الآية 187 - 190

﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتب لتبيننه، للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون (187)﴾

بيده على صدره، ثم قال: ولكنها عزمة من الله أن نصبر، ثم تلا هذه الآية: " ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور " وأقبل يرفع يده ويضعها على صدره (1).

وإذ أخذ الله: أي أذكر وقت أخذه.

ميثاق الذين أوتوا الكتب: يريد به العلماء.

لتبيننه، للناس ولا تكتمونه: حكاية لمخاطبتهم.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية ابن عياش، بالياء، لأنهم غيب.

واللام جواب القسم الذي ناب عنه قوله: " أخذ الله ميثاق الذين " والضمير للكتاب.

والمراد بيان ما فيه من نعت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فنبذوه: أي الميثاق.

وراء ظهورهم: فلم يراعوه ولم يلتفتوا إليه.

والنبذ وراء الظهر، مثل في ترك الاعتداد، وعدم الالتفات.

ونقيضه جعله نصب عينيه، وإلقاؤه بين عينيه.

واشتروا به: وأخذوا بدله.

ثمنا قليلا.

من حطام الدنيا وأغراضها.

فبئس ما يشترون: ما يختارون لأنفسهم.

في تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: " وإذ أخذ الله " أن ذلك في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا خرج ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " يقول: نبذوا عهد الله وراء ظهورهم " واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " (2).

وفي مجمع البيان: عن علي (عليه السلام) قال: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا (3).

وفي كتاب الاحتجاج: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه: وقد ذكر أعداء رسول الله (صلى الله عيه وآله وسلم) الملحدين في آيات الله، ولقد أحضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ولم يقط منه حرف، لا ألف ولا لام، فلما وقفوا على ما بينه من أسماء أهل الحق والباطل، وأن ذلك إن ظهر نقض ما عقدوه، قالوا: لا حاجة لنا فيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا، ولذلك قال: " فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم مما لا يعلمون تأويله، إلى جمعه وتأويله وتعظيمه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم، فصرخ مناديهم: من كان عنده شئ من القرآن، فليأتنا به، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله، فألفه على اختيارهم، وتركوا منه ما قدروا ﴿لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم (188) ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شئ قدير (189)﴾

أنه لهم، وهو عليهم، وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره (4)، وانكشف لأهل الاستبصار إغوائهم وافترائهم (5).

لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا: يعجبون بما فعلوا من التدليس وكتمان الحق، أو من الطاعات والحسنات.

والخطاب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ضم الباء جعل الخطاب له وللمؤمنين.

والمفعول الأول " الذين يفرحون ".

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالياء وفتح الباء فيه، وضم الباء في الآتي، على أن " الذين " فاعل ومفعولاه محذوف، يدل عليهما مفعولا مؤكدة، وهو " يحسبنهم " الثاني، أو المفعول الأول محذوف والثاني تأكيد للفعل وفاعله ومفعوله الأول (6).

ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا: من الوفاء بالميثاق وإظهار الحق والاخبار بالصدق، أو كل خير.

فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب: فائزين بفوز ونجاة منه.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه يقول: ببعيد من العذاب (7).

وهو حاصل المعنى.

ولهم عذاب أليم: بكفرهم وتدليسهم.

قيل: إنه (عليه السلام) سأل اليهود عن شئ مما في التوراة؟فأخبروه بخلاف ما كان فيه، واروه أنهم قد صدقوا وفرحوا بما فعلوا، فنزلت (8).

وقيل: نزلت في قوم تخلفوا عن الغزو، ثم اعتذروا بأنهم رأوا المصلحة في التخلف واستحمدوا به (9).

وقيل: نزلت في المنافقين، فإنهم يفرحون بمنافقتهم ويستحمدون إلى المسلمين بإيمان لم يفعلوه على الحقيقة (10).

والصواب أن الآية نزلت فيما رواه أبو الجارود، عن الباقر (عليه السلام) وجرت في غيرهم.

ولله ملك السماوات والأرض: فهو يملك أمرهم.

والله على كل شئ قدير: فيقدر على عقابهم.

وقيل: هو رد لقولهم: " إن الله فقير ".

﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار لايات لأولي الألباب (190)﴾

إن في خلق السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار لآيات لأولي الألباب: لدلائل واضحة على وجود الصانع، ووحدته، وكمال علمه وقدرته، لذوي العقول المجلوة الخالصة عن شوائب الحسن والوهم.

وفي مجمع البيان: وقد اشتهرت الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه لما نزلت هذه الآية قال: ويل لمن لاكها بين فكيه، ولم يتأمل ما فيها (11).

قيل: ولعل الاقتصار على الثلاثة في الآية، لان مناط الاستدلال التغير، وهذه متعرضة لجملة أنواعه، فإنه إما أن يكون في ذات الشئ كتغير الليل والنهار، أو جزئه كتغير العناصر بتبدل صورها، أو الخارج عنه كتبدل الأفلاك بتبدل أوضاعها (12).

وفي تهذيب الأحكام: محمد بن علي بن محبوب، عن العباس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وذكر صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) قال: كان يوتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع سواكه تحت فراشه ثم ينام ما شاء الله فإذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء ثم تلا الآيات من آل عمران: " ان في خلق السماوات والأرض " الآية، ثم يستن ويتطهر ثم يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءة ركوعه، وسجوده على قدر ركوعه، يركع حتى يقال متى يرفع رأسه، ويسجد حتى.

1- تفسير فرات الكوفي: ص 19.

2- تفسير العياشي: ج 1 ص 210 ح 171.

3- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 128 عند تفسيره لآية 187 من سورة آل عمران، ولفظ الحديث هكذا (وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أو توا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " وذلك أن الله أخذ ميثاق الذين أو توا الكتاب في محمد لتبيننه للناس إذا خرج ولا تكتمونه " فنبذوه وراء ظهورهم " يقول: نبذوا عهد الله وراء ظهورهم " واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ").

4- مجمع البيان: ج 2 ص 552 عند بيان المعنى لآية 187 من سورة آل عمران، وتمام الحديث (وروى الثعلبي في تفسيره: بإسناده إلى الحسن بن عمارة قال: أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فألفيته على بابه، فقلت: إن رأيت أن تحدثني؟فقال: أو ما علمت أني تركت الحديث! فقلت: إما أن تحدثني وإما أن أحدثك؟فقال: حدثني، فقلت: حدثني الحكم بن عيينة، عن نجم الجزار قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: ما أخذ الله عليه أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، قال: فحدثني أربعين حديثا.

5- قد ملا أصحاب الكلام وأرباب التفاسير من العامة والخاصة بالوجوه العقلية والنقلية، الدفاتر والدساتير على عدم تحريف القرآن بالزيادة والنقصان، وعدم صحة أمثال هذه الروايات، أو تأويلها، بما لا مزيد عليه. وإن شئت الاختصار فراجع مقدمة تفسير مجمع البيان: ج 1 ص 15 الفن الخامس، وإن رمت أكثر من ذلك فعليك ب? " البيان في تفسير القرآن " لآية الله العظمى الخوئي دام ظله: ص 197 صيانة القرآن من التحريف. وغيرهما من التفاسير للعامة والخاصة.

6- كتاب الاحتجاج: ج 1 ص 257، احتجاجه (عليه السلام) على زنديق جاء مستدلا عليه بآي من القرآن متشابهة، تحتاج إلى التأويل على أنها تقتضي التناقض والاختلاف فيه، س 12.

7- لتوضيح ما أورده المؤلف (رحمه الله) ننقل ما أورده (البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لهذه الآية قال: وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأول وضمها في الثاني، على أن " الذين " فاعل، ومفعولا " لا يحسبن " محذوفان، يدل عليهما مفعولا مؤكدة، وكأنه قيل: " ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا فلا يحسبن أنفسهم بمفازة " أو المفعول الأول محذوف وقوله: " فلا تحسبنهم " تأكيد للفعل وفاعله ومفعوله الأول.

8- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 129 عند تفسيره لآية 189 من سورة آل عمران.

9- نقلها في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لآية 189 من سورة آل عمران.

10- نقلها في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لآية 189 من سورة آل عمران.

11- نقلها في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 198 عند تفسيره لآية 189 من سورة آل عمران.

12- مجمع البيان: ج 2 ص 554 عند نقله لفضل الآيات في قوله: (فضلها).