الآية 261 - 269

﴿مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضعف لمن يشاء والله وسع عليم (261) الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (262) * قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غنى حليم (263)﴾

مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة: على تقدير مضاف، أي مثل نفقتهم كمثل حبة، أو مثلهم كمثل باذر حبة.

وإسناد الانبات إلى الحبة مجاز، والمعنى أنه يخرج منها ساق ينشعب منها سبع شعب، لكل منها سنبلة فيها ماءة حبة.

وهو تمثيل لا يقتضي وقوعه، وقد يكون في الذرة والدخن وفي البر وفي الأراضي المغلة (1).

والله يضعف: تلك المضاعفة.

لمن يشاء: بفضله، وعلى حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه.

وفي تفسير علي بن إبراهيم، وقال أبو عبد الله عليه السلام: والله يضاعف لمن يشاء لمن أنفق ماله ابتغاء مرضات الله (2).

وفي كتاب ثواب الأعمال: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أحسن العبد المؤمن ضاعف الله له عمله بكل حسنة سبعمائة ضعف، وذلك قول الله تعالى: " والله يضاعف لمن يشاء " (3).

والله وسع: لا يضيق عليه ما يتفضل به.

عليم: بنية المنفق وإخلاصه.

وفي تفسير العياشي: عن المفضل بن محمد الجعفي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله: " حبة أنبتت سبع سنابل " قال: الحبة فاطمة صلى الله عليها، والسبعة السنابل، سبعة من ولدها سابعها قائمهم، قلت: الحسن؟قال: إن الحسن إمام من الله مفترض طاعته، ولكن ليس من السنابل السبعة أولهم الحسين وآخرهم القائم عليهم السلام فقلت: قوله: في كل سنبلة مائة حبة، قال: يولد الرجل منهم في الكوفة ماءة من صلبه وليس ذلك إلا هؤلاء السبعة (4).

الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون: المن أن يعتد بإحسانه على من أحسن إليه، والأذى أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه، و " ثم " للتفاوت بين الانفاق وترك المن والأذى، ولعلة لم يدخل الفاء عليه.

وقد تضمن ما أسند إليه معنى الشرط، إيهاما بأنهم أهل لذلك وإن لم يفعلوا، فكيف بهم إذا فعلوا.

وفي كتاب الخصال: عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله كره لكم أيتها الأمة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنها، إلى قوله: وكره المن في الصدقة (5).

عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثلاثة لا يكلمهم الله، المنان الذي لا يعطي شيئا إلا بمنة، والمسبل إزاره (6) والمنفق سلعته بالحلف الفاجر (7).

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي، العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة الحديث (8).

قول معروف: رد جميل.

ومغفرة: تجاوز عن السائل الحاجة، أو نيل مغفرة من الله بالرد الجميل، أو عفو عن السائل بأن يعذره ويغتفر رده.

خير من صدقة يتبعها أذى: خبر عنهما، والابتداء بالنكرة المخصصة بالصفة.

والله غنى: عن الانفاق بمن وأذى.

﴿يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا - يؤمن - بالله - واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب - فأصابه - وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدى القوم الكافرين (264)﴾

حليم: عن معاجلة من يمن ويؤذي.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتى يفرغ منه، ثم ردوا عليه بوقار، ولين، إما بذل يسير أو رد جميل، فإنه قد يأتيكم من ليس بإنس ولا جان ينظر كيف صنيعكم فيما خولكم الله تعالى، رواه في مجمع البيان (9).

يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والأذى: لا تبطلوا أجرها بكل واحد منهما.

وفي مجمع البيان: روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أسدى إلى مؤمن معروفا، ثم آذاه بالكلام أو من عليه فقد أبطل الله صدقته (10).

وفي تفسير العياشي: عن المفضل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن جعفر بن محمد وأبي جعفر عليهما السلام في قول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " إلى آخر الآية قال: نزلت في عثمان وجرت في معاوية و أتباعهما (11).

وعن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) لمحمد وآل محمد عليه الصلاة والسلام هذا تأويل قال: نزلت في عثمان (12).

كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر: كإبطال المنافق الذي يرائي بإنفاقه ولا يريد به رضا الله ولا ثواب الآخرة، أو مماثلين الذي ينفق رئاء، فالكاف في محل النصب على المصدر، أو الحال، و (رئاء) نصب على المفعول له أو الحال بمعنى مرائيا، أو المصدر أي إنفاق رئاء.

وفي تفسير العياشي: عن أبي عبد الله عليه السلام أنه فلان وفلان وفلان ومعاوية وأشياعهم (13).

فمثله كمثل صفوان: كمثل حجر أملس.

عليه تراب فأصابه وابل: مطر عظيم القطر.

فتركه صلدا: أملس نقيا من التراب.

لا يقدرون على شئ مما كسبوا: لا ينتفعون بما فعلوا رئاء، ولا يجدون ثوابه والضمير للذي ينفق باعتبار المعنى، كقوله: * وإن الذي حانت بفلج دمائهم (14).

﴿ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فاتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير (265) أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهر له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (266)﴾

والله لا يهدى القوم الكافرين: إلى الخير والرشاد.

وفي الآية بناء على ما سبق من الخبر تصريح بكفر فلان وفلان وأشياعهم.

ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله: في تفسير العياشي: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله " قال: علي أمير المؤمنين أفضلهم، وهو ممن ينفق ماله ابتغاء مرضات الله (15).

وتثبيتا من أنفسهم: وتثبيتا بعض أنفسهم على الايمان، فان المال شقيق الروح، فمن بذل ماله لوجه الله ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه ثبتها كلها، أو تصديقا للاسلام، وتحقيقا للجزاء مبتداء من أصل أنفسهم، أو تثبيتا من أنفسهم عن المن والأذى، كما رواه العياشي عن أبي جعفر عليه السلام وقال: أنزلت في علي عليه السلام (16).

كمثل جنة بربوة: أي ومثل نفقة هؤلاء في الزكاة كمثل بستان بموضع مرتفع، فإن شجره يكون أحسن منظرا وأزكى ثمرا.

وقرأ ابن عامر وعاصم (بربوة) بالفتح، وقرئ بالكسر، وثلاثتها لغات فيها (17).

أصابها وابل: مطر عظيم القطر.

فاتت أكلها: ثمرتها، وقرئ بالسكون للتخفيف.

ضعفين: نصب على الحال، أي مضاعفا، والضعف المثل، أي مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل.

وقيل: أربعة أمثاله.

وقيل: مثل الذي كان تثمر، كما أريد بالزوج الواحد في قوله: " من كل زوجين اثنين " (18).

فإن لم يصبها وابل: أي فيصيبها طل، أو فالذي يصيبها.

فطل: أو فطل يكفيها، لكرم منبتها وبرودة هوائها، لارتفاع مكانها.

و " الطل " ما يقع بالليل على الشجر والنبات، والمعنى: إن نفقات هؤلاء زاكية عند الله لا تضيع بحال وإن كانت تتفاوت باعتبار ما ينضم إليها من أحواله.

والله بما تعملون بصير: تحذير عن الريا، وترغيب في الاخلاص.

أيود أحدكم: الهمزة للانكار.

أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهر له فيها من كل الثمرات: جعل الجنة منهما مع ما فيها من ساير الأشجار، تغليبا لهما، لشرفهما وكثرة منافعهما، ثم ذكر إن فيها من كل الثمرات، ليدل على احتوائها على ساير أنواع الأشجار.

قيل: ويجوز أن يكون المراد بالثمرات المنافع.

وأصابه الكبر: أي كبر السن، فان الفاقة في الشيخوخة أصعب.

والواو للحال، أو العطف حملا على المعنى، فكأنه قيل: يود أحدكم أن لو كانت له جنة وأصابه الكبر.

وله ذرية ضعفاء: لا قدرة لهم على الكسب.

فأصابها إعصار: في تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: إعصار فيه نار قال: ريح (19).

فيه نار: صفة إعصار.

فاحترقت: عطف على أصابه، أو تكون باعتبار المعنى.

وفي تفسير العياشي: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الاعصار الرياح فمن أمتن على من تصدق عليه كان كمن كانت له جنة كثيرة الثمار، وهو شيخ ضعيف له أولاد ضعفاء فتجئ نار فتحرق ماله كله (20).

كذلك: أي مثل هذا التبيين.

يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون: فيها فتعتبرون.

﴿يا أيها - الذين - آمنوا - أنفقوا من طيبت ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غنى حميد (267) الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله وسع عليم (268)﴾

يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبت ما كسبتم: من حلاله أو جياده.

وفي الكافي: عن أبي بصير عن أبي عبد الله في قوله تعالى: " أنفقوا من طيبات ما كسبتم " فقال: كان القوم قد كسبوا مكاسب السوء في الجاهلية، فلما أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدقوا بها، فأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا (21).

وفي تفسير العياشي: عن إسحاق بن عمار، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وفيه عذق (22) يسمى الجعرور (23) وعذق يسمى معافارة (24)، كانا عظيم نواهما، رقيق لحاهما، في طعمهما مرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للخارص: لا تخارص عليهم هذين اللونين لعلهم يستحيون لا يأتون بهما، فأنزل الله تبارك و تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " إلى قوله: " تنفقون " (25).

وفي مجمع البيان: وقيل: إنها نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف فيدخلونه في ثمر الصدقة عن علي عليه السلام (26).

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله يقبل الصدقات، ولا يقبل منها إلا الطيب (27).

ومما أخرجنا لكم من الأرض: أي من طيباته، فحذف المضاف لدلالة ما تقدم.

ولا تيمموا الخبيث: ولا تقصدوا الردي.

منه: أي من المال، وقرئ بضم التاء وكسر الميم (28).

تنفقون: حال مقدرة من فاعل (تيمموا) ويجوز أن يتعلق به " منه " ويكون الضمير للخبيث والجملة حالا منه.

وقيل: يجوز أن يكون الضمير لما أخرجنا وتخصيصه بذلك، لان التفاوت فيه أكثر.

وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن داود قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا زنى الرجل، فارقه روح الايمان قال: فقال: هذا مثل قول الله عز وجل " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " ثم قال: غير هذا أبين منه، ذلك قول الله عز وجل: " وأيدهم بروح منه " هو الذي فارقه (29).

ولستم بآخذيه: أي وحالكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم.

إلا أن تغمضوا فيه: إلا أن تتسامحوا فيه، مجاز من أغمض بصره، إذا غضه.

وقرئ من باب التفعيل أي تحملوا على الاغماض، أو توجدوا مغمضين (30).

وفي الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشا، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا أمر بالنخل أن يزكى يجيئ قوم بألوان من التمر، وهو من أردئ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرا، يقال له: الجعرور والمعافارة، قليلة اللحا عظيمة النوى، وكان بعضهم يجيئ بها عن التمر الجيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تخرصوا هاتين التمرتين ولا تجيئوا منهما بشئ وفي ذلك نزل " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " والاغماض أن يأخذ هاتين التمرتين (31).

واعلموا أن الله غنى: عن إنفاقكم، وانما يأمركم به لانتفاعكم.

حميد: بقبوله وإثابته.

الشيطان يعدكم الفقر: في الانفاق.

والوعد في الأصل شايع في الخير والشر.

و قرئ الفقر بالضم والسكون، وبضمتين وفتحتين (32).

ويأمركم بالفحشاء: ويغريكم على البخل.

والعرف يسمى البخيل فاحشا.

وقيل: المعاصي.

والله يعدكم مغفرة منه: أي في الانفاق.

وفضلا: خلقا أفضل ما أنفقتم.

والله وسع: الفضل لمن أنفق وغيره.

﴿يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب (269)﴾

عليم: بالانفاق وغيره.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء " قال: الشيطان يقول: لا تنفق مالك فإنك تفتقر " والله يعدكم مغفرة منه " أي يغفر لكم إن أنفقتم لله، و (فضلا) قال: يخلف عليكم (33).

وفي كتاب علل الشرايع: أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال: حدثنا الحسن بن علي، عن عباس، عن أسباط، عن عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني ربما حزنت فلا أعرف في حال ولا مال ولا ولد، وربما فرحت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد؟فقال: إنه ليس من أحد إلا ومعه ملك وشيطان، فإذا كان فرحه كان دنو الملك منه، وإذا كان حزنه كان دنو الشيطان منه، وذلك قول الله تعالى: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم " (34).

يؤتى الحكمة من يشاء: مفعول أول آخر للاهتمام بالمفعول الثاني.

ومن يؤت الحكمة: بناؤه للمفعول، لأنه المقصود.

وقرأ يعقوب بالكسر، أي ومن يؤته الله (35).

فقد أوتى خيرا كثيرا: والمراد بالحكمة طاعة الله، ومعرفة الاسلام، معرفة الامام التي هي العمدة في كلتا المعرفتين الأولتين.

في محاسن البرقي: عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن الحلبي، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى: " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " فقال: طاعة الله ومعرفة الاسلام (36).

وفي مجمع البيان: ويروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله تبارك وتعالى آتاني القرآن وآتاني الحكمة مثل القرآن، وما من بيت ليس فيه شئ من الحكمة إلا كان خرابا، ألا فتفقهوا وتعلموا ولا تموتوا جهالا (37).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " قال: الخير الكثير معرفة أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام (38).

وفيه خطبة له عليه السلام: وفيها: رأس الحكمة مخافة الله (39).

وفي تفسير العياشي: عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " فقال: إن الحكمة المعرفة والتفقه في الدين، فمن فقه منكم فهو حكيم، وما أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من فقيه (40).

وفي كتاب الخصال: عن الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: كان آخر ما أوصى به الخضر موسى بن عمران عليه السلام أن قال: لا تعيرن أحدا بذنب، إلى قوله: ورأس الحكمة مخافة الله تبارك وتعالى (41).

عن محمد بن أحمد بن أبي نصر قال: قال أبو الحسن عليه السلام: من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت، إن الصمت باب من أبواب الحكمة، وإن الصمت تكسب المحبة، وإنه دليل على كل خير (42).

عن أبي جعفر عليه السلام قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فالتفت إليهم فقال: ما أنتم؟فقالوا: مؤمنون قال: ما حقيقة إيمانكم؟قالوا: الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: علماء حكماء، كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون (43).

وما يذكر: وما يتعظ بما قص من الآيات، أو ما يتفكرون.

فإن المتفكر كالمتذكر لما أودع الله في قلبه من العلوم بالقوة.

إلا أولوا الألباب: ذوو العقول الخالصة عن شوائب الوهم والركون إلى متابعة الهوى.

وفي أصول الكافي: بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: يا هشام إن الله ذكر اولي الألباب بأحسن الذكر وحلاهم بأحسن الحلية فقال: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا اولي الألباب " (44).

علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أيوب بن الحر، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: " ومن يؤت الحكمة فقد اوتى.


1- عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 198، باب 15 ذكر مجلس آخر للرضا عليه السلام عند المأمون في عصمة الأنبياء عليهم السلام، قطعة من حديث 1.

2- عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 171، باب 41، استسقاء المأمون بالرضا عليه السلام وما أراه الله عز وجل من القدرة في الاستجابة له، وفي إهلاك من أنكر دلالته في ذلك، قطعة من حديث 1.

3- النحز: الدق، والمنحاز: الهاون. لسان العرب: ج 5، ص 414.

4- الخصال: ص 264، قول الله عز وجل لإبراهيم: " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك " ح 146.

5- الخصال: ص 64، قول الله عز وجل لإبراهيم: " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك " ح 146.

6- المهراس: بكسر الميم حجر مستطيل ينقر ويدق فيه، وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب فقيل لها المهراس من الحجر (المصباح المنير: ص 876).

7- تفسير العياشي: ج 1، ص 143، ح 473.

8- الخرايج والجرائح: ص 35، الباب السابع في معجزات الإمام جعفر الصادق صلوات الله عليه.

9- قد تصدى أكثر أرباب التفاسير في تفاسيرهم عند وصولهم إلى هذه الآية في هذا التسائل بأنه ما معنى هذا المثل مع العلم بعدم وجوده في الخارج وأجابوا عنه بأجوبة وجيهة أو غير وجيهة ونحن نذكر بعضها على سبيل الاجمال ونذر النظر والحكم إلى القاري الكريم. مجمع البيان: ومتى قيل: هل رأى في سنبلة ماءة حبة حتى يضرب المثل بها، فجوابه أن ذلك متصور و إن لم ير، إلى أن قال: وأيضا فقد رأى ذلك في الجاورس ونحوه. الكشاف: فإن قلت: كيف صح هذا التمثيل والممثل به غير موجود؟قلت: بل هو موجود في الدخن والذرة وغيرهما، وربما فرخت ساق البرة في الأراضي القوية المقلة فيبلغ حبها هذا المبلغ، ولو لم يوجد لكان صحيحا على سبيل الفرض والتقدير. أنوار التنزيل وأسرار التأويل: وهو تمثيل لا يقتضي وقوعه، وقد يكون في الذرة والدخن وفي البر في الأراضي المغلة. التفسير الكبير: للفخر الرازي: فإن قيل: فهل رأيت سنبلة فيها ماءة حبة حتى يضرب المثل بها؟قلنا: الجواب عنه من وجوه. الأول: ان المقصود من الآية انه لو علم انسان يطلب الزيادة والربح أنه إذا بذر حبة واحدة أخرجت له سبعماءة حبة، ما كان ينبغي له ترك ذلك ولا التقصير فيه، فكذلك ينبغي لمن طلب الاجر في الآخرة عند الله أن لا يتركه إذا علم أنه يحصل له على الواحدة عشرة، وماءة، وسبعماءة. وإذا كان هذا المعنى معقولا سواء وجد في الدنيا سنبلة بهذه الصفة أولم يوجد كان المعنى حاصلا مستقيما، وهذا قول القفال ره وهو حسن جدا. والجواب الثاني: إنه شوهد ذلك في سنبلة الجاورس، وهذا الجواب في غاية الركاكة. جامع البيان للطبري: فان قال قائل: وهل رأيت سنبلة فيها ماءة حبة؟أو بلغتك؟فضرب بها مثل المنفق في سبيل الله ماله. قيل: إن يكن ذلك موجودا فهو ذاك، وإلا فجائز أن يكون معناه كمثل سنبلة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة ماءة حبة أن جعل الله ذلك فيها. ويحتمل أن يكون معناه في كل سنبلة مائة حبة، يعني أنها إذا هي بذرت أنبتت مائة حبة، فيكون ما حدث عن البذر الذي كان منها من الماءة حبة مضافا إليها، لأنه كان عينها، وقد تأول ذلك على هذا الوجه بعض أهل التأويل. التبيان للطوسي: فإن قيل: هل رأى في سنبلة مائة حبة حتى يضرب المثل بها؟قيل: عنه ثلاثة أجوبة أولها: أن ذلك متصور فشبه لذلك وإن لم ير، كما قال امرء القيس: * ومسنونة زرق كأنياب أغوال * وقال تعالى: " طلعها كأنه رؤوس الشياطين " الثاني: إنه قد رأى ذلك في سنبل الدخن. الثالث: إن السنبلة تنبت مائة حبة، فقيل فيها على ذلك المعنى، كما يقال: في هذه الحبة حب كثير، والأول هو الوجه. الجامع لاحكام القرآن للقرطبي: ثم قيل: المراد سنبل الدخن فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد قلت: هذا ليس بشئ، فإن سنبل الدخن يجئ في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين وأكثر على ما شاهدناه قال ابن عطية: وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة، فأما في ساير الحبوب فأكثر، ولكن المثال وقع بهذا القدر، ثم أورد ما نقلناه عن الطبري آنفا. تفسير أبي السعود: يشاهد ذلك في الذرة والدخن في الأراضي المغلة، بل أكثر من ذلك. روح البيان للشيخ إسماعيل حقي: كما يشاهد ذلك في الذرة والدخن في الأراضي المغلة، بل أكثر من ذلك. الميزان للعلامة الطباطبائي المعاصر: ومن أسخف الاشكال ما أورد على الآية. إنه تمثيل بما لا تحقق له في الخارج، وهو اشتمال السنبلة على مائة حبة. وفيه أن المثل كما عرفت لا يشترط فيه تحقق مضمونه في الخارج، فالأمثال التخيلية أكثر من أن تعد وتحصى، على أن اشتمال السنبلة على مائة حبة وإنبات الحبة الواحدة سبعمائة حبة ليس بعزيز الوجود هذا ما تيسر عاجلا من أقوال المفسرين في ذلك، والله الهادي إلى الصواب.

10- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 92.

11- ثواب الأعمال: ص 168، ثواب الاحسان.

12- تفسير العياشي: ج 1، ص 147، ح 480.

13- كتاب الخصال: ص 520، أبواب العشرين وما فوقه، النهي عن أربع وعشرين خصلة قطعة من حديث 9.

14- قد تكرر ذكر الاسبال في الحديث كما ورد فيه ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة المسبل إزاره، هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الأرض إذا مشى، وإنما يفعل ذلك كبرا واختيالا النهاية لابن الأثير: ج 2، ص 339، لغة (سبل).

15- الخصال: ص 184، ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل، ح 253.

16- من لا يحضره الفقيه: ج 2، في فضل الصدقة ص 41، ح 34، وتمام الحديث (وإتيان المساجد جنبا والتطلع في الدور والضحك بين القبور).

17- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 375، في بيان المعنى لآية 263 من سورة البقرة.

18- مجمع البيان: ج 1 - 2 - ص 377، في بيان المعنى لآية 264 من سورة البقرة.

19- تفسير العياشي: ج 1، ص 147، ح 482.

20- تفسير العياشي: ج 1، ص 147، ح 483.

21- تفسير العياشي: ج 1، ص 148، ح 484.

22- استشهد به في تفسير التبيان: ج 1، ص 208، وقال في معجم البلدان ج 4، ص 272، في لغة (فلج) ما لفظه (فلج بفتح أوله وسكون ثانيه وآخره جيم إلى أن قال: قال أبو منصور: فلج اسم بلد ومنه قيل لطريق تأخذ من طريق البصرة إلى اليمامة: طريق بطن فلج، وأنشد للأشهب: وان الذي حانت بفلج دمائهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد هم ساعد الدهر الذي يتقى به * وما خير كف لا تنوء بساعد وقال غيره فلج: واد بين البصرة وحمى ضرية من منازل عدي بن جندب إلى آخره. وفي لسان العرب: ج 2، ص 349، في لغة (فلج) بعد نقل الأقوال فيه، قال: قال الأشهب بن رميلة: وإن الذي حانت بفلج إلى آخره ثم قال: قال ابن بري: النحويون يستشهدون بهذا البيت على حذف النون من الذين لضرورة الشعر. وفي جامع الشواهد: ص 302، باب الواو بعده الألف، قال: هو من قصيدة للأشهب بن رميلة النهشلي، وقوله حانت بالحاء المهملة والنون وتاء التأنيث ماض بمعنى هلكت، والمراد منه هنا أنه ذهبت هدرا لم يثار به، وفلج كفلس بالفاء والجيم موضع بين مكة والبصرة، وقوله: هم القوم كل القوم، أي هم الكاملون في الرجولية، والمشهورون فيها، وأم خالد اسم إمرة.

23- تفسير العياشي: ج 1، ص 148، ح 486.

24- تفسير العياشي: ج 1، ص 148، ح 485.

25- قال في تحبير التسيير في قراءات الأئمة العشرة، للمحقق الجزري ص 95، ما لفظه: " عاصم وابن عامر بربوة هنا وفي المؤمنين بفتح الراء والباقون بضمها انتهى " ولم يتعرض للغات الثلاث فيها، وفي مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 377، في الشواذ عن ابن عباس بكسر الراء.

26- سورة المؤمنون: الآية 27.

27- تفسير العياشي: ج 1، ص 148، ح 487.

28- لا يوجد هذه الحديث في تفسير العياشي بل في تفسير علي بن إبراهيم، لاحظ تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 92.

29- الكافي: ج 4، كتاب الزكاة باب النوادر ص 48، ح 10.

30- وهي عنقود التمر والجمع أعذاق كأحمال (مجمع البحرين: ج 5، ص 212، لغة " عذق ").

31- وفي حديث الزكاة: تترك معافارة وأم جعرور للمارين أو للحارس والطيور: معافاره وأم جعرور ضربان رديان من أردئ التمر (مجمع البحرين: ج 3، ص 409، لغة " عفر ") وفي النهاية لابن الأثير: ج 1، ص 276، لغة (جعر) وفيه انه نهى عن لونين من التمر الجعرور ولون حبيق، الجعرور: ضرب من الدقل يحمل رطبا صغارا لا خير فيه.

32- تقدم آنفا تحت رقم 3.

33- تفسير العياشي: ج 1، ص 150، الحديث 493.

34- مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 380، في نقل شأن النزول لآية 267 من سورة البقرة.

35- تفسير نور الثقلين: ج 1، ص 286، تحت الرقم 1125.

36- قرأ ابن عباس: ولا تيمموا بضم التاء. الكشاف: ج 1، ص 314، في تفسير لقوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه).

37- الكافي: ج 2، ص 284، كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر، ح 17، وقريب منه الحديث 11 في تلك الباب.

38- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 139.

39- الكافي: ج 4، ص 48، كتاب الزكاة، باب النوادر، ح 9.

40- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 140.

41- تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 92.

42- علل الشرايع: ج 1، ص 87، باب 84، العلة التي من أجلها، يغتم الانسان ويحزن من غير سبب ويفرح ويسر من غير سبب، ح 1.

43- أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 140.

44- المحاسن: ص 148، كتاب الصفوة والنور والرحمة من المحاسن 19 باب المعرفة ح 60.