الآية 197 - 200

﴿متع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد (197) لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار (198)﴾

والمعنى: لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السعة والحظ ولا تغتروا بظاهر ما ترى من تبسطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم.

نقل أن بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش، فيقولون: إن أعداء الله فيما نرى من الخير، وقد هلكنا من الجوع والجهد، فنزلت (1).

متع قليل: خير مبتدأ محذوف، أي ذلك التقلب متاع قليل، لقصر مدته، وفي جنب ما أعد الله للمؤمنين.

وفي الحديث النبوي: ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع (2).

ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد: ما مهدوا لأنفسهم.

لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها نزلا من عند الله: النزل والنزل ما يعد للنازل من طعام وشراب وصلة وانتصابه على الحال من " جنات " والعامل فيها الظرف.

وقيل: إنه مصدر مؤكد، والتقدير أنزلوها نزلا.

وما عند الله: لكثرته ودوامه.

وإن من أهل الكتب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب (199) يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون (200)﴾

خير للأبرار: مما يتقلب فيه الفجار لقلته وسرعة زواله، وامتزاجه بالآلام.

وفي تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الموت خير للمؤمن، لان الله يقول: " وما عند الله خير للأبرار " (3).

قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): أنت الثواب وأصحابك الأبرار (4).

وإن من أهل الكتب لمن يؤمن بالله: قيل: نزلت في ابن سلام وأصحابه (5).

وقيل: في أربعين من نجران، واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم، كانوا نصارى فأسلموا (6).

وقيل: في أصحمة النجاشي، لمانعاه جبرئيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخرج فصلى عليه، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط (7).

وإنما دخلت اللام على الاسم، للفصل بينه وبين " إن " بالخبر.

وما أنزل إليكم: من القرآن.

وما أنزل إليهم: من الكتابين.

خاشعين لله حال من فاعل " يؤمن " وجمعه باعتبار المعنى.

لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا: كما يفعله المحرفون من أحبارهم.

أولئك لهم أجرهم عند ربهم: ويؤتون أجرهم مرتين كما وعدوه في آية أخرى.

إن الله سريع الحساب: لعلمه بالاعمال، وما يستوجبه كل عامل من الجزاء، واستغنائه عن التأمل والاحتياط.

والمراد: أن الاجر الموعود سريع الوصول، فإن سرعة الحساب يستدعي سرعة الجزاء (8).

يا أيها الذين آمنوا اصبروا: على المصائب.

وصابروا: على الفرائض.

ورابطوا: على الأئمة.

وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام): " اصبروا " على الفرائض " وصابروا " على المصائب (9).

وفي كتاب معاني الأخبار: بإسناده إلى أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " اصبروا " على المصائب وصابروهم على الفتنة " ورابطوا " على من تقتدون به (10).

وفي مجمع البيان: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): رابطوا الصلوات قال أي انتظروها واحدة بعد واحدة لان المرابطة لم تكن حينئذ (11).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله): من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة (12).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: " اصبروا وصابروا ورابطوا " فإنه حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " اصبروا " على المصائب " وصابروا " على الفرائض " ورابطوا " على الأئمة (13).

وحدثني أبي، عن الحسن بن خالد، عن الرضا (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصابرون فيقوم فئام من الناس ثم ينادي أين المتبصرون فيقوم فئام من الناس، قلت: جعلت فداك وما الصابرون؟فقال: على أداء الفرائض والمتصبرون على اجتناب المحارم (14).

حدثني أبي، عن حماد، عن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن علي بن الحسين (عليهم السلام) أنه قال وقد ذكر عنده عبد الله بن عباس: وأما قوله: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا " الآية ففي أبيه نزلت، وفينا ولم يكن الرباط الذي أمرنا به وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله الرابط (15).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن الحسين ابن المختار، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله الله (عز وجل): " اصبروا وصابروا ورابطوا " قال: " اصبروا " على الفرائض (16).

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد ابن عيسى، عن أبي السفاتج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): " اصبروا وصابروا ورابطوا " قال " اصبروا " على الفرائض " وصابروا " على المصائب " ورابطوا " على الأئمة (17).

علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبان بن أبي مسافر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا " قال: " اصبروا " عن المصائب (18).

وفي رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " اصبروا " على المصائب (19).

وفي مجمع البيان " اصبروا وصابروا ورابطوا " اختلفوا في معناه إلى قوله: وقيل: معنى " رابطوا " أي رابطوا الصلاة ومعناه انتظروها واحدة بعد واحدة لان المرابطة لم يكن حينئذ، روي ذلك عن علي (عليه السلام) وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: معناه " اصبروا " على المصائب " وصابروا " على عدوكم " ورابطوا " على عدوكم (20).

وفي كتاب معاني الأخبار: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه (عليه السلام) قال: جاء جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له النبي: يا جبرئيل ما تفسير الصبر؟قال: يصبر في الضراء كما يصبر في السراء، وفي الفاقة كما يصبر في الغنى، وفي البلاء كما يصبر في العافية، فلا يشكو خالقه عند المخلوق بما يصيبه من البلاء (21).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

واتقوا الله العلكم تفلحون: قيل: واتقوه بالتبري عما سواه، لكي تفلحوا غاية الفلاح (22).

وفي تفسير العياشي: عن الصادق (عليه السلام) يعني فيما أمركم به وافترض عليكم (23).

وفي أصول الكافي: بعض أصحابنا رفعه، عن محمد بن سنان، عن داود بن كثير الرقي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه: إن الله (تبارك وتعالى) لما خلق نبيه ووصيه وابنته وابنيه وجميع الأئمة (عليهم السلام) وخلق شيعتهم، أخذ عليهم الميثاق أن يصبروا ويصابروا ويرابطوا (24)، وأن يتقوا الله (25).

وفي تفسير العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (تبارك وتعالى): " اصبروا " يقول: على المعاصي " وصابروا " على الفرائض " واتقوا الله " يقول: آمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ثم قال: وأي منكر أنكر من ظلم الأمة لنا وقتلهم إيانا " ورابطوا " يقول: في سبيل الله، ونحن السبيل فيما بين الله وخلقه، ونحن الرباط الأدنى فمن جاهد عنا فقد جاهد عن النبي (صلى الله عليه وآله) وما جاء بن من عند الله " لعلكم تفلحون " يقول: لعل الجنة توجب لكم إن فعلتم ونظيرها في قول الله تعالى: " ومن أحسن قولا ممن دعى إلى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين " ولو كانت الآية في المؤذنين كما فسرها المفسرون لفاز القدرية وأهل البدع معهم (26).

عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تبقى الأرض يوما بغير عالم منكم يفزع الناس إليه؟قال: فقال لي: إذن لا يعبد الله يا أبا يوسف، لا تخلو الأرض من عالم منا ظاهر يفزع الناس إليه في حلالهم وحرامهم فإن ذلك لمبين في كتاب الله قال الله: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " اصبروا على دينكم وصابروا على عدوكم ممن يخالفكم ورابطوا إمامكم، واتقوا الله في ما أمركم به وافترض عليكم (27).

وفي رواية أخرى: عنه (عليه السلام) " اصبروا " على الأذى فينا قلت: " وصابروا " قال: على عدوكم مع وليكم " ورابطوا " قال: المقام مع إمامكم " واتقوا الله لعلكم تفلحون " فقلت: تنزيل؟قال: نعم (28).

وفيه: بإسناده إلى ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " فقال: اصبروا على المصائب وصابروهم على القضية " ورابطوا " على من تقتدون به " واتقوا الله لعلكم تفلحون " (29).

وفي شرح الآيات الباهرة: روى الشيخ المفيد (رحمه الله) في كتاب الغيبة، عن رجاله بإسناده عن بريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا " قال: " اصبروا " على أداء الفرائض " وصابروا " عدكم " ورابطوا " إمامكم المنتظر (30).

وفي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي: قال حدثنا الحسين بن الحكم معنعنا، عن ابن عباس (رضي الله عنه) في يوم أحد في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا " في أنفسكم " وصابروا " عدوكم " ورابطوا " في سبيل الله " واتقوا الله لعلكم تفلحون " نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وحمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) (31).

وقد سبق ثواب قراءة هذه السورة.

وفي عيون الأخبار: عن الرضا (عليه السلام) قال: إذا أراد أحدكم الحاجة، فليبكر في طلبها في يوم الخميس وليقرأ إذا خرج من منزله آخر سورة آل عمران، و آية الكرسي، وإنا أنزلناه في ليلة القدر، وأم الكتاب فإن فيها قضاء لحوائج الدنيا والآخرة (32).


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة ط إيران طهران: ج 1 ص 539 حديث الغار ومبيته (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 1381.

2- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 129 عند تفسيره لآية 195 من سورة آل عمران.

3- نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 200 عند تفسيره لآية 196 من سورة آل عمران.

4- رواه في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 200 عند تفسيره لآية 197 من سورة آل عمران.

5- تفسير العياشي: ج 1 ص 212 ح 178.

6- تفسير العياشي: ج 1 ص 212 ح 177 والحديث عن الأصبغ بن نباتة عن علي (عليه السلام).

7- نقلها في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 200 عند تفسيره لآية 199 من سورة آل عمران.

8- نقلها في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 200 عند تفسيره لآية 199 من سورة آل عمران.

9- نقلها في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 200 عند تفسيره لآية 199 من سورة آل عمران.

10- من قوله (قيل: نزلت في ابن سلام) إلى هنا مقتبس من تفسير البيضاوي: ج 1 ص 200.

11- الكافي: ج 2 ص 81 ح 3.

12- معاني الأخبار: ص 369، باب معنى الصبر والمصابرة والمرابطة، ح 1.

13- مجمع البيان: ج 2 ص 562 في نقله المعنى الآية 200 من سورة آل عمران.

14- مجمع البيان: ج 2 ص 562، ولفظ الحديث: (وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل عن أفضل الأعمال؟فقال: إسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الاقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط).

15- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 129.

16- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 129.

17- لم نعثر عليه في تفسير علي بن إبراهيم، ورواه في الصافي عنه: ج 1 ص 380.

18- الكافي: ج 2 ص 81 ح 2 و.

19- الكافي: ج 2 ص 81 ح 3.

20- و.

21- الكافي: ج 2 ص 92 ح 19.

22- مجمع البيان: ج 2 ص 562.

23- معاني الأخبار: ص 260، ح 1.

24- قاله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 201 عند تفسيره الآية 200 من سورة آل عمران.

25- تفسير العياشي: ج 1 ص 212 قطعة من ح 181 وراوي الحديث يعقوب السراج عن أ بي عبد الله (عليه السلام).

26- قوله: (وإن يصروا ويصابروا ويرابطوا) الصبر أصله الحبس، يقال: صبرت نفسي على كذا، أي حبستها. والربط أصله الشد، يقال: ربط الدابة، أي شده. والمرابطة الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها في الثغور. وقد يطلق على ربط النفس على الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة. ولعل المقصود أنه تعالى أخذ عليهم أن يصبروا على الدين ومشاق تكاليفه وسائر ما ينزل عليهم من النوائب والمصائب، وأن يصابروا أعداءهم في الجهاد، ويغالبوهم في الصبر على شدائد الحروب، أو يحمل بعضهم بعضا على الصبر في الشدائد، وأن يرابطوا أي يقيموا على جهادهم، أو على الثغور بأنفسهم وخيولهم، أو على الطاعات مطلقا (شرح الكافي. للعلامة المازندراني: ج 7 ص 187).

27- الكافي: ج 1 ص 451، كتاب الحجة، أبواب التاريخ، باب مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته، قطعة من ح 39.

28- تفسير العياشي: ج 1 ص 212 ح 179.

29- تفسير العياشي: ج 1 ص 212 ح 181.

30- تفسير العياشي: ج 1 ص 213 ح 182.

31- لم نعثر عليه في العياشي ووجدناه في معاني الأخبار: ص 369 ح 1 وفيه: (وصابروا على التقية بدل القضية).

32- لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدناه في تأويل الآيات الظاهرة: ص 133.