير مستلزم لهما، جاز الوضع دونه.

حتى تغتسلوا: غاية النهي عن القربان حال الجنابة.

وإن كنتم مرضى: مرضا يخاف معه من استعمال الماء، فإن الواجد له فاقده معه، أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه.

وهذا التقييد وكذا التقييد الآتي مفهوم من قوله: " فلم تجدوا " لأنه متعلق بالجمل الأربع.

وفي مجمع البيان: " وإن كنتم مرضى " قيل: نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا ولم يستطع أن يقوم فيتوضأ، فالمرض الذي يجوز فيه التيمم، مرض الجراح والكسر والقروح إذا خاف أصحابها من مس الماء، عن ابن عباس وابن مسعود والسدي والضحاك ومجاهد وقتادة، وقيل: هو المرض الذي لا يستطيع معه تناول الماء، ولا يكون هناك من يناوله، عن الحسن وابن زيد، وكان الحسن لا يرخص للجريح، التيمم.

والمروي عن السيدين الباقر والصادق (عليهما السلام) جواز التيمم في جميع ذلك (74).

أو على سفر: لا تجدونه فيه.

أو جاء أحد منكم من الغائط: فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين، ولم يجد ماء.

وأصل الغائط، المطمئن من الأرض.

أو لمستم النساء: قيل: أي ما مسستم بشرتهن ببشرتكم.

وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي المائدة " لمستم ".

واستعماله كناية عن الجماع أقل من الملامسة، والمراد هنا جامعتم.

ففي الكافي: علي بن إبراهيم عن أبيه (75)، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل): " أو لامستم النساء " قال: هو الجماع، ولكن الله ستير يحب الستر فلم يسم كما تسمون (76).

وفي تفسير العياشي: عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اللمس هو الجماع (77).

عن أبي مريم قال قلت: لأبي جعفر: ما تقول الرجل يتوضأ ثم يدعو بجاريته فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد فإن من عندنا يزعمون أنها الملامسة؟فقال: لا والله ما بذلك بأس، وربما فعلته، وما يعني بهذا أي " لامستم النساء " إلا المواقعة دون الفرج (78).

عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله قيس بن رمانة قال: أتوضأ ثم ادعوا الجارية فتمسك بيدي فأقوم واصلي، أعلي وضوء؟فقال: لا، قال: لا والله ما بذلك بأس، وربما فعلته، وما يعني بهذا أي " لامستم النساء " إلا المواقعة دون الفرج (79).

عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله قيس بن رمانة قال: أتوضأ ثم ادعوا الجارية فتمسك بيدي فأقوم واصلي، أعلي وضوء؟فقال: لا، قال: فإنهم يزعمون أنه اللمس، قال: لا، والله ما اللمس إلا الوقوع، يعني الجماع، ثم قال: قد كان أبو جعفر (عليه السلام) بعد ما كبر يتوضأ، ثم يدعوا الجارية فتأخذ بيده فيقوم ويصلي (80).

فلم تجدوا ماء: بأن تفقدوه، أو لم تتمكنوا من استعماله كما سبق.

والعبارة: فلم يوجد ماء، والعدول لا رادة هذا المعنى: فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم: فتعمدوا ترابا طاهرا.

وفي تفسير العياشي: عن أبي أيوب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء، كن توضأ من غدير من ماء، أليس الله يقول: " فتيمموا صعيدا طيبا " قال: قلت: فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت؟قال: فقال: قد مضت صلاته، قال: قلت له: فيصلي بالتيمم صلاة أخرى؟قال: إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التيمم (81).

وفي كتاب معاني الأخبار: وقد روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: الصعيد الموضع المرتفع، والطيب الموضع الذي ينحدر منه الماء (82).

وقيل: الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره، فيجوز التيمم على الحجر الصلد.

ويدفعه من القرآن قوله في المائدة: " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " (83) أي من بعضه.

وجعل " من " لابتداء الغاية تعسف، إذ لا يفهم في مثله إلا التبعيض.

ومن الحديث قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا) (84) فلو كان مطلق الأرض طهورا لكان ذكر التراب مخلا، وكانت العبارة أن يقول: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) (85) كما في الرواية الأخرى.

والآية دلت على أن المسح ببعض الرأس واليدين، لمكان الباء، لا لإفادة الباء.

1- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 137 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء.

2- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 218 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء.

3- التهذيب: ج 7 ص 240 كتاب النكاح باب 22 السنة في النكاح ح 4.

4- (ما) فيها وجهان. أحدهما: أن تكون مصدرية، وتقديره، بحفظ الله لهن. والثاني: أن تكون بمعنى الذي أي، الشئ الذي حفظه الله. وقرئ: (بما حفظ الله) بالنصب، و (ما) على هذه القراءة بمعنى الذي، وتقديره، بالشئ، الذي حفظ طاعة الله تعالى وفي (حفظ) ضمير مرفوع هو فاعل يعود إلى (الذي) ولا يجوز أن تكون مصدرية على تقدير بحفظهن الله، وإن كان صحيحا في المعنى إلا أنه فاسد من جهة الصناعة اللفظية، لان (ما) المصدرية حرف وإذا كانت حرفا لم يكن في حفظ ضمير عائد إليها، لأنه لاحظ للحرف في عود الضمير، فيبقى (حفظ) بلا فاعل، والفعل لا تدله من فاعل وذلك محال، فوجب أن تكون بمعنى الذي على ما بينا. (البيان في غريب إعراب القرآن لا بن الأنباري: ص 252).

5- نقله البيضاوي: ج 1 ص 218 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء.

6- نقله البيضاوي: ج 1 ص 218 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء.

7- مجمع البيان: ج 3 ص 44 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء.

8- مجمع البيان: ج 3 ص 44 في تفسيره لآية 34 من سورة النساء.

9- وتمامه (أهل الدار - يا آخذا مالي ومال جارى) لم يسم قائله. السارق فاعل من سرق منه الشئ أي جاء مستترا إلى حرز فأخذ ما لغيره، وأهل الدار منصوب على التحذير، أي احذر أهل الدار، والاخذ فاعل من الاخذ بمعنى التناول، والجار بالجيم والراء المهملة الذي يجاور بيتك (جامع الشواهد: ص 370 باب الياء بعده الألف).

10- مجمع البيان: ج 3 ص 44 في تفسيره لآية 35 من سورة النساء.

11- الكافي: ج 6 ص 146 كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 2.

12- الكافي: ج 6 ص 146 كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 4.

13- الكافي: ج 6 ص 146، كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 1.

14- الكافي: ج 6 ص 146، كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 3.

15- الكافي: ج 6 ص 147، كتاب الطلاق، باب الحكمين والشقاق، ح 5.

16- تفسير علي بن إبراهيم: ص 138.

17- الاحتجاج: ج 2 ص 324 س 5، احتجاج أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) في شئ مما يتعلق بالأصول والفروع، وتمام الحديث (وحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سعد ابن معاذ في بني قريظة، فحكم بما أوصاه الله، أو ما علمتم أن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدياه، واشترط رد ما خالف القرآن من أحكام الرجال، وقال حين قالوا له: حكمت على نفسك من حكم عليك، فقال: ما حكمت مخلوقا، إنما حكمت كتاب الله، فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن واشترط رد ما خالفه، ولولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان. فقال نافع بن الأزرق: هذا والله ما طرق بسمعي قط ولا خطر مني ببال، هو الحق إن شاء الله تعالى).

18- ويعجبني أن أثبت هنا بمناسبة المقام ما أثبته الصدوق (قدس سره) في الفقيه: ج 3 ص 337 باب الشقاق، بعد نقله الحديث الذي قدمناه على الحلبي، قال ما لفظه: (قال مصنف هذا الكتاب (رحمه الله) لما بلغت هذا الموضع ذكرت فضلا لهشام بن الحكم مع بعض المخالفين في الحكمين بصفين عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري، فأحببت إيراده، وإن لم يكن من جنس ما وضعت له الباب. قال المخالف: إن الحكمين لقبولهما الحكم كانا مريدين للاصلاح بين الطائفتين، فقال هشام: بل كانا غير مريدين للاصلاح بين الطائفتين، فقال المخالف: من أين قلت هذا؟قال هشام: من قول الله (عز وجل) في الحكمين، حيث يقول: " إن.

19- يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " فلما اختلفا ولم يكن بينهما اتفاق على أمر واحد ولم يوفق الله بينهما، علمنا أنهما لم يريدا الاصلاح.

20- لم نعثر عليه في تفسير علي بن إبراهيم ونقلناه عن تفسير العياشي: ج 1 ص 241 ح 128.

21- تفسير العياشي: ج 1 ص 241 ح 129.

22- تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: ص 27 من سورة النساء س 25.

23- قاله البيضاوي: ج 1 ص 219 في تفسير لآية 36 من سورة النساء.

24- الكافي: ج 2 ص 669 كتاب العشرة، باب حد الجوار، ح 1.

25- الكافي: ج 2 ص 669 كتاب العشرة، باب حد الجوار، ح 2.

26- واعلم أن ما دل عليه هذا الحديث من أن الجوار أربعون دارا من كل جانب مذهب طائفة من أصحابنا، وذهب جماعة منهم الشهيد الأول في اللمعة إلى أنه أربعون ذراعا، وقال الشهيد الثاني: الأقوى في الجيران الرجوع إلى العرف، لان مستند الأول رواية عامية روتها عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: الجار إلى أربعين دارا، والثاني وإن كان مشهورا مستنده ضعيف. وكأنه غفل عن هاتين الروايتين وجعل مستند الأول رواية عائشة (شرح أصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 11 ص 132).

27- معاني الأخبار: ص 165 باب معنى الجار وحد المجاورة ح 1.

28- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 379 باب 276 الحقوق، ح 1 س 17.

29- الكافي: ج 2 ص 666 كتاب العشرة، باب حق الجوار، ح 3.

30- الكافي: ج 2 ص 667 كتاب العشرة، باب حق الجوار، ح 8.

31- الكافي: ج 2 ص 667 كتاب العشرة، باب الجوار، ح 9.

32- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 219، في تفسيره لآية 36 من سورة النساء (والجار الجنب) ورواه أيضا في الصافي: ج 1 ص 416 في تفسيره للآية.

33- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 219 في تفسيره لآية من سورة النساء، قال (وقيل: هي المرأة تكون معك إلى جنبك).

34- الكافي: ج 2 ص 670، كتاب العشرة، باب حسن الصحابة وحق الصاحب في السفر، ح 5.

35- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 379، باب 226 الحقوق، ح 1 س 20.

36- الخصال: ص 131 باب الثلاثة ثلاث خصال لا تكون في الشيعة، ح 137 وتمام الحديث (ولا يكون فيهم من يؤتى في دبره).

37- الخصال: ص 75 باب الاثنين خصلتان لا يجتمعان في مسلم، ح 117.

38- الخصال: ص 43 باب الاثنين الجواد على وجهين، ح 36.

39- البائتة: القطيعة، سميت بها، لأنها أبينت من المال (الوافي: ص 69 كتاب الزكاة باب الجود والبخل.

40- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 34 باب 16 فضل السخاء والجود ح 8 وفيه (النائبة) بالنون والألف والهمزة والباء الموحدة، في المقامين.

41- ما بين المعقوفتين ليس في النسخة - أ - وأثبتناه من المصدر لاقتضاء السياق.

42- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 34 باب 16 فضل السخاء والجود ح 9.

43- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 35 باب 16 فضل السخاء والجود ح 11.

44- من قوله: (وقرأ حمزة والكسائي) إني هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 219، لاحظ تفسيره لآية 37 من سورة النساء.

45- الاسراء: 27.

46- من قوله: (عطف على الذين) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 219، لاحظ تفسيره 39 من سورة النساء.

47- الهباء ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه الغبار (مجمع البحرين: ج 1 ص 469 لغة هبا).

48- في هامش نسخة ما هذا لفظه (رد على البيضاوي حيث جعله متعلقا بمضمون المبتدأ والخبر من هول

الامر وتعظيم الشأن - منه دام عزه) ولفظ البيضاوي: ج 1 ص 220 هكذا (والعامل في الظرف مضمون المبتدأ والخبر من هول الامر وتعظيم الشأن) لاحظ تفسيره لآية 41 من سورة النساء.

49- البقرة: 143.

50- عبس: 36.

51- التوحيد: ص 261 باب 36 الرد على الثنوية والزنا دقة س 6.

52- الأعراف: 6.

53- المائدة: 19.

54- المائدة: 19.

55- المؤمنون: 106.

56- الاحتجاج: ج 1 ص 242، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القران متشابهة.. س 21.

57- قوله: (في كل قرن) في النهاية: ج 4 ص 51 القرن أهل كل زمان: وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان، مأخوذ من الاقتران، فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم، وقيل: القرن أربعون سنة، وقيل: ثمانون، وقيل: هو مطلق الزمان. قوله: (شاهد عليهم) يوم القيامة بما علم منهم من خير وشر، كما أن عليهم شاهدا من الملائكة والأعضاء لقوله تعالى: " يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ". قوله: (شاهد علينا) الظاهر أن المراد بضمير المتكلم الأئمة (عليهم السلام)، واحتمال إرادة جميع الأمة بعيد. وتحقق هذه الشهادة: أن النفس القدسية النبوية مع كونها متعلقة بالبدن كانت مطلعة على الأمور الغائبة، فكيف إذا فارقه، فإنها إذن تكون مطلعة على جميع أفعال الأمم من خير أو شر قطعا. وأما فائدتها فلان الناس إذا علموا أن لهم شهيدا ورقيبا وكتابا لما يفعلون كان ذلك ادعى لهم إلى الطاعة والقربات وأمنع لهم عن المعصية والشهوات، لاحترازهم عن الافتضاح في محفل القيامة على رؤوس الاشهاد (شرح أصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 5 ص 193).

58- الكافي: ج 1 ص 190 كتاب الحجة باب في أن الأئمة شهداء الله (عز وجل) على خلقه، ح 1.

59- لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في تأويل الآيات الظاهرة: ص 135.

60- مجمع البيان: ج 3 ص 49 في تفسيره لآية 41 من سورة النساء.

61- تفسير العياشي: ج 1 ص 242 ح 133.

62- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 139 س 9 في تفسيره لآية 49 من سورة النساء.

63- وقرئ تسوى بتشديد السين والواو وفتح التاء. وتسوى بتخفيف السين وافتح التاء. فمن قرأ بتشديد السين والواو كان التقدير فيه (تتسوى) فأبدلت التاء الثانية سينا لقرب مخرجهما وأدغمت السين في السين. ومن قرئ تسوى بتخفيف السين حذف إحدى التائين (البيان لابن الأنباري: ص 254).

64- ثمل الرجل كفرح فهو ثمل، إذا أخذ فيه الشراب (مجمع البحرين: ج 5 ص 332 لغة ثمل) وقد كتب بعض أهل اللغة وبعض أصحاب التفسير من العامة هنا في معنى الكلمة وتفسير الآية بعض الترهات التي يخجل القلم عن كتابته وتنكره العقول السليمة، ويستنكر نشره أرباب المروءات، عصمنا الله وجميع المسلمين عن مثل هذه الزلات وعن اتباع هذه الضلالات - آمين.

65- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 221 في تفسيره لآية 43 من سورة النساء.

66- تفسير العياشي: ج 1 ص 246 ح 137.

67- علل الشرائع: ج 2 ص 47 باب 74 علة الاقبال على الصلاة وعلة النهي عن التكفير وعلة النهي عن القيام إلى الصلاة على غير سكون ووقار، قطعة من ح 1.

68- الكافي: ج 3 ص 299، كتاب الصلاة، باب الخشوع في الصلاة وكراهية العبث قطعة من ح 1.

69- الكافي: ج 3 ص 371 كتاب الصلاة، باب بناء المساجد وما يؤخذ منها والحدث فيها من النوم وغيره ح 15.

70- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 303 باب 66 وقت صلاة الليل ح 12.

71- الخصال: ص 636 حديث الأربعمائة س 9.

72- مجمع البيان: ج 3 ص 51 و 52 في نقله المعنى لآية 43 من سورة النساء.

73- مجمع البيان: ج 3 ص 51 و 52 في نقله المعنى لآية 43 من سورة النساء.

74- من قوله: (وقرئ سكارى بالفتح) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 221، لاحظ تفسيره لآية 43 من سورة النساء.

75- نقله في الصافي: ج 1 ص 420، لاحظ تفسيره لآية 43 من سورة النساء.

76- علل الشرائع: ج 1 ص 272 باب 210 العلة التي من أجلها يجوز للحائض والجنب أن يجوزا في المسجد ولا يضعا فيه شيئا، ح 1.

77- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 139 في تفسيره لآية 43 من سورة النساء.

78- الكافي: ج 3 ص 106 كتاب الحيض، باب الحائض تأخذ من المسجد ولا تضع فيه شيئا ح 1.

79- مجمع البيان: ج 3 ص 52 في نقل المعنى لآية 43 من سورة النساء.

80- ما بين المعقوفتين ليس في النسخة - أ - والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

81- الكافي: ج 5، ص 55، كتاب النكاح، باب نوادر، ج 5.

82- تفسير العياشي: ج 1 ص 243 ح 140.

83- تفسير العياشي: ج 1 ص 243 ح 139.

84- تفسير العياشي: ج 1 ص 243 و 244 ح 142 و 143.

85- تفسير العياشي: ج 1 ص 243 و 244 ح 142 و 143.