الآية 270 - 279

﴿وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظلمين من أنصار (270)﴾

خيرا كثيرا " فقال: طاعة الله ومعرفة الامام (1).

يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " قال: معرفة الامام و اجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار (2).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ذكر القرآن: لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة (3).

وفي مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: الحكمة ضياء المعرفة وميزان التقوى وثمرة الصدق، ولو قلت ما أنعم الله على عباده بنعمة أنعم وأعظم وأرفع و أجزل وأبهى من الحكمة، لقلت قال الله عز وجل: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا اولي الألباب " أي لا يعلم ما أودعت وهيأت في الحكمة إلا من استخلصته لنفسي، وخصصته بها، والحكمة هي الكتاب وصفة الحكمة الثبات عند أوائل الأمور، والوقوف عند عواقبها وهو هادي خلق الله إلى الله (4).

وما أنفقتم من نفقة: قليلة أو كثيرة سرا أو علانية في حق أو باطل.

﴿إن - تبدوا الصدقات - فنعما - هي - وإن - تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيأتكم والله بما تعملون - خبير (271) * ليس عليك هديهم ولكن الله يهدى من يشاء و ما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (272)﴾

أو نذرتم من نذر: في طاعة أو معصية.

فإن الله يعلمه: فيجازيكم عليه.

ودخول الفاء، إما في خبر المبتدأ لتضمنه معنى الشرط، أو في جزاء الشرط لكون كلمة " ما " هنا من أداة الشرط.

وما للظلمين: الذين يضعون الشئ في غير موضعه، فينفقون في المعاصي و ينذرون فيها، أو يمنعون الصدقات ولا يوفون بالنذر.

من أنصار: ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه.

جمع ناصر كأصحاب جمع صاحب.

إن تبدوا الصدقات فنعما هي: فنعم شئ أبداها (5).

كلمة " ما " تمييز والمضاف محذوف.

وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وكسر العين على الأصل.

وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وقالون: بكسر النون وسكون العين.

وروي بكسر النون وإخفاء حركة العين (6).

وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم: والمراد بالصدقات سوى الزكاة، وصلة قرابتك الواجبة من الصدقات النافلة، فإن الاعلان بالزكاة أفضل.

روي في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبي المغرا عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم " قال: ليس من الزكاة، وصلتك من قرابتك ليس من الزكاة (7) والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) قال: هي سوى الزكاة، إن الزكاة علانية غير سر (8).

علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل ما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من إسراره، وكل ما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه، ولو أن رجلا حمل زكاة ماله على عاتقه علانية كان حسنا جميلا (9).

علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " قال: يعني الزكاة المفروضة، قال: " وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء " قال: يعنى النافلة، إنهم كانوا يستحبون إظهار الفرائض وكتمان النوافل (10).

الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن علي بن مرداس، عن صفوان بن يحيى، والحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن عمار الساباطي قال: قال لي أبو عبد الله: يا عمار، الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله العبادة في السر أفضل منها في العلانية (11).

وفي تفسير العياشي: عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: " وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم " قال: ليس تلك الزكاة ولكنه الرجل يتصدق لنفسه والزكاة علانية أفضل (12).

واعلم أن بعض تلك الأحاديث يدل على أن في الآية استخداما، والمراد بالصدقات، الصدقات الواجبة، وبضميرها المندوبة.

ويمكن حمل البعض الآخر عليه أيضا، إلا الخبر الأول، ويمكن أن يقال أيضا أنه تفسير لقوله: " وإن تخفوها " إلى آخره.

ويكفر عنكم من سيأتكم: قرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالياء، أي والله يكفر، أو الاخفاء (13).

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي عياش ويعقوب بالنون، مرفوعا على أنه جملة فعلية مبتدأ، أو اسمية معطوفة على ما بعد الفاء، أي ونحن نكفر (14) وقرأ نافع وحمزة والكسائي به مجزوما على محل الفاء وما بعده (15)، وقرئ مرفوعا ومجزوما والفعل للصدقات (16).

والله بما تعملون خبير: ترغيب في الاسرار.

ليس عليك هديهم: ليس عليك أن تجعل كل الناس مهديين، بمعنى الالزام على الحق، لأنك لا تتمكن منه وإنما عليك إراءة الحق والحث عليهم.

ولكن الله يهدى من يشاء: لأنه يقدر عليه.

وما تنفقوا من خير: من نفقة معروفة.

فلأنفسكم: فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم، فلا تمنوا عليه ولا تنفقوا الخبيث.

وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله: أي حال كونكم غير منافقين إلا لابتغاء وجهه.

وقيل: نفي في معنى النهي.

وما تنفقوا من خير يوف إليكم: ثوابه أضعافا مضاعفة.

فهو تأكيد للشرطية السابقة، أو ما يخلف المنفق استجابة لقوله عليه السلام: اللهم اجعل لمنفق خلفا ولممسك تلفا (17).

وأنتم لا تظلمون: بتنقيص ثواب نفقتكم، أو إذهاب ثوابها.

﴿للفقراء - الذين - أحصروا في سبيل - الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسلون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم (273) الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (274)﴾

للفقراء متعلق بمحذوف، أي اعمدوا للفقراء واجعلوا ما تنفقونه لهم، أو صدقاتكم للفقراء.

الذين أحصروا في سبيل الله أي أحصرهم الاشتغال بالعبادة.

لا يستطيعون لاشتغالهم.

ضربا في الأرض ذهابا فيها للكسب.

وفي مجمع البيان قال أبو جعفر عليه السلام: نزلت الآية في أصحاب الصفة (18).

يحسبهم الجاهل: بحالهم.

وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين (19).

أغنياء من التعفف: من أجل تعففهم عن السؤال.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال العالم عليه السلام: الفقراء هم الذين لا يسألون، لقول الله تعالى في سورة البقرة " للفقراء الذين " إلى قوله " إلحافا " (20).

تعرفهم بسيماهم: من الضعف ورثاثة الحال، والخطاب للرسول صلى الله عليه وآله، أو لكل أحد.

لا يسلون الناس إلحافا: إلحاحا وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه شيئا من قولهم: لحفني من فضل لحافه، أي أعطاني من فضل ما عنده (21) قيل: المعنى إنهم لا يسألون، وإن سألوا عن ضرورة لم يلحو.

والخبر الذي رواه علي بن إبراهيم عن العالم عليه السلام يرده، بل هو نفي للامرين.

كقوله: * على لا حب لا يهتدى بمناره * (22) ونصبه على المصدر، فإنه نوع من السؤال، أو على الحال وفي مجمع البيان: وفي الحديث إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ويكره البؤس والتباؤس ويحب الحليم المتعفف من عباده ويبغض الفاحش البذي السؤال الملحف.

وعنه عليه السلام قال: إن الله كره لكم ثلاثا، قيل: وما هن؟قال: كثرة السؤال وإضاعة المال ونهى عن عقوق الأمهات ووأد البنات.

وقال عليه السلام: الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة، ومن سأل وله ما يغنيه جاءت مسائلته يوم القيامة كدوحا أو خموشا أو خدوشا (23) في وجهه، قيل: وما معنى غناه؟قال: خمسون درهما أو عدلها من الذهب (24).

وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم: ترغيب في الانفاق وخصوصا على هؤلاء.

الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية: أي يعمون الأوقات والأحوال بالخير.

وفي تفسير العياشي: عن أبي إسحاق قال: كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام أربعة دراهم لم يملك غيرها، فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم علانية، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا علي ما حملك على ما صنعت؟قال: إنجاز موعد الله، فأنزل الله " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية " إلى آخر الآية (25).

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبي المغرا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: قول الله عز وجل: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية " قال: ليس من الزكاة (26)، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن الوليد الوصافي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى (27) وفي من لا يحضره الفقيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله في قول الله تعالى: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " قال: نزلت في النفقة على الخيل.

قال مصنف هذا الكتاب: روي أنها نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان سبب نزولها أنه كان معه أربعة دراهم فتصدق بدرهم منها بالليل وبدرهم بالنهار وبدرهم في السر، وبدرهم في العلانية فنزلت هذه الآية، والآية إذا نزلت في شئ فهي منزلة في كل ما يجري فيه، فالاعتقاد في تفسيرها إنها نزلت في أمير المؤمنين وجرت في النفقة على الخيل وأشباه ذلك انتهى (28).

وفي مجمع البيان: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في علي عليه السلام كانت معه أربعة دراهم فتصدق بواحد ليلا وبواحد نهارا وبواحد سرا وبواحد علانية، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (29).

فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون: خبر " الذين ينفقون " والفاء للسببية.

﴿الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا وأحل الله البيع وحرم الربوا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون (275) يمحق الله الربوا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم (276)﴾

وقيل: للعطف والخبر محذوف، أي ومنهم الذين ينفقون، ولذا جوز الوقف على (وعلانية) الذين يأكلون الربوا: أي الآخذون للربا، وانما ذكر الاكل، لأنه معظم منافع المال.

وهو بيع جنس بما يجانسه مع الزيادة بشرط كونه مكيلا أو موزونا، والقرض مع اشتراط النفع.

وانما كتب بالواو كالصلاة، للتفخيم على لغة من يفخم، وزيدت الألف بعدها تشبيها بألف الجمع.

لا يقومون إذا بعثوا من قبورهم، أو في المحشر، أو في الدنيا يؤول عاقبة أمرهم إلى ذلك.

في تفسير العياشي عن شهاب بن عبد ربه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: آكل الربا لا يخرج من الدنيا حتى يتخبطه الشيطان (30).

وفي الاخبار ما يدل على الأولين (31).

ويمكن الجمع بأن ابتداء حصول هذه الآية في الدنيا.

إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان: قياما كقيام المصروع، بناء على زعم الناس: أن الشيطان يمس الانسان فيصرع، والخبط صرع على غير اتساق، كالعشواء، أو الافساد.

من المس: متعلق ب? (لا يقومون) أي لا يقومون من المس الذي بهم بسبب أكل الربا، أو ب? (يقوم) أو ب? (يتخبطه) فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين، لا لاختلال عقلهم، ولكن لان الله أربى ما في بطونهم ما أكلوه من الربا فأثقلهم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما أسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟قال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس (32).

ذلك: العقاب.

بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا بسبب إنهم نظموا البيع والربا في سلك واحد، لافضائهما إلى الربح، فاستحلوه استحلالا له.

وهو من باب القلب، والأصل: إنما الربا مثل البيع، عكس للمبالغة، كأنهم جعلوا الربا أصلا وقاسوا البيع به.

وأحل الله البيع وحرم الربوا في موضع الحال.

في عيون الأخبار: في باب ما كتب الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلة تحريم الربا: إنها نهى الله عنه لما فيه من فساد الأموال، لان الانسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين، كان ثمن الدرهم درهما وثمن الآخر باطلا، فبيع الربا واشتراؤه وكس على كل حال على المشتري وعلى البايع، فحرم الله تعالى الربا لعلة فساد الأموال، كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من إفساده حتى يؤنس منه رشده فلهذه العلة حرم الله تعالى الربا وبيع الدرهم بدرهمين يدا بيد.

وعلة تحريم الربا بعد البينة: لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله تعالى لها، ولم يكن ذلك منه إلا استخفافا بالمحرم الحرام، والاستخفاف بذلك دخول في الكفر وعلة تحريم الربا بالنسية، لعلة ذهاب المعروف وتلف الأموال ورغبة الناس في الربح وتركهم القرض وصنايع المعروف وما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال (33).

وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني رأيت الله تعالى قد ذكر الربا في غير آية وكرره، فقال: أو تدري لم ذاك؟قلت: لا، قال: لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف (34).

علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما حرم الله عز وجل الربا لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف (35).

روى علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام، وقال: الربا سبعون جزءا أيسره أن ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام (36).

فمن جاءه موعظة أي وعظ وتوبة.

في تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم أن رجلا سأل أبا جعفر عليه السلام وقد عمل بالربا حتى كثر ماله بعد أن سأل غيره من الفقهاء فقالوا: ليس يقبل منك شئ إلا أن ترده إلى أصحابه، فلما قص على أبي جعفر عليه السلام قال له أبو جعفر عليه السلام: مخرجك في كتاب الله قوله: " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف " والموعظة التوبة (37).

وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عز وجل " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف " قال: الموعظة، التوبة (38).

من ربه أي بلغه النهي عن الربا من ربه.

فانتهى عن أخذه وتاب عنه.

فله ما سلف ما تقدم من أخذه، ولا يسترد منه.

(وما) في موضع الرفع بالظرف إن جعلت (من) موصولة.

وبالابتداء إن جعلت شرطية على رأي سيبويه، إذ الظرف معتمد على ما قبله.

وأمره إلى الله أي يجازيه على انتهائه، أو يحكم في شأنه، ولا اعتراض لكم عليه.

في الكافي: أحمد بن محمد، عن الوشا، عن أبي المغرا، عن الحلبي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا عنه، فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة.

وأيما رجل أفاد مالا كثيرا قد أكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرفه بعد، فأراد أن ينزعه، فما مضى فله، ويدعه فيما يستأنف (39).

علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل يقول فيه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله: قد وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه فإذا عرف تحريمه حرم عليه، ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه كما يجب على من يأكل الربا (40).

عدة من أصحابنا: عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعا، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اربي بجهالة ثم أراد أن يتركه؟قال: قال: أما ما مضى فله، وليتركه فيما يستقبل (41).

ومن عاد إلي تحليل الربا، إذ الكلام فيه.

فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون: لأنهم كفروا به كما مر في حديث العيون.

وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن عيسى، عن منصور، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه له حلال؟قال: لا يضر حتى يصيبه متعمدا، فهو بالمنزل الذي قال الله عز وجل (42).

يمحق الله الربوا: يذهب بركته، ويهلك المال الذي فيه.

في من لا يحضره الفقيه: وسأل رجل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل " يمحق الله الربا ويربي الصدقات " وقد أرى من يأكل الربا يربوا ماله؟قال: فأي محق أمحق من درهم ربا، يمحق الدين، فإن تاب منه ذهب ماله و افتقر (43).

ويربى الصدقات يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه.

في تفسير العياشي: عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله يقول: ليس من شئ إلا وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني أتلقفها بيدي تلقفا (44) حتى أن الرجل والمرأة يتصدق بالتمرة وبشق تمرة، فأربيها كما يربي الرجل فلوه وفصيله (45) فيلقى في يوم القيامة وهو مثل أحد وأعظم من أحد (46).

وعن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالى: أنا خالق كل شئ، وكلت بالأشياء غيري إلا الصدقة، وذكر نحو ما سبق (47).

وعن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه ليس شئ إلا وقد وكل به ملك غير الصدقة، فإن الله يأخذه بيده ويربيه كما يربي أحدكم ولده حتى يلقاه يوم القيامة وهي مثل أحد (48).

وفي مجمع البيان: روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يقبل الصدقات، ولا يقبل منها إلا الطيب ويربيها لصاحبها كما يربي أحدكم مهره أو.

﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (277) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أمولكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)﴾

فصيله حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد (49).

وفي أمالي الصدوق رحمه الله بإسناده إلى الصادق عليه السلام أنه قال: من تصدق بصدقة في شعبان رباه عز وجل كما يربي أحدكم فصيله حتى يوافي يوم القيامة وقد صارت مثل أحد (50).

والله لا يحب كل كفار لا يرضاه.

أثيم منهمك في الاثم.

إن الذين آمنوا: بالله ورسله وأوصياء رسله.

وعملوا الصالحات عطف على (آمنوا) ولا يدل على خروج العمل عن الايمان، كما لا يدل عطف.

وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة عليه على خروجه عنه.

لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم على آت.

ولا هم يحزنون: فائت.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا بقايا ما شرطتم على الناس من الربا.

إن كنتم مؤمنين بقلوبكم، فإن دليله امتثال ما أمرتم به.

في تفسير علي بن إبراهيم: إن سبب نزولها أنه لما أنزل الله " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " فقام خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله ربا أبي في ثقيف، وقد أوصاني عند موته بأخذه فأنزل الله تبارك وتعالى الآية، قال: ومن أخذ الربا وجب عليه القتل وكل من اربى وجب عليه القتل (51).

فإن لم تفعلوا فأذنوا فاعلموا من أذن بالشئ، إذا علم به وقرأ حمزة وعاصم في رواية ابن عباس: (فأذنوا) أي فاعلموا بها غيركم، من الاذن وهو الاستماع، فإنه من طرق العلم (52).

بحرب من الله ورسوله تنكيره للتعظيم، أي حرب عظيم.

وذلك يقتضي أن يقاتل الحربي بعد الاستتابة حتى يفئ إلى أمر الله، وذلك يقتضي كفره.

وإن تبتم: رجعتم من الارتباء واعتقاد حله فلكم رؤوس أمولكم فيه دلالة على أن المربي لو لم يتب لم يكن له رأس ماله، وهو كذلك، لان المصر على التحليل مرتد وماله فيئ.

لا تظلمون بأخذ الزيادة.

ولا تظلمون بالمطل والنقصان من رأس المال.

وفي تفسير العياشي: عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن التوبة مطهرة من دنس الخطيئة قال: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين " إلى قوله " ولا تظلمون " فهذا ما دعى الله إليه من التوبة، ووعدهم عليها من ثوابه، فمن خالف ما أمره الله به من التوبة سخط.


1- مجمع البيان: ج 1 - 2 - ص 382 في بيان المعنى لآية 269 من سورة البقرة.

2- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 92.

3- من لا يحضره الفقيه: ج 4، ص 272، باب 176، النوادر وهو آخر أبواب الكتاب، ح 8 ومن ألفاظ رسول الله الموجزة التي لم يسبق إليها.

4- تفسير العياشي: ج 1، ص 151، ح 498.

5- كتاب الخصال: ص 111، باب الثلاثة، أحب الأمور ثلاثة، الحديث 83 وتمام الحديث (وإن أحب الأمور إلى الله عز وجل ثلاثة: القصد في الجدة والعفو في المقدرة، والرفق بعباد الله، وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله عز وجل به يوم القيامة، ورأس الحكمة مخافة الله تبارك وتعالى).

6- كتاب الخصال: ص 158، باب الثلاثة ثلاث خصال من علامات الفقه، ح 202.

7- كتاب الخصال: ص 146، باب الثلاثة حقيقة الايمان ثلاث خصال ح 175، وقريب منه ما في الكافي: ج 2، ص 48، كتاب الايمان والكفر، باب خصال المؤمن، ح 4.

8- الكافي: ج 1، ص 15، كتاب العقل والجهل، قطعة من حديث 12.

9- الكافي: ج 1، ص 185، كتاب الحجة باب معرفة الامام والرد إليه، ح 11. وفي تفسير البرهان ج 1، ص 255. وفي تفسير العياشي: ج 1، ص 151، الحديث 496، بحذف السند.

10- الكافي: ج 2، ص 284، كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر، الحديث 20، وفي تفسير البرهان ج 1 ص 255، وفي تفسير العياشي: ج 1، ص 151، ح 497، نقلا عن أبي جعفر عليه السلام.

11- الكافي: ج 2، ص 598، كتاب فضل القرآن، قطعة من حديث 2، والحديث طويل.

12- مصباح الشريعة: ص 57، الباب التاسع والتسعون.

13- وفي الكشاف: ج 1، ص 316، ومعنى (فنعما هي) فنعم شيئا إبداؤها.

14- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 140.

15- الكافي: ج 3، ص 499، كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق قطعة من حديث 9.

16- الكافي: ج 3، ص 502، كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق، ح 17.

17- الكافي: ج 3، ص 501، كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق، قطعه من حديث 16.

18- الكافي: ج 4، ص 60، كتاب الزكاة، باب النوادر، ح 1.

19- الكافي: ج 4، ص 8، كتاب الزكاة، باب فضل صدقة السر، ح 2.

20- تفسير العياشي: ج 1، ص 151، ح 499 وفيه (والزكاة علانية ليس بسر).

21- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 140.

22- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 140.

23- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 140.

24- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 140.

25- رواه الفريقان بكلمات متقاربة الكافي: ج 4 كتاب الزكاة ص 42، باب الانفاق ح 1 ولفظ الحديث (عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الشمس لتطلع ومعها أربعة أملاك: ملك ينادي يا صاحب الخير أتم وأبشر، وملك ينادي يا صاحب الشر أنزع وأقصر، وملك ينادي إعط منفقا خلفا وآت ممسكا تلفا، وملك ينضحها بالماء ولولا ذلك اشتعلت الأرض. وفي أسد الغابة في معرفة الصحابة ج 2 ص 399 باب الشين والفاء قال: عن شفي بن مانع الأصبحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن في السماء أربعة املاك ينادون من أقصاها إلى أدناها: يا صاحب الخير ابشر ويا صاحب الشر إقصر ويقول الاخر اللهم اعط كل منفق الخ. وفي مسند أحمد بن حنبل: ج 2، ص 305، ولفظه إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن ملكا بباب من أبواب السماء يقول: من يقرض اليوم يجزى غدا، وملكا بباب آخر يقول: اللهم اعط منفقا خلفا وعجل لممسك تلفا.

26- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 387، في بيان شأن النزول لآية (273) من سورة البقرة.

27- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 141.

28- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 298 في تفسير قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء الآية قال: وبين الصادق عليه السلام من هم فقال: الفقراء هم الذين لا يسألون وعليهم مؤنات من عيالهم، والدليل على أنهم هم الذين لا يسألون. قول الله في سورة البقرة الحديث.

29- قال الأزهري: أخبرني المنذري، عن الحراني، عن ابن السكيت أنه أنشده لجرير: كم قد نزلت بكم ضيفا فتلحفني * فضل اللحاف ونعم الفضل يلتحف قال: أراد أعطيتني فضل عطاءك وجودك، إلى أن قال: والمعنى في قوله: " لا يسألون الناس إلحافا " أي ليس منهم سؤال فيكون إلحاف، كما قال امرء القيس: * على لا حب لا يهتدى بمناره * المعنى: ليس به منار فيهتدي به. لسان العرب ج 9 ص 314، في لغة لحف.

30- هذا القول لامرء القيس وإليك ما قبله: وإني زعيم إن رجعت مملكا * بسير ترى منه الفرانق أزورا على لا حب لا يهتدى بمناره * إذا ساقه العود النباطي جرجرا والزعيم الكفيل والفرانق بضم الفاء: رسول يوصل خبر الخوف. والازور: المائل، واللحب واللاحب: الطريق الواسع. والمنار: اعلام الطريق. وساقه يسوقه سوقا: إذا شمه شما. والعود: الجمل المسن، والنباطي: نسبة للنبط، والجرجرة: صوت يردده البعير في حنجرته، يعني إنه طريق واسع لا منار فيه يهتدى به، وفيه نوع من البديع يسمونه نفي الشئ بايجابه، ويفسرونه بأن يكون الكلام ظاهره ايجاب الشئ وباطنه نفيه، بأن ينفي ما هو من سببه، وهو المنفي في الباطن. وفي البيت نفي الاهتداء بالمنار والمقصود نفي المنار. كما ذكره السيوطي في شرح عقود الجمان: إذا شمه الجمل المسن عرف أنه طريق وعر لتجربته الطرق. وجرجر خوفا منه لصعوبته عليه مع تمرنه على السفر، سيما إذا كان من إبل النبط لكثرة رحيلهم (تلخيص من هامش الكشاف: ج 1، ص 318، في ذيل آية (273) من سورة البقرة).

31- والكدح: دون الخدش، والخدش دون الخمش، يقال: خدشت المرأة وجهها إذا خدشته بظفر أو حديدة، والخمش يستعمل على معنى القطع يقال: خمشني فلان أي قطع مني عضوا وفي وجهه كدوح هو بالضم جمع كدح وهو كل أثر من خدش أو عض (مجمع البحرين ج 2، ص 406، لغة كدح).

32- إلى هنا مقبول عن مجمع البيان: ج 1 - 2، ص (387) في بيان المعنى لاية (273) من سورة البقرة.

33- تفسير العياشي: ج 1، ص 151، ح 502.

34- الكافي: ج 3، كتاب الزكاة باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ص 499، قطعة من حديث ح 9.

35- الكافي: ج 4، ص 8، كتاب الزكاة باب فضل صدقة السر، ح 3.

36- من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 188 باب 89، ثواب النفقة على الخيل، ح 1 وذيله.

37- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 388، في بيان شان النزول لآية (274) من سورة البقرة.

38- تفسير العياشي: ج 1، ص 152، ح 503.

39- لاحظ مستدرك الوسائل: ج 2 ص 478 كتاب التجارة، الباب 1 من أبواب الربا.

40- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 93 في تفسيره لآية (الذين يأكلون الربا الآية) من سورة البقرة.

41- عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 93، باب 33، في ذكر ما كتب به الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل، ح 1.

42- الكافي: ج 5، ص 146، كتاب المعيشة، باب الربا، ح 7.

43- الكافي: ج 5، ص 146، كتاب المعيشة، باب الربا، ح 8.

44- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 93، في تفسيره لآية " الذين يأكلون الربا " من سورة البقرة.

45- تفسير العياشي: ج 1، ص 152، ح 506.

46- الكافي: ج 2، ص 431، كتاب الايمان والكفر، باب التوبة، ح 2.

47- الكافي: ج 5، ص 145، كتاب المعيشة، باب الربا، قطعة من حديث 4.

48- الكافي: ج 5، ص 145، كتاب المعيشة، باب الربا قطعة من حديث ح 5.

49- الكافي: ج 5، ص 146، كتاب المعيشة باب الربا قطعة من حديث 9.

50- الكافي: ج 5، ص 144، كتاب المعيشة، باب الربا، ح 3.

51- من لا يحضره الفقيه: ج 3، ص 176، باب 87 الربا، ح 15.

52- وفي حديث الصدقة: أتلقفها تلقفا، اي أتناولها بسرعة، وهو على المجاز دون الحقيقة: مجمع البحرين: ج 5، ص 121، لغة لقف.