الآية 1

سورة النساء

(بسم الله الرحمن الرحيم)

﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس وحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساء لون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (1)﴾

وهي مائة وست وسبعون آية في كتاب ثواب الأعمال: بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من قرأ سورة النساء في كل جمعة أمن من ضغطة القبر (1).

وفي مصباح الكفعمي: عن النبي (صلى الله عليه وآله): من قرأها فكأنما تصدق على كل من ورث ميراثا وأعطي من الاجر كمن اشترى محررا وبرأ من الشرك وكان في مشيئة الله من الذين تجاوز عنهم (2).

يا أيها الناس: خطاب يعم بني آدم.

اتقوا ربكم: في كتاب المناقب لابن شهرآشوب: أبو حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال: قرابة الرسول وسيدهم أمير المؤمنين، أمروا بمودتهم فخالفوا ما أمروا به (3).

الذي خلقكم من نفس وحدة: هي آدم (عليه السلام).

وخلق منها زوجها: عطف على " خلقكم " أي خلقكم من شخص واحد وخلق منها أمكم حواء من فضل طينتها، أو على محذوف، تقديره من نفس واحدة خلقها وخلق منها زوجها.

في كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى زرارة، في حديث طويل، قال: ثم سئل (عليه السلام) عن خلق حواء، وقيل له: إن أناسا عندنا يقولون: إن الله (عز وجل) خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى؟قال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، يقول من يقول هذا، إن الله (تبارك وتعالى) لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه، وجعل للمتكلم من أهل التشنيع سبيلا إلى الكلام، يقول: إن آدم كان ينكح بعضه بعضا إذا كانت من ضلعه، ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم.

ثم قال: إن الله (تبارك وتعالى) لما خلق آدم من طين أمر الملائكة فسجدوا له، والقى عليه السبات، ثم ابتدع له حواء فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه، وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل، فأقبلت تتحرك، فانتبه لتحركها، فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه، فلما نظر إليها، نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير أنها أنثى، فكلمها فكلمته بلغته، فقال لها: من أنت؟فقالت: خلق خلقني الله كما ترى، فقال آدم عند ذلك: يا رب من هذا الخلق الحسن الذي آنسني قربه والنظر إليه؟فقال الله: يا آدم هذه أمتي حواء أفتحب أن تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لأمرك؟فقال: نعم يا رب، ولك علي بذلك الشكر والحمد ما بقيت، فقال الله (تبارك وتعالى) فاخطبها إلي فإنها أمتي، وقد تصلح لك أيضا زوجة للشهوة، وألقى الله عليه الشهوة، وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شئ، فقال: يا رب إني أخطبها إليك فما رضاك لذلك؟فقال: رضائي أن تعلمها معالم ديني، فقال: ذلك لك يا رب علي إن شئت ذلك لي، فقال: قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها إليك، فقال لها آدم (عليه السلام) إلي فاقبلي، فقالت له: لابل أنت فاقبل إلي، فأمر الله (عز وجل) آدم أن يقوم إليها، فقام، ولولا ذلك لكن النساء يذهبن حتى يخطبن على أنفسهن، فهذه قصة حواء (صلوات الله عليها) (4).

وفي تفسير العياشي: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: خلقت حواء من قصيرا جنب آدم، والقصير هو الضلع الأصغر، وأبدل الله مكانه لحما (5).

وقيل في الجمع بين الخبرين: كونها مخلوقة من ضلعه الأيسر إشارة إلى أن الجهة الجسمانية في النساء أقوى منها في الرجال، والجهة الروحانية الملكية بالعكس من ذلك، وذلك لان اليمين مما يكنى به عن عالم الملكوت الروحاني، والشمال مما يكنى به عن عالم الملك الجسماني، فالطين عبارة عن مادة الجسم، واليمين عبارة عن مادة الروح، ولا ملك إلا بملكوت، وهذا هو المعنى بقوله (عليه السلام): (وكلتا يديه يمين) فالضلع الأيسر المنقوص من آدم كناية عن نقص الشهوات التي تنشأ من غلبة الجسمية التي هي من عالم الخلق، وهو فضل طينته المستنبطة من باطنه التي صارت مادة لخلق حواء.

فتنه في الحديث على أن جهة الملكوت والامر في الرجال أقوى من جهة الملك والخلق، وبالعكس منهما في النساء، فإن الظاهر عنوان الباطن، وهذا هو السر في هذا النقص في أبدان الرجال بالإضافة إلى النساء، وأسرار الله لا ينالها إلا أهل السر، فالتكذيب في كلام المعصومين (صلوات الله عليهم) إنما يرجع إلى ما فهمته العامة من حمله على الظاهر، دون أصل الحديث (6).

وبث منهما رجالا كثيرا ونساء: بيان لكيفية تولدهم منهما.

والمعنى: ونشر من تلك النفس والروح المخلوق منهما بنين وبنات كثيرة، واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها، لكونهم أصلا بالنسبة إليهن، وتوصيفهم يدل على توصيفهن وذكر " كثيرا " حملا على الجمع.

وترتيب الامر بالتقوى على هذه القصة، لما فيها من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن تخشى، والنعمة الباهرة التي توجب طاعة مولاها.

أو لان المراد به تمهيد الامر بالتقوى فيما يتصل بحقوق أهل منزله وبني جنسه على مادلت عليه الآيات التي بعدها.

وقرئ " وخالق " و " باث " على حذف مبتدأ تقديره: وهو خالق وباث.

وفي كتاب العلل: عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن بدء النسل من ذرية آدم (عليه السلام) وقيل: إن عندنا أناسا يقولون: إن الله (تبارك وتعالى) أوحى إلى آدم أن يزوج بناته من بنيه، وإن هذا الخلق أصله كله من الاخوة والأخوات؟فقال (عليه السلام): سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، يقول من يقول هذا، إن الله (عز وجل) جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب، والله لقد نبئت أن بعض البهائم تنكرت له أخته، فلما نزى عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنها أخته، أخرج غر موله (7) ثم قبض عليه بأسنانه، ثم قلعه، ثم خر ميتا (8).

وفيه: بإسناده إلى الحسن بن مقاتل، عمن سمع زرارة يقول: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن بدء النسل من آدم كيف كان؟وعن بدء النسل من ذرية آدم، وذكر الحديث، وفيه زيادة وهي قوله: وآخر تنكرت له أمه ففعل هذا بعينه، فكيف الانسان في أنسيته وفضله، غير أن جيلا من هذا الخلق الذي ترون رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه، فصاروا إلى ما ترون من الضلال والجهل بالعلم كيف كانت الأشياء الماضية من بدء أن خلق الله ما خلق وما هو كائن أبدا، ثم قال: ويح هؤلاء أين هم عما لا يختلف فيه فقهاء أهل الحجاز ولا فقهاء أهل العراق، فإن الله (عز وجل) أمر القلم فجرى على اللوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة قبل آدم بألفي عام، وان كتب الله كلها فيما جرى القلم في كلها تحريم الأخوات على الاخوة مع ما حرم، وهذا نحن قد نرى فيها هذه الكتب الأربعة المشهورة في هذا العالم، التوراة والإنجيل والزبور والفرقان أنزلها الله عن اللوح المحفوظ على رسله (صلوات الله عليهم أجمعين)، منها التوراة على موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى، والفرقان على محمد (صلى الله عليه و آله وسلم) وعلى النبيين ليس فيها تحليل شئ من ذلك، حقا أقول: ما أراد من يقول هذا وشبهه إلا تقوية حجج المجوس، فما لهم قاتلهم الله.

ثم أنشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل من آدم، وكيف كان بدء النسل من ذريته، فقال: إن آدم (عليه السلام) ولد له سبعون بطنا في كل بطن غلام وجارية، إلى أن قتل هابيل، فلما قتل قابيل هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن إتيان النساء، فبقي لا يستطيع أن يغشى حواء خمسمائة عام، ثم تخلى ما به من الجزع عليه فغشى حواء، فوهب الله شيئا وحده ليس معه ثان، واسم شيث هبة الله، وهو أول وصي أوصي إليه من الآدميين في الأرض، ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان، فلما أدركا وأراد الله (عز وجل) أن يبلغ بالنسل ما ترون، وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم الله (عز وجل) من الأخوات على الاخوة أنزل بعد العصر يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها نزلة فأمر الله (عز وجل) آدم أن يزوجها من شيث، فزوجها منه، ثم أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة، فأمر الله (عز وجل) آدم أن يزوجها من يافث، فزوجها منه، فولد لشيث غلام، وولدت ليافث جارية، فأمر الله (عز وجل) آدم حين أدركا أن يزوج بنت يافث من ابن شيث، ففعل، فولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما، ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من الاخوة والأخوات (9).

وبإسناده إلى القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن الله (عز وجل) أنزل حوراء من الجنة إلى آدم (عليه السلام)، فزوجها أحد ابنيه، وتزوج الآخر الجن، فولدتا جميعا، فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحوراء، وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجان، وأنكر أن يكون زوج بنيه من بناته (10).

وبإسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام، أنه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أخبرني عن آدم خلق من حواء، أم خلقت حواء من آدم؟قال: بل حواء خلقت من آدم، ولو كان آدم خلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء، ولم يكن بيد الرجال.

قال: فمن كله خلقت أو من بعضه؟قال: من بعضه، ولو خلقت من كله لجاز القصاص في النساء كما يجوز في الرجال.

قال: فمن ظاهره أو باطنه؟قال: بل من باطنه، ولو خلقت من ظاهره لانكشفت النساء كما ينكشف الرجال، فلذلك صارت النساء مستترات، قال: فمن يمينه أو من شماله؟قال: بل من شماله، ولو خلقت من يمينه لكان للأنثى مثل حظ الذكر من الميراث، فلذلك صار للأنثى سهم وللذكر سهمين، وشهادة امرأتين مثل شهادة رجل واحد، قال: فمن أين خلقت؟قال: من الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر، قال: صدقت يا محمد، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (11).

وبإسناده إلى الحسن بن عبد الله، عن آبائه، عن جده الحسن بن علي، عن علي ابن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): خلق الله (عز وجل) آدم من طبن، ومن فصله وبقيته خلقت حواء (12).

وما في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن خالد بن إسماعيل عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ذكرت له المجوس وإنهم يقولون: نكاح كنكاح ولد آدم، وإنهم يحاجونا بذلك؟فقال: أما أنتم فلا يحاجونكم به.

لما أدرك هبة الله قال آدم: يا رب زوج هبة الله، فأهبط الله (عز وجل) حوراء، فولدت له أربعة غلمة، ثم رفعها الله (عز وجل)، فلما أدرك ولد هبة الله قال: يا رب زوج ولد هبة الله، فأوحى الله (عز وجل) إليه أن بخطب إلى رجل من الجن وكان مسلما أربع بنات له على ولد هبة الله، فزوجهن، فما كان من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنبوة، وما كان من سفه أو حدة فمن الجن (13).

وما رواه في مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام)، إن حواء امرأة آدم كانت تلد في كل بطن غلاما ﴿وجارية﴾

(14) فولدت في أول بطن قابيل، وقيل: قابين وتوأمته إقليما بنت آدم، والبطن الثاني هابيل وتوأمته لوزا، فلما أدركوا جميعا أمر الله تعالى آدم أن ينكح قابيل أخت هابيل، وهابيل أخت قابيل فرضي هابيل وأبي قابيل، لان أخته كانت أحسنهما، وقال: ما أمر الله بهذا، ولكن هذا من رأيك، فأمر هما الله أن يقربه قربانا، فرضيا بذلك، وسيأتي باقي الحديث (15).

وما في قرب الإسناد: عن الرضا (عليه السلام): حملت حواء هابيل وأختا له في بطن، ثم حملت في البطن الثاني قابيل وأختا له في بطن، فزوج هابيل التي مع قابيل، وزوج قابيل التي مع هابيل ثم حدث التحريم بعد ذلك (16).

فمحول على التقية، لأنه موافق لمذهب العامة.

والحق ما روي أولا في الفقيه: عن الباقر (عليه السلام): إن الله (عز وجل) أنزل على آدم حوراء من الجنة فزوجها أحد ابنيه، وتزوج الآخر ابنة الجان، فما كان في الناس من جمال كثير وحسن خلق فهو من الحوراء، وما كان فيهم من سوء خلق فهو من ابنة الجان (17).

وما في بعض الأخبار الماضية، أن الله أنزل الحوراء على هبة الله، لا ينافي ما في هذا الخبر، لامكان الانزال أولا على أول أولاده، ثم أنزلها ثانيا على هبة الله بسؤال آدم.

ولا ينافيه أيضا ما رواه العياشي: عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن آدم ولد له أربعة ذكور، فأنزل الله إليهم أربعة من الحور العين، فزوج كل واحد منهم واحدة، فتوالدوا، ثم إن الله رفعهن، وزوج هؤلاء الأربعة، أربعة من الجن، فصار النسل فيهم، فما كان من حلم فمن آدم، وما كان من جمال فمن قبل الحور العين، وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن (18).

لاحتمال أن يكون المراد من ولد آدم، ولد هبة الله، لان ولده أولاده، وقد سبق في الخبر، أن الله أنزل على أولاده أربعة من الحور العين.

ويحتمل أن يكون المراد من أربعة من الحور العين على أربعة من أولاد آدم غير من أنزل له أولا، فلا منافاة.

وأما ما روي في كتاب الإحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يحدث رجلا من قريش قال: لما تاب الله على آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلا في الأرض، وذلك بعد ما تاب الله عليه، قال: وكان آدم يعظم البيت وما حوله من حرمة البيت، وكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم وأخرجها معه، فإذا جاز الحرم غشيها في الحل، ثم يغتسلان إعظاما منه للحرم، ثم يرجع إلى فناء البيت، فولد لآدم من حواء عشرون ذكرا وعشرون أنثى، فولد له في كل بطن ذكر وأنثى، فأول بطن ولدت حواء هابيل ومعه جارية يقال لها إقليما، قال: وولدت في البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال لها لوزا.

وكانت لوزا أجمل بنات آدم، قال: فلما أدركوا خاف عليهم آدم من الفتنة فدعاهم إليه وقال: أريد أن أنكحك يا هابيل لوزا، وأنكحك يا قابيل إقليما، قال قابيل: ما أرضى بهذا، أتنكحني أخت هابيل القبيحة وتنكح هابيل أختي الجميلة؟قال آدم: فأنا أقرع بينكما، فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزا وخرج سهمك يا هابيل إقليما زوجت كل واحد منكما التي يخرج سهمه عليها، قال: فرضيا بذلك فاقترعا قال فخرج سهم هابيل على لوزا أخت قابيل وخرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل، قال: فزوجهما على ما خرج لهما من عند الله، قال: ثم حرم الله نكاح الأخوات بعد ذلك، قال: فقال له القرشي: فأولداهما؟قال: نعم قال: فقال القرشي: فهذا فعل المجوس اليوم! قال: فقال علي ابن الحسين (عليهما السلام): إن المجوس إنما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله، ثم قال له علي بن الحسين (عليه السلام): إن المجوس إنما هي شرائع جرت أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له؟فكان ذلك شريعة من شرائعهم، ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك (19).

وما روي في كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن المفضل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) أنه قال: لما أكل آدم من الشجرة هبط إلى الأرض، فولد له هابيل وأخته توأم، وولد له قابيل وأخته توأم، ثم إن آدم أمر قابيل وهابيل أن يقربا قربانا، وكان هابيل صاحب غنم، وكان قابيل صاحب زرع، فقرب هابيل كبشا وقرب قابيل مزرعة عالم ينق، وكان كبش هابيل من فضل غنمه، وكان زرع قابيل غير منقى، فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل، وهو قول الله " واتل عليهم " الآية (20).

واتقوا الله الذي تساءلون به: أي يسأل بعضكم بعضا به، فيقول: أسألك بالله.

وأصله: تتساءلون فأدغمت التاء الثانية في السين.

وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بطرحها (21).

والأرحام: بالنصب عطفا على " الله " أي اتقوا الله والأرحام، فصلوها ولا تقطعوها.

في مجمع البيان: " والأرحام " معناه: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) (22).

وقيل: أو على محل الجار والمجرور، كقولك: مررت بزيد أو عمرو، أي تتساءلون بالله وبالأرحام، كقولهم: أسألك بالله وبالرحم، أن تفعل كذا.

وقرأ حمزة بالجر عطفا على الضمير المجرور، وهو ضعيف، لأنه كبعض الكلمة.

وقرأ بالرفع، على أنه مبتدأ محذوف الخبر، أي والأرحام كذلك، أي مما يتقى، أو يتساءل به.

وقد نبه سبحانه إذ قرن الأرحام باسمه في الاتقاء، على أن صلتها بمكان منه.

إن الله كان عليكم رقيبا: حافظا مطلعا.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود.

الرقيب، الحفيظ (23).

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي.

قال: حدثنا الحسن بن الحكم معنعنا عن ابن عباس (رضي الله عنه) في قوله تعالى: " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " قال: نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذوي أرحامه، وذلك أن كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا من كان بسببه ونسبه " إن الله كان عليكم رقيبا " يعني حفيظا (24).

وفيه: قال: حدثنا جعفر بن محمد الفزاري معنعنا، عن جعفر بن محمد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنا الله تعالى خلقني وأهل بيتي من طينة لم يخلق منها أحدا غيرنا، فمن صنوا إلينا، فكنا أول من ابتدأ من خلقه، فلما خلقنا فتق بنورنا كل ظلمة، وأحيا بنا كل طينة طيبة، ثم قال الله تعالى: هؤلاء خيار خلقي، وحملة عرشي، وخزان علمي، وسادة أهل الأرض، هؤلاء هداة المهتدين، والمهتدي بهم، من جاءني بولايتهم أو جبت لهم جنتي، وأبحتهم كرامتي، ومن جاءني بعداوتهم أو جبت لهم ناري، وبعثت عليهم عذابي، قال (عليه السلام): نحن أصل الايمان بالله وملائكته وتمامه، ومنا الرقيب على خلق الله، وبه سداد أعمال الصالحين، ونحن قسم الله الذي يسأل به، ونحن وصية الله في الأولين، ووصيته في الآخرين، وذلك قوله (جل جلاله): " اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " (25).

وفي تفسير العياشي: عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إن أحدكم ليغضب فما يرضى حت يدخل به النار، فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمة فليدن منه، فإن الرحم إذا مسها الرحم، استقرت وإنها متعلقة بالعرش، منتقضة انتقاض الحديد (26) فتنادي: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وذلك قول الله في كتابه: " واتقوا الله " الآية (27).

وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): " واتقوا الله " الآية؟فقال: هي أرحام الناس، إن الله (عز وجل) أمر بصلتها وعظمها، ألا ترى أنه جعلها معه (28) (29) (30).

وفي عيون الأخبار: بإسناده إلى الرضا (عليه السلام) قال: إن الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة، إلى قوله: وأمر باتقاء الله وصلة الرحم، فمن لم يصل رحمه لم يتق الله (عز وجل) (31).

وبإسناده إلى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن علي (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما أسري بي إلى السماء رأيت رحما متعلقة بالعرش تشكو رحما إلى ربها! فقلت لها: كم بينك وبينها من أب؟فقالت: نلتقي في أربعين أبا (32).

وفي أصول الكافي: بإسناده إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): صلوا أرحامكم ولو بالتسليم، يقول الله (تبارك وتعالى): " واتقوا الله " الآية (33) (34).

وبإسناده إلى الرضا (عليه السلام) قال: إن رحم آل محمد، الأئمة (عليهم السلام) المعلقة بالعرش، تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، ثم هي جارية في أرحام المؤمنين، ثم تلا هذه الآية (35) (36).


1- تفسير فرات الكوفي: ص 20 س 2.

2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 40 باب 31 فيما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار المجموعة ح 125.

3- ثواب الأعمال: ص 105 (ثواب من قرأ سورة النساء في كل جمعة).

4- مصباح الكفعمي: ص 439.

5- لم نعثر عليه في المناقب ورواه في تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 429 ح 3 نقلا عن المناقب.

6- علل الشرائع: ج 1 ص 17 باب 17 علة كيفية بدو النسل قطعة من ح 1.

7- تفسير العياشي: ج 1 ص 215 ح 2.

8- ما ذكره المصنف من الجمع مقتبس من تفسير الصافي. ج 1 ص 383، لاحظ تفسيره لقوله تعالى: " وخلق منها زوجها ".

9- في هامش بعض النسخ ما لفظه (الغرمول بضم المعجمة وسكون الراء - منه) الغرمول الذكر الضخم الرخو، وقد قيل: الذكر مطلقا (لسان العرب: ج 11 ص 491 حرف اللام).

10- علل الشرائع: ج 1 ص 16 علة كيفية بدء النسل ح 1.

11- علل الشرائع: ج 1 ص 18 علة باب 17 كيفية بدء النسل ح 2.

12- علل الشرائع: ج 1 ص 103 باب 92 عله حسن الخلق وسوء الخلق ح 1.

13- علل الشرائع: ج 2 ص 470 - 471 باب 222 النوادر ح 33.

14- علل الشرائع: ج 2 ص 512 باب 286 العلة التي من أجلها فصل الرجال على النساء ح 1.

15- الكافي: ج 5 ص 569، كتاب النكاح، باب نوادر ج 58.

16- ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر لاقتضاء السياق.

17- مجمع البيان: ج 3 ص 183 في نقل القصة لقوله تعالى: " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " المائدة. 27.

18- فرب الاسناد: ص 161 س 12.

19- الفقيه: ج 3 ص 240 باب 99 بدء النكاح وأصله ح 5.

20- تفسير العياشي: ج 1 ص 215 ح 5.

21- الاحتجاج: ج 2 ص 314، احتجاجات الإمام السجاد (عليه السلام) س 11.

22- كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 213 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم (عليه السلام)، وإن الأرض لا تخلو من حجة لله (عز وجل) على خلقه إلى يوم القيامة ح 2 ص 13.

23- قرئ (تساءلون) بالتشديد، و (تساءلون) بالتخفيف. فمن قرا (تساءلون) بالتشديد. غم التاء في السين لقربهما في المخرج. وأدغمت التاء في السين ولم تدغم السين في التاء، لان في السين زيادة صوت، لأنها لأنها من حروف الصفير، وهي الصاد والسين والزاي. وإنما يدغم الأنقص صوتا فيما هو الازيد صوتا، ولا يدغم الازيد صوتا فيما هو الأنقص صوتا، لأنه يؤدي إلى الاجحاف به ويبطل ماله من الفضل على مقاربه. ومن قرأ (تساءلون به) بالتخفيف فإنه حذف إحدى اليائين (البيان في غريب إعراب القرآن لا بن الأنباري، غريب إعراب سورة النساء: ص 240).

24- مجمع البيان: ج 3 ص 3 في نقل المعنى لآية 1 من سورة النساء س 4.

25- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 130 في تفسيره لآية 1 من سورة النساء س 5.

26- تفسير فرات الكوفي ط قم: ص 32 س 9.

27- تفسير فرات الكوفي: ص 35 س 1.

28- الانقاض صوت كالنقر، وإنقاض الأصابع تصويتها وفرقتها، وأنقض أصابعه، ضرب بها لتصوت (مجمع البحرين: ج 4 ص 232 لغة نقض).

29- تفسير العياشي: ج 1 ص 217 ح 8 وتمام الحديث (أيما رجل غضب وهو قائم فليلزم الأرض من فوره، فإنه يذهب رجز الشيطان).

30- الكافي: ج 2 ص 150، كتاب الايمان والكفر، باب صلة الرحم، ح 1.

31- قوله: (هي أرحام الناس) أي ليس المراد هنا رحم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما في أكثر الآيات (أمر بصلتها) أي في سائر الآيات أو في هذه الآية على قراءة النصب بالعطف على الله، والامر باتقاء الأرحام، أمر بصلتها (وعظمها) حيث قرنها بنفسه (ألا ترى أنه جعلها منه) أي قرنها بنفسه. وعلى قراءة الجر، حيث قررهم على ذلك، حيث كانوا يجمعون بينه تعالى وبين الرحم في السؤال، فيقولون: أنشدك الله والرحم. وربما يقرأ منة بضم الميم وتشديد النون، أي جعلها قوة وسببا لحصول المطالب، أو بالكسر والتشديد، أي أنعم بهما على الخلائق، ولا يخفى ما فيهما من التعسف (مرآة العقول: ج 8 ص 359).

32- بقي هنا شئ ينبغي الإشارة إليه، وهو تحقيق معنى الرحم، فنقول: قيل: الرحم والقرابة نسبة واتصال بين المنتسبين يجمعها رحم واحد. وهذا يشبه أن يكون دوريا، وقيل: الرحم عبارة عن قرابة الرجل من جهة طرفيه، آبائه وإن علوا وأبنائه وإن سفلوا وما يتصل بالطرفين من الأعمام والعمات، والاخوة والأخوات وأولادهم، وقيل: الرحم التي تجب صلتها كل رحم بين اثنين لو كان

ذكرا لم يتناكحا، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام وأولاد الأخوال، وقيل: هي عام في كل رحم من ذوي الأرحام المعروفين بالنسب محرمات أو غير محرمات، وإن بعدوا، وهذا أقرب إلى الصواب ويدل عليه ما رواه علي بن إبراهيم ج 2 ص 308 في تفسير قوله تعالى: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " إنها نزلت في بني أمية وصدر منه بالنسبة إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ويؤيده روايات أخر. والظاهر أنه لا خلاف في أن صلة الرحم واجبة في الجملة وأن لها درجات متفاوتة بعضها فوق بعض، وأدناها الكلام والسلام وترك المهاجرة، ويختلف ذلك باختلاف القدرة عليها والحاجة إليها، فمن الصلة ما يجب ومنها ما يستحب، ومن وصل بعض الصلة ولم يبلغ أقصاها، ومن قصر عما ينبغي، أو قصر عما يقدر عليه، هل هو واصل أو قاطع فيه تأمل، والأقرب عدم القطع، لصدق الصلة في الجملة (شرح أصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 5).

33- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 201 باب 26 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار النادرة في فنون شتى، ح 13، وتمام الحديث: (أمر بالصلاة والزكاة، فمن صلى ولم يزك، لم.

34- يقبل منه صلاته، وأمر بالشكر له وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله. وأمر باتقاء الله الخ).

35- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 199، باب 26 ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار النادرة في فنون شتى، ح 5.

36- الكافي: ج 2 ص 155 كتاب الايمان والكفر باب صلة الرحم ح 22.