الآية 8 - 18

﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (8)﴾

طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس منه حرفا واحدا (1) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

واعلم: أن التفسير بالرأي للمتشابه حرام، ومن فسره برأيه كافر.

يدل عليه ما رواه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى عبد الرحمن ابن سمرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): من فسر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب (2).

وما رواه في كتاب التوحيد بإسناده إلى الريان بن الصلت، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله جل جلاله: ما آمن بي من فسر برأيه كلامي (3).

ولاخفاء أن المراد تفسير المتشابه وتأويل المحكم بالرأي بغير ما يدل عليه ظاهره.

وبذلك يظهر عدم إيمان أكثر المفسرين ممن يفسرون القرآن برأيهم، ويأولونه على مذاقهم، ممن نقلنا بعض تأويلاتهم في أوائل التفسير، تقدمة لهذا التصريح، وعدم إيمان أهل السنة والجماعة، فإنه لا ريبة لاحد في أنه لا يردون المتشابهات إلى الراسخين الذين هو الأئمة (عليهم السلام) ويفسرون الراسخين أيضا برأيهم، ولا يعنون منه النبي والأئمة (عليهم السلام)، فتبصر.

ربنا لا تزغ قلوبنا: من مقالة الراسخين، وقيل: استئناف.

﴿ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد (9)﴾

والمعنى: لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق، وهو من الراسخين خضوع في مقام العبودية.

وقيل: لا تبلنا ببلايا تزيغ فيه قلوبنا.

بعد إذ هديتنا: إلى الحق.

و " بعد " نصب على الظرف، و " إذ " في محل الجر بإضافته إليه، وقيل: إنه بمعنى (إن).

وهب لنا من لدنك رحمة: تزلفنا إليك، ونفوز بها عندك، أو توفيقا للثبات على الحق، أو مغفرة للذنوب، أو الأعم.

إنك أنت الوهاب: لكل سؤال.

في تفسير العياشي، عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): أكثروا من أن تقولوا: " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " ولا تأمنوا الزيغ (4).

وفي تهذيب الأحكام في الدعاء بعد صلاة الغدير، المسند إلى الصادق (عليه السلام): ربنا إنك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك وأمرتنا أن نكون مع الصادقين فقلت: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " (5) وقلت: " اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " (6) فسمعنا وأطعنا ربنا، فثبت أقدامنا وتوفنا مسلمين مصدقين لأوليائك ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت ﴿إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار (10) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب (11)﴾

وفي هذا الخبر دلالة على أن المراد بالدعاء بعدم الإزاغة، عدم الإزاغة عن الولاية.

ربنا إنك جامع الناس ليوم: لحساب يوم، أو جزائه.

لا ريب فيه: في وقوعه، ووقوع ما أخبر بوقوعه فيه.

إن الله لا يخلف الميعاد: فإن الإلهية تنافيه.

وللاشعار به وتعظيم الموعود به، لون الخطاب.

قال البيضاوي: واستدل به الوعيدية، وأجيب بأن وعيد الفساق مشروط بعدم العفو، لدلائل منفصلة، كما هو مشروط بعدم التوبة وفاقا (7) (8).

ويرد على هذا الجواب: إن العفو بالتوبة موعود، بخلاف العفو بدونه، واشتراط وعيد الفساق بعدم العفو لا معنى له، إذ لا يسمى أضربك إن لم أعف وعيدا، كما يسمى أعطيك إن جئتني وعدا، فتأمل يظهر الفرق.

إن الذين كفروا: الظاهر أنه عام في الكفرة.

وقيل: المراد وفد نجران أو اليهود، أو مشركوا العرب.

لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا: أي من رحمته، أو طاعته على معنى البدلية، أو من عذابه.

أولئك هم وقود النار: حطبها.

وقرئ بالضم بمعنى أهل وقودها.

كدأب آل فرعون: متصل بما قبله، أي لن تغني عنهم أموالهم، كما لم تغن عن أولئك، أو توقد بهم كما توقد بأولئك.

أو استئناف مرفوع المحل وتقديره أن دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر والعذاب.

وهو مصدر دأب في العمل: كدح فيه، فنقل إلى معنى الشأن.

والذين من قبلهم: عطف على آل فرعون أو استئناف.

كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم: حال بتقدير قد، أو استئناف بتفسير حالهم على التقدير الأول، وخبر على التقدير الثاني.

والله شديد العقاب: تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف للكفرة.

وفي الآية دلالة على أن الكفار طريقتهم واحدة في الكفر والعذاب والخلود فيه، سواء فيه الذين كفروا بعد النبي (صلى الله وآله) والذين كفروا قبله.

ويظهر منه: أن المنكرين للولاية المحكوم عليهم بكفرهم، دأبهم كدأب آل فرعون في ذلك، لا يجوز إطلاق اسم الاسلام بالمعنى المقصود منه عليهم، كما لا يجوز إطلاقه على آل فرعون، وإن جاز إطلاقه عليهم بمعنى آخر، كما جاز إطلاقه على فرعون أيضا، بمعنى أنه أسلم لإبليس، أو أسلم لهواه، أو غير ذلك.

﴿قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد (12) قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار (13)﴾

قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم: في مجمع البيان: روي محمد بن إسحاق بن يسار عن رجاله: قال لما أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قريشا ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال: يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما أنزل الله بهم، فقد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم، فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا (9) لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، أما والله لو قاتلتنا لعرفت إنا نحن الناس، فأنزل الله هذه الآية (10).

وروى أيضا عن عكرمة وسعيد بن جبير، عن ابن عباس، ورواه أصحابنا (11) (12).

وقال البيضاوي: أي قل لمشركي مكة ستغلبون، يعني يوم بدر (13).

وقرأ حمزة والكسائي بالياء فيهما، على أن الامر للنبي (صلى الله عليه وآله) بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه (14).

وبئس المهاد: تمام ما يقال لهم، أو استئناف.

وتقديره: بئس المهاد جهنم، أو ما مهدوه لأنفسهم.

قد كان لكم آية: قيل: الخطاب لقريش، وقيل: للمؤمنين.

في فئتين التقتا: يوم بدر.

في مجمع البيان: أن الآية نزلت في قصة بدر، وكان المسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر.

سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار.

واختلف في عدد المشركين، فروي عن علي بن مسعود أنهم كانوا ألفا (15).

فئة تقتل في سبيل الله: وهم المؤمنون.

وأخرى كافرة: وهم مشركوا قريش.

يرونهم مثليهم: أي يرى المشركون المؤمنين مثليهم.

أو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين.

وكانوا ثلاثة أمثال لهم، ليثبتوا لهم ويتيقنوا بالنصر الذي وعدهم في قوله: " فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين " (16).

وقرئ بهما بالبناء للمفعول، أي يريهم الله، أو يريكم ذلك بقدرته.

و " فئة " بالجر على البدل من " فئتين " والنصب على الاختصاص، أو الحال من فاعل " التقتا ".

رأى العين: رؤية ظاهرة معاينة.

والله يؤيد بنصره من يشاء: كما أيد أهل بدر.

إن في ذلك: أي في التقليل والتكثير، أو غلبة القليل، أو وقوع الامر على ما أخبر به الرسول الله (صلى الله عليه وآله).

لعبرة لأولي الأبصار: لعظة لذوي البصائر، وقيل: لمن أبصرهم.

﴿زين الناس حب الشهوات من النساء والبنين والقنطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب (14)﴾

زين للناس حب الشهوات: أي المشتهيات، سماها شهوات، مبالغة، وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محيتها حتى أحبوا شهوتها، كقوله تعالى: " أحببت حب الخير " (17).

وذهب الأشعري إلى أن المزين هو الله تعالى، لأنه الخالق للأفعال، والدواعي كلها عندهم، ويقولون: زينة ابتلاء، أو لأنه يكون وسيلة إلى السعادة الأخروية، إذا كان على وجه يرتضيه الله، أو لأنه من أسباب التعيش وبقاء النوع.

والمعتزلة إلى أنه الشيطان.

والجبائي فرق بين المباح والمحرم (18).

وهو الصواب.

من النساء: في الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن أبي عبد الله البرقي، عن الحسن بن أبي قتادة، عن رجل، عن جميل بن دراج قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما يتلذذ الناس في الدنيا والآخرة بلذة أكثر لهم من لذة النساء، وهو قول الله عز وجل: " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين " إلى آخر الآية.

ثم قال: وإن أهل الجنة ما يتلذذون بشئ من الجنة أشهى عندهم من النكاح، لاطعام ولا شراب (19).

والبنين والقنطير المقنطرة: قناطير جمع قنطار.

وفي مجمع البيان: اختلف في مقدار القنطار، قيل: هو ملاء مسك ثور ذهبا، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): انتهى (20).

واختلف في أنه فعلال أو فنعال، والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم: بدرة مبدرة.

من الذهب والفضة: صفة للقناطير.

ويحتمل التعلق ب? " المقنطرة " على تضمين معنى المملوة.

وفي كتاب الخصال: عن محمد بن يحيى العطار، رفع الحديث قال: الذهب والفضة حجران ممسوخان، فمن أحبهما كان معهما (21).

والخيل المسومة: أي المعلمة، من السومة، وهي العلامة، أو المرعية من أسام الدابة وسومها، أو المطهمة التامة الخلق من السوم في البيع، لأنها يسام كثيرا، أو من السومة كأنها علم في الحسن.

والانعام: الإبل والبقر والغنم.

والحرث: في أصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن نوح بن شعيب، عن عبد الله الدهقان، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أول ما عصي الله عز وجل به ست: حب الدنيا، وحب الرئاسة، وحب الطعام، وحب النوم، وحب الراحة، وحب النساء (22).

وفي كتاب الخصال: عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الفتن ثلاث: حب النساء وهو سيف الشيطان، وشرب الخمر وهو فخ الشيطان، وحب الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان.

ومن أحب النساء لم ينتفع بعيشته، ومن أحب الأشربة حرمت عليه الجنة، ومن أحب الدينار والدرهم فهو ﴿قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنت تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد (15)﴾

عبد الدنيا (23).

ذلك متع الحياة الدنيا: إشارة إلى ما ذكر، أي هو متمتع في هذه الحياة الدنيا التي مدتها قليلة.

والله عنده حسن المآب: أي المرجع.

وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذات الحقيقية الأبدية بالشهوات الناقصة الفانية.

قل أؤنبئكم بخير من ذلكم: تقرير لما عنده.

للذين اتقوا عند ربهم جنت تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها: استئناف لبيان ما هو عنده.

وقيل: يجوز أن يتعلق اللام ب? " خير "، ورفع " جنات " بتقدير: هو جنات، ويؤيده قراءة من جرها، بدلا من خير.

وأزوج مطهرة: مما يستقذر من النساء.

وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل " فيها أزواج مطهرة " قال: لا يحضن ولا يحدثن (24).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: " وأزواج مطهره " قال: في الجنة، لا يحضن ولا يحدثن (25).

ورضوان من الله: وهو أكبر، وقراءة عاصم في رواية أبي بكر في جميع ﴿الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (16) الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار (17)﴾

القرآن بضم الراء ما خلا الحرف الثاني في المائدة، وهو قوله: " رضوانه سبل السلام " (26) وهما لغتان (27).

والله بصير بالعباد: فيثيب المحسن ويعاقب المسئ، ويعلم استعداد المتقين لما أعد لهم.

الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار: صفة للمتقين، أو للعباد، أو مدح منصوب أو مرفوع.

ويحتمل الاستئناف.

رتب المغفرة والوقاية من النار على الايمان بالفاء، إشعارا بأنه يستلزمهما، وهو كذلك، لان المراد به الايمان بالله ورسوله وجميع ما جاء به الرسول الذي أعظمه الولاية.

الصبرين: في البأساء والضراء.

والصادقين: في الأقوال والأعمال.

والقانتين: الخاشعين.

والمنفقين: أموالهم في سبيل الله.

والمستغفرين بالاسحار: أي المصلين وقت السحر.

في مجمع البيان: رواه الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (28).

وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام): ان من استغفر سبعين مرة من وقت السحر، فهو من أهل هذه الآية (29).

﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأو لوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم (18)﴾

وفي كتاب الخصال: عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من وتره إذا أوتر: استغفر الله وأتوب إليه، سبعين مرة وهو قائم، فواظب على ذلك حتى تمضي له سنة، كتبه الله من المستغفرين بالاسحار ووجبت له المغفرة من الله تعالى (30).

وروي في من لا يحضره الفقيه: عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (31).

وفي تفسير العياشي: عن مفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت تفوتني صلاة الليل، فاصلي صلاة الفجر، فلي أن أصلي بعد صلاة الفجر ما فاتني من صلاة وأنا في صلاة قبل طلوع الشمس؟فقال: نعم ولكن لا تعلم به أهلك، فيتخذه سنة، فيبطل قول الله عز وجل " والمستغفرين بالاسحار " (32).

وقال البيضاوي: حصر مقامات السالك على أحسن ترتيب، فإن معاملته مع الله تعالى: إما توسل وإما طلب.

والتوسل إما بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل والصبر يشملهما، وإما بالبدن وهو إما قولي وهو الصدق، وإما فعلي وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة، وإما بالمال وهو الانفاق في سبيل الخير.

وإما الطلب فهو الاستغفار، لان المغفرة أعظم المطالب، بل الجامع لها.

وتوسيط الواو بينها للدلالة على استقلال كل واحدة منها، وكما لهم فيها، أو لتغاير الموصوفين بها (33).

شهد الله أنه لا إله إلا هو: أي بين وحدانية بنصب الدلائل الدالة عليها، أو شهد به لنفسه.

والملائكة: بالاستغفار، أو شهدوا كما شهد.

وأو لوا العلم: وهم الأئمة (عليهم السلام) بالاحتجاج عليه، أو شهدوا كما شهد.

وعلى المعنى الأول في شهد استعارة تبعية حيث شبه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشاهد.

قائما بالقسط: مقيما للعدل في حكمه وقضائه.

وانتصابه على الحال من " الله "، وإنما جاز إفراده بها، ولم يجز جاء زيد وعمرو راكبا؟لعدم اللبس، أو عن " هو " والعامل فيها معنى الجملة، أي تفرد قائما، أو أحقه لأنها حال مؤكدة.

أو على المدح، أو الصفة للمنفي.

وفيه ضعف للفصل، وهو داخل في المشهود به إذا جعلته صفة أو حالا عن الضمير.

وقرئ: القائم بالقسط، على البدل من " هو " خبر، أو الخبر لمحذوف.

وفي تفسير العياشي: عن جابر قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " قال أبو جعفر (عليه السلام): " شهد الله أنه لا إله إلا هو " فإن الله تبارك وتعالى يشهد بها لنفسه وهو كما قال، فأما قوله: " والملائكة " فإنه أكرم الملائكة بالتسليم لربهم، وصدقوا وشهدوا كما شهد لنفسه، وأما قوله: " وأولوا العلم قائما بالقسط " فإن اولي العلم الأولياء والأوصياء، وهم قيام بالقسط، والقسط هو العدل في الظاهر، والعدل في الباطن أمير المؤمنين (عليه السلام) (34).

فعلى هذه الرواية: " قائما " حال عن " اولي العلم "، وإفراده على تأويل كل واحد والاشعار بأن كل واحد منهم قائم به، لئلا يتوهم أن القسط قائم بمجموعهم من حيث هو مجموع.

وفي ذلك التفسير عن مرزبان القمي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قول الله تعالى: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط " قال: هو الامام (35).

وفي بصائر الدرجات: عن عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عيسى، عن الحسين ابن علي الوشا، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت: " وأولوا العلم قائما بالقسط " قال: الامام (36).

لا إله إلا هو: كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء، فيبنى عليه قوله: العزيز الحكيم: فيعلم أنه الموصوف بهما.

وقدم " العزيز " لتقدم العلم بالقدرة على العلم بحكمته، ورفعهما على البدل من الضمير، أو الصفة لفاعل " شهد " وقد ذكر في أول الفاتحة ما روي في فضل هذه الآية عن النبي (صلى الله عليه وآله).

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن عثمان العمري (رحمه الله) قال: لما ولد الخلف المهدي (صلوات الله عليه) سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء، ثم سقط لوجهه ساجدا لربه تعالى ذكره، ثم رفع رأسه وهو يقول: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة " إلى آخر الآية (37).

وفى أصول الكافي: علي بن محمد، عن عبد الله بن إسحاق العلوي، عن محمد بن زيد الرزامي، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل يذكر فيه (عليه السلام) مواليد الأئمة (صلوات الله عليهم) وفيه يقول (عليه السلام): وإذا وقع من بطن أمه، وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم الله أنزله من السماء إلى الأرض.

وأما رفعه رأسه إلى السماء فإن مناديا ينادي من بطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الاعلى باسمه واسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان أثبت تثبت، فلعظيم ما خلقتك، أنت صفوتي من خلقي.

1- كمال الدين: ج 1، ص 384، باب 24 ما روي عن النبي في النص على القائم (عليه السلام) قطعة من ح 37.

2- كمال الدين: ج 1 ص 257، باب 24 ما روي عن النبي في النص على القائم (عليه السلام) قطعة من ح 1.

3- التوحيد: ص 68 باب 2 التوحيد ونفي التشبيه، قطعة من ح 23.

4- تفسير العياشي: ج 1 ص 164 ح 9.

5- النساء: 59.

6- التوبة: 119.

7- التهذيب: ج 3 ص 147 باب 7 صلاة الغدير، ح 1.

8- تفسير البيضاوي: ج 1، ص 150، في تفسيره لقوله تعالى: " إن الله لا يخلف الميعاد ".

9- احتج الجبائي بهذه الآية على القطع بوعيد الفساق، قال: وذلك لان الوعيد داخل تحت لفظ الوعد، بدليل قوله تعالى: " أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا " والوعد والموعد والميعاد واحد، وقد أخبر في هذه الآية أنه لا يخلف الميعاد فكان هذا دليلا على أنه لا يخلف في الوعيد. قلنا: لم لا يجوز أن يكون ذلك كما في قوله: " فبشر هم بعذاب أليم " وقوله: " ذق إنك أنت العزيز الكريم " وأيضا لم لا يجوز أن يكون المراد منه أنهم كانوا يتوقعون من أوثانهم أنها تشفع لهم عند الله، فكان المراد من الوعد تلك المنافع. وذكر الواحدي في البسيط طريقة أخرى فقال: لم لا يجوز أن يحمل هذا على ميعاد الأولياء دون وعيد الأعداء، لان خلف الوعيد كرم عند العرب قال: والدليل عليه أنهم يمدحون بذلك، قال الشاعر: إذا وعد السراء أنجز وعده * وإن أو عد الضراء فالعفو مانعه (التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 7 ص 183 آل عمران: 9).

10- الأغمار: جمع غمر بالضم، ورجل غمر وغمر: لا تجربة له بحرب ولا أمر ولم تحنكه التجارب (لسان العرب: ج 5 ص 32 لغة غمر).

11- و.

12- مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 413 في شأن نزول آية 12 من سورة آل عمران.

13- ورواه السيوطي في الدر المنثور: ج 3 ص 158 عن ابن عباس وعكرمة وقتادة.

14- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 في تفسير قوله تعالى في سورة آل عمران " قل للذين كفروا " الخ.

15- المصدر السابق.

16- مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 414 في تفسير الآية 13 من سورة آل عمران.

17- الأنفال: 66.

18- ص: 32.

19- أنوار التنزيل: ج 1 ص 151، في تفسيره لآية 14 من سورة آل عمران.

20- الكافي: ج 5 ص 321 * كتاب النكاح، باب حب النساء ح 10.

21- مجمع البيان، ج 1 - 2 ص 417، سورة آل عمران: 14.

22- الخصال: باب الاثنين ص 43 ح 38.

23- الكافي: ج 2 ص 289، كتاب الايمان والكفر، باب في أصول الكفر وأركانه، ح 3.

24- الخصال: ص 113 باب الثلاثة، الفتن ثلاث، قطعة من ح 91.

25- تفسير العياشي: ج 1 ص 164 ح 11.

26- تفسير القمي: ج 1 ص 98، في تفسير بيه " وأزواج مطهرة ".

27- المائدة: 16.

28- أنوار التنزيل: ج 1 ص 152 في تفسيره لآية 15 من سورة آل عمران.

29- و.

30- مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 419 في بيان معنى الآية 16 من سورة آل عمران.

31- الخصال: ص 581، أبواب السبعين وما فوقه، ثواب من استغفر الله عز وجل في الوتر سبعين مرة، ح 3.

32- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 309، باب دعاء قنوت الوتر، ح 4.

33- تفسير العياشي: ج 1 ص 165 ح 17.

34- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1 ص 152، في تفسير لقوله تعالى: " والمستغفرين بالاسحار ".

35- تفسير العياشي: ج 1 ص 165 ح 18.

36- تفسير العياشي: ج 1 ص 166 ح 19.

37- تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 323 ح 19 سورة آل عمران، نقلا عن بصائر الدرجات.