لآية 5 - 7

﴿ولا تؤتوا السفهاء أمولكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا (5)﴾

أنه جاء رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني يوجع بطني (1) فقال: ألك زوجة؟قال: نعم، قال: استوهب منها شيئا طيبة به نفسها من مالها، ثم اشتر به عسلا، ثم أسكب عليه من ماء السماء، ثم اشربه، فإني سمعت الله سبحانه يقول في كتابه: " ونزلنا من السماء ماء مباركا " (2) وقال " يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس " (3) وقال " فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " وإذا اجتمعت البركة والشفاء والهني، والمرئ شفيت إن شاء الله تعالى، فقال ففعل ذلك فشفي (4).

ولا تؤتوا السفهاء أمولكم: قيل: نهي للأولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم، فيضيعوها.

وإنما أضاف المال إلى الأولياء، لأنها في تصرفهم وتحت ولايتهم، وهو الملائم للآيات المتقدمة والمتأخرة.

وقيل: نهي لكل أحد أن يعمد إلى ما خوله الله من المال فيعطي امرأته وأولاده ثم ينظر إلى أيديهم.

وإنما سماهم سفهاء، استخفافا بعقلهم، واستهجانا لجعلهم قواما على أنفسهم، وهو أوفق لما بعده من قوله: " التي جعل الله لكم قياما " (5).

وفي مجمع البيان: اختلف في المعنى بالسفهاء على أقوال: أحدها أنهم النساء والصبيان، ورواه أبو الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وثالثها أنه عام في كل سفيه، من صبي أو مجنون أو محجور عليه للتبذير، وقريب منه ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن السفيه شارب الخمر ومن جرى مجراه.

وقيل: عنى بقوله: " أموالكم " (أموالهم).

وقد روى أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن هذا، فقيل: كيف يكون أموالهم أموالنا؟فقال: إذا كنت أنت الوارث له، انتهى (6).

فعلى هذا يمكن الحمل على عموم النهي عن إيتاء المال إلى السفهاء، وإرادة العموم من إضافة الأموال، بإرادة ما يشمل أموالهم أو مالهم الولاية فيه.

وفي الاخبار ما يدل عليه (7).

وفي تفسير العياشي: عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في قوله الله: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم "، قال: من لا تثق به (8).

عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " قال: من لا يثق به (9).

عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " قال: كل من يشرب المسكر فهو سفيه (10).

عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عز وجل): " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " قال: هم اليتامى ولا تعطوهم أموالهم حتى تعرفوا منهم الرشد قلت: فكيف يكون أموالهم أموالنا؟فقال: إذا كنت أنت الوارث لهم (11).

وفي قرب الإسناد للحميري: هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة بن زياد قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول لأبيه: يا أبه إن فلانا يريد اليمن، أفلا أزوده بضاعة يشتري بها عصب اليمن؟(12) فقال له: بابني، لا تفعل، قال: فلم؟قال: فإنها إذا ذهبت لم تؤجر عليها ولم يخلف عليك، لان الله تعالى يقول: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما " فأي سفيه بعد النساء أسفه من شارب الخمر (13).

وفي من لا يحضره الفقيه: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم "؟قال: لا تؤتوها شراب الخمر ولا النساء، ثم قال: وأي سفيه أسفه من شارب الخمر (14).

وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا حدثتكم بشئ فاسألوني من كتاب الله، ثم قال في بعض حديثه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال، فقيل له: يا بن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟قال: إن الله (عز وجل) يقول: " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " (15)، وقال: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما "، وقال: " لا تسألوا عن أشياء ان تبدلكم تسؤكم " (16) (17).

التي جعل الله لكم قيما: تقومون بها وتتعيشون، أي جنسه كذلك.

سمي ما به القيام قياما للمبالغة.

وقرأ نافع وابن عامر " قيما " بمعناه، كعوذ بمعنى عياذ.

وقرأ " قواما " وهو ما يقام به.

وارزقوهم فيها واكسوهم: واجعلوا الأموال مكانا لرزقهم وكسوتهم.

بأن تتجروا فيها وتحصلوا من نفعها ما يحتاجون.

وقولوا لهم قولا معروفا: عدة حسنة تطيب بها نفوسهم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال: فالسفهاء النساء والولد، إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة ﴿وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا (6)﴾

وولده سفيه مفسد، لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما على ماله الذي جعله الله له قياما، يقول: معاشا، قال: " وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا " والمعروف العدة (18).

وابتلوا اليتامى: اختبروهم قبل البلوغ، بتتبع أحوالهم في صلاح الدين، والتهدي إلى ضبط المال وحسن التصرف.

حتى إذا بلغوا النكاح: حدا يتأتى منهم النكاح، وهو كناية عن البلوغ، لأنه يصلح للنكاح عنده، وهو أن يحتلم أو يستكمل خمس عشرة سنة في الرجال، والحيض واستكمال تسع سنين في النساء.

فإن آنستم منهم رشدا: فإن أبصرتم منهم رشدا.

وقرئ (احستم) بمعنى أحسستم.

وفي من لا يحضره الفقيه: عن الصادق (عليه السلام): إيناس الرشد حفظ المال (19).

وفي مجمع البيان عن الباقر (عليه السلام): الرشد العقل وإصلاح المال (20).

فادفعوا إليهم أموالهم: من غير تأخير عن حد البلوغ.

ونظم الآية: أن الشرطية جواب إذا المتضمنة معنى الشرط، والجملة غاية الابتلاء، فكأنه قيل: وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم.

وفيه دلالة على أنه لا يدفع إليهم أموالهم ما لم يؤنس منهم الرشد.

وفي تفسر علي بن إبراهيم: عن الباقر (عليه السلام) في هذه الآية: قال: من كان في يده مال بعض اليتامى، فلا يجوز له أن يعطيه حتى يبلغ النكاح ويحتلم، فإذا احتلم وجب عليه الحدود وإقامة الفرائض، ولا يكون مضيعا ولا شارب خمر ولا زانيا، فإذا انس منه الرشد دفع إليه المال واشهد عليه، وإن كانوا لا يعلمون أنه قد بلغ فإنه يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته، فإذا كان ذلك فقد بلغ، فيدفع إليه ماله إذا كان رشيدا، ولا يجوز له أن يحبس عنه ماله ويعتل عليه أنه لم يكبر بعد (21).

وفي من لا يحضره الفقيه: وفي رواية أحمد بن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الله بن المغيرة، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في تفسير هذه الآية: إذا رأيتموهم يحبون آل محمد فارفعوهم درجة (22).

ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا: قيل: أي مسرفين ومبادرين كبرهم، أو لاسرافكم ومبادرتكم كبرهم (23).

والأولى مسرفين في المال ومبادرين في الاسراف خوف أن يكبروا ويأخذوا المال.

ومن كان غنيا فليستعفف: من أكلها.

ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف: بقدر حاجته واجرة سعيه.

وفي تفسير العياشي: عن رفاعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: " فليأكل بالمعروف " قال: كان أبي يقول إنها منسوخة (24).

واعلم أن من يلي شيئا لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه وهو يصلح أموالهم بما نحتاج إليه، فله اجرة علمه مساوية لأجرة مثله، سواء كان قدر كفايته أم لا، وإن لم يكن قدر كفايته فحينئذ جاز له أن يأخذ قدر الكفاية من مال اليتيم على جهة القرض ثم يرد عليه ما أخذ إذا وجد.

يدل عليه ما رواه في الكافي: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " قال: من كان يلي شيئا لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه، وهو يتقاضى أموالهم (25) ويقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر ولا يسرف، وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج لنفسه فلا يرزأن (26) من أموالهم شيئا (27).

قوله: " بقدر " أي بقدر عمله " ولا يسرف " أي لا يزيد على اجرة عمله.

وما رواه عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): سألني عيسى بن موسى عن القيم للأيتام في الإبل وما يحل له منها؟فقلت: إذا لاط حوضها (28) وطلب ضالتها، وهنأ جرباها (29) فله أن يصيب من لبنها، في غير نهك لضرع (30) ولا فساد لنسل (31).

أحمد بن محمد، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " فقال: ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا (32).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

ووفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة والكفاية على جهة القرض، ثم يرد عليه ما أخذ إذا وجد (33).

والمراد ما زاد على اجرة عمله.

وما رواه العياشي في تفسيره: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله: " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف "، قال: ذلك إذا حبس نفسه في أموالهم فلا يحترف لنفسه، فليأكل بالمعروف من مالهم (34).

وما رواه عن إسحاق بن عمار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية: هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية ويشغل فيها نفسه، فليأكل بالمعروف، وليس له ذلك في الدنانير والدراهم التي عنده موضوعة (35).

﴿للرجال نصيب مما ترك الولدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الولدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا (7)﴾

وأما ما رواه في الكافي: عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الفضل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية: ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم، فإن كان ذلك المال قليلا فلا يأكل منه شيئا (36).

فالمراد بالمعروف، اجرة مثل عمله، وذلك إذا كان في عمله إصلاح لأموالهم.

والمراد بكون أموالهم قليلا، كونها قدرا لا يزيد بالاصلاح ولا أثر لعمله فيها.

فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم، بأنهم قبضوا، فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة، ووجوب الضمان.

وكفى بالله حسيبا: محاسبا، فلا تخالفوا ما أمرتم به، ولا تجاوزوا ما حد لكم.

للرجال نصيب مما ترك الولدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الولدان والأقربون: يريد به المتوارثين بالقرابة.

مما قل منه أو كثر: بدل " مما ترك " بإعادة العامل.

نصيبا مفروضا: أي واجبا.

نصب على أنه مصدر مفيد للنوع لمحذوف (37)، أي نصب نصيبا مفروضا، أو حال من الضمير في الظرف.

أو على الاختصاص بمعنى أعني نصيبا مقطوعا واجبا.

وفيه دلالة على أن بإعراض الوارث لا يسقط من حقه شئ.


1- حازه يجوزه إذا قبضه وملكه واستبد به، أي تفرد به (النهاية: ج 1 ص 459 لغة حوز).

2- البقرة: 229 والآية الشريفة هكذا: " ولا يحل لكم أن تأخذوا ".

3- الكافي: ج 7 ص 30 كتاب الوصايا، باب ما يجوز من الوقف والصدقة والنحل والهبة والسكنى والعمري. قطعة من ح 3.

4- تفسير العياشي: ج 1 ص 219 ح 16.

5- في النسخة - أ -: (إني أجد يوجع في بطني) وما في المتن من المصدر.

6- ق: 9.

7- النحل: 69.

8- مجمع البيان: ج 3 ص 7 في تفسيره لآية 4 من سورة النساء. وفي تفسير العياشي: ج 1 ص 219 ح 18 وألفاظهما مختلفة باختلاف يسير فلا حظ.

9- من قوله: قيل: نهي للأولياء، إلى هنا مقتبس من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 204، لاحظ تفسيره لآية 5 من سورة النساء.

10- مجمع البيان: ج 2 ص 7 تلخيص مما ذكره (قدس سره) في معنى الآية.

11- قد أشار إلى الاخبار في التبيان: ج 2 ص 112 في تفسيره لاية 5 من سورة النساء.

.

12- تفسير العياشي: ج 1 ص 220 ح 20.

13- لم نعثر عليه في العياشي، والظاهر أنه اشتباه من الناسخ، انظر الرواية التي قبلها والتي بعدها.

14- تفسير العياشي: ج 1 ص 220 ح 22.

15- تفسير العياشي: ج 1 ص 220 ح 23.

16- العصب: برود يمنية يعصب غزلها: أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ، يقال: برد عصب وبرود عصب بالتنوين والإضافة، وقيل: هي برود مخططة، والعصب: الفتل، والعصاب الغزال (النهاية: ج 3 ص 245).

17- قرب الإسناد: ص 131 س 5.

18- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 168 باب 120 كراهية الوصية إلى المرأة ح 2.

19- النساء: 114.

20- المائدة: 101.

21- (إذا حدثتكم بشئ فاسألوني من كتاب الله) أي فسألوني عن موضعه ومأخذه من كتاب الله. وفيه تنبيه على أن كل شئ كان أو يكون أو كائن فهو في القرآن، لأنه برهان كل علم، ودليل كل شئ، ونور كل حق، وصراط كل غائب، وشاهد كل حكم، وضياء كل صدق، فكل فعل لا يطابقه فهو باطل، وكل قول لا يوافقه فهو كاذب، وكل من تمسك برأيه فهو خاسر (ثم قال في بعض حديثه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن القيل والقال) وهما إما فعلان ماضيان خاليان عن الضمير، جاريان مجرى الأسماء مستحقان للأعراب وإدخال حرف التعريف عليهما، أو مصدران، يقال: قلت قولا وقيلا وقالا وقالة. والمقصود أنه نهى (صلى الله عليه وآله وسلم) عن فضول ما يتحدث به المتحدثون وزوائد ما يتكلم به المتجالسون، مثل الخوض في أخبار الناس وحكاية أقوالهم وأفعالهم، ونقل أحداث الزمان ووقائعها، مما لا يجدي نفعا، ولا يورث حكمة، فإن ذلك يوجب فساد القلب ورينه وميله إلى أمثال تلك المزخرفات واشتغاله عن تعلم ما لابد منه من العلوم الدينية والمعارف اليقينية. وقيل: القال، الابتداء، والقيل الجواب. وقيل: نهى عن كثرة الكلام مبتدئا ومجيبا. وقيل: نهى عن الأقوال التي توقع الخصومة بين الناس بما يحكى لبعض عن بعض. وقيل: نهى عن المناظرة في العلم والمجادلة في البحث، فإن المناظرة لقصد الغلبة في العلم والمفاخرة بالفضل تورث النفاق والعداوة والأخلاق المهلكة والذنوب المردية والآفات الكثيرة. والأحسن التعميم وإرادة جميع هذه الأمور، فإن كلها مذموم عقلا ونقلا. (وفساد المال) أي نهى عن فعل ما يوجب فساده، مثل صرفه في غير الجهات المشروعة، وترك ضبطه وحفظه، وإعطاء الدين دون إشهاد أو وثيقة بغير الموثوق به، وإيداعه عند الخائن وأمثال ذلك. وأما تحسين الطعام والثياب وتكثيرها وتوسيع الدار فليس من إفساد المال للموسع عليه. وإفساد المال مذموم قطعا، لان المال الحلال مكسبه ضيق جدا وفساده يوجب هلاك النفس وتضييع العيال، أو التعرض لما في أيدي الناس، ولان الله تعالى إنما أعطاه ليصرف في وجوه البر وأبواب الخير، فمن أفسده كان كم ضاد الحق وعاداه، وبالجملة في حفظه مصلحة للدين والدنيا. (وكثرة السؤال) عن أمور لا يحتاجون إليها، سواء كانت من الأمور الدنيوية أو الدينية كما مر أن مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتى يسقط عليك منها شئ. وفيه حث على ترك الالحاح في السؤال، وأن رجلا سأل علي بن الحسين (عليه السلام) عن مسائل فأجاب، ثم عاد ليسأل عن مثلها، فقال (عليه السلام): مكتوب في الإنجيل، لا تطلبوا علم ما لا تعلمون، ولما تعملوا بما علمتم، وقد نقل أن بعض أهل العلم سئل عن شئ فأجابه، فقيل له فإن كان كذا فأجابه، ثم قيل له فإن كان كذا، فقال: هذه سلسلة متصلة بأخرى. إنما قال ذلك، لكراهة الاستكثار في الاستفهام، وذلك مذموم خصوصا من الجاهل الذي لا يقدر على إدراك حقائق الأشياء كما هي، ومعرفة أصول العقائد كما ينبغي، وفهم غوامض المسائل من أحوال المبدأ والمعاد والجبر والقدر والتفويض وأمثال ذلك فإن وغوله في ذلك يوجب حيرته وضلالته وكفره. (فقيل له: يا بن رسول الله أين هذا من كتاب الله) سئل سائل عن مدارك هذه الأمور الثلاثة ومواضعها من كتاب الله تعلما وتفهما، (قال: إن الله تعالى يقول: " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " هذا مأخذ للأول، والنجو السربين الاثنين، والمعروف كل ما يستحسنه الشرع ولا ينكره العقل، وقد فسر هنا بالقرض وإغاثة الملهوف وصدقة التطوع وغير ذلك (وقال: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " نهى الأولياء عن أن يؤتوا السفهاء الذين لا رشد لهم أموالهم، فينفقونها فيما لا ينبغي (وقال: " لا تسألوا عن أشياء ان تبدلكم تسؤكم ") والمعنى: لا تسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تكاليف شاقة عليكم إن حكم بها عليكم وكلفكم بها تغمكم وتشق عليكم وتندموا على السؤال عنها (ثم نقل قصة سراقة بن مالك في الحج، وقصة بني إسرائيل في البقرة، وقصة موسى والخضر، وما قاله ابن عباس حين الخطبة) إلى أن قال: وقال بعض أصحابنا: يندرج في هذا النهي تكلم أكثر المتكلمين الذين يخضون في البحث عن صفات الله وأفعاله وآياته وكلماته بمجردا اعتقاده ورأيه، أو باتباعه من اشتهر في هذه الصنعة، فإن من أراد أن يعرف خواص أسرار المبدأ والمعاد بهذه الصنعة المسماة بعلم الكلام فهو في خطر عظيم، إذ طريق معرفة الله والسبيل إلى عجائب ملكوته وأسرار كتبه ورسله شئ آخر، ومن تمسك بغيره فهو في حجاب كثيف وخطر شديد (تلخيص من شرح أصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 2 ص 342 إلى 348). الكافي: ج 1 ص 60 كتاب فضل العلم، باب الرد إلى الكتاب والسنة ، .. ح 5.

22- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 131 في تفسيره لقوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ".

23- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 164 باب 113 انقطاع يتم اليتيم ح 7.

24- مجمع البيان: ج 3 ص 9 في نقل المعنى لقوله تعالى: " فإن آنستم منهم رشدا " قال بعد نقل الاختلاف في معنى الرشد: والأقوى أن يحمل على أن المراد به العقل وإصلاح المال على ما قاله ابن عباس والحسن، وهو المروي عن الباقر (عليه السلام).

25- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 131 س 12 في تفسيره لقوله تعالى: " وابتلوا اليتامى ".

26- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 165 باب 113 انقطاع يتم اليتيم ح 108.

27- نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 204 عند تفسيره لقوله تعالى: " ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ".

28- تفسير العياشي: ج 1 ص 222 ح 33.

29- التقاضي بالدين مطالبته، والمراد: أن القيم يطالب بديونهم التي في ذمة الناس من أموالهم (كذا في الهامش).

30- في الحديث: إني لا أرزأ من فيئكم در هما، أي لا أنقص شيئا ولا درهما (مجمع البحرين: ج 1 ص 183 لغة رزأ).

31- الكافي: ج 5 ص 129 كتاب المعيشة، باب ما يحل لقيم مال اليتيم منه ح 1.

32- لاط حوضها: طينها، وهنأ جربانها، أي طلاها بالهناء، وهو القطران، والجرب داء معروف، والنهك النقص منه (كذا في الهامش).

33- قال في النهاية ج 5 ص 277: في حديث ابن عباس (إن كنت تلوط حوضها) أي تطينه وتصلحه، وأصله من اللصوق وقال: هنأت البعير أهنأه، إذا طليته بالنهاء، وهو القطران، ومنه حديث ابن عباس في مال اليتيم: إن كنت تهنأ جربانها، أي تعالج جرب إبله بالقطران، وقال فيه: غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب، أي غير مبالغ فيه، يقال: نهكت الناقة نهكا حلبها، إذا لم يبق في ضرعها لبنا (مرآة العقول في شرح الحديث).

34- تقدم آنفا تحت رقم 1.

35- الكافي: ج 5 ص 130 كتاب المعيشة، باب ما يحل لقيم مال اليتيم منه، ح 4.

36- الكافي: ج 5 ص 130 كتاب المعيشة، باب ما يحل لقيم مال اليتيم منه، ح 5.

37- مجمع البيان: ج 2 ص 9 في نقل المعنى لآية 6 من سورة النساء، وتمامه (عن سعيد بن جبير ومجاهد وأبي العالية والزهري وعبيدة السلماني وهو مروي عن الباقر (عليه السلام).