الآية 191 - 196

﴿الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (191)﴾

يقال متى يرفع رأسه ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلوا الآيات فيقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المجلس فيصلي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك ثم يعود إلى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلوا الآيات من آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم إلى المسجد فيوتر ويصلي الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة (1).

الذين يذكرون الله قيما وقعودا وعلى جنوبهم: أي يذكرونه على جميع الأحوال، قائمين وقاعدين ومضطجعين.

وفي الكافي: عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أكثر ذكر الله (عز وجل) أحبه الله (2) (3).

وفي كتاب معاني الأخبار: خطبة لعلي (عليه السلام) يذكر فيها نعم الله، يقول فيها: وأنا الذاكر يقول الله (عز وجل): " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم " (4).

أي يصلون على الهيئات الثلاث حسب طاقتهم.

وفي الكافي: علي، عن أبيه، محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (عز وجل)، الآية قال: الصحيح يصلي قائما وقعودا، المريض يصلي جالسا، وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا (5).

وفي أمالي شيخ الطائفة: بإسناده إلى الباقر (عليه السلام) قال: لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله قائما كان أو جالسا أو مضطجعا، إن الله تعالى يقول: " الذين " الآية (6).

ويتفكرون في خلق السماوات والأرض: استدلالا واعتبارا، وهو أفضل العبادات.

في الكافي: عن الصادق (عليه السلام): أفضل العبادة إدمان التفكر في الله (7).

وفي قدرته (8) (9).

وعنه (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: نبه بالتفكر قلبك، وجاف عن الليل جنبك، واتق الله ربك (10) (11).

وعن الرضا (عليه السلام): ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم (12)، إنما العبادة التفكر في أمر الله (عز وجل) (13).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): تفكر ساعة خير من قيام ليلة (14).

وفي رواية: من عبادة سنة.

وفي أخرى: ستين سنة (15).

وإنما اختلف، لاختلاف مراتب التفكر، ودرجات المتفكرين، وأنواع المتفكر فيه.

وفي عيون الأخبار: في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار في التوحيد، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): لما نظرت إلى جسدي فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه، وجرا المنفعة إليه، علمت أن لهذا البنيان بانيا، فأقررت به.

مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغيره ذلك من الآيات العجيبات المتقنات، علمت أن لهذا مقدرا ومنشأ (16).

﴿ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار (192)﴾

ربنا ما خلقت هذا بطلا: على إرادة القول، أي يتفكرون قائلين ذلك.

والمشار إليه ب? " هذا " المتفكر فيه، أو الخلق على أنه أريد به المخلوق من السماوات والأرض، أو إليهما، لأنهما في معنى المخلوق.

والمعنى ما خلقته عبثا ضائعا من غير حكمة، بل خلقته لحكم عظيمة.

سبحانك: تنزيها لك عن العبث وخلق الباطل، وهو اعتراض.

فقنا عذاب النار: للاخلال بالنظر فيه، والقيام بما يقتضيه.

وفائدة الفاء هي الدلالة على أن علمهم بما لأجله خلقت السماوات والأرض، حملهم على الاستعاذة.

وفي مجمع البيان: روى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن محمد بن الحنفية، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا قام من الليل تسوك، ثم ينظر إلى السماء، ثم يقول: " ان في خلق السماوات والأرض " إلى قوله: " فقنا عذاب النار " (17).

ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته: غاية الاخزاء، ونظيره قولهم (من أدرك مر على الضمان فقد أدرك) (18).

والمراد تهويل المستعاذ منه، تنبيها على شدة خوفهم، وطلبهم الوقاية منه.

وما للظلمين من أنصار: أراد بهم المدخلين.

ووضع المظهر موضع المضمر.

للدلالة على أن ظلمهم سبب لادخالهم النار (19).

﴿ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار (193)﴾

وفي تفسير العياشي: عن يونس بن ظبيان قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله الله: " وما للظالمين من أنصار " قال: مالهم من أئمة يسمونهم بأسمائهم (20).

ومعناه (مالهم) أي للظالمين من أئمة يسمون الأئمة بأسماء الأنصار، أي يعدونهم أنصارهم، أي أئمة الجور، وأئمة الجور لا يمكن لهم الشفاعة.

فالحاصل: أن الظالم، وهو الذي تدخله النار، وهو تارك الولاية، ليس له مخلص من النار، لان أئمتهم، أئمة الجور يستحيل منهم الشفاعة والنصرة.

أما الشفاعة، فلأنهم ليسوا أهلا لها.

وأما النصرة، فلان المخزي هو الله سبحانه.

فما قاله البيضاوي: من أنه لا يلزم من نفي النصرة، نفي الشفاعة، لان النصرة دفع بقهر، جهل منه، ارتكبه لاحتياط الاستمداد منه بشفاعة أئمته.

ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للأيمن: أوقع الفعل على المسمع، لا المسموع، لدلالة وصفه عليه.

وفيه مبالغة ليس في إيقاعه على نفس المسموع.

وفي تنكير المنادى وإطلاقه، ثم تقييده بالوصف، تعظيم لشأنه، والمراد به الرسول، وقيل القرآن (21).

وفي تهذيب الأحكام: في الدعاء بعد صلاة يوم الغدير، المسند إلى الصادق ﴿ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيمة إنك لا تخلف الميعاد (194)﴾

(عليه السلام): وليكن من دعائك في دبر هاتين الركعتين، أن تقول: ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا إلى قوله: إنك لا تخلف الميعاد، إلى أن قال: ربنا إننا سمعنا بالنداء وصدقنا المنادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ نادى بنداء عنك بالذي أمرته به أن يبلغ ما أنزلت إليه من ولاية ولي أمرك (22).

فعلى هذا معنى: أن آمنوا بربكم: آمنوا به فيما نادا كم له رسوله، وهو الايمان بوصي رسوله.

فآمنا ربنا: أي آمنا بالله ورسوله ووصي رسوله.

فاغفر لنا ذنوبنا: كبائرنا، فإنها ذات تبعات وأذناب.

وكفر عنا سيئاتنا: صغائرنا، فإنها مستقبحة، ولكنها مكفرة عن مجتنب الكبائر.

وتوفنا مع الأبرار: مخصوصين بصحبتهم، معدودين في زمرتهم.

والأبرار جمع بر، أو بار، كأرباب وأصحاب.

ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك: أي على تصديق رسلك، من الثواب.

أو على ألسنة رسلك، أو منزلا على رسلك، أو محمولا عليهم.

ولا تخزنا يوم القيمة: بأن تعصمنا عما يقتضيه.

إنك لا تخلف الميعاد: بإثابة المؤمن وإجابة الداعي.

وتكرير " ربنا " للمبالغة في الابتهال، والدلالة على استقلال المطالب وعلو شأنها.

﴿فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عمل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديرهم وأو ذوا في سبيلي وقتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب (195) لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد (196)﴾

فاستجاب لهم ربهم: أي طلبتهم، وهو أخص من الإجابة، لجواز أن يكون الإجابة بالرد، وتعدى بنفسه وباللام.

أنى لا أضيع عمل عمل منكم: بأني لا أضيع.

وقرئ بالكسر، على إرادة القول.

من ذكر أو أنثى: بيان عامل.

بعضكم من بعض: لان الذكر من الأنثى، والأنثى من الذكر، أو لأنهما من أصل واحد، أو لفرط الاتصال والاتحاد، أو للاجتماع، أو للاجتماع، أو الاتفاق في الدين.

وهي جملة معترضة، بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال.

وفي عيون الأخبار: بإسناده إلى محمد بن يعقوب النهشلي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل (عليهم السلام)، عن الله (جل جلاله) أنه قال: أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخلق بقدرتي، فاخترت منهم من شئت من أنبيائي، واخترت من جميعهم محمدا حبيبا وخليلا وصفيا، وبعثته رسولا إلى خلقي، واصطفيت له عليا فجعلته له أخا ووصيا ووزيرا ومؤديا عنه من بعده إلى خلقي وخليفتي إلى عبادي - إلى قوله جل ثناؤه - وحجتي في السماوات والأرضين على جميع من فيهن من خلقي لا أقبل عمل عامل منهم إلا بالاقرار بولايته مع نبوة أحمد رسولي (23).

فالذين هاجروا: الأوطان والعشائر للدين.

وأخرجوا من ديرهم وأوذوا في سبيلي: بسبب إيمانهم بالله ومن أجله.

وقتلوا: الكفار.

وقتلوا: في الجهاد.

وقرأ حمزة والكسائي بالعكس (24).

والمراد: أنه لما قتل منهم قوم، قاتل الباقون، ولم يضعفوا.

وشدد ابن كثير وابن عامر " قتلوا " للتكثير.

لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنت تجرى من تحتها الأنهر ثوابا من عند الله: أي أثيبهم بذلك ثوابا من عند الله، أي عظيما، فهو مصدر للنوع (25).

والله عنده حسن الثواب: على الطاعات.

وفي أمالي شيخ الطائفة: بإسناده إلى أبي عبيدة عن أبيه، وابن أبي رافع يحكي ذهاب علي (عليه السلام) من مكة إلى المدينة ملتحقا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين هاجر من مكة إلى المدينة، وقد قارع (26) الفرسان من قريش، ومعه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفاطمة بنت الزبير: ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان (27) فلزم بها يوم وليلة ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويصلي ليلته تلك هو والفواطم ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر، فصلى (عليه السلام) بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه، فجعل وهن يصنعون ذلك منزلا بعد منزل، يعبدون الله (عز وجل) ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم " الذين يذكرون الله قياما وقعودا " الآيات قوله: " من ذكر أو أنثى " الذكر علي والأنثى الفواطم " بعضكم من بعض " يعني علي من فاطمة، أو قال: الفواطم وهن من علي (28).

وذكر علي بن عيسى (رحمه الله) في كشف الغمة: أن هذه الآيات نزلت في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في توجهه إلى المدينة، وذكر الحكاية كما في الأمالي (29).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: ثم ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه المؤمنين فقال: " فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم " يعني أمير المؤمنين وسلمان وأبا ذر حين اخرج وعمار الذين أوذوا، إلى آخر الآية (30).

لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلد: الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد أمته، أو تثبيته على ما كان عليه أو لكل أحد.


1- نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لآية 191 من سورة آل عمران.

.

2- التهذيب: ج 2 ص 334 ح 233.

3- الكافي: ج 2 ص 499 كتاب الدعاء، باب ذكر الله (عز وجل) كثيرا، ح 3 وتمام الحديث (ومن ذكر الله كثيرا، كتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق).

4- وكان المراد بقوله (ذكر الله كثيرا) أما ذكره أولا، وإنما هو تفنن في العبارة. أو المراد بأحد هما المداومة وبالآخر الاكثار ولو مرة، وقيل: المراد بالأول التكرار والاستمرار من الثاني، وبالثاني موافقة القلب مع اللسان (مرآة العقول: ج 12 ص 134).

5- معاني الأخبار: ص 59 باب معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة (عليهم السلام) ح 9 س 11.

6- الكافي: ج 3 ص 411 كتاب الصلاة، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، ح 11.

7- الأمالي للشيخ الطوسي: ج 1 ص 76.

8- قوله: (أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته) أفضلية العبادة باعتبار عظمة قدرها، وكثرة منافعها وآثارها، وشرافة لوازمها وأسرارها. ولا ريب في أن إدمان التفكر في الله، وفي قدرته أعظم العبادات قدرا، وأشرفها أثرا وأفخمها رتبة وأرفعها منزلة، ولذلك وقع الامر به في آيات متكاثرة، وروايات متضافرة، وله آثار شريفة، ولوازم منيفة، كلها عبادات عظيمة، كمعرفة الرب وعظمته، وعلمه وقدرته، واحتقار الدنيا وزهراتها، ومعرفة الجنة ودرجاتها، ومعرفة النار ودركاتها، والانقطاع عن غير الحق، وتفريغ القلب له، وبالجملة إدمان التفكر عبادة وأصل لجميع العبادات، فهو أفضلها. وليس المراد التفكر في حقيقة ذاته، وحقيقة قدرته، وسائر صفاته، إذ معرفتها خارجة عن قدرة البشر، ولا يصل إليه العقل والتفكر، وكان التفكر فيها مؤديا إلى الضلال المبين، والالحاد في الدين، بل المراد به التفكر في وضع صنع الله وآثار قدرته، فإن التفكر فيها وفي عظمتها يدل على عظمة الصانع الحق وكمال قدرته. ومما يدل على ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): (إياكم والتفكر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه). وما رواه حسين بن المياح عن أبيه قال: سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (من نظر في الله كيف وهو هلك). وبالجملة التفكر على قسمين: تفكر في الحق وتفكر في الخلق، والعبد ممنوع من الأول ومندوب إلى الثاني، قال تعالى: " ويتفكرون في خلق السماوات والأرض " (شرح أصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 170).

9- الحديث الثالث مرسل كالصحيح، فإنه يقال: مراسيل البزنطي في حكم المسانيد. والادمان، الإدامة، وقوله (عليه السلام): (وفي قدرته) كأنه عطف تفسير لقوله: (في الله) فإن التفكر في ذات الله وكنه صفاته ممنوع كما مر في الاخبار في كتاب التوحيد، لأنه يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل. فالمراد بالتفكر في الله، النظر إلى أفعاله وعجائب صنعه، وبدائع أمره في خلقه، فإنها تدل على جلاله وكبريائه وتقدسه وتعاليه، وتدل على كمال علمه وحكمته، وعلى نفاذ مشيته وقدرته، وإحاطته بالأشياء. وأنه سبحانه لكمال علمه وحكمته لم يخلق هذا الخلق عبثا من غير تكليف ومعرفة وثواب وعقاب، فإنه لو لم تكن نشأة أخرى باقية غير هذه النشأة الفانية المحفوفة بأنواع المكاره والآلام لكان خلقها عبثا، كما قال تعالى: " أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وإنكم إلينا لا ترجعون " وهذا تفكر اولي الألباب كما قال تعالى: " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار " وقال سبحانه: " ومن آياته - ومن آياته " في مواضع كثيرة، فتلك الآيات هي مجاري التفكر في الله وفي قدرته لأولي النهى، لا ذاته تعالى، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما قال: تفكروا في آلاء الله، فإنكم لن تقدروا قدره (مرآة العقول: ج 7 ص 341).

10- الكافي: ج 2 ص 55، كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 3.

11- التنبيه، الايقاظ عن النوم وعن الغفلة، وفي القاموس: النبه بالضم الفطنة والقيام من النوم، وأنبهه ونبهه فتنبه وانتبه، وهذا منبهة على كذا يشعر به، ولفلان مشعر بقدره ومعل له، وما نبه له كفرح ما فطن، والاسم النبه بالضم، ونبه باسمه تنبيها نوه، انتهى. والتفكر إعمال الفكر فيما يفيد العلم به قوة الايمان واليقين، والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة. قال الغزالي: حقيقة التفكر طلب علم غير بديهي من مقدمات موصلة إليه، كما إذا تفكر أن الآخرة باقية، والدنيا فانية، فإنه يحصل له العلم بأن الآخرة خير من الدنيا، وهو يبعثه على العمل للآخرة، فالتفكر سبب لهذا العلم. وهذا العلم حالة نفسانية، وهو التوجه إلى الآخرة، وهذه الحالة تقتضي العمل لها، وقس على هذا، فالتفكر موجب لتنور القلب وخروجه من الغفلة، وأصل لجميع الخيرات. وقال المحقق الطوسي (قدس سره): التفكر سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد، وهو قريب من النظر، ولا يرتقي أحد من النقص إلى الكمال إلا بهذا السير. ومبادئه الآفاق والأنفس، بأن يتفكر في أجزاء العالم وذراته، وفي الاجرام العلوية من الأفلاك والكواكب وحركاتها وأوضاعها ومقاديرها واختلافاتها ومقارناتها ومفارقاتها وتأثيراتها وتغييراتها. وفي الاجرام السفلية وترتيبها وتفاعلها وكيفياتها ومركباتها ومعدنياتها وحيواناتها. وفي أجزاء الانسان وأعضائه من العظام والعضلات والعصبات والعروق وغيرها مما لا يحصى كثرة. ويستدل بها وبما فيها من المصالح والمنافع والحكم والتغير على كمال الصانع وعظمته وعلمه وقدرته وعدم ثبات ما سواه. وبالجملة: التفكر فيما ذكر ونحوه، من حيث الخلق والحكمة والمصالح، أثره العلم بوجود الصانع وقدرته وحكمته، ومن تغيره وانقلابه وفنائه بعد وجوده، أثره الانقطاع منه والتوجه بالكلية إلى الخالق الحق. ومن هذا القبيل التفكر في أحوال الماضين وانقطاع أيديهم عن الدنيا وما فيها ورجوعهم إلى دار الآخرة، فإنه يوجب قطع المحبة عن غير الله والانقطاع إليه بالتقوى والطاعة، ولذا أمر بهما بعد الامر بالتفكر. ويمكن تعميم التفكر بحيث يشمل التفكر في معاني الآيات القرآنية والاخبار النبوية والآثار المروية عن الأئمة (عليهم السلام) والمسائل الدينية والأحكام الشرعية، وبالجملة كلما أمر الشارع الصادع بالخوض فيه والعلم به. قوله (عليه السلام): (وجاف عن الليل جنبك) الجفا البعد، وجاف عنه كذا، أي باعده عنه في الصحاح: جفا السرج عن ظهر الفرس وأجفيته أنا، إذا رفعته عنه، وجافاه عنه فتجافى جنبه عن الفراش، أي نبا، انتهى. وقال سبحانه: " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " وإسناد المجافاة إلى الليل، مجاز في الاسناد، أي جاف عن الفراش بالليل، أو فيه تقدير مضاف، أي جاف عن فراش الليل جنبك. وعلى التقادير كناية عن القيام بالليل للعبادة وقد مر معنى التقوى، والتوصيف بالرب، للتعليل (مرآة العقول: ج 7 ص 338 - 340). الكافي: ج 2 ص 54 كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 1.

12- تقدم آنفا تحت رقم 3.

13- ليس العبادة كثرة الصلاة: أي ليست منحصرة فيها، إنما العبادة أي الكاملة (التفكر في أمر الله) بالمعاني المتقدمة. وقد يقال: المراد بالتفكر في أمر الله طلب العلم بكيفية العمل وآدابه وشرائطه، والعبادة بدونه باطلة. فالحاصل أن كثرة الصلاة والصوم بدون العلم بشرائطهما وكيفياتهما وأحكامهما ليست عبادة. وأقول: يحتمل أن يحتمل أن يكون المعنى، أن كثرة الصلاة والصوم بدون التفكر في معرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة أئمة الهدى (عليهم السلام) كما يصنعه المخالفون، غير مقبولة وموجبة للبعد عن الحق (مرآة العقول: ج 7 ص 342).

14- الكافي: ج 2 ص 55 كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 4.

15- الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 409 قال: وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وفي الكافي: ج 2 ص 54 كتاب الايمان والكفر، باب التفكر، ح 2 ولفظ الحديث: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن ابان، عن الحسن الصيقل قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يروي الناس: يروي الناس: إن تفكر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكر؟قال: يمر بالخربة أو بالدار فيقول: أين ساكنوك أين بانوك، ومالك لا تتكلمين.

16- تفسير العياشي: ج 2 ص 208 ح 24.

17- الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 2 ص 410 قال: وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فكرة ساعة خير من عبادة سنين.

18- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 132 باب 11 ما جاء عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) من الاخبار في التوحيد، في مناظرة الزنديق مع الرضا (عليه السلام)، قطعة من ح 28.

19- مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 553.

20- قال العلامة الكازروني في حاشية على تفسير (البيضاوي): (الضمان اسم جبل فيه مرعى عظيم).

21- من قوله: (على إرادة القول) إلى هنا مقتبس من تفسير (البيضاوي): ج 1 ص 198.

22- تفسير العياشي: ج 1 ص 211 ح 175.

23- نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 199 عند تفسيره لآية 193 من سورة آل عمران.

24- التهذيب: ج 3 ص 144 باب 7 صلاة الغدير، ح 1 س 9.

25- عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 49 قطعة من ح 191.

.

26- فالذين هاجروا، مبتدأ، وخبره (لا كفرن)، وقاتلوا وقتلوا عطف على عطف على عطف. وقرئ: وقتلوا وقاتلوا، هده القراءة تدل على أن الواو تدل على الجمع دون الترتيب، فلذلك لم يبال قدم أواخر وإلا فيستحيل أن تكون المقاتلة بعد القتل، وقد يجوز أن يراد يقتلوا البعض ويقاتلوا الباقي، وهو كثير في كلامهم (البيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري: ج 1 ص 237).

27- في هامش بعض النسخ المخطوطة ما لفظه (رد على البيضاوي حيث جعله مصدرا مؤكدا مع أنه لا يحذف عامل المؤكد، منه).

28- قرع الرجل: ضربه. يقال: قرع رأسه بالعصا، أي ضربه بها (المنجد لغة قرع).

29- ضجنان بالتحريك ونونين، ورواه ابن دريد بسكون الجيم، وقيل: ضجنان على بريد من مكة، وهناك الغميم في أسفله مسجد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وله ذكر في المغازي، وقال الواقدي: بين ضجنان ومكة خمسة وعشرون ميلا، وهي لاسلم وهذيل وغاضرة، والضجنان حديث في حديث الاسراء حيث قالت له قريش: ما اية صدقك؟قال: لما أقبلت راجعا حتى إذا كنت بضجنان، مررت بعير فلان فوجدت القوم ولهم إناء فيه ماء فشربت ما فيه، وذكر القصة (معجم البلدان: ج 3 ص 453 باب الضاد والجيم وما يليهما).

30- الأمالي لشيخ الطائفة: ج 2 ص 85، الجزء السادس عشر س 17 باختلاف في الألفاظ.