الآية 50 - 72

﴿ومصدقا لما بين يدي من التورة ولا حل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون (50) إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صرط مستقيم (51)﴾

ومصدقا لما بين يدي من التورة: عطف على (رسولا) على الوجهين، أو منصوب بإضمار فعل دل عليه (قد جئتكم) أي وجئتكم مصدقا.

ولا حل لكم: مقدر بإضمار فعل دل عليه (قد جئتكم) أي وجئتكم لا حل، أو مردود على قوله (قد جئتكم بآية) أي جئتكم لا ظهر آية ولا حل، أو على معنى (مصدقا) أي جئتكم لا صدق ولا حل كقولهم: جئتك معتذرا ولا طيب قلبك.

بعض الذي حرم عليكم: أي في شريعة موسى (عليه السلام) كالشحوم والثروب (1) والسمك والحوم الإبل، والعمل في السبت.

وفي الآية دلالة على أن شرعه كان ناسخا لشرع موسى (عليه السلام).

وفي تفسير العياشي: عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان بين داود وعيسى بن مريم (عليهما السلام) أربعمائة سنة، وكان شريعة عيسى أنه بعث بالتوحيد والاخلاص، وبما أوصى به نوح وإبراهيم وموسى، وأنزل عليه الإنجيل، وأخذ عليه الميثاق الذي أخذ على النبيين، وشرع له في الكتاب أقام الصلاة مع الدين، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريم الحرام وتحليل الحلال، وأنزل عليه في الإنجيل مواعظ وأمثال وحدود، ليس فيها قصاص، ولا أحكام حدود، ولا فرض مواريث، وأنزل عليه تخفيف ما كان نزل على موسى في ﴿فلما أحسن عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون - نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون (53)﴾

التوراة، وهو قول الله في الذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل " ولا حل لكم بعض الذي حرم عليكم " وأمر عيسى من معه ممن اتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا لشريعة التوراة والإنجيل (2).

وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعوا * إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم: الظاهر أن قوله " جئتكم بآية من ربكم " تكرير لما قبله، أي قد جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم.

والأول لتمهيد الحجة والثاني لتقريبها إلى الحكم، ولذلك رتب عليه بالفاء قوله (فاتقوا الله) أي أني جئتكم بالمعجزات القاهرة والآيات الباهرة فاتقوا الله في المخالفة وأطيعوا لي فيما أدعوكم إليه، ثم شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل، فقال: " إن الله ربي وربكم " إشارة إلى استكمال القوة النظرية بالاعتقاد الحق الذي غايته التوحيد، وقال: " فاعبدوه " إشارة إلى استكمال القوة العملية، فإنه بملازمة الطاعة التي هي الاتيان بالأوامر والانتهاء عن المناهي، ثم قرر ذلك بأن بين: إن الجمع بين الامرين هو الطريق المشهود عليه بالاستقامة.

وقيل: معناه وجئتكم بآية أخرى ألهمنيها ربكم، وهو قوله " إن الله ربي وربكم " فإنه دعوة الحق المجمع عليه فيما بين الرسل، الفارقة بين النبي والساحر، أو جئتكم على أن الله ربي وربكم، وقوله " فاتقوا الله وأطيعون " اعتراض.

فلما أحسن عيسى منهم الكفر: قيل: تحقق كفرهم عنده، تحقق ما يدرك بالحواس.

وفي تفسير العياشي: وروي عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: " فلما أحس عيسى منهم الكفر " أي لما سمع ورأى أنهم يكفرون (3).

فعلى هذه الرواية كان الاحساس مستعملا في معناه الحقيقي، ولا يكون استعارة تبعية كما في الأول.

قال من أنصاري: جمع ناصر، وحمله على (من) لإرادة المتعدد منه، أو للمبالغة في كونه ناصرا.

إلى الله: ملتجئا إلى الله، أو ذاهبا أو ضاما إليه.

ويحتمل تعلقه ب? (أنصاري) على تضمين الإضافة، أي من الليف (4) يضيفون أنفسهم إلى الله في نصري.

وقيل: (إلى) ههنا بمعنى، مع، أو في، أو اللام.

قال الحواريون: حواري الرجل صفوته وخالصته، من الحور، وهو البياض الخالص، ومنه الحواريات للحضريات لخلوص ألوانهن ونظافتهن.

قال: فقل للحواريات يبكين غيرنا * ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح (5).

وفي وزنه الحوالي، وهو الكثير الحيلة.

سمي أصحاب عيسى (عليه السلام)، قال: لخلوص نيتهم ونقاء (6) سريرتهم.

وقيل: كانوا ملوكا يلبسون البيض، استنصر بهم عيسى على اليهود.

وقيل: قصارون يحورون الثياب ويبيضونها.

﴿ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين 53 ومكروا ومكر الله والله خيرا الماكرين (54)﴾

نحن أنصار الله: في دينه.

آمنا بالله: الذي دعوت إليه.

واشهد بأنا مسلمون: لتشهد يوم القيامة حين يشهد الرسل لقومهم وعليهم.

ربنا آمنا بما أنزلت: في كتبك.

واتبعنا الرسول: أي عيسى (عليه السلام) فيما دعى إليه.

فاكتبنا مع الشاهدين: بوحدانيتك، أو مع الأنبياء الشاهدين.

وقيل: أو مع أمة محمد (صلى الله عليه وآله) فإنهم شهداء على الناس (7).

ومكروا: أي الذين أحسن منهم الكفر من اليهود، بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة.

ومكر الله: بأن رفع عيسى والفي شبه على غيره حتى قتل.

والمكر حيلة يجلب بها الغير إلى المضرة، وإسناده إلى الله على سبيل الازدواج.

وفي عيون الأخبار عن الرضا (عليه السلام) في حديث طويل، وفيه قال: سألته عن قول الله عز وجل: " سخر الله منهم " (8) وقوله: " الله يستهزئ بهم " (9) وقول تعالى: " ومكروا ومكر الله " وعن قوله عز وجل: " يخادعون الله وهو خادعهم " (10).

﴿إذا قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون (55)﴾

فقال: إن الله (عز وجل) لا يسخر ولا يستهزئ، ولا يمكر ولا يخادع، ولكنه (عز وجل) يجازيهم جزاء السخرية، وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا (11).

والله خير الماكرين: أقد رهم على ايصال الضر إلى الغير.

إذا قال الله: ظرف ل? (مكر الله) وقيل: أو ل? (خير الماكرين) أو لمضمر مثل وقع ذلك.

يا عيسى إني متوفيك: أي مستوفي أجلك، عاصما إياك من قتلهم، أو قابضك من الأرض، من توفيت مالي وقيل: أو متوفيك نائما، وقيل: أماته الله سبع ساعات ثم رفعه، وقيل: أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج.

ورافعك إلى: إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي، وذلك في ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان.

في كتاب الخصال: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: في حديث طويل يذكر فيه الأغسال في شهر رمضان -: وليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي مات فيها أوصياء الأنبياء، وفيها رفع عيسى (عليه السلام) (12).

ومطهرك من الذين كفروا: أي من سوء جوارهم.

أو قصدهم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن عيسى (عليه السلام) وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه، فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا، ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال: إن الله أوحى إلي، أنه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود، فأيكم يلقى إليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي؟فقال شاب منهم: أنا يا روح الله، فقال: فأنت هو ذا، فقال لهم عيسى: أما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، فقال له رجل منهم: أنا يا نبي الله، فقال عيسى: أتحس بذلك في نفسك؟فلتكن هو، ثم قال لهم عيسى: أما إنكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق، فرقتين مفتريتين على الله في النار، وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة، ثم رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه، ثم قال: إن اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم، فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى أن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، وأخذوا الشاب الذي ألقى عليه شبح عيسى (عليه السلام)، فقتل وصلب، وكفر الذي قال له عيسى تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة (13).

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن إسماعيل بن أبي رافع عن أبيه (14) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن جبرئيل (عليه السلام) نزل علي بكتاب فيه خبر الملوك، ملوك الأرض، وخبر من بعث قبلي من الأنبياء والرسل، وهو حديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

قال: لما ملك أشج بن أشجان (15)، وكان يسمى الكيس، وكان قد ملك مائتين وستا وستين سنة، ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه بعث الله عز وجل عيسى ابن مريم (عليه السلام) واستودعه النور والعلم والحكمة وجميع علوم الأنبياء قبله، و زاده الإنجيل، وبعثه إلى المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الايمان بالله وبرسوله، فأبى أكثرهم إلا طغيانا وكفرا، فلما لم يؤمنوا دعا ربه وعزم عليه فمسخ منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا، فلم يزدهم ذلك إلا طغيانا وكفرا، فأتى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلاث وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت أنها عذبته ودفنته في الأرض حيا، وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه، وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه، وإنما شبه لهم، وما قدروا على عذابه ودفنه، ولا على قتله وصلبه، لأنهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله " ولكن رفعه الله " بعد أن توفاه (عليه السلام)، فلما أراد الله أن يرفعه أوحى إليه أن استودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا خليفة على المؤمنين ففعل ذلك (16).

قوله " بعد أن توفاه " يحتمل أن يكون معناه، بعد أن قبضه من الأرض، أو بعد أن أماته عن الشهوات العائقة، أو أماته موتا حقيقيا كما ذهب إليه البعض، أو بعد أن قرر في علمه أن يستوفي أجله، وهذا أبعد.

وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة: يعلونهم بالحجة أو السيف.

ومتبعوه من آمن بنبوته من المسلمين والنصارى، وإلى الآن لم تسمع غلبة اليهود عليهم، ولا يتفق لهم ملك ولا دولة.

ثم إلى مرجعكم: فيه تغليب لمخاطبين على غيرهم.

فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون: من أمر الدين.

﴿فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من نصرين (56) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين (57) ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم (58)﴾

فأما الذين كفروا: من اليهود وغيرهم.

فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا: بضرب الجزية والهوان.

والآخرة: بالنار.

ومالهم من نصرين: يسعون في استخلاصهم.

وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم: أي في الدنيا والآخرة.

وقرأ حفص بالياء.

والله لا يحب الظالمين: ويحب المؤمنين.

ذلك: أي نبأ عيسى وغيره مما تقدم.

مبتدأ وخبره.

نتلوه عليك وقوله: من الآيات: حال من الهاء.

ويحتمل أن يكون هو الخبر، و " نتلوه " حالا والعامل فيه معنى الإشارة، وأن يكونا خبرين، ويحتمل أن يكون " ذلك " منصوبا بما يفسره " نتلوه ".

والذكر: أي القرآن، وقيل: اللوح.

الحكيم: المشتمل على الحكم، أو المحكم عن تطرق الخلل إليه.

﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له، كن فيكون (59) الحق من ربك فلا تكن من الممترين (60)﴾

إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم: أي شأنه الغريب كشأن آدم.

خلقه من تراب: جملة مفسرة لوجه الشبه، وهو أنه خلق بلا أب كما خلق آدم بلا أب، وبلا أم أيضا، شبه حاله بما هو أغرب، إفحاما للخصم بطريق المبالغة.

ثم قال له كن: أي إنشأ بشرا، والمراد بالخلق، خلق الغالب، أو المراد قدر تكوينه، ثم كونه، ويحتمل أن يكون " ثم " لتراخي الخبر.

فيكون: حكاية حال ماضية.

في تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان سيدهم الاهتم والعاقب والسيد، وحضرت صلاتهم، فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا، فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله هذا في مسجدك؟فقال: دعوهم، فلما فرغوا دنوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إلى ما تدعونا؟فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث، قالوا: فمن أبوه؟فنزل: الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لهم: ما تقولون في آدم؟أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح، فسألهم النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: نعم، فقال: فمن أبوه؟، فبهتوا، فأنزل الله تبارك وتعالى " إن مثل عيسى عند الله " الآية (17).

الحق من ربك: " الحق " مبتدأ، و " من ربك " خبره، أي الحق المذكور من ﴿فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أنباء ناو أبناء كم ونساء نا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكذبين (61)﴾

الله، أو خبر مبتدأ محذوف و " من ربك " صفة، أو حال منه، ويحتمل تعلقه به.

فلا تكن من الممترين: الخطاب إن كان للنبي، فلزيادة التهيج على الثبات، أو للتعريض وإن كان لكل سامع فعلى أصله.

فمن حاجك: من النصارى.

فيه: في عيسى.

من بعد ما جاءك من العلم: أي البينات الموجبة للعلم.

فقل تعالوا: هلموا بالعزم والرأي.

ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم: أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزه أهله إلى المباهلة، ويحملهم عليها.

وإنما قدمهم على النفس، لان الرجل يخاطر بنفسه لهم، فهم أهم عنده.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن أبي عبد الله (عليه السلام): وأما قوله " فمن حاجك "، الآية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فباهلوني، فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذبا أنزلت علي، فقالوا: أنصفت، فتواعدوا للمباهلة فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم: السيد والعاقب والاهتم، إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس بنبي، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله، فإنه لا يقدم أهل بيته إلا وهو صادق، فلما أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)، فقال النصارى: من هؤلاء؟فقيل لهم: إن هذا ابن عمه ووصية وختنه علي بن أبي طالب، وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين (عليهما السلام) ففرقوا، وقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): نعطيك الرضا، فاعفنا عن المباهلة، فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الجزية، وانصرفوا (18).

فقد ظهر: من دعى النبي (صلى الله عليه وآله) من الأبناء، هو الحسن والحسين، ومن النساء فاطمة، وبقي علي لا يدخل في شئ إلا في قوله " وأنفسنا " فهو نفس الرسول (صلى الله عليه وآله).

وقد صح في الخبر أنه (عليه السلام) وقد سأله سائل عن بعض أصحابه، فأجابه عن كل بصفته، فقال: فعلي؟فقال (صلى الله عليه وآله): إنما سألتني عن النساء، ولم تسألني عن نفسي (19).

ثم نبتهل: بأن نلعن الكاذب منا.

ولبهلة بالضم والفتح اللعنة، وأصله الترك، من قولهم: بهلت الناقة إذ تركتها بلا صرار (20).

وفي كتاب معاني الأخبار: بإسناده إلى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر قال: التبتل أن تقلب كفيك في الدعاء إذا دعوت، والابتهال أن تقدمهما وتبسطهما (21).

وفي أصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن مخلد أبي الشكر، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الساعة التي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (22) (23).

فنجعل لعنت الله على الكذبين: عطف فيه بيان.

وفي كتاب الخصال: في احتجاج علي (عليه السلام) على أبي بكر قال: فأنشدك بالله أبي رد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأهلي وولدي في مباهلة المشركين من النصارى أم بك؟وبأهلك وولدك؟قال: بكم (24).

وفيه أيضا: في مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) وتعدادها، قال (عليه السلام): والرابعة والثلاثون فإن النصارى ادعوا أمرا، فأنزل الله (عز وجل) فيه " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " فكانت نفسي نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والنساء فاطمة، والأبناء الحسن والحسين، ثم ندم القوم، فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الاعفاء، فعفى عنهم، وقال: والذي أنزل التوارة على موسى والفرقان على محمد، لو باهلونا لمسخهم قردة وخنازير (25).

وفي روضة الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن ابن ظريف، عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): ما يقولون لكم في الحسن والحسين (عليهما السلام) قال قال: ينكرون علينا إنهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فأي شئ احتججتم عليهم يا أبا الجارود قلت: احتججنا عليهم بقول الله (تعالى) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) " قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم " والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة (26).

بإسناده إلى أبي إسحاق، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فالابتهال رفع اليدين وتمديدهما وذلك عند الدمعة (27).

وبإسناده إلى مروك بياع اللؤلؤ عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وهكذا الابتهال ومد يديه تلقاء وجهه إلى القبلة، ولا تبتهل حتى تجري الدمعة (28).

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): والابتهال تبسط يدك وذراعيك، والابتهال حين ترى أسباب البكاء (29).

وبإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وأما الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك (30).

وبإسناده إلى محمد بن مسلم وزرارة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): والابتهال ان تمد يديك جميعا (31).

وهذه الأحاديث طوال أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العياشي: عن جرير (32)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن فضائله فذكر بعضها، ثم قالوا له: زدنا، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه حبران من أحبار اليهود من أهل نجران فتكلما في أمر عيسى فأنزل هذه الآية " ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه " إلى آخر الآية، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذ بيد علي والحسن والحسين وفاطمة، ثم خرج ورفع كفه إلى السماء وفرج بين أصابعه ودعاهم إلى المباهلة قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): وكذلك المباهلة يشبك يده في يده ثم يرفعهما إلى السماء، فلما رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه: وإن كان نبيا لنهلكن وإن كان غير نبي كفانا قومه فكفانا وانصرفا (33).

عن أبي جعفر الأحول، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما تقول قريش في الخمس؟قال: قلت: تزعم أنه لها، قال: ما أنصفونا والله ولو كان مباهلة ليباهلن بنا، ولئن كان مبارزة ليبارزن بنا ثم نكون وهم على سواء (34).

وفي مجمع البيان: وقال (عليه السلام): إن كل بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فاني أنا أبوهم (35).

وفي عيون الأخبار في باب جمل من اخبار موسى بن جعفر (عليه السلام) مع هارون الرشيد لما قال له: كيف تكونون ذرية رسول الله وأنتم أولاد ابنته؟حديث طويل يقول فيه (عليه السلام) لهارون: أزيدك يا أمير المؤمنين، قال: هات، قلت: قول الله تعالى: " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " ولم يدع أحد إنه أدخل النبي (صلى الله عليه وآله) تحت الكساء عند المباهلة للنصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين فكان تأويل قوله عز وجل: " أبناءنا " الحسن والحسين و " نساءنا " فاطمة " وأنفسنا " علي بن أبي طالب على أن العلماء قد اجتمعوا على أن جبرائيل قال يوم أحد: يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي قال: لأنه مني وأنا منه (36).

وفيه في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والأمة حديث طويل، وفيه قالت العلماء: فأخبرنا هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟فقال الرضا (عليه السلام): فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا فأول ذلك قوله عز وجل، إلى أن قال: وأما الثالثة حين ميز الله الطاهرين من خلقه فأمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بالمباهلة بهم في آية المباهلة، فقال عز وجل: يا محمد فمن " حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناء كم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " فأبرز النبي (صلى الله عليه وآله) عليا والحسن والحسين وفاطمة (صلوات الله عليهم) وقرن أنفسهم بنفسه هل تدرون ما معنى قوله: " وأنفسنا وأنفسكم " " قالت العلماء: عنى به نفسه، قال أبو الحسن (عليه السلام): غلطتم إنما عني به علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومما يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله): لينتهين بنو وليعة أو لا بعثن إليهم رجلا كنفسي، يعني علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وعنى بالأبناء الحسن والحسين عليهما السلام (37) وعنى بالنساء فاطمة (عليها السلام) فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد وفضل لا يلحقهم فيه بشر وشرف لا يستبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي كنفسه (38).

وفيه عن النبي (صلى الله عليه وآله) حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): يا علي من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن سبك فقد سبني لأنك مني كنفسي، وروحك من روحي، وطينتك من طينتي (39).

وفي كتاب علل الشرائع: عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): حديث طويل ذكرته بتمامه في سورة يونس عند قوله تعالى " فان كنت في شك " الآية ففيه: أن المخاطب بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن في شك مما أنزل الله (عز وجل) ولكن قالت الجهلة: كيف لا يبعث إلينا نبيا من الملائكة إنه لم يفرق بينه وبين غيره في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق، فأوحى الله (عز وجل) إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) " فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك " بمحضر من الجهلة هل بعث الله (عز وجل) رسولا قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولك بهم أسوة وإنما قال: " وان كنت في شك " ولم يقل ﴿إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين (63)﴾

ولكن ليتبعهم كما قال له (عليه السلام) " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة وقد عرف أن النبي (صلى الله عليه وآله) مؤدي عنه رسالته وما هو من الكاذبين وكذلك عرف النبي (صلى الله عليه وآله) أنه صادق فيما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه (40).

وفي تفسير العياشي: عن محمد بن سعيد الأردني، عن موسى بن محمد بن الرضا، عن أخيه (41) أبا الحسن الرضا (عليه السلام) في هذه الآية: " قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله " عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة وقد علم أن نبيه مؤدي عنه رسالاته وما هو من الكاذبين (42).

وفيه عن المنذر، قال: حدثنا علي (عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية " قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم وأنفسنا وأنفسكم " الآية قال: أخذ بيد علي وفاطمة وابنيهما (عليهما السلام) فقال رجل من اليهود: لا تفعلوا فيصيبكم عنت الوجوه فلم يدعوه (43).

وفي شرح الآيات الباهرة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) صالحهم على ألفي حلة وثلاثين درعا وثلاثين فرسا، وكتب بذلك كتابا ورجعوا إلى بلادهم (44).

إن هذا: أي ما قص من نبأ عيسى ومريم.

﴿قل يأهل الكتب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله والا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64)﴾

لهو القصص الحق: بجملتها خبر " إن " أو هو فصل يفيد أن ما ذكره في شأن عيسى ومريم حق، دون ما ذكروه وما بعده خبر، واللا دخلت فيه، لأنه أقرب إلى المبتدأ من الخبر، وأصلها أن يدخل على المبتدأ وههنا دخول " إن " عليه مانع، فأخر.

وما من إله إلا الله: زيادة " من " لزيادة الاستغراق، لتأكيد الرد على النصارى في تثليثهم.

وإن الله لهو العزيز: لا يساويه أحد في القدرة التامة.

الحكيم: ولا في الحكمة البالغة، ليشاركه في الإلهية.

فإن تولوا: عن التوحيد.

فإن الله عليم بالمفسدين: إيراد المظهر، ليدل على أن التولي إفساد للدين والاعتقاد.

قل يأهل الكتب: قيل: يعم أهل الكتابين، وقيل: يريد به وفد نجران، أو يهود المدينة.

تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم: لا يختلف فيها الرسل والكتب، وهي: ألا نعبد إلا الله: أي نوحده بالعبادة.

ولا نشرك به شيئا: لا نجعل له غيره شريكا في استحقاق العبادة.

ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله: ولا نقول عزيز ابن الله، ولا المسيح ﴿يأهل الكتب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التورة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون (65)﴾

ابن الله، ولا نطيع الأحبار في ما أحدثوا من التحريم والتحليل، لان كلا منهم بعضنا بشر مثلنا.

وفي مجمع البيان: وقد روي لما نزلت هذه الآية قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال (عليه السلام): اما كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟فقالوا: نعم، فقال النبي (عليه السلام) هو ذاك (45).

فإن تولوا: عن التوحيد.

فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون: أي لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعرفوا تسلموا بأنا مسلمون دونكم، كما يقول الغالب للمغلوب في جدل وصراع أو غيرهما: أعترف بأني أنا الغالب، وسلم لي الغلبة.

ويجوز أن يكون من باب التعريض، ومعناه اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون، حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره.

يأهل الكتب لم تحاجون في إبراهيم: ويدعي كل فريق أن إبراهيم كان على دينهم، اليهود يدعون يهوديته، والنصارى نصرانيته.

وما أنزلت التورة: التي ثبت بها اليهودية.

والإنجيل: التي ثبت به النصرانية.

إلا من بعده: أي بعد إبراهيم.

أنزلت التوراة بعده بألف سنة، والإنجيل بألفي سنة، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعده بأزمنة متطاولة.

أفلا تعقلون: حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال.

﴿ها أنتم هؤلاء حججتم ففيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (66)﴾

هكذا قاله المفسرون، وفيما قالوه إشكال من وجهين: الأول: أنه يمكن أن يقال من قبل اليهود والنصارى: إن كون إبراهيم منهم لا يتوقف على نزول التوراة والإنجيل في زمانه، لامكان إيحاء اليهودية أو النصرانية إليه، ثم أنزل التوراة والإنجيل على طبق ما أوحي إليه سابقا.

الثاني: أنه قد تواتر أن إبراهيم (عليه السلام) كان مسلما، وقد دلت عليه الآية وشيعة، مع أن الاسلام والتشيع إنما ثبت بالقرآن الذي بعده، فما هو جوابكم فهو جوابهم.

والأظهر أن مضمون الآية، والله أعلم، أن كلا من اليهود والنصارى يدعي أن إبراهيم كان علي الدين الذي هم عليه الآن من اليهودية التي حدثت بعد التوراة، والنصرانية التي حدثت بعد الإنجيل بالتحريف والتبديل، فقال الله تعالى: " لم تحاجون في إبراهيم " وتدعون أنه كان على ما أنتم عليه الآن، وهو حدث بتحريفكم بعد إنزال التوراة والإنجيل بعد إبراهيم، بمدد متطاولة وما كان أصل من الله حتى يحتمل أن يوحيه إلى إبراهيم ويكون هو عليه قبل إنزال التوراة والإنجيل، " أفلا تعقلون ".

وحينئذ لا يرد عليه شئ من الاشكالين، والله أعلم بحقيقة الحال.

ها أنتم هؤلاء حججتم فيما لكن به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم: " ها " حرف تنبيه، نبهوا بها على حالهم التي غفلوا عنها.

و " أنتم " مبتدأ، و " هؤلاء " خبره، و " حاججتم " جملة أخرى مبينة للأولى، أي أنتم هؤلاء الحمقى، وبيان حماقتكم، إنكم جادلتم فيما لكم به علم مما وجدتموه في التوراة والإنجيل من نعت النبي (صلى الله عليه وآله) عنادا، فلم تجادلون فيما لا علم ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (67)﴾

لكم به ولا ذكر له في كتابكم، من أن إبراهيم كان على اليهودية أو النصرانية التي نحن عليها؟.

وقيل: " هؤلاء " بمعنى الذين و " حاججتم " صلته.

وقيل: " ها أنتم " أصله، أأنتم، على الاستفهام، للتعجيب من حماقتهم، فقلبت الهمزة هاء.

وقرأ نافع وأبو عمرو " ها أنتم " حيث وقع، بالمد من غير همزة، وورش (46) أقل مدا، وقيل: بالهمزة من غير ألف بعد الهاء، والباقون بالمد والهمزة، والبزي (47) يقصر المد على أصله (48).

والله يعلم: ما حاججتم فيه، أوله العلم.

وأنتم لا تعلمون: أي لا تعلمونه، أو لستم ممن له العلم.

ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا: بعد ما قرر أن إبراهيم لم يكن على اليهودية والنصرانية التي هم عليه الآن.

نفي عنه اليهودية والنصرانية مطلقا، ولما كان يوهم ذلك كونه على غير الحق، لان أصل اليهودية والنصرانية لم يكن غير حق، نفي ذلك الوهم بقوله: ولكن كان حنيفا: مائلا عن العقائد الزائفة.

وما كان من المشركين: تعريض بأنهم مشركون، لاشراكهم به عزيرا والمسيح ورد لا دعاء المشركين أنهم على ملة إبراهيم.

وفي روضة الكافي: علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن علي بن حماد، عن عمر بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا شرقية ولا غربية، يقول: لستم بيهود فتصلوا قبل المغرب والأنصاري فتصلوا قبل المشرق وأنتم على ملة إبراهيم (عليه السلام) وقد قال الله (عز وجل): " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين " (49).

في أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل) " حنيفا مسلما " (50) قال: خالصا مخلصا ليس فيه شئ من عبادة الأوثان (51).

مسلما: منقادا لله فيما شرع له، لان اليهودية صارت شرعا في أيام موسى، والنصرانية في بعثة عيسى، ولم يكونا مشروعين قبل ذلك، والمشروع حينئذ هو الاسلام.

وفي تفسير العياشي: عن عبيد الله الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا، لا يهوديا يصلي ﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولى المؤمنين (68)﴾

إلى المغرب ولا نصرانيا يصلي إلى المشرق، ولكن كان حنيفا مسلما على دين محمد (صلى الله عليه وآله) (52).

إن أولى الناس بإبراهيم: أي أقربهم به، من الولي بمعنى القرب.

للذين اتبعوه: من أمته.

وهذا النبي والذين آمنوا: لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم.

والمراد ب? " الذين آمنوا " هم الأئمة وأتباعهم.

والله ولى المؤمنين: ينصرهم ويجازيهم الحسنى بإيمانهم.

وفي أصول الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشا، عن مثنى، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه (53) وهذا النبي والذين آمنوا " قال: هم الأئمة (عليهم السلام) ومن اتبعهم (54).

وفي تفسير العياشي: عن علي بن النعمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: هم الأئمة وأتباعهم (55).

وفي مجمع البيان: قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): إن أولى الناس بالأنبياء أعملهم بما جاؤوا به، ثم تلا هذه الآية.

، قال: إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته (56).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أنتم والله من آل محمد، فقلت: من أنفسهم جعلت فداك؟قال: نعم والله من أنفسهم، ثلاثا، ثم نظر إلي ونظرت إليه، فقال: يا عمر إن الله يقول في كتابه: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " (57).

وفيه في حديث طويل، وفيه يقول (صلى الله عليه وآله): ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا: يا محمد احتجم وامر أمتك بالحجامة، وإذا فيها رجل أشمط الرأس واللحية (58) جالس على كرسي، فقلت: يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله؟فقال: هذا يا محمد أبوك إبراهيم، وهذا محلك ومحل من اتقى من أمتك، ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " (59).

حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي خالد الكابلي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لكأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) وقد ﴿ودت طائفة من أهل الكتب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون (69) يأهل الكتب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون (70)﴾

أسند ظهره إلى الحجر، ثم ينشد الله حقه، ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجني في الله، فأنا أولى بالله، أيها الناس من يحاجني بآدم فأنا أولى بآدم، أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولى بنوح، أيها الناس من يحاجني بإبراهيم فأنا أولى بإبراهيم، والحديث طويل اخذت منه موضع الحاجة (60).

وفي نهج البلاغة: من كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية جوابا: وكتاب الله يجمع لنا، ما شذ عنا، وهو قوله سبحانه: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " (61) وقوله تعالى: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين وتارة أولى بالطاعة (62).

وفي كتاب الإحتجاج للطبرسي في خطبة لعلي (عليه السلام) وفيها، قال الله عز وجل " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي " وقال عز وجل " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " فنحن أولى الناس بإبراهيم، ونحن ورثناه، ونحن أولوا الأرحام الذين ورثنا الكعبة، ونحن آل إبراهيم (63).

ودت طائفة من أهل الكتب لو يضلونكم: قيل: نزلت في اليهود لما دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية (64).

و " لو " بمعنى (أن).

﴿يأهل الكتب لم تلبسون الحق بالبطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون (71) وقالت طائفة من أهل الكتب ء امنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون (72)﴾

وما يضلون إلا أنفسهم: وما يتخطاهم إلا ضلا، ولا يعود وباله إلا عليهم، إذ يضاعف به عذابهم، أو يزيد به ضلالتهم ورسوخهم فيها، أو ما يضلون إلا أمثالهم.

وما يشعرون: وزره واختصاص ضرره بهم.

يأهل الكتب لم تكفرون بآيات الله: الدالة على نبوة محمد مما نطقت به التوراة والإنجيل.

وأنتم تشهدون: إنها آيات الله، أو بالقرآن، أو أنتم تشهدون نعته في الكتابين، أو تعلمون بالمعجزات أنه حق.

يأهل الكتب لم تلبسون الحق بالبطل: بالتحريف وإبراز الباطل في صورة الحق، أو بالتقصير في الميز بينهما.

وقرئ " تلبسون " بالتشديد، و " تلبسون " بفتح الباء.

وتكتمون الحق: من نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وأنتم تعلمون: عالمين بما تكتمونه، أو أنتم من أهل العلم.

وقالت طائفة من أهل الكتب ء امنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون: أي لعلهم يشكون في دينهم، ظنا بأنكم رجعتم لخلل ظهر لكم.

قيل: المراد بالطائفة، اثني عشر من أحبار خيبر تقاولوا بأن يدخلوا في الاسلام أول النهار، ويقولوا آخره نظرنا في كتابنا وشاورنا علماءنا فلم نجد.

1- كتاب التوحيد: ص 423 باب 65 ذكر مجلس الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) مع أهل الأديان وأصحاب المقالات، قطعة من ح 1 ص 5.

2- الثرب: شحم رقيق يغشى الكرش والأمعاء وجمعه ثروب، والثرب الشحم المبسوط على الأمعاء والمصارين وشاة ثرباء عظيمة الثرب (لسان العرب ج 1 ص 234 لغة ثرب).

3- تفسير العياشي: ج 1 ص 175 ح 52.

4- لم نعثر عليه في تفسير العياشي وذكره علي بن إبراهيم: ج 1 ص 103 في تفسيره لقوله تعالى " فلما أحس عيسى " الآية.

5- كذا في نسخة - 1 - والصحيح الذين.

6- للحارث بن جلزة اليشكري، يقول: فقل للنساء الحضريات الصافيات البياض يبكين غيرنا، كناية عن أنه ليس من أهل التنعم، ثم نهى عن أن يبكيهم إلا الكلاب التي تساق معهم للصيد، أو التي جرت عادتها بأكل قتلاهم في الحرب، أو التي تنبحهم إذا أقبلوا على أصحابها، كناية عن أنه من أهل البدو والغزو (عن هامش الكشاف: ج 1 ص 366).

7- في نسخة - أ -: وفقاء والصحيح ما أثبتناه لاقتضاء سياق الكلام.

8- نقله في الكشاف: ج 1 ص 366 في تفسيره لقوله تعالى " فاكتبنا مع الشاهدين ".

9- التوبة: 79.

10- البقرة: 15.

11- النساء: 142.

12- عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 126 باب 11 ما جاء عن الرضا من الاخبار في التوحيد قطعة من ح 19.

13- الخصال: ص 508، باب السبعة عشر، الغسل في سبعة عشر موطنا، قطعة من ح 1.

14- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 103 في تفسيره لقوله تعالى: " إني متوفيك ورافعك إلي ".

15- في المصدر: عن محمد بن إسماعيل القرشي عمن حدثه عن إسماعيل بن أبي رافع.

16- معرب (أشك بن اشكال) كذا في الهامش.

17- كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 224 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم وأن الأرض لا تخلو من حجة لله (عز وجل) على خلقه إلى يوم القيامة قطعة من ح 20.

18- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 104، في تفسيره لقوله تعالى " إن مثل عيسى " الآية.

19- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 104 في تفسيره لقوله تعالى " إن مثل عيسى عند الله " الآية وقد مر آنفا.

20- مجمع البيان: ج 2 ص 453 في بيان معنى قوله تعالى: " فقل تعالوا ندع أبناءكم " الآية.

21- ومنه الحديث (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحل صرار ناقة بغير إذن صاحبها فإنه خاتم أهلها، من عادة العرب أن تصر ضروع الحلوبات إذا أرسلوها إلى المرعى سارحة، ويسمون ذلك الرباط صرارا، فإذا راحت عشيا حلت تلك الأصرة وحلبت (النهاية ج 3 لغة صرر).

22- معاني الأخبار. ص 369، باب معنى الرغبة والرهبة والتبتل والابتهال والتضرع والبصبصة في الدعاء، قطعة من ح 2.

23- قوله: الساعة التي تباهل فيها إلخ لأنه وقت استجابة الدعاء وينبغي طلب هذا الوقت للمباهلة إن أمكن وإلا فيجوز في غيره (شرح أصول الكافي للمازندراني: ج 10 ص 267 كتاب العداء).

24- الكافي: ج 2 ص 514 كتاب الدعاء، باب المباهلة، ح 2.

25- الخصال: ص 550، أبواب الأربعين وما فوقه، احتجاج أمير المؤمنين على أبي بكر بثلاث وأربعين خصلة، ح 30.

26- الخصال: ص 576 أبواب السبعين وما فوقه، لأمير المؤمنين (عليه السلام) سبعين منقبة لم يشركه فيها أحد من الأئمة، ح 1.

27- الكافي: ج 8 ص 263 و 264 ح 501.

28- الكافي: ج 2 ص 479 قطعة من ح 1.

29- الكافي: ج 2 ص 480 قطعة من ح 3.

30- الكافي: ج 2 ص 480 قطعة من ح 4.

31- الكافي: ج 2 ص 480 قطعة من ح 5.

32- الكافي: ج 2 ص 481 قطعة من ح 7.

33- في المصدر: حريز.

34- تفسير العياشي: ج 1 ص 175 ح 54.

35- تفسير العياشي: ج 1 ص 176 ح 56.

36- مجمع البيان: ج 7 - 8 ص 361.

37- عيون الأخبار: ج 1 ص 69 قطعة من ح 9.

38- ما بين المعقوفتين ليس في النسخة - أ - وأثبتناه من المصدر لاكمال المعنى.

39- عيون الأخبار: ج 1 ص 181 قطعة من ح 1.

40- عيون الأخبار: ج 1 ص 231 قطعة من ح 53.

41- علل الشرائع: ص 129 باب 107 ح 1.

42- في هامش النسخة - أ -: (إنه سمع جده ظ).

43- و.

44- تفسير العياشي: ج 1 ص 176 و 177 ح 55 و 58.

45- لم نعثر عليه في شرح الآيات الباهرة بل وجدناه في تأويل الآيات الطاهرة: ص 117.

46- مجمع البيان: ج 2 ص 455 في بيان معنى قوله تعالى: " قل يا أهل الكتاب تعالوا.. " الآية.

47- ورش: هو عثمان بن سعيد المصري، ويكنى أبو سعيد، وورش لقب له، لقب به فيما يقال لشدة بياضه، وتوفي بمصر سنة سبع وتسعين ومائة. وورش مأخوذ من الورش، والورش شئ أبيض يصنع من اللبن، وقيل: هو مأخوذ من ورشت الطعام ورشا، إذا تناولت منه يسيرا " تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة: ص 14 ".

48- البزي: هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة المؤذن المكي، توفي بمكة سنة أربعين ومائتين (المصدر والصفحة).

49- لاحظ آرائهم في ذلك، في تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة: ص 99.

50- الكافي: ج 8 ص 381 قطعة من ح 574.

51- قوله: حنيفا مسلما، الحنيف المسلم المنقاد، وهو المائل إلى الدين الحق، وهو الدين الخالص، ولذلك فسره (عليه السلام) بقوله: " خالصا لله مخلصا " عبادته عن ملاحظة غيره مطلقا، ثم وصفه على سبيل التأكيد بقوله (ليس فيه شئ من عبادة الأوثان) أي الأوثان المعروفة، أو الأعم منها، فيشمل عبادة الشياطين في إغوائها، وعبادة النفس في أهوائها، وقد نهي جل شأنه عن عبادتها فقال: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان " وقال: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " شرح أصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 46 كتاب الايمان والكفر، باب الاخلاص.

52- الكافي: ج 2 ص 15، كتاب الايمان والكفر، باب الاخلاص ح 1.

53- تفسير العياشي: ج 1 ص 177 ح 60.

54- قوله " ان أولى الناس بإبراهيم " أي أخص الناس بإبراهيم وأقربهم منه للذين اتبعوه من أمته وهذا النبي لموافقته له في أصول شريعته، والذين آمنوا بهذا النبي إيمانا حقيقيا وهم الأئمة (عليهم السلام) ومن اتبعهم من الشيعة، وفيه قطع لافتخار كل من نسب نفسه إليه في النسب، أو الذين مع مخالفته له في أصول شريعته التي من جملتها تعيين الخليفة. هذا إذا قرئ " النبي " بالرفع على أنه خبر بعد خبر ل? " ان ". وأما إن قرئ بالنصب على العطف بالهاء في " اتبعوه " أو بالجر على العطف بإبراهيم، فيظهر معناه بأدنى تأمل، ويتعين حينئذ تفسير " الذين آمنوا " بالأئمة، لا بهم وبمن اتبعهم، ويفتقر في قراءة الجر إلى تقدير والسياق قرينة له، فليتأمل (شرح أصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 7 ص 58).

55- الكافي: ج 1 ص 416 كتاب الحجة باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح 20.

56- تفسير العياشي: ج 1 ص 177 ح 62.

57- مجمع البيان: ج 2 ص 458 في بيان معنى قوله تعالى: " ان أولى الناس بإبراهيم " الآية.

58- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 105.

59- في حديث أنس (لو شئت أن أعد شمطات كن في رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعلت) الشمط: الشيب والشمطات الشعرات البيض التي كانت في شعر رأسه. (النهاية: ج 2 ص 501 لغة شمط).

60- تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 9.

61- لم نعثر عليه في تفسير القمي ونقلناه عن تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 294 ح 186.

62- الأنفال: 75.

63- نهج البلاغة: ص 387 س 6 ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية جوابا، صبحي الصالح.

64- الاحتجاج: ص 160 س 21، احتجاجه على الناكثين بيعته في خطبة خطبها حين نكثوها.