الآية 73 - 81

﴿ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أو تيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله وسع عليم (73)﴾

محمدا بالنعت الذي ورد في التوراة، لعل أصحابه يشكون فيه.

وقيل: كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف قالا لأصحابهما لما حولت القبلة: آمنوا بما انزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة وصلوا إليها أول النهار، ثم صلوا إلى الصخرة آخره، لعلهم يقولون: هم أعلم منا، وقد راجعوا، فيرجعون (1).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي انزل على الذين امنوا وجه النهار واكفروا آخره " قال: نزلت في قوم من اليهود قالوا: آمنا بالذي جاء محمد بالغداة وكفروا به بالعشي (2).

وفي رواية أبي الجارود: عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون " فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة وهو يصلي نحو بيت المقدس أعجب ذلك اليهود، فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الله الحرام وجدت (3) اليهود من ذلك، وكان صرف القبلة صلاة الظهر، فقالوا: صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا، فآمنوا بالذي أنزل على محمد وجه النهار وا كفروا آخره، يعنون القبلة حين استقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسجد الحرام لعلهم يرجعون إلى قبلتنا (4).

ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم: أي لا تقروا عن قصد قلب إلا لأهل ﴿يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم (74)﴾

دينكم، أولا تظهر وا إيمانكم وجه النهار إلا لمن كان على دينكم، فإن رجوعهم أرجى.

قل إن الهدى هدى الله: يهدي من يشاء إلى الايمان ويثبته.

أن يؤتى أحد مثل ما أو تيتم: تعليل لمحذوف، أي دبرتم وقلتم ذلك لأجل أن يؤتى، أي الحسد حملكم على ذلك، أولا تؤمنوا على المعنى الثاني، أي لا تظهروا إيمانكم للمسلمين، لئلا يزيد ثباتهم، أو للمشركين فيدعوهم إلى الاسلام.

وعلى هذا قوله " إن الهدى " الخ اعتراض، يدل على أن كيدهم لا يجدي.

ويحتمل أن يكون خبر إن، و " هدى الله " بدلا من (الهدى).

وقرأ ابن كثير: " أن يؤتي " على الاستفهام، للتقريع.

وقرئ على أن النافية، فيكون من كلام الطائفة.

أو يحاجوكم عند ربكم: عطف على " يؤتى " على الوجهين الأولين، وعلى الثالث معناه حتى يحاجوكم، يعني: أن هدى الله أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم حتى يقدر على محاجتكم، والواو ضمير الاحد، لأنه في معنى الجمع (5).

قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء: لا ينفع في جلبه أمثال هذه التدابير.

والله وسع: الفضل.

عليم: بمن يصلح له الفضل.

يختص برحمته من يشاء: من غير استيجاب سابق منه.

والله ذو الفضل العظيم: وفضله عظيم، أعظم مما حصل لكم من الحطام ﴿ومن أهل الكتب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأمين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (75)﴾

الحقير الذي اكتسبتموه بالتحريف والكتمان والكفر.

ومن أهل الكتب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك: نقل: إن عبد الله بن سلام استودعه قرشي ألفا ومائتي أوقية ذهبا فأداه إليه (6).

ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك: نقل: أن فنحاص بن عازواء استودعه قرشي آخر دينارا فجحده (7).

وقيل: المأمونون على الكثير النصارى، إذ الغالب فيهم الأمانة، والخائنون في القليل اليهود إذ الغالب عليهم الخيانة (8).

وقرأ حمزة وأبو بكر وأبو عمر (يؤده) بإسكان الهاء، وقائلون باختلاس الهاء، والباقون بإشباع الكسرة.

إلا ما دمت عليه قائما: أي إلا أن تأخذه منه قبل المفارقة.

ذلك: أي ترك الأداء المذكور.

بأنهم قالوا ليس علينا في الأمين سبيل: أي بسبب قولهم واعتقادهم أن ليس علينا في شأن من ليس من أهل الكتاب وعلى ديننا سبيل وعقاب.

﴿بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين (76) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (77)﴾

ويقولون على الله الكذب: بقول ذلك.

وهم يعلمون: أنهم كاذبون.

وقيل: عامل اليهود رجالا من قريش، فلما أسلموا تقاضوهم، فقالوا: سقط حقكم حيث تركتم دينكم، وزعموا أنه كذلك في كتابهم (9).

وفي مجمع البيان: روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): لما قرأ هذه الآية قال: كذب أعداء الله، ما من شئ كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر (10).

بلى: إثبات لما نفوه، أي بلى عليهم سبيل.

من أو في بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين: استئناف مقرر للجملة التي سدت (بلى) مسدها، والضمير مجرور بإضافة العهد، من الإضافة إلى الفاعل لو رجع إلى (من) ومن الإضافة إلى الفاعل أو المفعول لو رجع إلى (الله).

وعموم المتقين ناب الراجع من الخبر إلى (من) (11).

وأشعر بأن التقوى ملاك الامر، وهو يعم الوفاء وغيره من أداء الواجبات والاجتناب عن المناهي.

إن الذين يشترون: يستبدلون.

بعهد الله: بما عهد الله عليهم، أو بما عاهدوا الله عليه من الايمان بالرسول وأداء الأمانات.

وأيمانهم: وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ولننصرنه.

ومجمع البيان: وفي تفسير الكلبي عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من حلف على يمين كاذبة ليقطع به مال أخيه المسلم، لقى الله وهو عليه غضبان، وتلا هذه الآية (12).

ثمنا قليلا: متاع الدنيا من الرئاسة وأخذ الرشوة والذهاب بمال أخيهم المسلم ونحو ذلك.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: وقوله: " ان الذين يشترون بعهد الله ثمنا قليلا " قال: يتقربون إلى الناس بأنهم مسلمون فيأخذوه منهم ويخونون وما هم (13) بمسلمين على الحقيقة (14).

وفي أمالي شيخ الطائفة (قدس سره) بإسناده إلى أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال من حلف على يمين يقطع بها مال أخيه لقى الله (عز وجل) وهو عليه غضبان فأنزل الله (عز وجل) ذلك في كتابه: (ان الذين يشترون بعهد الله ايمانهم ثمنا قليلا) قال: فبرز الأشعث بن قيس فقال في نزلت خاصمت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقضى علي باليمين (15).

أولئك لا خلق لهم في الآخرة: وفي عيون الأخبار: عن الرضا (عليه السلام) حديث طويل في تعداد الكبائر وبيانها من كتاب الله، وفيه يقول الصادق (عليه السلام): واليمن الغموس لان الله تعالى يقول: " ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة " (16).

وفي كتاب الخصال: عن الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: الناس أربعة فمنهم من له خلق ولا خلاق له، ومنهم من له خلاق ولا خلق له، ومنهم من لا خلف له ولا خلاق فذلك من شر الناس ومنهم من له خلق وخلاق فذلك من خير الناس (17).

وفي أصول الكافي: علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه: وأنزل في العهد " ان الذين يشترون " الآية والخلاق النصيب، فمن لم يكن له نصيب فبأي شئ يدخل الجنة (18).

ولا يكلمهم الله: بما يسرهم، أو بشئ أصلا، ويسألهم الملائكة يوم القيامة، أولا ينتفعون بكلمات الله وآياته، أو كناية عن غضبه عليهم.

ولا ينظر إليهم يوم القيمة: فإن من سخط على غيره أعرض عن الكلام معه والنظر إليه، كما أن من اعتد بغيره يقاوله ويكثر النظر إليه.

وفي كتاب التوحيد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: وأما قوله " ولا ينظر إليهم يوم القيامة " أنه لا يصيبهم بخير، وقد تقول العرب: والله ما ينظر إلينا فلان، وإنما يعنون بذلك لا يصيبنا منه بخير، فذلك النظر ههنا من الله (تبارك وتعالى) إلى خلقه، فنظره إليهم رحمة لهم (19).

ولا يزكيهم: قيل: ولا يثنى عليهم.

وفي تفسير الامام: ولا يزكيهم من ذنوبهم، وقد مر.

ولهم عذاب أليم: على ما فعلوا.

قيل: نزلت في أحبار حرفوا التوراة وبدلوا نعت محمد (صلى الله عليه وآله) وحكم الأمانات وغير هما، وأخذوا على ذلك رشوة (20).

وقيل: في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به (21).

وقيل: في ترافع كان بين أشعث بن قيس ويهودي في بئر وأرض وتوجه الحلف على اليهودي (22).

وفي أمالي شيخ الطائفة (قدس سره): بإسناده إلى أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من حلف على يمين ليقطع بها مال أخيه، لقي الله، (عز وجل) وهو عليه غضبان، فأنزل الله (عز وجل) تصديق ذلك في كتابه " ان الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا " قال: فبرز الأشعث بن قيس فقال: في نزلت خاصمت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن هذا البئر على أرض في الجاهلية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألك بينة؟فقال: لا، قال: فيمينه، قال: يذهب والله بأرضي، فقال: إن ذهب بأرضك كان ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه ولهم عذاب أليم (23).

وفي عيون الأخبار: عن الرضا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي، وعلى من قاتلهم، وعلى المعين، وعلى من سبهم " أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم " (24).

وفي أصول الكافي بإسناده (25) إلى ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله يقول: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماما من الله، ومن زعم أن لهما في الاسلام نصيبا (26).

علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر (عليه السلام) حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وانزل في العهد أن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا أولئك لأخلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم، والخلاق النصيب فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شئ يدخل الجنة؟(27).

محمد بن جعفر، عن محمد بن عبد الحميد، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك جبار، ومقل مختال (28).

وفي الكافي: بإسناده إلى محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الشيخ الزاني، والديوث والمرأة توطئ فراش زوجها (29).

وبإسناده إلى محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم منهم: المرأة توطئ فراش زوجها (30).

وفي من لا يحضره الفقيه: وروى محمد بن أبي عمير، عن أبي إسحاق بن هلال، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ألا أخبركم بأكبر الزنا؟قالوا: بلى، قال: هي امرأة توطئ فراش زوجها فتأتي بولد من غيره فيلزمه زوجها فتلك التي لا يكلمها الله، ولا ينظر إليها يوم القيامة ولا يزكيها ولها عذاب أليم (31).

وفي مجمع البيان: وفي تفسير الكلبي عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من حلف على يمين كاذبة ليقطع بها مال أخيه المسلم لقى الله وهو عليه غضبان، وتلي هذه الآية (32).

وفي كتاب الخصال: عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الناتف شيبه والناكح نفسه والمنكوح في دبره (33).

عن الأعمش، عن صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا إن أعطاه منها ما يريد وفي له وإلا لم يف، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى بها كذا وكذا فصدقه فأخذها ولم يعط فيها ما قال، ورجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل (34).

وفي تفسير العياشي: عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من جحد إماما، أو ادعى إماما من غير الله، أو زعم أن لفلان وفلان في الاسلام نصيبا (35).

وعن محمد الحلبي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: الديوث من الرجال، والفاحش المنفحش، والذي يسأل الناس وفي يده ظهر غنى (36).

وعن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المرخي ذيله من العظمة، والمزكي سلعته بالكذب، ورجل استقبلك بود صدره فيواري وقلبه ممتلئ غشا (37).

وفي شرح الآيات الباهرة وفي كتاب مصباح الأنوار للشيخ الطوسي (رحمه الله): بإسناده إلى محمد بن إسماعيل قال: حدثنا أبو الحسن المثنى قال: حدثنا علي ابن مردويه قال: حدثنا داود بن سليمان الفارابي قال: حدثني علي بن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمد، عن أبيه علي، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي ابن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حرم الله الجنة على ظالم أهل بيتي وقاتلهم وسابيهم والمعين عليهم، ثم تلا هذه الآية " أولئك لا خلاق لهم في الآخرة " الآية (38).

وفي هذا المعنى ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب (رحمه الله) قال: روي عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الوشا، عن داود الحمار (39)، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم (40) يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (41)، من ادعى إمامة ليست له من الله، ومن جحد إماما من الله، ومن زعم أن لهما في الاسلام نصيبا (42) (43).

﴿وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتب لتحسبوه من الكتب وما هو من الكتب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (78)﴾

وفي هذا الخبر دلالة على حرمة القول بإسلام أهل السنة، وكون القائل بإسلامهم مساويا لهم في أنه ينظر الله إليهم ولا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، فتبصر.

وإن منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتب: يفتلونها (44) بقراءة، فيميلونها عن المنزل إلى المحرف، أو يعطفونها بشبه الكتاب، من لواه يلويه، فتله وثناه.

وقرأ ابن كثير (يلؤن) على قلب الواو المضمومة همزة ثم تخفيفها بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها.

لتحسبوه من الكتب وما هو من الكتب: الضمير للمحرف المدلول عليه بقوله (يلون).

وقرئ بالياء، والضمير أيضا للمسلمين.

ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله: تأكيد لقوله " ما هو من الكتاب " وزيادة تشنيع عليهم، وبيان لأنهم يقولون ذلك تصريحا لا تعريضا.

قال البيضاوي: وهذا لا يقتضي أن لا يكون فعل العبد فعل الله تعالى (45) ﴿ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتب وبما كنتم تدرسون (79)﴾

وغرضه، خذله الله، أنه ليس في هذا رد لمذهب الأشاعرة.

وفيه: أنه لو كان فعل العبد فعل الله، لزم الكذب في قوله " وما هو من عند الله " لأنه على هذا التقدير كل مفترياتهم من عند الله ومن فعله، واختصاصهم بكونهم كاسبين له ومباشرين لاتصافه لا يمنع صدق كونه من عند الله عليه، وإن صحح إضافته إليهم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: فان منهم لفريقا يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله " قال: كان اليهود يقرؤن شئ ليس في التوراة ويقولون هو في التوراة فكذبهم (46).

ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون: تسجيل عليهم بالكذب على الله والتعمد فيه.

عن ابن عباس: هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف، وغيروا التوراة، وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم أخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بالكتاب الذي عندهم (47).

ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله: رد لعبدة عيسى.

وفي مجمع البيان: قيل: إن أبا رافع القرظي والسيد النجراني قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟فقال: معاذ الله أن يعبد غير الله، وأن نأمر بغير عبادة الله، فما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني، فنزلت (48).

وفي البيضاوي: وقيل: قال رجل: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا بعضا، أفلا نسجد لك؟قال: لا ينبغي أن يسجد لاحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله (49).

ولكن كونوا ربانيين: أي ولكن يقول ذلك.

والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون، كاللحياتي والرقباني، وهو الشديد المتمسك بدين الله وطاعته.

بما كنتم تعلمون الكتب وبما كنتم تدرسون: بسبب كونكم معلمين الكتاب، دارسين له، فإن فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير للاعتقاد والعمل.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو يعقوب " تعلمون " بالتخفيف، أي بسبب كونكم عالمين.

وقرأ " تدرسون " من التدريس، وتدرسون من أدرس بمعنى درس، كأكرم وكرم.

ويجوز أن تكون القراءة المشهورة أيضا بهذا المعنى على تقدير وبما تدرسونه على الناس.

﴿ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (80)﴾

وفي كتاب عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) في وجه دلائل الأئمة (عليهم السلام) والرد على الغلاة والمفوضة (لعنهم الله) في حديث طويل.

وفيه فقال المأمون: يا أبا الحسن: بلغني أن قوما يغلون فيكم ويجاوزون عليكم الحد؟فقال الرضا (عليه السلام): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي: عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين ابن علي ابن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا، قال الله تعالى: " ما كان لبشر " إلى آخر الآية، فقال علي (عليه السلام): يهلك في اثنان - ولا ذنب لي - محب مفرط ومبغض مفرط، وانا أبرأ إلى الله تعالى ممن يغلوا فينا فيرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن مريم من النصارى (50).

ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا: قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب بفتح الراء، عطفا على " يقول " (لا) إما مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله: " ما كان لبشر " أي ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادة نفسه، ويأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا، وغير مزيدة على معنى أنه ليس له أن يأمر بعبادته، ولا يأمر باتخاذ أكفائه أربابا، بل ينهى عنه.

والباقون بالرفع على الاستئناف، ويحتمل الحال بتقدير وهو يأمركم، أو لا يأمركم.

وقرأ أبو عمرو على أصله لرواية الدودي باختلاس الضم.

﴿وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لماء اتيتكم من كتب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين (81)﴾

وفي تفسير علي بن إبراهيم قال: كان قوم يعبدون الملائكة، وقوم من النصارى زعموا: أن عيسى رب، واليهود قالوا: عزير ابن الله، فقال الله: " ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا " (51).

أيأمركم بالكفر: أي البشر لمستنبئ، وقيل: الله.

بعد إذ أنتم مسلمون: قال البيضاوي: دليل على أن الخطاب للمسلمين، وهم المستأذنون لان يسجدوا له (52).

وفيه أنه لا دلالة فيه لجواز الخطاب بأنتم مسلمون لليهود والنصارى، بمعنى أنكم كنتم مسلمين قبل ادعاء الربوبية لهذه الأشياء وإذا أخذ الله ميثاق النبيين: قيل: إنه على ظاهرة، وإذا كان هذا حكم الأنبياء كان اتلامم به أولى.

وفي مجمع البيان: وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أن الله تعالى أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا (صلى الله عليه وآله) أن يخبروا أممهم بمبعثه ونعته، ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه (53).

وقيل معناه: إنه تعالى أخذ الميثاق من النبيين وأممهم واستغنى بذكر هم عن ذكر الأمم (54).

وقيل: إضافة الميثاق إلى النبيين إضافة إلى الفاعل، والمعنى: وإذ أخذ الله الميثاق الذي واثقه الأنبياء على أممهم (55).

وقيل: المراد أولاد النبيين على حذف المضاف، وهم بنو إسرائيل، وسما هم نبيين تهكما، لأنهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب، والنبيون كانوا منا (56).

وفي تفسير العياشي: عن الباقر (عليه السلام): أنه طرح عنها لفظ الأمم (57).

وقال الصادق (عليه السلام): تقديره: وإذا أخذ الله ميثاق أمم النبيين بتصديق نبيها، والعمل بما جاء به وإنهم خالفوهم فيما بعد (58).

لما آتيتكم من كتاب وحكمة: اللام موطئة للقسم، لان أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف.

و (ما) يحتمل الشرطية والخبرية.

وقرأ حمزة " لما " بالكسر على أن ما مصدرية، أي لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجئ رسول مصدق له أخذ الله الميثاق.

وقرئ لما بمعنى حين أتيتكم، أو لمن أجل ما أتيتكم، على أن أصله (لمن ما) بالادغام فحذفت إحدى الميمات الثلاث استثقالا.

وقرأ نافع " آتيناكم " بالنون بصيغة المتكلم مع الغير، فإن كان أخذ الميثاق على النبيين، فإيتاء الكتاب والحكمة إليهم أنفسهم، وإن كان على الأمم، فايتاؤهما إلى أنبيائهم، وهو الايتاء إليهم.

ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم: وهو محمد (صلى الله عليه وآله) المصدق لما من الكتب السابقة، لكونه موصوفا بصفات ذكرت فيها لخاتم النبيين.

لتؤمنن به ولتنصرنه: جواب القسم، وساد مساد الشرط على تقدير، وأحدهما على تقدير أخرى، أي أخذ الميثاق على النبيين، أو على أممهم، أو عليهم وعلى أممهم، لتؤمنن بذلك الرسول ولتنصرنه، ونصرته (عليه السلام) من الأنبياء السابقة أن يخبروا أممهم بأن يؤمنوا به وبأوصيائه.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أول من سبق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال: ثم أخذ بعد ذلك ميثاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الأنبياء له بالأمان وعلى ما ينصر أمير المؤمنين فقال: (وإذ أخذ ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم) يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) " لتؤمنن به ولتنصرن " يعنى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) تخبروا أممكم بخبره وخبر وليه من الأئمة (عليهم السلام) (59).

وفي مجمع البيان: وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: لم يبعث الله نبيا آدم ومن بعده إلا أخذ عليه العهد لئن بعث الله محمدا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره أن يأخذ العهد بذلك على قومه (60) من جملة نصرته (عليه السلام) أن ينصر أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرجعة.

وفي تفسير العياشي: عن حبيب السجستاني قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " فكيف يؤمن موسى بعيسى وينصره ولم يدركه وكيف يؤمن عيسى بمحمد (صلى الله عليه وآله) وينصره ولم يدركه فقال يا حبيب إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلا حروف أخطأت بها الكتبة وتوهمها الرجال وهذا وهم فأقرأها " وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " هكذا أنزلها يا حبيب فوالله ما وفت أمة من الأمم التي كانت قبل موسى بما أخذ الله عليها من الميثاق لكل نبي بعثه الله بعد نبيها (61) كلاما طويلا في تكذيب الأمم أنبيائها تركناه خوف الإطالة.

عن بكير قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذر بالاقرار بالربوبية ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة وعرض الله على محمد (صلى الله عليه وآله الطيبين) وهم أظلة قال: وخلقهم من الطين التي خلق منها آدم قال: وخلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام، وعرض عليهم وعرفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) و وعليا (عليه السلام) ونحن نعرفهم في لحن القول (62).

عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أرأيت حين أخذ الله الميثاق على الذر في صلب آدم فعرضهم على نفسه كانت معاينة منهم له؟قال: نعم يا زرارة وهم ذر بين يديه، وأخذ عليهم بذلك الميثاق بالربوبية له ، ولمحمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوة، ثم كفل لهم بالأرزاق وأنساهم وديعته وأيدت في قلوبهم معرفته فلا بد من أن يخرج إلى الدنيا كل من أخذ عليه الميثاق فمن جحد ما أخذ عليه الميثاق لمحمد (صلى الله عليه وآله) لم ينفعه إقراره لربه بالميثاق ومن لم يجحد ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله) نفعه الميثاق لربه (63).

عن فيض بن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وتلا هذه الآية " وإذ أخذ الله الآية " قال: لتؤمنن برسول الله ولتنصرن أمير المؤمنين، قلت: ولتنصرن أمير المؤمنين؟قال: نعم من آدم فلهم جرا، ولا يبعث الله نبيا ولا رسولا إلا رد إلى الدنيا حتى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين (64).

عن سلام بن المستنير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لقد تسموا باسم ما سمى الله به أحدا إلا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وما جاء تأويله، قلت: جعلت فدا لك متى يجئ تأويله؟قال: إذا جمع الله أمامه النبيين والمؤمنين حتى ينصروه وهو قول الله تعالى " وإذ أخذ الله " الآية ويومئذ يدفع راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللواء إلى علي بن أبي طالب فيكون أمير الخلائق كلهم أجمعين، يكون الخلائق كلهم تحت لوائه ويكون هو أميرهم (65).

وفي شرح الآيات الباهرة: روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: إن الله أخذ الميثاق على الأنبياء أن يخبروا أمتهم بمبعث رسول الله وهو محمد (صلى الله عليه وآله) ونعته وصفته ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه ويقولوا هو مصدق لما معكم من كتاب وحكمة وإنما الله أخذ ميثاق الأنبياء ليؤمنن به ويصدقوا بكتابه وحكمته كما صدق بكتابهم وحكمتهم وقوله: " ولتنصرنه " يعني ولتنصروا وصية (66).

وروى الحسن بن أبي الحسن الديلمي (رحمه الله) في كتابه (67) بإسناده عن فرج بن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وقد تلا هذه الآية: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به " يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) " ولتنصرنه " يعني وصيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم يبعث الله ولا رسولا إلا وأخذ عليه الميثاق لمحمد بالنبوة ولعلي بالإمامة (68).

وذكر صاحب كتاب الواحدة (69) قال: وروى أبو محمد الحسن بن عبد الله الأطروش الكوفي قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد البجلي قال: حدثني أحمد ابن محمد بن خالد البرقي قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): إن الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرد في وحدانيته ثم تكلم بكلمة فصارت نورا، ثم خلق من ذلك النور محمد (صلى الله عليه وآله) وخلقني وذريتي، ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلماته، فبنا احتجب على خلقه، فما زلنا في ظلة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار، ولا عين تطرف، نعبده ونقدسه ونسبحه، وذلك قبل أن يخلق خلقه، وأخذ ميثاق الأنبياء بالايمان والنصرة لنا، وذلك قوله عز وجل " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاء كم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " يعني لتؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله) ولتنصرن وصيه، وسينصرونه جميعا، وإن الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد (صلى الله عليه وآله) بنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمدا (صلى الله عليه وآله) وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ووفيت بما أخذ علي من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد (صلى الله عليه وآله) ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها، وليبعثهم الله من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وكل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والاحياء والثقلين جميعا، فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء بلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك لبيك، يا داعي الله قد أظلوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله (عز وجل) " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " (70) أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحد في عبادتي ليس عندهم تقية، وإن لي الكرة بعد الكرة، والرجعة بعد الرجعة، وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات وأنا قرن من حديد، الحديث (71).

قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري: أي عهدي، سمي به، لأنه يوصر، أي يشد.

وقري بالضم.

وهو إما لغة كعبر وعبر، أو جمع إصار، وهو ما يشد به.

قالوا أقررنا قال فاشهدوا: أي فليشهد بعضكم لبعض.

وقيل: الخطاب للملائكة.

وأنا معكم من الشاهدين: وأنا أيضا على إقراركم وتشاهدكم شاهد، وهو تخدير عظيم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما بعث الله نبيا من لدن آدم فلهم جرا إلا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو قوله " لتؤمنن به " يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) " ولتنصرنه " يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم قال لهم في الذر (72) " أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري " أي عهدي " قالوا أقررنا " قال الله للملائكة " اشهدوا وأنا معكم من الشاهدين " (73).

وعن الصادق (عليه السلام): ثم قال لهم في الذر: " أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري " أي عهدي، قال الله للملائكة " فاشهدوا " (74).


1- تفسير الكشاف: ج 1 ص 372 في تفسيره لقوله تعالى: " ودت طائفة من أهل الكتاب " الآية.

2- نقلهما في الكشاف: ج 1 ص 373 في تفسير قوله تعالى " وقالت طائفة من أهل الكتاب ".

3- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 105 في تفسير قوله تعالى " وقالت طائفة من أهل الكتاب "

الآية:.

4- وجد يجد.. عليه غضب، وجد يوجد وجدا - له حزن (المنجد).

5- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 105 في تفسير قوله تعالى " وقالت طائفة من أهل الكتاب " الآية:.

6- وجد يجد.. عليه غضب، وجد يوجد وجدا - له حزن (المنجد).

7- قال في الكشاف: ج 1 ص 373 عند تفسير الآية ما لفظه (والضمير في يحاجوكم، لاحد، لأنه في معنى الجمع) وقال في الهامش: أي حيث كان نكرة في سياق النفي، كما وصفه بالجمع في قوله " فما منكم من أحد عنه حاجزين ".

8- نقل الأقوال والحديث في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 167، وفي الكشاف: ج 1 ص 374 أيضا عند تفسير هما لقوله تعالى: " ومن أهل الكتاب من أن تأمنه " الآية. ونقل الأقوال والحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) في مجمع البيان: ج 2 ص 462 في بيان النزول والمعنى للآية الشريفة.

9- و.

10- نفس المصدر السابق.

11- و.

12- نفس المصادر السابقة.

13- توضيح ما أفاده (قدس سره) يظهر مما قاله في الكشاف: ج 1 ص 375، حيث قال في تفسيره: فإن قلت: فأين الضمير الراجع من الجزاء إلى (من)؟قلت: عموم المتقين قام مقام رجوع الضمير.

14- مجمع البيان: ج 2 ص 464 في بيان معنى قوله تعالى: " إن الذين يشترون بعهد الله " الآية.

15- ما بين المعقوفتين ليس من النسخة - أ - وأثبتناه من المصدر لاقتضاء سياق الكلام.

16- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 106.

17- الأمالي: ج 1 ص 368.

18- عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 224 قطعة من ح 33.

19- الخصال: ج 1 ص 236 ح 77.

20- الكافي: ج 2 ص 32، كتاب الايمان والكفر، باب آخر منه، وفيه أن الاسلام قبل الايمان (باب) بدون عنوان، ح 1 س 4.

21- التوحيد: ص 265 باب الرد على الثنوية والزنادقة، الحديث 5 س 7.

22- الكشاف: ج 1 ص 376 في تفسيره لمعنى الآية الشريفة، وفي أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 168 ومجمع البيان: ج 2 ص 463 في شأن نزول الآية.

23- و.

24- نفس المصادر السابقة.

25- الأمالي: ج 1 ص 368.

26- عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 33 ح 65.

27- ما بين المعقوفتين أضفناه لاقتضاء السياق.

28- الكافي: ج 1 ص 374 ح 12.

29- الكافي: ج 2 ص 32 قطعة من ح 1.

30- الكافي: ج 2 ص 311 ح 14.

31- الكافي: ج 5 ص 537 ح 7.

32- الكافي: ج 5 ص 543 ح 1.

33- من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 376 ح 31.

34- مجمع البيان: 1 - 2 ص 464.

35- الخصال: ج 1 ص 106 ح 68.

36- الخصال: ج 1 ص 106 ح 70.

37- تفسير العياشي: ج 1 ص 178 ح 65.

38- تفسير العياشي: ج 1 ص 178 ح 67.

39- تفسير العياشي: ج 1 179 ح 69.

40- مصباح الأنوار للشيخ الطوسي: ص 30 الباب الثاني مخطوط في المكتبة العامة لآية.. المرعشي النجفي.

41- الحمار بالحاء المهملة والميم المشددة والراء أخيرا كذا عن خط الشهيد، ولعله بائع الحمير كالنمار والبغال أو مكريها (تنقيح المقال: ج 1 ص 408 تحت رقم 3831).

42- ليس في الحديث جملة (ولا ينظر إليهم يوم القيامة) ولكنها موجودة في الشرح كما سيجئ قريبا.

43- قوله: " ثلاثة لا يكلمهم الله " أي لا يكلمهم كلام رضي، بل كلام سخط، مثل " اخسئوا ولا تكلمون " أو هو كناية عن الاعراض وسلب الرحمة منه، ومعنى (لا ينظر إليهم) لا يحسن إليهم، وليس المراد نفي الرؤية عنهم، لان الرؤية العينية بالنسبة إلى الكل غير متحققة، والرؤية العلمية بالنسبة إلى الجميع ثابتة، فلا وجه للتخصيص على التقديرين. وخصص يوم القيامة، لان الاحسان غير منتف منهم في الدنيا. ومعنى " لا يزكيهم " لا يطهرهم من الذنوب لعظمتها، أو لا يثنى عليهم، لان من لا يثنيه سبحانه يعذبهم، ولهم في الآخرة عذاب أليم، مؤلم موجع (شرح أصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 6 ص 326).

44- الكافي: ج 1 ص 373 كتاب الحجة، باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل، ح 4.

45- الظاهر عدم الوثوق بصحة الخبر، وذلك أولا لعدم القطع بأن داود الحمار، هو داود بن سليمان الحمار الثقة كما ادعاه في تنقيح المقال فيحتمل التعدد كما لا يخفى، وثانيا الظاهر أنه معارض بما رواه في الكافي: ج 2 ص 311 باب الكبر، ح 14 عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وملك جبار، ومقل مختال، فليتأمل.

46- الفتل: لي الشئ كليك الحبل وكفتل الفتيلة (لسان العرب: ج 11 ص 514 لغة فتل).

47- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 168 في تفسيره لقوله تعالى " وما هو من عند الله ".

48- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 106.

49- رواه في الكشاف: ج 1 ص 377 في تفسيره لقوله تعالى: " ويقولون هو من عند الله ".

50- مجمع البيان: ج 2 ص 466 في نقله شأن نزول " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب " الآية. وفي تفسير الدر المنثور: ج 2 ص 250 أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال أبو رافع القرظي حين اجتمعت الاخبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ودعا هم إلى الاسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: أو ذاك تريده منا يا محمد؟فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): معاذ الله.. أن نعبد غير الله، أو نأمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني، ولا بذلك أمرني، فأنزل الله في ذلك من قولهما. الآية.

51- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 168 في تفسيره لقوله تعالى: " كونوا عبادا لي ".

52- عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 200 باب 46 ما جاء عن الرضا في وجه دلائل الأئمة والرد على الغلاة والمفوضة (لعنهم الله) قطعة من ح 1.

53- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 106 في تفسيره لقوله تعالى: " ولا يأمركم أن تتخذوا ".

54- أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 169 قاله في تفسيره لقوله تعالى " بعد إذا أنتم مسلمون ".

55- مجمع البيان: ج 2 ص 468 في بيان معنى قوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ".

56- و.

57- و.

58- أورد الأقوال الثلاثة في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 169 في تفسيره لقوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " الآية.

59- تفسير العياشي: ج 1 ص 180 ح 73 والحديث طويل.

60- مجمع البيان: ج 2 ص 468 في بيان معنى قوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " وتمامه " وما وقوا به وتركوا كثيرا من شريعته وحرفوا كثيرا منها ".

61- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 246 و 247.

62- مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 468.

63- تفسير العياشي: ج 1 ص 180 قطعة من ح 73.

64- تفسير العياشي: ج 1 ص 180 - 181 ح 74.

65- تفسير العياشي: ج 1 ص 181 ح 75.

66- تفسير العياشي: ج 1 ص 181 ح 76.

67- تفسير العياشي: ج 1 ص 181 ح 77.

68- لا يوجد لدينا هذا الكتاب ووجدته في تأويل الطاهرة: ص 120 و 121.

69- يظهر من كتاب أعيان الشيعة أن له تفسيرا، لاحظ كتاب أعيان الشيعة الطبعة الحديثة: ج 4 ص 629 ولاحظ أيضا كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 4 ص 271 تحت رقم 1257.

70- البرهان في تفسير القرآن: ج 1 ص 294 ح 4.

71- لاحظ ترجمته في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 25 ص 7 تحت رقم 35 ونقل عن ابن النديم أن الكتاب في الاخبار والمناقب والمثالب، وهو في ثمانية أجزاء، وكانت نسخة من كتاب الواحدة موجودة عند ابن طاووس، نقل عنه في تصانيفه مثل اليقين انتهى. والظاهر أنه كانت نسخة منه عند الفيض الكاشاني فإنه ينقل عنه أيضا كما سيأتي، والله أعلم.

72- النور: 55.

73- كتاب الصافي للفيض الكاشاني: ج 1 ص 325 في تفسير قوله تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " الآية.

74- في النسخة - أ - (الدنيا) والصحيح ما أثبتناه من المصدر.