الآية 113 - 121

﴿ليسوا سواء من أهل الكتب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون (113) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسرعون في الخيرت وأولئك من الصالحين (114) وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين (115)﴾

ليسوا سواء: في المساءة والحسنة، والضمير لأهل الكتب.

من أهل الكتب أمة قائمة: استئناف لبيان نفي الاستواء، والقائمة: المستقيمة العادلة، من أقمت العود فقام، وهم الذين أسلموا منهم، ووضع المظهر موضع المضمر، تنبيها على أن كونهم من أهل الكتاب لا يصير سبب ما صيروه سببا له، بل سبب الانقياد والاسلام كما فعله أضرابهم.

يتلون آيات الله آناء اليل وهم يسجدون: يتلون القرآن في تهجدهم، عبر عنه بالتلاوة في ساعات الليل مع السجود ليكون أبين وأبلغ في المدح.

وقيل: المراد صلاة العشاء، لان أهل الكتاب لا يصلونها (1).

وفي كتاب الخصال: عن سالم، عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا حسد إلا في اثنين، رجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وأطراف النهار، ورجل اتاه الله القرآن، فهو يقوم آناء الليل وآناء النهار (2).

يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسرعون في الخيرت: صفات اخر لامة وصفهم بصفات ليست في اليهود، فإنهم منحرفون عن الحق، غير متعبدين بالليل، مشركون بالله، ملحدون في صفاته، واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته، مداهنون في الاحتساب، متباطئون في الخيرات.

وأولئك من الصالحين: أي الموصوفون بتلك الصفات ممن صلحت أحوالهم عند الله واستحقوا رضاه وثناءه.

وما يفعلوا من خير فلن يكفروه: فلن يضيع ولا ينقص ثوابه.

سمى ذلك كفرانا كما سمى توفية الثواب شكرا.

وتعديته إلى المفعولين لتضمنه معنى الحرمان.

وقرأ حفص وحمزة والكسائي " وما يفعلوا من خير فلن يكفروه " بالياء والباقون بالتاء (3).

وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى أحمد بن أبي عبد الله البرقي يرفعه إلى أبى عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إن المؤمن مكفر، وذلك أن معروفه يصعد إلى الله فلا ينتشر في الناس، والكافر مشهور، وذلك أن معروفه للناس، ينتشر في الناس ولا يصعد إلى السماء (4).

وبإسناده إلى السكوني: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يد الله تعالى فوق رؤوس المكفرين ترفرف بالرحمة (5).

أخبرني علي بن حاتم قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثني الحسين بن موسى، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده (6) علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: ﴿إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحب النار هم فيها خلدون (116) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون (117)﴾

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكفرا لا يشكر معروفه، ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي، ومن كان أعظم معروفا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذا الخلق؟وكذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا، وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم (7).

فما في الآية من أن " ما يفعلوا من خير فلن يكفروه " بمعنى ترك الجزاء على الخير كما بين، وإلا فالخير من المؤمنين مكفر كما في الخبر.

والله عليم بالمتقين: بشارة لهم، وإشعار بأن التقوى مبدأ الخير و حسن العمل.

إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا: من النفع، وأو شيئا من الغنى، وهو بالفتح بمعنى النفع، فيكون مصدرا.

وقيل: من العذاب، وهو يصح بتضمين معنى الابعاد.

وأولئك أصحب النار: ملازموها.

هم فيها خلدون: وعيد لهم.

مثل ما ينفقون: ما ينفق الكفرة قربة أو مفاخرة وسمعة، أو المنافقون رياء و خوفا.

﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودواما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون (118)﴾

في هذه الحياة الدنيا: أي لأجلها.

كمثل ريح فيها صر: برد شديد، والشائع إطلاقه للريح الباردة كالصرصر، فهو في الأصل مصدر نعت به، أو نعت وصف به البرد للمبالغة كقولك: برد بارد.

أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم: بالكفر والمعاصي.

فأهلكته: عقوبة لهم، لان إهلاك من سخط أشد.

والمراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه، بحرث كفار ضربته صر، فاستأصلته ولم يبق لهم منفعة في الدنيا والآخرة، وهو من التشبيه المركب، ولذلك لم يبال بإيلاء كلمة التشبيه بالريح دون الحرث.

ويجوز أن يقدر كمثل مهلك ريح وهو الحرث.

وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون: أي ما ظلم المنفقين بضياع نفقاتهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم لما لم ينفقوها بحيث يعتد بها، أو ما ظلم أصحاب الحرث بإهلاكه ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكاب ما استحقوا به العقوبة، أو ما ظلم المنفقين وأصحاب الحرث كليهما ولكنهم ظلموا أنفسهم.

وقرئ ولكن أي ولكن أنفسهم يظلمونها، ولا يجوز أن يقدر ضمير الشأن، لأنه لا يخذف إلا في الشعر كقوله: ولكن من يبصر جفونك يعشق (8).

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة: وليجة وهو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقة به، شبه ببطانة الثوب كما شبه بالشعار في قوله (صلى الله عليه وآله): الأنصار شعار والناس دثار (9).

من دونكم: من دون المسلمين، وهو متعلق ب? " لا تتخذوا " أو بمحذوف هو صفة " بطانة " أي بطانة كائنة من دونكم، أو حالا عن بطانة، إن جوز تنكير ذي الحال.

لا يألونكم خبالا: أي لا يقصرون لكم في الفساد، والإلو، التقصير، وأصله أي يعدى بالحرف ثم عدي إلى مفعولين كقوله: لا آلوك نصحا على تضمين معنى ﴿ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليهم بذات الصدور (119) إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط (120)﴾

المنع أو النقص.

ودواما عنتم: تمنوا عنتكم، وهو شدة الضرر والمشقة، و " ما " مصدرية.

قد بدت البغضاء من أفواههم: أي في كلامهم، لأنهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم.

وما تخفى صدورهم أكبر: مما بدا، لان بدوه ليس عن روية واختيار.

قد بينا لكم الآيات: الدالة على وجوب الاخلاص، وهو موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين.

إن كنتم تعقلون: ما بين لكم، أو كنتم من أهل العقل والفهم.

والجمل الأربع مستأنفات على التعليل، ويجوز أن يكون الثلاث الأول صفات ل? " بطانة " وحينئذ فالأنسب أن تكون الرابعة حالا من الضمير المضاف إليه، للأفواه.

ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم: أي أنتم أولاء المخاطبون في موالاة الكفار وتحبونهم، ولا يحبونكم.

بيان لخطئهم في موالاتهم، أو خبر ثان، أو خبر لأولاء، والجملة خبر (أنتم) كقولك: أنت زيد تحبه، أو صلته، أو حال والعامل فيها معنى الإشارة.

ويجوز أن ينتصب بفعل يفسره ما بعده وتكون الجملة خبرا.

وتؤمنون بالكتب: بجنس الكتاب.

كله: كتابكم وكتابهم، معطوف على ما قبله، وقيل: حال من " لا يحبونكم " والمعنى أنهم لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم أيضا، فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم.

وفيه توبيخ بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم.

ويحتمل أن يكون المعنى، والله أعلم، أنكم تؤمنون بالكتاب كله وهم ليسوا بمؤمنين بكتابهم أيضا، فضلا عن كتابكم، فهذا منشأ العداوة في الدين، لا المحبة، فلم تحبونهم؟وإذا لقوكم قالوا آمنا: نفاقا وتغريرا.

وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ: من أجل الغيظ تأسفا وتحسرا، حيث رأوا ائتلافكم واجتماع كلمتكم ولم يجدوا إلى التشفي سبيلا.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: " عضوا عليكم الأنامل من الغيظ " قال: أطراف الأصابع (10).

قل موتوا بغيظكم: دعاء عليهم بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوة الاسلام وأهله حتى يهلكوا به.

إن الله عليم بذات الصدور: من خير أو شر فيعلم ما في صدورهم من البغضاء والحنق، وهو يحتمل أن يكون من المقول، أي وقل لهم: إن الله عليم بما هو أخفى مما تخفونه من عض الأنامل غيظا، وأن يكون خارجا عنه، بمعنى قل لهم ذلك ولا تتعجب من اطلاعي إياك على أسرارهم فإني عليم بالأخفى من ضمائرهم.

و " ذات الصدور " الصور العلمية المتمكنة في الصدور، والمراد بالصدور، محل العلوم.

إن تمسسكم حسنة: نعمة من (الفقه) (11) أو ظفر على الأعداء.

﴿وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقعد للقتال والله سميع عليم (121)﴾

تسؤهم: والمس مستعار للإصابة.

وإن تصبكم سيئة: محنة من فرقة أو إصابة عدو منكم.

يفرحوا بها: لتناهي عداوتهم.

وإن تصبروا: على عداوتهم، أو على مشاق التكاليف.

وتتقوا: موالاتهم، أو ما حرم الله عليكم.

لا يضركم كيدهم شيئا: لما وعد الله الصابرين والمتقين الصبر.

وضمت الراء للاتباع.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب، لا يضركم، من ضاره يضيره.

إن الله بما يعملون: من الصبر والتقوى وغيرهما.

محيط: بعلمه وقدرته، فمجازيكم بما أنتم أهله.

وقرئ بالياء، أي بما يعملون في عداوتكم عالم، فيعاقبهم عليه.

وإذ غدوت: أي واذكر إذ غدوت، من غدا عليه بكر.

من أهلك: قيل: من حجرة عائشة (12).

تبوئ المؤمنين: تنزلهم، أو تسوي وتهيئ لهم، وتؤيده القراءة باللام.

مقعد للقتال: مواقف وأما كن له، وقد يستعمل المقعد والمقام بمعنى المكان على الاتساع، وإذا استعمل في أما كن الحرب أريد به الإشارة إلى وجوب الثبات فيها.

والله سميع: لأقوالكم عليم: بنياتكم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال: حدثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سبب نزول هذه الآية أن قريشا خرجت من مكة يريدون حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبتغي موضعا للقتال (13).

وفي مجمع البيان: عن علي بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان سبب غزاة أحد أن قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر - لأنه قتل منهم سبعون واسر منهم سبعون - قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم، فإن الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد ويشمت بنا محمد وأصحابه، فلما غزوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أحد أذنوا لنسائهم بالبكاء والنوح، فلما أرادوا أن يغزوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أحد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها وجمع الجموع والسلاح وخرجوا من مكة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل وأخرجوا معهم النساء يذكرنهم ويحثثنهم على حرب رسول الله، وأخرج أبو سفيان هند بنت عتبة، وخرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثية، فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك جمع أصحابه وحثهم على الجهاد، فقال عبد الله بن أبي وقومه: يا رسول الله لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك وعلى السطوح، فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا، وما خرجنا على عدونا قط إلا كان لهم الظفر علينا.

فقام سعد بن معاذ (رحمه الله) وغيره من الأوس فقالوا: يا رسول الله ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يظفرون بنا وأنت فينا، لا حتى نخرج إليهم ونقاتلهم، فمن قتل منا كان شهيدا، ومن نجى منا كان مجاهدا في سبيل الله، فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأيه، وخرج مع نفر من أصحابه يتبوؤن موضع القتال، كما قال سبحانه " وإذ غدوت من أهلك " الآية.

وقعد عنه عبد الله بن أبي وجماعة من الخزرج ابتغوا راية.

ووافت قريش إلى أحد، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبأ أصحابه، وكانوا سبعمائة رجل، فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب.

وأشفق أن يأتيهم كمينهم من ذلك المكان، فقال (صلى الله عليه وآله) لعبد الله بن جبير وأصحابه: إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة، فلا تبرحوا من هذا المكان وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم.

ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا، وقال له: إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم.

فلما أقبلت الخيل واصطفوا وعبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه ودفع الراية إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة، ووقع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سوادهم وانحط خالد بن الوليد في مائتي فارس على عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسهام، فرجع ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينهبون سواد القوم، فقالوا لعبد الله بن جبير: قد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة، فقال لهم عبد الله: اتقوا الله، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد تقدم إلينا ألا نبرح، فلم يقبلوا منه، وأقبلوا ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم، وبقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلا.

وكانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدي من بني عبد الدار، فقتله علي (عليه السلام) فأخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي (عليه السلام) وسقطت الراية، فأخذها شافع بن طلحة، فقتله، حتى قتل تسعة من بني عبد الدار، حتى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له: صواب، فانتهى إليه علي (عليه السلام) فقطع يده، فأخذ الراية باليسرى فضرب يسراه فقطعها، فاعتنقها بالجذماوين (14) إلى صدره ثم التفت إلى أبي سفيان فقال: هل أعذرت في بني عبد الدار؟فضربه علي (عليه السلام) على رأسه فقتله، فسقط اللواء، فأخذتها عمرة بنت علقمة الكنانية فرفعتها، وانحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير وفرقوا أصحابه وبقي في نفر قليل فقتلهم على باب الشعب، ثم أتى المسلمين من أدبارهم، ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت، فلاذوا بها، وانهزم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) هزيمة عظيمة، وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه، فلما رأى رسول الله الهزيمة كشف البيضة عن رأسه، وقال: أنا رسول الله إلي، إلى أين تفرون عن الله تعالى وعن رسوله.

قال وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر، وكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة، وقالت: إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا.

وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد، وكانت هند قد أعطت وحشيا عهدا لئن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطينك كذا وكذا، وكان وحشي - عبد الجبير بن مطعم - حبشيا، فقال وحشي: أما محمد فلا أقدر عليه، وأما علي فرأيته حذرا كثير الالتفات فلا مطمع فيه، فكمن لحمزة، قال: فرأيته يهد الناس هدا فمر بي فوطأ على جرف نهر، فسقط، فأخذت حربتي فهززتها ورميتها فوقعت في خاصرته وخرجت من ثنيته (15) فسقط، فأتيته فشققت بطنه فأخذت كبده، وجئت به إلى هند، فقلت: هذه كبد حمزة فأخذتها فلاكتها، فجعلها الله في فمها مثل الداعضة، وهي عظم رأس الركبة، فلفظتها ورمت بها.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فبعث الله ملكا فحمله ورده إلى موضعه.

قال: فجاءت إليه فقطعت مذاكيره وقطعت اذنيه، وقطعت يده ورجله.

ولم يبق مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أبو دجانة سماك بن خرشة.

1- قوله: ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها إلخ أي فصارت الإذاعة من حيث أنه سبب القتل، قتلا، ومن حيث أنه ظلم على المقتول وإعانة للقاتل، اعتداء، ومن حيث أنه لا يجوز عند احتمال الضرر، معصية، فالمذيع متصف بهذه الثلاثة (شرح أصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 10 ص 27).

2- الكافي: ج 2 ص 371 باب الإذاعة، ح 6.

3- مجمع البيان: ج 2 ص 489 في تفسيره لقوله تعالى: " يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ".

4- الخصال: ص 76 باب الاثنين، ح 119.

5- وقرئ " يفعلوا ويكفروه " بالياء والتاء، الكشاف: ج 1 ص 403.

6- علل الشرائع: ج 2 ص 560 باب 353 العلة التي من أجلها صار المؤمن مكفرا، ح 1 و 2.

7- علل الشرائع: ج 2 ص 560 باب 353 العلة التي من أجلها صار المؤمن مكفرا، ح 1 و 2.

8- في النسخة - ا -: (.. عن جده عن علي بن الحسين) وهو خطأ والصحيح ما أثبتناه.

9- علل الشرائع: ج 2 ص 560 باب 353 العلة التي من أجلها صار المؤمن مكفرا ح 3.

10- تمامه: وما كنت ممن يدخل العشق قلبه * ولكن من يبصر جفونك يعشق وقال محيي الدين شيخ زاده في حاشيته على تفسير القاضي البيضاوي: ج 1 ص 664: إن البيت للمتنبي ولم نعثر عليه في ديوانه.

11- رواه البخاري ومسلم في صحيحهما وابن ماجة وأحمد في سننه ومسنده، بألفاظ وتعابير مختلفة، وإليك بعض ما نتلوه عليك: (عن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على رسوله يوم حنين ما أفاء قال: قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم، ولم يقسم ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار ألم أجد كم ضلالا فهداكم الله بي؟وكنتم متفرقين فجمعكم الله بي؟وعالة فأغناكم الله بي؟قال: فكلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله آمن، قال: ما يمنعكم أن تجيبوني! قالوا: الله ورسوله آمن قال: لو شئتم لقلتم جئتنا كذا وكذا، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟لولا الهجرة لكنت امرئ من الأنصار، لو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، الأنصار شعار والناس دثار، وإنكم

ستلقون بعدي إثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض (مسند أحمد بن حنبل: ج 4 ص 42). وعن أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطى أبا سفيان وعيينة والأقرع وسهل بن عمرو في الآخرين يوم حنين، فقالت الأنصار: يا رسول الله سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالغنم، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فجمعهم في قبة له حتى فاضت، فقال: أفيكم أحد من غيركم؟قالوا: لا، إلا ابن أختنا قال: ابن أخت القوم منهم، ثم قال: أقلتم كذا وكذا؟قالوا: نعم، قال: أنتم الشعار والناس الدثار، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى دياركم؟قالوا: بلى، قال: الأنصار كرشي وعيبتي، لو سلك العاس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعبهم، ولولا الهجرة لكنت امرى من الأنصار، وقال حماد: أعطى مائة من الإبل يسمي كل واحد من هؤلاء (مسند أحمد بن حنبل: ج 3 ص 346).

12- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 110.

13- كذا في النسخة - أ - والظاهر أنها تصحيف، والصحيح (إلفة).

14- الكشاف: ج 1 ص 408 في تفسيره لقوله تعالى: " وإذ غدوت من أهلك " قال: من حجرة عائشة.

15- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 110 في تفسيره لقوله تعالى: " وإذ غدوت من أهلك ".